صنعاء نيوز/سيد صالح -
بعد فترة من الصمت عن أموال مصر المنهوبة في عهد نظام مبارك، ظهرت بارقة أمل لإعادة النظر في الأموال المصرية المجمدة لدى سويسرا،
بعد فوز المشير عبد الفتاح السيسي بمنصب رئيس الجمهورية، حيث أعلن فالنتين زيلويجر، مدير إدارة القانون الدولى بوزارة الخارجية السويسرية والمسئول عن ملف الأموال التى جمدتها سويسرا، فى مؤتمر صحفى عقده فى جنيف مؤخراً- ترحيبه بفوز السيسى بمنصب رئيس الجمهورية، معتبرا الانتخابات خطوة مهمة لاستعادة أموال مبارك المجمدة، مؤكداً إن الانتخابات الرئاسية النزيهة التي جرت في مصر، تعتبر خطوة جيدة للغاية، وفى الاتجاه الصحيح ومؤشر مهم سوف يسمح باستمرار العمل مع الجهات المصرية المعنية بملف الأموال التى جمدتها سويسرا للرئيس الأسبق مبارك وبعض أفراد عائلته ، وبعض رموز النظام القديم، لكى تحصل سويسرا على المعلومات المطلوبة، وأن إجمالى هذه المبالغ بلغ 700 مليون فرنك سويسرى، كما أن القانون الجديد الذى انتهى المجلس الفيدرالى السويسرى من إقراره مؤخراً سوف يساعد إلى حد كبير فى الفترة المقبلة فى تسريع وتيرة هذه الإجراءات القانونية التى تحتاج إلى وقت طويل.
نبدأ من وزارة الخارجية التي قامت منذ 13 فبراير 2011 بدور مساعد لجهات الاختصاص الأصيل فى الدولة وهى اللجنة القضائية لتعقب واسترداد الأصول والمنشأة بقرار المجلس الأعلى القوات المسلحة رقم 52 لسنة 2011، والنيابة العامة، وجهاز الكسب غير المشروع بوزارة العدل، وذلك بموافاة سلطات الدول المعنية من خلال البعثات المصرية بالخارج بطلبات المساعدة القضائية، وبموافاة النيابة العامة وجهاز الكسب غير المشروع بالمعلومات والملاحظات التى ترد فى المقابل من تلك الدول رداً على هذه الطلبات، مع استعجال ردود الجهات الأجنبية على طلبات المساعدة القضائية، ومتابعة الأمور بصفة عامة بما فى ذلك السعى للحصول على المساعدات الفنية المطلوبة من جانبنا، وقد بلغ عدد الدول التى تمت مخاطبتها – بناءً على طلب الجهات القضائية المصرية- 80 دولة من بينها دول الاتحاد الأوروبى وسويسرا والولايات المتحدة ودول أمريكا اللاتينية وجزر الكاريبي.
كما سعت وزارة الخارجية بالتعاون مع الدول المختلفة لاستخدام خبراتها الفنية لمساعدة الجهات المصرية المختصة فى صياغة طلبات المساعدة القضائية بالشكل الذى يجعلها متماشية مع الشروط الإجرائية والقانونية المطلوبة فى الدول المختلفة وفقاً لقوانينها كى تكون مقبولة لدى تلك الدول، وقد نجحت الوزارة فى تحقيق ذلك فى عدد من الحالات أبرزها بريطانيا التى أوفدت لدى سفارتها فى القاهرة محققاً قضائياً وآخر مالياً للتعاون مع الجهات المصرية المعنية فى هذا الصدد كما تحاول الوزارة الوقوف على المشاكل ذات الصلة ومحاولة تذليلها.
ويتمثل الانجاز الكبير الذى تحقق منذ بدء التعامل مع هذا الموضوع فى تجميد سويسرا حوالى 700 مليون فرنك سويسرى تخص 31 من المسئولين المصريين السابقين، وإصدار الاتحاد الأوربى قراراه فى مارس 2011 بتجميد أرصدة 19 شخصاً وردت أسماؤهم فى طلبات المساعدة القضائية يجدد سنوياً.
وللأسف، فقد شهد التعاون مع سويسرا تراجعاً فى ديسمبر 2012 بعد قرار المحكمة الفيدرالية بتعليق العمل بالقرار الذى كانت السلطات السويسرية اتخذته فى مايو 2012 بإدخال مصر كطرف يحق له الإطلاع على المعلومات المتصلة بالتحقيقات التى تجريها سويسرا فى قضايا غسيل أموال متورط فيها بعض الشخصيات المصرية المطلوب رد الأموال التى قاموا بتهريبها إلى سويسرا، و استندت المحكمة فى قرارها إلى القرارات والإجراءات التى اتخذتها السلطات المصرية آنذاك، ومن بينها عزل النائب العام والإعلان الدستورى الصادر فى نوفمبر 2012.
ويمكن القول إن عملية استرداد الأموال المهربة المصرية تعتبر نموذجا لضرورة تعميق العمل والتنسيق الجماعي، ويتعين وجود جهة قانونية واحدة تضم كافة السلطات المعنية فى الدولة تكون مسئولة عن الموضوع بكافة جوانبه، وتتم محاسبتها عن أعمالها فى إدارة الموضوع، وهو الأمر الذى سبق وأن طالبت به وزارة الخارجية.
مبادرة شعبية
تقدر الأموال المصرية المجمدة في أوروبا كما يقول معتز صلاح الدين رئيس المبادرة المصرية لاسترداد الأموال المنهوبة - بنحو مليار و300 مليون دولار، ، والحقيقة أن الأموال المصرية المجمدة في سويسرا هي الأقرب للاسترداد لأسباب عديدة، منها تأييد الرأي العام السويسري لعودة الأموال المصرية، فضلاً عن مساندة الأحزاب السياسية، والبرلمان السويسري، ومنظمات المجتمع المدني الداعمة لموقف مصر، والمطالبة أيضا بالإفراج عن هذه الأموال وتسليمها لمصر، غير أن عودة هذه الأموال لمصر ممكنة من خلال 3 مسارات ، يتعلق المسار الأول بالأموال المصرية المجمدة في سويسرا، وهذا المسار يرتبط بضرورة صدور أحكام قضائية نهائية باتة في مصر، وأخري مماثلة لها في سويسرا، ثم التعاون الدولي من خلال التمسك بتطبيق بنود الاتفاقية الدولية لمكافحة الفساد، ومن ثم الاستفادة أيضاً من اتفاقية التعاون القضائي بين مصر وسويسرا.. وهناك 3 شخصيات مصرية تمثل المبادرة الشعبية لاسترداد الأموال المنهوبة في سويسرا، وهم مرفت ضيف، وأمين مسيحة، ومحمود فضل، وقد قام هؤلاء بجهود كبيرة موازية للجهود القضائية الرسمية، ومن بين هذه الجهود مخاطبات لجميع الشخصيات الرسمية في سويسرا.
أما المسار الثاني، فيتعلق ببقية الدول الأوروبية التي جمدت فقط 44 مليون جنيه استرليني، بينما لم تجمد الأصول والعقارات المملوكة لبعض رموز نظام مبارك، وقد تقدمنا بنحو 7 استجوابات لم يتم الرد سوي علي واحد منها من خلال آندي سلوتر عضو مجلس العموم البريطاني وتلقينا رداً بتجميد 44 مليون دولار فقط، بينما تراوغ بريطانيا التي توفر الحصانة للكثير من الهاربين في لندن ، وتمنحهم حق اللجوء، ولم تتخذ أي خطوات نحو الكشف عن الأموال المصرية الموجودة لديها، والتي تخص رموز نظام مبارك، ومن ثم فإن حسم هذا الأمر يحتاج إلي إرادة سياسية، ونعتقد أن هذه الإرادة متوافرة حالياً أكثر من أي وقت مضي بشرط اتخاذ زمام المبادرة، بينما يظل المسار الأمريكي معطلا تماما، وقد سبق أن طلبت مصر إعادة أموال 103 شخصيات مصرية، ولم تستجب الجهات الأمريكية ولم ترد، وقد خاطبنا الرئيس الأمريكي باراك أوباما، وهيلاري كلينتون، وغيرهما من الشخصيات المؤثرة في الإدارة الأمريكية ولم نتلق أي رد.
إرادة سياسية
وبشكل عام، فقد سلمت المبادرة الشعبية لاسترداد الأموال المنهوبة ـ كما يقول معتز صلاح الدين ـ كل ما لديها من أوراق ومستندات تتعلق بقضة الأأموال المصرية المجمدة أو المنهوبة إلي المستشار كامل جرجس رئيس مكتب التعاون الدولي بمكتب النائب العام، وقد تم في عهد الرئيس المعزول محمد مرسي تشكيل لجنة برلمانية لتولي هذا الملف لكنها لم تنجز شيئا يذكر علي أرض الواقع، لكننا بحاجة حالياً لتعيين قضاة اتصال مقيمين في سويسرا، وبريطانيا، وأمريكا لمتابعة ملف الأموال المصرية المجمدة والمنهوبة، فضلا عن ضرورة وجود إرادة سياسية لاسترداد هذه الأموال، مؤكداً أن جهود المبادرة نجحت في تشكيل تحالف بريطاني في مجلس العموم البريطاني برئاسة آندي سلوتر عضو المجلس، وهو تحالف متطوع لمساندة المبادرة، وتم تقديم 7 استجوابات في هذا الشأن، ولم يتم الرد إلا علي استجواب واحد، وبموجبه تم تجميد 44 مليون جنيه إسترليني، بالإضافة إلي 40 مليون جنيه إسترليني سبق تجميدها، كما تم تشكيل تحالف برلماني آخر متطوع في أمريكا يساند المبادرة، يقوده منذ أكثر من عام ونصف العام ديفيد برايس عضو الكونجرس الشهير، والذي قام أخيرا بتسليم مذكرتين من المبادرة إلي الرئيس الأمريكي »أوباما«، وهيلاري كلينتون، وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة، تتضمن مطالبتهما بالاستجابة لطلب السلطات المصرية المقدم منذ أكثر من عام بتجميد أموال 103 من رموز النظام السابق، والموجودة في بنوك أمريكا ومؤسساتها المالية.. كما تم تجميد مبالغ وصلت إلي 700 مليون دولار من أموال رموز النظام الأسبق في سويسرا ، كان نتيجة مساندة المبادرة للجهود الرسمية المصرية، حيث قدمت ميرفت ضيف، منسقة المبادرة في سويسرا، مذكرات مفصلة لجميع المسئولين السويسريين، بدءا من السيدة ميشلين روي، الرئيسة السابقة، التي ردت إيجابيا بخطاب رسمي في أكتوبر 2011، مؤكدة أن المبادرة تعمل أيضا في الخليج العربي، رغم صعوبة التحرك هناك.
سرية الحسابات
والحال هذه، فإن الدكتورة فوزية عبد الستار أستاذة القانون الجنائي بكلية الحقوق جامعة القاهرة ورئيسة اللجنة التشريعية سابقاً في مجلس الشعب ـ تؤكد أن مبدأ سرية الحسابات يتمتع بالحماية الكاملة، ومن ثم فإن استرداد هذه الأموال ـ إن وجدت ـ يتطلب حكماً قضائياً باتاً بإدانة المودع، وأن هذه الأموال قد دخلت في حوزته بطريق غير مشروع.
>> سألناها: ولكن لا أحد يعرف حتي الآن حجم هذه الأموال. ولا كيف خرجت.. ولا الدول والجهات التي تم إيداع الأموال فيها.. فكيف يمكن الوصول إلي المبالغ الحقيقية التي تم تهريبها ومن ثم استردادها؟
- د. فوزية عبد الستار: هذه مسئولية سلطات وجهات التحري والتحقيق، وعلي الدولة أن تتخذ زمام المبادرة ومخاطبة الدول والجهات التي تتوافر معلومات أو مستندات بشأن وجود أموال مصريه فيها للشخصيات التي تصدر أحكام نهائية باتة بإدانتها، ويمكن الاستعانة بوزارة
الخارجية عبرالقنوات الدبلوماسية ، لاسترداد هذه الأموال.
مصير غامض
وبالرغم من تكثيف الحديث إعلامياً حول الأموال المنهوبة، خاصة في الفترة التي تلت ثورة يناير 2011، فإن هذا الملف ـ والكلام هنا للدكتور عادل عامر الخبير القانوني والحقوقي ـ لم يعد مطروحاً للنقاش منذ فترة، مع أن كثيرين من أبناء الشعب المصري قد علقوا آمالا علي إمكانية تحسين أوضاعهم المعيشية بعد ثورة 25 يناير بعودة هذه الأموال، خاصة بعد المعلومات التي تناقلتها وسائل الإعلام المختلفة بعد ثورة يناير، حول سهولة استرداد هذه الثروات المنهوبة.. غير أن أحلامهم سرعان ما ذهبت أدراج الرياح.
ولاشك أن أموال مصر المنهوبة تمثل الملف المسكوت عليه الآن، إذ لا يستطيع أحد أن يحصر حجم الأموال المهربة حاليا، لأن الحسابات سرية، ولا مجال لكشفها إلا من خلال تعاون جدي بين حكومات الدول التي توجد بها تلك الحسابات، وهيئة مشكلة بقانون صادر من رئيس الجمهورية لديها الرغبة الجادة في استعادة هذه الأموال، وكل ماتم الحديث عنه في الإعلام هو مجرد توقعات واستنتاجات، ولم يتسن لأحد التأكد منها، وليس صحيحا أن الأموال المهربة خرجت جميعها بعد اندلاع أحداث الثورة، فخلال سنوات حكم مبارك كانت هناك عمليات غسيل أموال عبر مشاريع تتم في الخارج تابعة لرجال أعمال النظام ، وهي أموال من مصادر غير شرعية ، وماتم بعد يوم wwالجمعة 28 يناير هو خروج كميات كبيرة من الأموال السائلة بشكل مباشر، من خلال مؤسسات بنكية وغير بنكية
والمؤكد ـ كما يقول الدكتور عادل عامر ـ أن هناك حسابات سرية في الداخل لم يكشف عنها ولم يتوصل لها أحد ، ووجودها في صورة أموال سائلة أو مشاريع قائمة بأسماء غير معروفة يجعل من الصعب الكشف عنها، ولا مجال لكشفها واسترداد حق الدولة منها إلا بهيئة عامة لها صلاحيات أوسع من اللجنة الحالية ومساحة من الحرية في الحركة والاستقلالية في العمل .
وللحديث عن الأموال المنهوبة، فإن اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، التي صدقت عليها مصر في فبراير 2005، تتضمن عددا من جرائم الفساد، أهمها، تدابير منع غسل الأموال، ورشوة الموظفين العموميين، واختلاس الممتلكات أو تبديدها، والمتاجرة بالنقود، والإثراء غير المشروع، وغسل العائدات الإجرامية والملاحقة والمقاضاة والتجميد والحجز والمصادرة واسترداد الأموال. وقد تضمنت المادة (31) من الاتفاقية، الإجراءات الواجب اتخاذها لتجميد وحجز الأموال الناتجة من العائدات الإجرامية المتأتية من أفعال مجرمة، ونصت المادة (51) علي أن استرداد الموجودات هو مبدأ أساسي في هذه الاتفاقية، وطبقا للمادة (57) يكون إرجاع الموجودات استنادا إلي حكم نهائي، بينما قضت المادة (46) بضرورة تقديم الدول الأطراف بعضها إلي بعض أكبر قدر ممكن من المساعدة القانونية المتبادلة في التحقيقات والملاحقات والإجراءات القضائية المتصلة بالجرائم المشمولة بهذه الاتفاقية. فضلا عن ذلك، يجوز، وفقا للاتفاقية الطلب من الدول الموجود بها الأموال تقديم أصول المستندات والسجلات ذات الصلة بما فيها السجلات الحكومية أو المصرفية أو المالية أو سجلات الشركات أو المنشآت التجارية أو نسخ مصدقة منها، ولا يجوز للدول الأطراف أن ترفض تقديم المساعدة القانونية بحجة السرية المصرفية، لأن أحكام الاتفاقية ألزمت الدول الأعضاء بتدعيم التدابير اللازمة لمنع ومكافحة الفساد والتعاون الدولي من أجل منع ومكافحة جريمة الفساد. وبالتالي، فإنه بموجب الاتفاقية يكون من حق مصر طلب تجميد الأموال المهربة للخارج وطلب مصادرتها لمصلحة مصر، وعند صدور حكم نهائي بالإدانة علي المتهم ومصادرة الأموال المتصلة من جريمة الفساد يطلب استرجاع الأموال المجمدة والممتلكات المصادرة لمصلحة مصر.
والحقيقة، - والكلام مازال للدكتور عادل عامر- أن موارد مصر المالية خلال الثلاثة عقود الماضية كان يتم استنزافها في أمور لا تخص الموازنة العامة للدولة، الأمر الذي ترتب عليه إهدار الموارد المالية التي حصلت عليها مصر من دول العالم، والتي تشمل المعونات والمنح ومساعدات وقروضاً ميسرة بأسعار فائدة لا يتجاوز 1% من قيمة القرض، بالإضافة إلي فترات سماح طويلة كانت تبلغ في بعض القروض 10 سنوات.
وقد تفاقمت أزمة الأموال المنهوبة بسبب حالة التباطؤ التي ربما تصل إلي حد التواطؤ خلال الفترة الانتقالية التي أعقبت سقوط مبارك، حيث شهدت تلك الفترة تهريب كميات هائلة من الأموال، مستغلة ما يمكن تسميته نوعا من الفساد المقنن والممنهج، ومستفيدة من حالة الانفلات الأمني التي استمرت أشهرا عديدة، كما أن حكومات ما بعد الثورة لم تبذل جهودا كافية علي صعيد استعادة الأموال المنهوبة والمهربة، حيث غاب التنسيق بين أجهزة الدولة في هذا الشأن، ولم يحدث ما كان واجبا من تضافر الجهود علي الأصعدة القانونية والقضائية والسياسية والشعبية والإعلامية من أجل تحقيق هذه الغاية.
[email protected]