صنعاء نيوز/بقلم / علي بن محمد بابطين -
أكرمني الصديق الحضرمي جدا الأستاذ صالح باسويد بإعارتي كتاب اللواء خالد باراس (أيها الماضي وداعا) ، وكنت شغوفا في قراءتي له ، منعني نومي ،وبت أطالع صفحاته التي تجاوزت الخمسمائة .
وكم كان محزنا ما رواه اللواء باراس عن طفولته الصعبة في وادي حجر ، حجر الزبينة التي قُدِّر لأهلها أن يدفعوا ثمن بطولات قبائلهم في وجه السلطنة القعيطية ، والتي عاقبت الإقليم عقودا بعد حرب حوته المجيدة التي كلفت القعيطي الكثير من المال والرجال .
وظلت حجر تدفع هذا الثمن الغالي ، والذي أشار إليه اللواء باراس ، والذي خلَّف في نفس هذا الجندي القادم من حجر غصة في حلقه لم يستطع نسيانها .
وليس مقصدنا أن نستعرض هذا الكتاب – وهو يستحق ذلك – لكننا نقف أمام شهادة تاريخية حقيقية عن عصر مفصلي في تاريخ حضرموت ،حيث استطاعت ثلة من الشباب الحضرمي المتحمس أن تسقط السلطنة القعيطية ، بتخاذل واضح من العسكرية البريطانية ، لكنها – للأسف – دفعت بحضرموت نحو المجهول الذي ظهرت آثاره بعد سنوات طويلة ، خلافا لما أراد أهل حضرموت الطيبين .
يقول اللواء باراس في كتابه "إلا أننا لا زلنا نواجه تلك المعضلة الصعبة المتعلقة بإقناع الناس بأن حضرموت جزء من اليمن وأنهم أي الحضارم يمنيون ، وحتى اعتبار حضرموت جزء من جنوب اليمن ليست مسألة محسومة " ص121 وقال " هنا أتحدث عن الرأي العام وليس عما تقول به النخبة من المثقفين وخاصة أولئك الذين لهم انتماءات حزبية قومية وهم قليلي العدد " ص122 .
وقد تجنب اللواء باراس كما يعترف عند استقباله في حجر في دار المقدم بارجاش بعد السمعة التي نالها من سجنه لأيام في سجن القعيطي ، واستقباله كبطل ثائر ، تجنب الحديث عن جنوب اليمن وإنما عن الثورة في حضرموت لأنه علِم أنهم لا يقبلون ذلك " ص139
ونحن بعد خمسين عاما من هذه الشهادة التاريخية الخطيرة من عضو مؤسس لفرع الجبهة القومية بحضرموت ، في حاجة للتأكيد على أن المعضلة التي ذكرها اللواء باراس لازالت قائمة ، وإن كانت الناس قد كرهت الانتساب لليمن بسبب الوحدة الكارثية ، إلا أنها لن تقبل الانتساب من جديد ليمن جنوبي أو لأي هوية غير هويتهم التاريخية الحضرمية ، ولا للعودة إلى أدبيات ولدت تحت عباءتها الوحدة اليمنية .
إن الوحدة اليمنية لم تكن خطيئة رجل ضاقت به السُبل فرمى بنفسه وبدولته نحو أحضان صنعاء ، إنها قطعا لم تكن كذلك ، إنها خطيئة أدبيات تؤمن بيمن واحد ، وتنازل مشبوه عن هويةٍ متجذرة في وجدان أبنائها ،وإن كانت عدن وما جاورها هي فعلا يمن جنوبي ولا مناص لها من الإقرار بهذه الهوية اليمنية التاريخية ، وإن كان يحق لها التنكر لنظام سياسي يمني فاسد ، إلا أن حضرموت ليست كذلك ، إنها هوية مستقلة واسم مستقل ، ويجب أن يؤمن الإنسان الحضرمي أن القرار بيده ، وليس من العدل أن يظل الاختيار بين أمرين أحلاهما مُرٌ ، إما وحدة كارثية وإما نظام سابق مريض لم يترك لأهله ماضيا ولا مستقبلا .
وليت اللواء باراس استمع مبكراً لصديقة عبدالرحمن سقاف عندما قال له : " حتى عدن والمحميات مالنا ومالهم يا باراس ، ويكفي حرروا حضرموت أنت وأصحابك " ص108 ، لأنه حينذاك لم يكن ليشارك في الخطيئة التي استمرت لربع قرن ، ليقفز بعدها وأصحابه من العربة المحترقة ليركبوا عربة تبين أنها أكثر جنوحا وجنونا وبُعدا عن الآمال الموعدة لشعبٍ حضرمي صابر .
وإن كنت أجد العذر للواء باراس والآلاف من الشباب الحضرمي إبان تلك الحقبة لكونهم بين مطرقة صوت العرب الكاذبة وسندان الأحلام القومية الزائفة ، فإنني لا أجد العذر للشباب الحضرمي في الوقت الحاضر بعد أن تبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر .
وعاشت حضرموت مستقلة مستقرة .