صنعاء نيوز /د. طارق عبدالله ثابت ( ) [email protected] -
- مما تجدر الإشارة إليه أن صيغة التقسيم الإداري التي أقرته اليمن في العام 2014م، هو براينا كمتخصص أكاديمي إلى حد كبير أفضل الصيغ المتاحة إلى حد الان بالمقارنة بدول منطقة دول القرن الافريقي الكبير؛ حيث تم تقليص الوحدات الإدارية المقرة في دستور عام 1995م من (24) وحدة إدارية (محافظة) إلى (6) وحدة إدارية (اقليم) فقط ليس هذا فحسب لا بل في حال تم ربطها بشكل وثيق بخارطة انتشار قواته العسكرية ضمن نطاق (سبعة مناطق + 21 محور)، سيما في حال تم الأخذ بنظر الاعتبار جملة المعطيات الظرفية الأكثر حضورا وحساسية التي تعيشها البلاد على كافة المستويات وبدون استثناء، وصولا إلى حيثيات الواقع المراد إحداث نقلات نوعية وجريئة فيه بالاستناد إلى ما اوردته من مؤشرات في مقالتي المنشورة (المحليات: الثورة الوطنية الرابعة القادمة في اليمن).
- ومن نافلة القول أن الخوض بقليل من التفاصيل في بعض أهم مضامين ودلالات إعادة تقسيم اليمن من الناحية الإدارية إلى (6) وحدات إدارية أطلق عليها (أقاليم) فقط بدلا من (24) وحدة إدارية (محافظات) وما سوف يتبع ذلك من إعادة صياغة للحدود بين وحدات كل إقليم من حيث الكم والكيف أمرا قد اصبح لازما علينا في هذا الوقت بالتحديد؛ أما لماذا ؟ نرد بالقول كي تنجلي أمامنا الجزء الأكبر والمهم من حيوية صيغة التقسيم الإداري لليمن الذي ارتبط إلى حد كبير بحيثيات روى وتصورات ومن ثم تطلعات الإرادة المحلية (الوطنية) بأبعادها الإقليمية والدولية باتجاه فتح الباب على مصراعيه لإحداث قفزة نوعية غير مسبوقة في الواقع اليمني- هذا من جهة- وما لهذا الامر من انعكاسات مهمة على صيغ التقسيم الإداري التي سوف تطال دول (شبه الجزيرة الكبير)- من جهة ثانية.
- وكي ندخل في صلب الموضوع سوف نقوم بمناقشة حيثيات هذا التقسيم من ناحيتي الشكل والمضمون في محاولة لتسليط الأضواء على مضامين ودلالات ومن ثم ابعاد هذا الأمر، كي تتضح لنا المعالم الرئيسة للمحددات الحاكمة لخروج صيغة التقسيم الإداري بهذا الشكل وكما يلي:-
- من حيث تسمية الأقاليم وإعادة توزيع الوحدات الإدارية فيها: فقد خضع هذا الأمر إلى قراءة متعمقة ودقيقة جدا لمحطات ومنعطفات رئيسة مهمة في التاريخ اليمني القديم والوسيط والعربي- الإسلامي منه- بوجه خاص- فالقراءة الاولية السريعة بهذا الشأن تدلل على ان احياء الشجرة بكل أجزائها من الناحية المادية والمعنوية يجب وليس ينبغي ان يتم من جذورها وهذا ما تم بالفعل من خلال السعي وراء احياء تاريخ هذه الاجزاء التي دمجت إلى حد ما في صورة الأقاليم من انصع صفحاته (الجند، سبأ، أزال، تهامة، عدن، حضرموت)
- من حيث عدد السكان والوحدات الإدارية المنضوية داخل كل اقليم: فقد تم فيه مراعاة سمات التقارب الجغرافي؛ بما تحمله من موروث سياسي واقتصادي واجتماعي وبيولوجي...، إلى جانب مراعاة سمات التماثل الثقافي والحضاري؛ بما يحمله من موروث تاريخي، وكذا المستوى التعليمي والوعي المجتمعي إلى حد كبير، في محاولة منها خلق حالات الانسجام والتناغم والتفاعل بين أبنائه.
- تم فيه مراعاة تحقيق الحد الاعلى من سقف الهدوء والاستقرار النسبيين وصولا إلى عامل الانسجام والتفاعل، سيما أن تحقيقها يتطلب مراعاة أدق تفاصيل هذا الأمر باتجاه إغلاق بؤر التوتر المناطقي والمذهبي والديني والقبلي...، باعتباره المدخل الأساس وأهم العوامل الرئيسة لإمكانية ولوج مرحلة التنمية الشاملة والمستدامة من عدمه.
- إلى جانب الأخذ بنظر الاعتبار على المدى القريب والمتوسط عودة المغتربين إلى أقاليمهم والتي تقدر أعدادهم بالملايين، والدور المنوط بهم في عملية التنمية المنشودة، سيما المغتربين من أبناء اقليم حضرموت في الخليج العربي وابناء اقليم الجند في بريطانيا وأمريكا.....الخ على سبيل المثال لا الحصر، إلى جانب توقف تدرجي وشبه كلي لخروج العمال اليمنيين لدول الجوار ضمن إطار استراتيجية وطنية بأبعادها الإقليمية.
- ركزت هذه الصيغة على العامل البشري والقيادات الإدارية والسياسية منه- بوجه خاص- بوضعها وجه لوجه أمام أبناء الشعب، باعتباره وسيلة وهدف التنمية في الجوانب الإدارية والمالية والسياسية في محاولة منها لتجاوز عيوب المركزية التي كانت تعمل على حشد الطاقات والموارد في المركز (العاصمة، بعض المدن الرئيسة)؛ من حيث الكيف والكم وما ترتب على ذلك من تكديس الثروة والطاقات وإفقار للأطراف وحال دون انسيابية حركة المركز والأطراف.
- القدرة على استيعاب القدرات البشرية ضمن هيكل الدولة الاتحادية والإقليمية وتوزيع القدرات الإدارية والسياسية... في الهياكل الإقليمية أكثر منه الهيكل المركزي، وبصورة سوف تسمح بإدخال القدرات الجديدة وإعادة توجيه القدرات القديمة في الهيكل الاتحادي وصولا إلى الإقليمية باتجاه بناء الدولة في كل اقليم.
- الهيكلة الإدارية الجديدة سوف تفتح الطريق واسعا على مصراعيه أمام أبناء كل اقليم لاختيار ابنائه؛ من حيث الولاء والانتماء (المحلي والوطني) وصولا إلى القدرة، وهو الأمر الذي سوف يفضي إلى تفريغ معظم الشحنات السلبية والايجابية داخل كل اقليم بعيدا عن سياسة المكايدات والاقصاء التي ابتدعتها احزاب المعارضة تحديدا؛ بما يسهم في ترسيخ عاملي الأمن والاستقرار، إلى جانب أن التقسيم غلب عليه في الظاهر مراعاة الامور الشكلية ولكن في الجوهر فقد أعطى الحق للمواطن في الإقامة والعمل والتنقل والتجارة... في أية بقعة يريدها من البلاد.
- أما ما تعلق بهذا التقسيم من مسائل جوهرية لها علاقة بالتشريعات وقانون إعادة توزيع الوحدات المحلية باتجاه إعادة صياغة ورسم الحدود الحالية الفاصلة بين أجزاء كل اقليم على حدة؛ بما يفضي إلى بلورة جديدة تتناسب مع مضامين وابعاد هذه التوجهات بطابعها المرحلي والاستراتيجي، وهو الأمر الذي سوف يفضي إلى إعادة رسم وتغيير لطبيعة وحجم حدود الوحدات الإدارية بصيغها الحالية (محافظات، مديريات) باتجاه الغاء الحدود الحالية وإعادة تقسيمها أو دمجها؛ بما يغير من نطاق حدود المدن الحالية اتساعا أو تضييقا وبما يتفق مع متطلبات النهضة العمرانية الجديدة المنشودة، والتي يتوقع أن تنشأ في مناطق جديدة هي في الوقت الحالي بمثابة مناطق نائية أو أريافا، مع احتمالية كبيرة أن تتحول الحواضر الحالية إلى مدن ثانوية مقارنة بالمدن الجديدة.... وهكذا.
- وأخيرا ما تعلق باختيار كلا من (تعز، أب) ضمن اقليم الجند تقف ورائه عدة اعتبارات رئيسة لعل أهمها أن الاقليم هو الأصغر مساحة والأكثر سكانا وكثافة سكانية- أولا- والأكثر تعليما ووعيا وامتهانا للأعمال بكافة اشكالها- ثانيا- وبالتالي يعول عليه في خلق النموذج الحي المنشود مراعاة لعامل الوقت والسرعة والكلفة، فصغر المساحة وكثرة السكان عددا وقدرة من حيث التعليم والوعي وامتهان للأعمال سوف يساعد على ذلك، وهذا ما بدأت ملامحه الرئيسة واضحة جدا في العديد من المؤشرات الرئيسة كـ(باب المندب واهميته المتنامية في السياسة العالمية، احياء الدور العالمي لميناء المخا، مشروع تحلية مياه البحر بمراحله المتعددة التي قد تغطي اقاليم أخرى، مشروع توليد الطاقة الكهرومائية أو بواسطة الرياح، الجسر الدولي (تعز- جيبوتي) لربط شبه الجزيرة الكبير بأفريقيا،....) وما سوف يترتب على كل ذلك من تبني لسلسلة واسعة من المشاريع الاستراتيجية الصناعية والسياحية،... الضخمة المخطط لها - هذا من جهة- وما لهذا الأمر من انعكاسات وآثار مهمة جدا على باقي الأقاليم من الناحية المعنوية والمادية، سيما في ظل ما يمثله العامل المعنوي من أهمية قصوى بهذا الشأن لخلق الأمل بين أوساط الشعب وقواه بإمكانية تحقيق الحلم- من جهة أخرى.
والله ولي التوفيق وبه نستعين