صنعاء نيوز/احمد صالح الفقيه -
البلاط السعودي
إن الأموال التي تنفق على بلاط أمراء الدرعية وأسرة محمد بن عبدالوهاب تشكل واحدا من أبواب الصرف الرئيسية . فقد تجمعت كملكية شخصية للسعوديين ثروات بشكل أراض في الواحات وماشية وأحجار كريمة ومجوهرات وأموال أخرى . وكتب ابن بشر يقول أن ثلث الضرائب المستحصلة في منطقة الإحساء ينفق على بلاط السعوديين وأسرة ابن عبدالوهاب والحاشية . إنعوائل الوجهاء العرب عموما كبيرة للغاية . فالأموال الكثيرة تمكن أبناء الوجهاء من التزوج من أربع نساء على الأقل كما ينص القرآن ، بالإضافة إلى الجواري . وإن التغذية الجيدة والظروف الصحية الأفضل بعض الشيء مما لدى باقي السكان تقلل من وفيات الإطفال في العوائل اموسرة . وكانت عائلة السعوديين كبيرة جدا (الأمير وإخوانه وأولاده وأعمامه وأبناء عمومته وأبناؤهم) . ويقول بوركهاردت أنه كان لدى سعود عدة زوجات ووصايف حبشيات .
إن أمراء الدرعية بعد أن انضووا تحت لواء الوهابية التي باركت سلطتهم والتي تدعو إلى البساطة والاعتدال صاروا يعيشون بقدر كبير من البذخ والفخفخة بالنسبة للجزيرة العربية . وأشار كورانسيز إلى (أن سعود ذاق طعم الترف وكان لابد من أن يتأثر به) . ويضيف المؤرخ الفرنسي قائلا : (ذلك هو طريق جميع الطوائف التي تبدأ بالبساطة والتقشف لتجتذب الجماهير وتنتهي بالترف للزعماء) .
ونقرأ في (لمع الشهاب) عن سعود مايلي : ( وكان تحته أربع نسوة بالعقد وست جوار من القرج أرسل بعض الناس خفية إلى أطراف بلاد الروم فاشتروهن له بقيمة كبيرة قبل كل واحدة اشتراها بثلاثة آلاف ريال أو أكثر لأنهن متناهيات في حسن الصورة وأيضا له عشر وصايف حبشيات بعضهن أهداه له الشريف حمود أبو مسمار صاحب أبي عريش وتهامة اليمن وبعضهن أتوه به القواسم أهل رأس الخيمة من ما اكتسب من الغنايم وقد غير بنيان البيت الذي كان لأبيه عبدالعزيز فوسع عرصته وبنى غرفا وخلوات وعين لكل امرأة موضعا خاصا هي وخدمها ... وأما لباس نسائه فكان أطيب لباس وغالبه من الحرير الهندي المصنوع بالذهب أحمر أو أصفر أو أخضر وغير ذلك من الألوان وكذلك يلبس من بز الشام الحرير العال المطرز بالذهب ... وقد جملهن من الحلى شيءا عظيما من الذهب المرصع بالجواهر النفيسة من الياقوت الأحمر وغيره كثيرا ...وكان يرسل بعض الناس إلى ملك فارس فيشترون له ذلك ... وكان سعود يترف في المأكول كما يترف في الملبوس وغالب قوته وقوت عياله الرز وصار أكل الحنطة لديهم قليلا واتخذ له أناساس من أهل الإحساء أو القطيف يصنعون له الأطعمة الحسنة من اللحوم المقلية والطيور المحشية والحلويات ...) .
وكتب رايمون (إن سعود يحب إبداء كل مظاهر الفخفخة . وكل شيء في قصره يدل على لاعظمة والبذخ ولايرفض أي شيء من أجل تزيين القصر . ولايبخلون بالذهب واللؤلؤ وأغلى الأقمشة الهندية من أجل جعله أكثر روعة . ويقال أن عباءة سعود بديعة الصنع للغاية وقد كلفته ما لايقل عن 60 ألف بيزة) . في أقوال رايمون مبالغة. ولكن من الواضح أن أمراء الدرعية في تلك الأزمان الغابرة لم يبخلوا على أنفسهم بالترف الذي يتمكنون عليه . وإلى جانب الماشية والأراضي والأحجار الكريمة والسلاح المزين بالنفائس والقصور والقلاع كانوا يمتلكون كذلك الخيول الأصيلة التي يعتز بها وجهاء الجزيرة كل الاعتزاز . ومن المعروف أن سعود بن عبدالعزيز أنفق أموالا طائلة على رعاية تلك الخيول . وبلغ عدد الخيول الأصيلة في قطعانه 2.5 ألف رأس . وخصص منها 600 حصان لأشجع البدو والمماليك . وكان لدى كل من أبناء سعود 100-150 حصانا ، وكان عند ولي العهد عبدالله 300 . كان أمراء الدرعية يستولون على الخيول في الغزوات ويستلمونها بشكل هدايا وزكاة وغرامات ، ولايتورعون حتى عن ابتزازها . كتب بوركهاردت يقول (الأعراب يتشكون من أنه عندما يمتلك أحد ما حصانا جيدا فإن سعود يجد ضده تهمة مابخرق القانون أن بسوء السلوك لكي يبرر مصادرة ذلك الحصان) .
وكانت أموال كبيرة تنفق على الضيافة التقليدية . ففي كل يوم يحل على سعود بضع مئات من الضيوف . وكان سعود يخصص للضيوف سنويا 500 صاع من الرز والقمح . (يتراوح الصاع في الجزيرة العربية ما بين لتر واحد ولترين ونصف) . وخلال يومين من ولائم زفاف أحد أبناء سعود التهم الضيوف 140 ناقة و1300 خروف . إن ضيوف سعود الكثيرين لم يكونوا من الفقراء عادة . وكان سخاء الأمير يعم الموسرين في الغالب . ثم إن الغذاء المقدم للضيوف يختلف . فالوجهاء يقدم لهم اللحم والرز ، والأقل منهم جاها يقدم لهم التمر والبرغل . وكان سعود بمتلك عددا كبيرا من العبيد . كتب ابن بشر يقول : (ومماليكه الذكور أكثر من خمسمائة مملوك وقال غيره : ستمائة الذكور وقال آخر أن مماليكه ألف الذكور أكثر من خمسمائة ومائتان الإناث والذي يظهر من القصر آخر رمضان ألف وثلاثمائة فطرة عن خدمه وعبيده ومافي قصره من الأيتام) . وكان عبيد الأمير يتمتعون بالامتيازات بالمقارنة مع مجموع سكان الجزيرة الفقراء شبه الجياع . وكانوا يشكلون حرس البلاد وحاشية شخصية للأمير . وقد ارتقى بعضهم إلى مناصب عليا في الدولة . فإن المملوك الخرق صار قائدا للقوات الوهابية في المعارك . وقد تم انعتاق الكثيرين من العبيد .
إن كل هذه العوامل الاقتصادية والسياسية والسيكولوجية قد أثارت في الحجاز جو العداء والحقد على الوهابيين الذين كانت مكانتهم وسلطتهم تستندان إلى القوة العسكرية فقط . وكان بوسع أي دافع خارجي قوي أني يزدي إلى بدء عملية تحلل الدولة السعودية الأولى ، في حين أن التناقضات التي كانت تفتتها من الداخل ببطء قد اكتسبت طابعا تدميريا .
لم تغير الوهابية النظام الاجتماعي في الجزيرة العربية مع أن فئة الوجهاء والأعيان في إمارة الدرعية التاسعة قد برزت من بين سواد السكان وكان نشاطها الاستغلالي منظما بعض الشيء . إن استئثار الوجهاء الحاكمين بالثروات عن طريق النهب والجزية ومصادرة الأموال وفرض الضرائب واستلام بدلات الإيجار قد اتسع ولكنه لم يكن يختلف من حيث الجوهر عن الممارسات السابقة .
النهب في الغزوات والغرامات الحربية كانت حملات الوهابيين تحت راية تجديد الدين تستهدف تحقيق مهمات دنيوية بحتة تتلخص في زيادة ثروات حكام الدرعية ووجهاء الجزيرة المرتبطين بها (وجهاء نجد بالدرجة الأولى) . ويدل ما كتبه مؤرخو الجزيرة والرحالة الأوروبيون على أن الغزو ظل هو الطريق الرئيسي لحصول الوجهاء والأعيان على الثروة . وكتب المؤرخ الوهابي ابن بشر يقول ، بعد أن عدد الضرائب التي وردت إلى الدرعية : (وما ينقل إليها من الأخماس والغنائم أضعاف ذلك) . ويعقتد بوركهاردت كذلك أن الأخماس تحتل المرتبة الأولى بين عائدات حاكم الدرعية . كانت غزوات الوهابيين الأولى تنتهي بالاستيلاء على بضع عشرات من الإبل والأغنام ونهب الحقول أو بساتين النخيل ، أما في سنوات أوج قوتهم فقد كانت غنائمهم تبلغ عشرات الآلاف من رؤوس الماشية المنهوبة . وفي عام 1796 بعد دحر قوات شريف مكة وقع في أيدي الوهابيين 30 ألفا من الإبل و200 ألف من الأغنام والماعز .
ويقول ابن بشر أنه عندما تم في عام 1790-1791 دحر قبائل مطير وشمر حصل الوهابيون على (غنائم كثيرة من الإبل والغنم والأثاث والأمتعة) . وسرعان ماتعرض سائر البدو لمثل هذا المصير . فقد كان الوهابيون يطاردونهم يومين أو ثلاثة (ويأخذون منهم الأموال ويقتلون الرجال) . إن المصنفات التاريخية العربية غاصة بوقائع من هذا النوع .
وكما هو حال الغزوات البدوية كان النهب الوهابي يسفر عن تجريد القبائل المستضعفة ليس فقط من المنتوج الزائد ، بل وكذلك من قسم كبير من المنتوج الضروري ، وغالبا ما يحكم على السواد الأعظم من السكان المنهوبين بالموت جوعا . ولم يقتصر النهب على البسطاء من أبناء القبائل أو سكان المدن ، فقد تعرض للنهب الوجهاء والأعيان أيضا . إلا أن هؤلاء لايندر أن يعوضوا عن خسائرهم على حساب بسطاء البدو أو الفلاحين . وكان الوهابيون المنتصرون يرأفون عادة بحال الوجهاء ، ويفضلون إقامة علاقات طيبة معهم . وكان الوجهاء المغلوبون يفقدون استقلاليتهم السابقة ، ولكنهم يصبحون جزءا من الطبقة الحاكمة في الدولة السعودية .
ويدل كبر حصة غنائم الحرب في مداخيل الدولة الوهابية على طابعها الحربي التوسعي . فقد تعرضت للنهب القبائل والمدن والواحات والمناطق غير المنضمة إليها أو التي حاولت التخلص من سلطة أمراء الدرعية ، وكانت الحروب والغزوات والنهب والتوسع المتواصل من أهم شروط وجود الدولة السعودية . وكان مستوى تطور القوى المنتجة في الجزيرة العربية لا يزال عاجزا عن تمكين الوجهاء والأعيان الوهابيين من الاستئثار بمنتوج عمل السكان بواسطة الأنواع الأكثر تنظيما من الاستغلال بنفس المقادير التي يؤمنها النهب السافر . وبغية الحفاظ على مداخيل الطبقة الحاكمة تعين على إمارة الدرعية أن تتوسع بلا انقطاع . وفي حالة توقف التوسع لن يتمكن الوجهاء الحضر ، وخصوصا وجهاء البدو ، من استلام المداخيل التي تعودوا على استلامها من السكان الخاضعين لهم . وفي تلك الحالة تنتفي دوافع توحيد الوجهاء والأعيان في إطار دولة موحدة . وفي ذلك يكمن التناقض الداخلي الرئيسي للدولة الوهابية الأولى التي كانت تحمل في أحشائها منذ لحظة ظهورها جنين هلاكها وسقوطها .
وكان المصدر الآخر لإثراء الطبقة الحاكمة هو الغرامات ، وهي عبارة عن جزئية نقدية أو عينية تفرض على القبائل أو الواحات الخاضعة للوهابيين أو المنضمة إليهم . وكانت الغرامات تفرض مرة واحدة ، ولكن تسديدها قد يستمر عدة سنوات فيكتسب شكل الجزية أو الضريبة المتواصلة . ففي عام 1787-1788 فرضت على أهالي واحات وادي الدواسر الذين أخضعهم الوهابيون غرامات بمبلغ ألفي ريال كان يجب تسديد ألف منها فورا . وبعد أن منى أمير الإحساء عريعر بالهزيمة في هجومه على الوهابيين تهيأ أمير الدرعية للتنكيل بحلفائه الذين انتقلوا إلى صف الإحسائيين . وطلبت منه واحات المحمل وثادق أن يعفو عنها ، فعفا عنها ، ولكنه فرض عليها ، كعقوبة ، غرامات (من ثمر الزرع والتمر) .
وفي عام 1767-1768 انضم إلى الوهابيين سكان الوشم وسدير و(بايعوا على دين الله ورسوله والسمع والطاعة) . والتزموا بأن يدفعوا إلى الدرعية غرامات نقدية وعينية . وعندما أخضع أمير الدرعية سكان الحوطة والحريق واليمامة والسلمية وقسم من الخرج فرض عليهم جزية (بما شاء من النقود) .
وفرض الوهابيون غرامات بشكل نقود وأسلحة وأفضل الخيول مع عدتها على قبائل البدو المجاورة لمكة .
الاستيلاء على الملكية العقارية
لم يورد المؤرخون الوهابيون عن انتزاع الأراضي من الفلاحين وتحويلهم إلى مستأجرين إلا أنباء متفرقة وشحيحة . عندما احتل عبدالعزيز الرياض (ملك بيوتها ونخيلها إلا قليلها) . ويبدو أن مساكن أهل الرياض غدت ملكا لأمير الدرعية . ولكن ماذا يستفيد من هذه الملكية إذا كان الكثير من سكان الرياض قد هربوا؟ وهل يستطيع الأمير أن يؤجر تلك الدور؟ لعل أمير الدرعية قد باع في أغلب الظن الأدوات المنزلية المنهوبة وليس واضحا كذلك كيف جرى التصرف بالنخيل . فمن الذي صار يسهر عليها ؟ وما الذي يعنيه المؤرخ بقوله (إلا قليلها ؟) ربما كانت هذه النخيل ملكا لأنصار الوهابيين من أهالي الرياض أو أن عبدالعزيز وزعها على المقربين إليه .
ونجد معلومات أكثر تحديدا عن بساتين النخيل في الخرمة . فقد احتل الوهابيون الواحة ووافق سكانها على إحالة النخيل إلى بيت المال . أما باقي المزروعات المغروسة بين النخيل أو في الحقول الخالية من النخيل فلا نعرف عنها شيءا . (وبالمناسبة فإن شروط هذا الاتفاق لم تنفذ . فقد اعتبرها عبدالعزيز سهلة جدا ، ولذا أمر بتدمير أسوار الواحة وتهديم قسم من الدور وطرد جماعة من السكان) .
وفي معرض الحديث عن مداخيل الدولة السعودية أشار بوركهاردت إلى أن بيت المال (الخزينة) يقسم إلى قسمين أحدهما للإمام والآخر للدولة . (ويتسلم زعيم الوهابيين القسم الأكبر من مداخيله من عائدات أملاكه الخاصة . وقد جرت العادة على أن ينهب إحدى مناطقه أو مدنه إذا كانت قد تمردت لأول مرة . وإذا تكرر التمرد لايكتفي بالنهب ، بل يصادر كل أراضي السكان ويحيلها إلى بيت المال . ثم يهدي قسما منها إلى الغير ، ولكنه يترك القسم الأكبر لأصحابها السابقين الذين يتحولون إلى مستأجرين ويجب عليهم أن يدفعوا له تبعا للظروف ثلث المحصول أو نصفه . إن ملكية الأشخاص الذين شاركوا أنشط مشاركة في التمرد تحال إلى غيرهم . أما هم أنفسهم فيطردون أو يقتلون ... وفي الوقت الحاضر يعود القسم الأكبر من الملكية العقارية في نجد إلى بيت المال أي خزينة الدولة . وإن ملكية كل الأراضي في القصيم التي كان سكانها يتمردون دوما قد تركت لهم على سبيل الإيجار . والكثير من القرى في الحجاز وفي الجبال الواقعة على جانب اليمن يعود إلى بيت المال أيضا) .
إن نظام استغلال السكان الخاضعين الذين يتحدث عنهم المقتطف أعلاه يبدو على العموم ناجزا وكاملا ، مع أن الكثير من جوانبه يبقى غامضا ، ومن ذلك ، مثلا ، مسألة ما إذا كان بدل الإيجار يرد إلى بيت المال أو يوضع تحت تصرف أمير الدرعية شخصيا . ومن يقصد بوركهاردت بكلمة (الغير) هل يقصد الفلاحين الذين استقروا في المناطق التي استولى عليها الوهابيون أم يقصد ملاكا جددا يستأجر الملاك السابقون الأراضي منهم ؟ سؤال تصعب الإجابة عليه .
وعلى مسرح الأحداث في نجد ظهر الإحسائيون من جديد في أواخر الخمسينات ، وقد قادهم خلال بضع سنين حتى ذلك الحين زعيم نشيط هو عريمر بن دجين . فقد قاموا بحملة على وسط الجزيرة ، ولكنهم لم يوفقوا فيها . وانتقلت المبادرة مرة أخرى إلى الدرعية . وفي أواخر عام 1764 قام زعيم القبائل البدوية في منطقة نجران الحسن بن هبة الله بحملة على الدرعية . ودحر قوات عبدالعزيز عن آخرها ، حيث كبدها حوالي 500 قتيل و 200 أسير . وأبدى محمد بن عبدالوهاب دهاءا دبلوماسيا كبيرا فسارع لعقد الصلح على أساس دفع تعويضات الحرب وتبادل الأسرى . وانسحب النجرانيون دون أن ينتظروا وصول عريعر من الإحساء . ووصلت قوات عريعر المسلحة بالمدافع إلى ضواحي الدرعية في بداية عام 1765 . وانضم إليها الكثير من النجديين ، بمن فيهم دهام أمير الرياض وزيد بن زامل أمير الخرج . إلا أن حصار الدرعية أخفق . وفي ذلك العام توفي محمد بن سعود . وخلقه عبدالعزيز . ويشير ابن غنام وابن بشر إلى أن عبدالعزيز لم يكن ولي العرش فقط ، بل كان إماما للوهابيين .
وبعد الهزة التي نجمت عن الهزيمة أمام النجرانيين وغزو الإحسائيين تماثلت إمارة السعوديين للشفاء بسرعة . واستمر توسعها بوتائر متسارعة ، وفي أواخر الستينات أخضع الوهابيون كليا الوشم وسدير وهاجموا واحة الزلفى الواقعة شمال شرقي مقاطعة القصيم النجدية الغنية وشنوا حملات ناجحة على البدو جنوبي وشرقي نجد . وخضعت مفارز من قبائل سبيع والظفير للوهابيين . وفي عام 1769-1770 أقسم القسم الأكبر من القصيم يمين الولاء للوهابية والسعوديين .
وفي هذه الظروف غدا وضع الرياض المطرقة من جميع الجهات باتباع أو حلفاء الوهابيين ميئوسا منه . وفي إحدى المناوشات قتل الدرعيون اثنين من أبناء دهام . وتدهورت معنويات أمير الرياض العجوز . وعندما وصل الوهابيون في صيف 1773 إلى الرياض رأوا أن المدينة خالية من سكانها . وفر أمير الرياض مع عائلته . وحذت حذوه أغلبية السكان الذين كانوا يخشون ، وليس بدون حق ، من ثأر خصومهم القدامى . وهلك كثير من سكان الرياض في الطريق بسبب الحر والعطش ، كما سقط الكثيرون بسيوف الوهابيين . وانتهى الصراع من أجل السيطرة في وسط نجد بعد أن استغرق حوالي ربع قرن . ولكنه لم يخرج عن نطاق النزاع القبلي . وتفيد حسابات المؤرخين التي هي ربما أقل مما في الواقع أن عدد القتلى بلغ 4-5 آلاف شخص يشكل اتباع دهام أكثر من نصفهم . ويمكن أن نوافق على رأي فيلبي الذي كتب يقول : (حتى ذلك الحين كان عبدالعزيز يتربع منذ ثماني سنوات على عرش الدرعية التي كانت أكبر شأنا بقليل من سائر (primus inter pares) الدويلات العديدة في الجزيرة العربية . إلا أن الوهابيين حصلوا على قاعدة متينة لمواصلة توسيع دولتهم .
كانت سلطة السعوديين قائمة ليس فقط على قوة السلاح . فكل واحة تضم إلى الدولة يصلها من الدرعية علماء وهابيون يدعون إلى التوحيد الحقيقي . وأخذ قسم من سكان نجد يعتبر الدرعية ليس مجرد عاصمة لإمارة قوية بل ومركزا روحيا ، ويعتبر حكام الدرعية ليس مجرد أمراء أقوياء بل ومناضلين في سبيل نقاوة الدين . ولا يغيبنعن البال أن العلمءا وأنصار الوهابيين في الإمارات المعادية للدرعية كانوا يفتتون المقاومة من الداخل .
وعلى العموم تمكن السعوديون بصعوبة كبيرة ، رغم الجهود الهائلة ، من قهر مقاومة الأمراء المستقلين . وكان واضحا أثر قوى التجزئة واللامركزية والفوضى القبلية . ولذا تعين مرور عشرة أو إثنى عشر عاما على سقوط الرياض لتقع نجد كلها تحت سيطرة الدرعية .
وقبل ذلك بقليل بعث عبدالعزيز إلى عمان نسخة من مؤلف لمحمد بن عبدالوهاب ، وطالب بتبني المذهب الوهابي والخضوع لسلطة الدرعية . وفهم العمانيون ، وأغلبهم من الإباضية ، مضمون الكتاب بشكل فريد . فقد كتب المؤرخ العماني ابن رزيق ما معناه أن هذا الكتاب يحلل قتل جميع المسلمين غير المثقفين مع محمد بن عبدالوهاب والاستيلاء على أملاكهم واستعباد أبنائهم واستحلال نسائهم دون موافقة أزواجهم . ورفض الإباضية مطالب الوهابيين.
(المادة من موسوعة ويكيبيديا)