صنعاء نيوز/محمد عبد الوهاب الشيباني -
الان وبعد ان فقد حزب الاصلاح عمران ، وفقد احد ابرز قادته العسكريين (العميد حميد القشيبي يوم 8/يوليو ) بتلك الطريقة الدراماتيكية ، تاركا لخصومه دق اخر المسامير على نعش التحالف التاريخي (الديني السياسي القبلي) الذي تزعمته قبيلة (حاشد) على مدى العقود الخمسة الماضية ، فوجدت القبيلة نفسها ملتبسة بالسلطة والثروة على حساب الدولة بمفهومها الوظيفي الذي يتنافى تماماً مع حضور القبيلة في الحياة المدنية ، فعمدت القبيلة بسطوتها هذه الى تدمير الدولة لإدامة حضورها المتخلف ، و لم يكن مثل هذا الحضور ان يستمر الى الابد بسبب الممارسات الجائرة لمرموزات المشيخ فيه بحق المواطنين الذين وجدوا في الحركة الحوثية (بكل مساوئها وعنفها) ملاذا جديداً للاحتماء بمن يعزف على اكثر اوتار البسطاء حساسية (المذهب والمظلومية) .
في منتصف فبراير الماضي كتبت هنا تحت عنوان (لماذا خسر ويخسر الاصلاح؟!) وقلت : في ذروة التكالب على الثروة و السلطة طيلة عام 2012 وما بعده ، عمل حزب التجمع اليمني للإصلاح على تقديم نفسه كوريث للحزب الحاكم (المؤتمر الشعبي العام) وللدولة ، بذات اساليب مبدأ الاخونة الذي اتبعته الجماعة في مصر على حساب بقية شركاء العملية السياسية ودفعت ثمنه لاحقاً.
لسبب مثل هذا ولغيره من الأسباب خسر و يخسر حزب الاصلاح من رصيده في الحياة السياسية ، فاستقوائه بالفرقة الاولى مدرع وذراعها في الساحة (لجنة النظام) التي قامت بالاعتداء على الناشطين والناشطات في ذروة اللحظة الثورية ـ ابريل 2011 دفع بالكثيرين الى الانصراف عنه ، وتحديد مواقف قوية من هذا السلوك . بعد ان (حاول ) على مدى سنوات تقديم وجه ناعم لعمله السياسي في اطار الشراكة السياسية مع بقية الاحزاب!!
خسر الاصلاح باستخدام اعلامه وأبواقه في التحريض ضد المعارضين له في الساحة وخارجها ، ووسم هؤلاء بالأمن القومي او المندسين قبل ان يبتكروا اصطلاح (العفافيش) لإلصاقه بمن يعارض سلوكه الاستحواذي المفرط .
خسر الاصلاح بضغطه المهول ابتداء من مارس 2011 للذهاب الى تسوية سياسية (عرفت لاحقاً بالمبادرة الخليجية) ، حفظت للنظام (الذي هو جزء اصيل منه ً) ديمومته وحضوره .
خسر بأدائه الدور الهزلي والاخراج (الفضائحي) لقانون الحصانة ، الذي يريد الان التنصل منه ، ويهدد بسحبه كلما وجد نفسه محشوراً في زاوية ضيقة من قبل اصدقاء الامس وخصوم اليوم ,
خسر ايضاً باستيلائه على معظم حصة المشترك وشركائه ، من وزارات حكومة الوفاق المتشكلة اواخر 2011م واكثرها اهمية وخطورة الى جانب وزارات اعطيت لشخصيات قريبة منه ومكن كوادره ونشطاءه قليلي الخبرة والدراية من شغر المواقع القيادية والمفصلية فيها .
خسر بعدم اعتذاره للجنوب عما لحقه من اضرار جراء جائحة صيف 1994، التي كان فيها ومن خلال مليشياته رأس الحربة فيها ، ولم يعتذر شيوخه عن فتاوى القتل التي اطلقوها ، بل انه وفي ذروة الاحتقان في فبراير 2013م قام بتنظيم احتفالية بذكرى الانتخابات الرئاسية الاولى في مدينة عدن في نفس المكان والموعد الذي حدده الحراك لتنظيم فعالية له (تندد بالذكرى) ، وترتب عليها موجة عنف و سقوط ضحايا ، لأنه ببساطة اراد استعراض قوته وامكاناته التنظيمية وتداخله بالسلطة ، وقبل هذا فرض على عدن محافظ من كوادره لا يحظى بقبول شعبي ومغموس بالفساد حتى اذنيه.
خسر حين جعل من موضوع الهيكلة مناسبة للزج بكوادره والموالين له الى مواقع قيادية في الجيش ، اعتمادا على مبدأ المحاصصة على حساب شخصيات عسكرية مستقلة ، كانت ربما استطاعت ضخ روح الحياة الوطنية لهذه المؤسسة التي دمرتها الولاءات.
خسر حين اراد اللعب خارج تحالفاته الاقليمية التاريخية (السعودية والخليج ) ، برمي كل اوراقه وبانتهازية صرفة ضمن مثلث (انقرة ـ القاهرة ـ الدوحة) ، في لحظة ما قبل الثلاثين من يونيو2013. ليدفع ثمنها تفكيكاً لمنظومة حلفائه في شمال البلاد من قبل الاستخبارات السعودية التي مكنت خصومه الحوثيين من السيطرة عليها ـ ودفع ثمنها اليوم في عمران وسيدفع ثمنها لاحقاً في الجوف وحجة وذمار ، وباتفاق كل الاطراف.
خسر الإصلاح حين اختار المحاصصة في توزيع نسب ممثلي القوى السياسية في مؤتمر الحوار ، واصطفافه الدائم وفي اكثر القضايا جدلا ًمع شريك الامس المؤتمر الشعبي العام ، وتخليه عن شركائه في المشترك وعلى رأسهم الحزب الاشتراكي اليمني ـ الذي يتعرض اليوم لهجمة شرسة اذ ترك الاصلاح (لأوباشه ) التعريض به والنيل من شخصياته وقياداته واعضائه واتهامهم بالتآمر مع الحوثيين لإسقاط عمران بكتابات تقطر بذاءة وخسة ـ
خسر حين اراد ان يكون في ذات الوقت حزباً سياسياَ في صنعاء ، ومليشاوياً في تعز وفي مناطق التماس مع الحوثيين في صعدة والجوف وعمران وحجة وذمار وارحب وهمدان والرضمة وبني مطر.
خسر حين استبسل ليكون صاحب القرار في السلطة ، وحين انكسرت مليشياته امام خصومها تفنن في انتاج خطاب سياسي مدني يطالب ببسط نفوذ الدولة على المناطق التي استولى عليها خصومه بذات الوسائل التي انتهجها في احترابه معهم .
يخسر الاصلاح حين يعيد اخراج مجمداته من ثلاجة الوقت من اجل الهتاف والصراخ ، وما فعل (اللجنة التنظيمية) الا نموذجاً لاستجلاب التذكير بالثورة المجمدة في (فريزر) الحزب يستدعيها مع كل مآزق يقع فيه!!
الاصلاح خسر كثيراً وسيخسر اكثر ، ان ظل يدير قضايا الوطن المصيرية مع خصومه وشركائه على حد سواء بعقلية (التذاكي) والتكسب (وابسط الامثلة تذاكي علي محسن في عدم تسليم مقر الفرقة يجعل من مبدأ الثقة مع الرئيس، وطاقمه العسكري ينعدم كلية)
ومع كل ذلك لم ازل مؤمناً ان باستطاعة حزب الاصلاح ان يعيد ترميم نفسه سياسياً ، بعيداً عن سطوة اجنحة المشيخ وفقهاء الفتوى وعسكر الفيد ومليشيا العنف ، في حال ترك للمشغل السياسي فيه ان يشق مجراه في اودية المشروع الوطني ، والرهان هنا سيكون على الاتجاه المدني بداخله والذي بدأ صوته الخافت يعلو الان ، لأنه يعي تماماً مقدار الفقد الذي سيتكبده الحزب مستقبلاً ان استمرت عقلية التطرف تتحكم بمساراته .