صنعاء نيوز/عبدالرحمن بجاش - - في قريتي التي هي بمعنى من كل المعاني ككل قرية يمنية تجود فيها الطبيعة بكل جميل ولا تبخل أبدا , البخيل الوحيد هو الإنسان الذي بسبب تخلفه وغياب التربية العامة فيسيء إلى تاريخه الشفوي , وإلى البيئة , تراه يستمتع بالنظر إلى الطبيعة من حوله , لكنه لا يفهم كيف يتعامل مع الجمال ويحافظ عليه !! , لأن لا أحد , دولة , مدرسة , إعلام , أحزاب , علمه أو يعلمه كيف يكون جزءاً من الجمال وليس عدواً له بجهله , وعدم إدراكه لأهمية أمور كثيرة منها الاحتفاظ بماضيه عبر الاحتفاظ بأدواته المادية, ولكم تمنيت لو أن المدارس في قريتي الكبيرة تخصص كخطوة أولى لمتاحف محلية , ستجد أشياء كثيرة عبر الأيام تملأ أرففه وخزائنه إن وجدت , سيكون السؤال ممن يستغربون على طول الخط :
كيف ؟ , سأقول لكم مثلا بل أمثله , فأنا عقدت النية على أن أستولي على ((نوًارة)) ديواننا , للأسف لم أجدها , بحثت عن الفانوس القديم فلم أجد , دًوًرت على ((الأتريك أبو ذبالة)) لم أجد له أثرا , سألت عن المطحن في سفل الدار القديم لا وجود لها , قلت : أتمنى أن أجد ((السراج أبو جاز وذبالة شوتلي)) ضحك ابن عمي وكأنني سألت عن مسكن القمر وأين يكون ؟ , طلبت من ابن عمي الآخر أن يستأذن لي من ساكن دار جدي ليسمح لي بالدخول لالتقط صورا ((لصُعد عمتي ومَعْكِدَتهِا ومٍنْدَادِها وقِشْوَة اللحمة , ومَلحًة اللحوح)) , وجَلَاعب الحَب الذرة التي قال عمي عنها (( الله يعلم أين هي )) !! , والأبواب الخشب لغرف شهدت ولادتي وأولاد أعمامي , وآثار أمي وجدتي وعماتي , وناموسية خالتي التي جلبها أبي من عدن ذات زواج فكانت حديث القرية يومها استمر سنوات , ناموسية أبو قلصات واسبرنجات وارد جرمني أيام أن كانت البضاعة ((الجبًاني)) غير مرغوبة , فإن وجد الإنسان بضاعة ((انجلاند)) ما ((تفسخش)) اشترى وأن عرض عليه الجبًان صرف نظرا عن الشراء !! , أين نحن مما نحن !! , ((مقرمة )) جدتي لم يعد لها وجود , ((مَصَرٌها)) اختفى , ((عُدًت)) الأثوار و((المَضْمِد)) لم يعد لهم وجود بعد وفاة عمي عبدالرحمن عبدالقادر البتول من ذهبت لكي أتذكره إلى حول ((ذي العلس)) لأستعيد مشهدا تكرر وأنا طفل لكثير من المرات , العم عبده يمسك ((العُدًه)) باليمني واليسرى عصى نحيفة يضرب بها بلطف أجناب الثورين ليعمقا ((السَحْب)) في جوف الأرض , وأنا أجري وراءه ليركبني على الساق , كانت ميزة يحسدني عليها أقراني , كان لا يكررها البتول مع غيري , فالميزة منحت لي باعتباري ابن الشيخ !! , ولو كان الشيخ يعلم يومها لمسح بنا الأرض اثنينا !! , كان الناس متواضعين إلى حد أنهم نسوا ما يمكن الاحتفاظ به للأيام القادمات , ((قميص جدتي وعَرقوصها وحِنًى يديها وهُرُد وجهها)) , و((الحِرْز)) الفضي الذي طالما علقته أمي تحت ابطي يحرسني من الحسد والشياطين , و((الدمالج)) الفضية التي زينت بها النسوة نهايات سيقانهن تسمع صوتها من البعيد, كل ذلك وغيره كان يمكن ان يشكل محتوى لمتحف ريفي لا أحد يدرك أهمية وجوده !!! , ليت أروى عبده عثمان استنسخت في كل قرية تحفظ الطاسة والمرفع وشرح النساء وأغانيهن ومهاجلهن وأهازيج الرعاة وملابس جميلة كالقميص بأكمامه الواسعة , والزنين المشجرة , والمشغولات الفضية , واللازم الذهب , وأدوات الزراعة و مثل الشريم والعطيف , والحجنة , والعصى الباكورة ومشاد الرجال الرشوان والفوطة والشميز وكل قرية وما يميزها , وأشياء أخرى كثيرة تكون ذاكرة للأجيال المتلاحقة التي لا تعرف الآن أسماء أشهر الزراعة , ومواعيد الصراب , والحِوًاظ , والفَقْح وووووووووو...لا أدري هل هذا وقت الحديث عن متحف في قريتي ؟؟ الأمر متروك لتقديركم .......... |