صنعاء نيوز -
.كنت أشعر بأن رأسي ثقيل كالحجر و لساني داخل جوفي بارد و ثقيل كالحديد. يصل إلي رائحة محاليل كيميائية.
باختصار أنا أصبت بجلطة!!
في زمن زادت فيه الجلطات بين أهل اليمن.. كالوباء المعدي. في زمن انتشرت فيه الحفر في الشوارع المعبدة في اليمن.كل حفرة تشير بأصبع الاتهام إلى سارقين أو ثلاثة تسببوا فيها. نركب السيارات و نتحرك فوق الشوارع المعبدة فيراودنا شعور من يركب عربه يجرها حمار عجوز فوق أرض وعرة.
في زمن ساد فيه الظلام و سيطر علي عواميد النور في شوارع اليمن و علي أضواء المساكن التي نأوي إليها في ربوع اليمن.
في زمن غلب فيه الجهل العلم هزيمة نكراء في مدارس و جامعات اليمن.المعلمين و المعلمات و الدكاترة و الدكتورات أغلبهم ما عاد بداخلهم قوى لحمل رسالة التدريس. لأنهم مرهقين يبحثون بإعياء عن المأكل و السكن و الاطمئنان للمستقبل.فانتشر الجهلاء، المتخلفين، التافهين في كل جهة من جهات اليمن.
في زمن أرتفع فيه عدد البنات الصغيرات اللواتي يبعن اللبان ظاهرا و حقيقة هي أجسادهن التي ُتباع لمن يملك المال من أهل اليمن أو لمن هم ليسوا من أهل اليمن. لعن الله الفقر علم مهنة بيع الجسد لتوفير المال...و هي بئس المهن.
أصبت بجلطة و غيري كثيرون من شدة ضغوط لا خلاص منها.هموم لا شفاء منها.احتياجات لا إشباع لها.فنحن و لا فخر من أستقبل بصدره العاري رماح المحن.
كنت أسمع من حولي،أصوات أعرفها و لا أذكر أسماء أصحابها. واحده تبكي بحرقة و تنشج نشيجا. لعلها زوجتي فمنذ تزوجتها و هي تبكي. ليس لأنني زوجا سيئا لا سمح الله لكن لأن الزمن الذي تزوجنا فيه كان الأسوأ. كانت تبكي لخلو البيت من المأكل الذي كنا نتمناه لأنفسنا و لأولادنا. عبثا حاولت إقناعها أن تنسي الأمر و تحمد الله أننا أصحاء... و أضرب لها الأمثال بالأثرياء اللذين تزدحم طاولاتهم بما لذ و طاب من أصناف المأكولات غير أنهم لا يستطيعون تذوق و لو صنف منها لأنهم مرضي و ممنوعون من أكلها. تهتف هي،"هم مرضي!!! و نحن لماذا لا نأكل و نحن لسنا مرضي؟!"
كانت لا تعي ما أقول أو لعلي كنت أقول ما لا ُيعي!!. مرارا قلت لها بأن الحيتان العملاقة لا تترك للأسماك الصغيرة إلا شئ واحد،إما الجوع أو المرض! كانت لا تعي ما أقول ربما لحقيقة كونها باستمرار جائعة...و كنت أنا كذلك إلا أنني كان لدي هم آخر.
كان همي أنا مختلف و أرجح أن يكون السبب في جلطتي. كان همي هو تلك الأسئلة اللعينة التي كانت تصوب رصاصها صوبي من كل الجهات. فألقي بنفسي في دواماتها. تظل هي تدور و أدوخ أنا بين حلقاتها.
كنت اسأل نفسي :إذا مرضنا و لجأنا إلى طبيب لماذا نجده غريم و العلاج سببا للوفاة؟ لماذا؟
كنت أسأل نفسي: لماذا إذا درسنا و تخرجنا من المدارس و الجامعات يجدنا آخرين ممن درسوا دراسة قوية في بلدان آخري بطبيعة الحال، نكتب أخطاء إملائية مخزية لا يكتبها طفل في صف رابع أو ثالث؟
لماذا إذا وفرنا المال لنشتري شئ ما و بالتقسيط وجدنا منذ أول وهلة بأن ما اشتريناه مزور ،معطل أو مكسور؟لماذا إذا استأجرنا سكن لنبدأ حياتنا سرعان ما يصبح مالك العقار عدو و الإيجار عذاب يؤرقنا ليلا نهارا.لماذا إذا أكلنا خفنا مدي تلوث الخضروات بالمبيدات المسرطنة ، و إذا حققنا حلم بتناول الغداء في مطعم خشينا أن تكون لحم حمير أو خفنا من التسمم الغذائي.
لماذا أمست أمانينا نكات نستذكرها كمن يسترجع مهزلة ليس إلا..و باتت أبعد من القمر عن اليد. لماذا امانينا تعرج و ُتكسح و اللصوص لا تبتر لهم يد؟!! لماذا نحن شعب صابر منذ الأزل؟لماذا لا نصادف و لو في زقاق بصيص أمل؟ لماذا نحن نسامح و نسكت... و اللصوص تحفر المسابح و تمتلك بلا حياء الفلل!! لماذا نهشم المثقفين بمعول و نفتح للصوص الكلاب كل السبل؟ أريد أن أعرف قبل أن أموت الجواب..من الطبيب الماهر القادر علي تشخيص ما فينا من غريب العلل؟؟
كنت أنا في غيبوبتي تلك لا أري لكن أسمع كل من حولي. ممممـ... هل أنا مرتاح لمرضي هذا و لاحتمال موتي؟والله إن الجواب نعم! زوجتي أسمعها تبكيني... ابني يصيح،"لم يشتري لي الحقيبة المدرسية ، المخادع!" ابني لا يذكرني بخير برغم أنني أحتضر! ابنتي تقول وسط دموعها،" كان يشتري البصل و الطماط ثم يجن حين ينتهي البصل و الطماط و كأنه كان يشتريه لتحنيطه!" إنها ابنتي لكنها و يا للعجب لا تذكر محاسني. أم تري الفقر لا يترك للمرء محاسن؟ لا زلت أذكر حين طلبت مني ثوبا ففجرت في البيت زوبعة من الهستريا و صرخت ،"أنتم لا تدركون شح الحال! اتركوني و شأني!" هربوا كلهم مني في شتي الاتجاهات. يا ابنتي سامحيني فانا لا املك سوي هذا الدماغ الذي تصدع!أين قوة التحمل؟ أين الصبر؟ ليته يرجع! سامحوني يا أسرتي فردا فرداً فانا لم يكن يجب أن أعول أحد..و أنا فشلت في الإنفاق علي نفسي.لم أستطع أن أعول أحد!! فانا يمني..و اليمني محتاج منذ الأزل و حاجته كما يبدو ستستمر إلي الأبد.
فجاءه ..... فجاءه.... رأيت عزرائيل أمامي.
يا الله انه الملك الذي يقبض الأرواح. طالما تخيلت لأي سبب و في أي وضعية سوف يأتي؟
عزرائيل..ابتسمت له. ما أحلاك من خلاص،أنت فعلا طوق نجاه. فقد باتت أيامنا مصارعه أمواج بحر غاضب و ما عادت ُتسمي حياه.
سألته: "جئت لتقبض روحي؟" هز رأسه بالإيجاب. قلت:"علي أي أساس؟ علي أساس أنني قد عشت عمرا ُأحاسب علية؟" هز رأسه و هو يقترب. قلت:"افعل ما ُأمرت.لكن أنا بالنسبة لي لم أعش.لا أذكر سوي أنني صبرت،جاهدت، لهثت،تعبت و خاب رجائي!"
أجاب:"لكنني قد أرسلت لكَ علامات تنبئك عن اقتراب قدومي.صغارك صاروا شبابا. شعرك الأسود قد شاب. نحل جسمك،ضعف تركيزك و سمعك. صرت رجل كبير."
قلت:" أجل صحيح، كانت عيشتي مما زادني كبرا.لكن هل تصدق بأنني لم أعش يوما نجاح أو سرور طوال ذاك المسير؟!"
أجاب:"كل العباد تستمهلني."
قلت،" أنا لا أستمهلك. نفذ ما أمرت به. فقط اتركني أخذ إلي صدري أولادي. مشفق عليهم مما هم سيلاقونه بعدي!"
قال:"أنا لا أملك أن أتمهل."
قلت:" و أنا لا أجادل أمر الله. فقط تمهل لتسمع و بعدها أقبض روحي. أنا لم أعش بعد لكي أموت.تمهل لتسمع! لو تري أي حياه جرعنا إياها أولاد الكلب. اللذين كانوا للجبابرة عبيد وللظلم تبع.تمهل لتسمع!
وجدت دموعي تنهمر...أتضح أن الحياة غالية و لو كانت مريرة.أحسست دمي يسيل من جانب فمي. إنني أنزف. تعالت أصوات من حولي.
قلت له:"لقد دعوت الله مرارا. لقد ناجيته سرا و دعوته جهارا. أن ييسر لي أمري. أن يرزقني. أن يجنبني الدين. أن يكون وليي و أن يتولاني بعينة التي لا تنام.أن يغفر لي و لوالداى ذنب أنني من هذه البلاد...."
قاطعني عزرائيل:" أنا فعلا أضرب أخماسا في أسداس علي أهل هذه البلاد. باستمرار متأهبين للافتراس. كثير من أهلها وحوش تفترس و لا تشبع. فإن أكلت فإنها أبدا لا تستحي و لا تقنع. "
قبض عزرائيل روحي. مت و المسكين............... يدمع
|