صنعاء نيوزLجميل مفرح -
إن المسئولية تجاه الوطن مسئولية عامة لا تعني أحداً دون الآخر أو لا تصيب أحداً وتخطئ آخر، إنها في عموميتها أمر ملزم لكل فرد من أبناء الوطن كل من مكانه ومكانته، وبالتالي فإنه من خالص القول وصادق المعنى أن يظل الوطن في مكانته العليا بعيداً عما يمكن أن يؤدي إلى المساس بقدسيته وعلو شأنه، ومصالحه أرفع وأسمى من أن يرتبط بمصالح شخصية أو حزبية أو فئوية.
وإنه لمن الملزم بالضرورة أن يدرك أو يؤمن الجميع بضرورة تجنيب الوطن أيه حسابات أو صراعات أو خلافات أيا كانت وأياً كان مستواها وأطرافها.. ما لم فإننا سنجد أنفسنا قريباً ملفوظين خارج الواقع نفتش عن أنفسنا وعن بقايا وطن نستزيد بوجوده ونعتز بانتمائنا إليه.
الذي يدفع للحديث عن موضوع مسلّم به كهذا هو ملاحظة ما يبدو من البعض من تخاذل وتعامل سلبي مع الواقع من حولهم من أحداث ومتغيرات متتالية تعني الوطن وأمنه ومختلف قضاياه، وكأن هذا المسمى وطن أمر أو شيء لا يعنيه أو يهمه بأية صورة وبأي شكل!! والمثير للاستغراب والدهشة أن هناك أيضا من يجعل من الوطن والوطنية مجرد شعار لفظي وموضوع للمزايدة والارتزاق ومادة رئيسية لصراعات سياسية لا تكاد تنتهي بالمرة!! ولعل الأحداث التي شهدها الوطن ويشهدها منذ العام 2011م كانت ولا تزال تشكل برهاناً وحجة دافعة لذلك السلوك الشائن الذي يصب صبغته ويملي صيغته على تصرفات وتعاملات الكثير من السياسيين الذين جعلوا من العمل السياسي فعلاً شائناً ومكروها نتيجة ما يظهرونه من سلوك لا تحبذه الأخلاق السوية والشريعة السمحاء إطلاقاً.
وإذا كان السياسيون -أو فلنقل بعض منهم- ينحو هذا المنحى من التصرف والتعامل مع الوطن كوجود وكفكرة، فإن التعامل مع السياسة من قبل فئات المجتمع لن يتجاوز مدى السلبية والمقت والامتهان وسيأتي اليوم -إن لم يكن قد أتى- الذي يغدو فيه العمل السياسي مذمة وممارسته عيباً ينتقده المجتمع!! نعم قد تصل الأمور إلى ذلك المستوى من القيمة أو التقييم إذا استمر التعامل معه بهذه الطريقة غير السوية التي لا تراعي حتى القيم العليا والسامية وعلى رأسها الانتماء الوطني الحقيقي الذي يربأ بنفسه عن صغائر الأمور وسفاسفها وعن حسابات السياسة والسياسيين التي تحاول قتل الوطن في ضمائر بنيه واستبداله بأيقونات افتراضية مؤقتة لا تشفع أبداً عن خطيئات الخيانة والكفر بالوطن وبقيمه ومكانته وقدسية عشقه التي لا تُماثل.
ومن هنا لا بد من الإشارة إلى أن خيانة الوطن لا تعني بالضرورة معنى واحداً متمثلاً في الخيانة المتعارف عليها أي الجاسوسية وتسريب المعلومات وغير ذلك مما شهدناه ونشهده في القصص والحكايات والأفلام العالمية.. بل تتجاوز الخيانة في معناها ذلك إلى تصرفات وسلوكيات مختلفة أخرى نمارس هنا في وطننا بعضاً منها بحس وإدراك أحياناً وبدون ذلك أحياناً أخرى.. فما يمارس من سكوت وسلبية تجاه الأحداث والمتغيرات بما تحتوي عليه من مساوئ وسلبيات على سبيل المثال هو خيانة ليس للوطن وحسب وإنما أيضا للدين وتعاليمه أوليس الساكت عن الحق شيطاناً أخرس، وما نبدو عليه من ارتهان للسياسي المستبد والانتهازي الجشع هو خيانة وطنية أيضا ومن معيار أو قياس كبير ومؤذ في مجمل صوره.
المشكلة الكبرى أو القياس الخطير في هذه الرؤية والذي يصل إلى مستوى كبير من البشاعة يكاد يماثل خيانات السياسيين يتمثل في تهيئة الظروف والأجواء المناسبة من قبل عموم الشعب لهذا الخائن أو ذاك ليدوس على وجودهم وانتمائهم بدعوى تمثيلهم وبدعوى أن الشعب لا يمثل كفة راجحة أو رقماً يحسب له أي حساب. نعم هناك سياسيون داسوا على إرادات ومشيئات هذا الشعب بدعوى تمثيله وحماية مصالحه ومصالح الوطن بينما لا تشخص في الحقيقة أية مصلحة سوى مصالحهم الشخصية والحزبية والفئوية، ومثل هؤلاء سرعان ما يجدون أنفسهم خارج أطر الواقع لأنهم تعالوا على ذلك الواقع وعدوا أنفسهم أذكى من أن يستسلموا للحقيقة وللمثل وحتى للانتماء لشيء اسمه الوطن!!
أخيرا.. إن من يتعامل مع الوطن بهذا القدر من الخيانة والأنانية ومع الشعب بهذا المستوى من الاحتقار واللامبالاة لا محالة خاسر وخساراته لا شك لن تضر بالوطن بقدر ما تضره وتضر مصالح الفئة أو الحزب أو التشكيل الذي ينتمي إليه ويمثله.. لأن الوطن بالطبع باقٍ والحقيقة مشرقة مهما حاولت الظروف حجبها عن النواظر والمدارك.
ومن هذا المعنى فإنني أدعو نفسي وأدعو كل فرد من أبناء هذا الوطن الذي عودناه على الهزائم إلى أن نحقق له ولأنفسنا ولو انتصاراً واحداً وذلك بأداء واجباتنا تجاهه بعيداً عن كل الحسابات والخيارات والمعايير التي تحاول أن تفرض نفسها على واقعنا وأن يظل الوطن ومصلحته شعارنا الأول والدائم، وأن نكون على قدر من المسئولية كاف لأن يصد عنا لعنات التاريخ التي تحاصرنا من كل اتجاه.. والعزة والإباء للوطن وللشرفاء من أبنائه والعار والفناء لكل من تجري الخيانة مجرى دمه.