صنعاء نيوز/بقلم عمر دغوغي -
[email protected]
في البلدان الديمقراطية تكتسي الأحزاب السياسية صبغة اللاعب الأساسي في البناء الديمقراطي للمشهد السياسي الذي تقوم عليه أسس الدولة،فتتقاسم الأدوار بين أحزاب حاكمة تحاول جهد المستطاع تنفيذ برامجها التي حازت من خلالها على تأييد المواطنين و بين أخرى في المعارضة تراقب عن كثب مدى جدية الحكومة في الاستجابة لمطالب الشعب لتتدخل في الوقت الذي تحيد الحكومة عن جادة المخطط المرسوم في تناول الشأن العام و قد تقوم اعوجاجها من خلال الملاحظة و المراقبة المستمرة إن كانت هناك هفوات تخل بالالتزام الذي قطعته الحكومة على نفسها، و بذلك يتحمل كل طرف مسؤوليته في تدبير شؤون البلاد.
بإطلالة بسيطة على البرامج التي تقدمت بها الأحزاب المغربية في الانتخابات المزمع إجراءها يوم 25 نونبر يتضح مدى تشابه هذه البرامج و كأنها نسخة واحدة مفصلة على قياسات مألوفة لدى جميع الأحزاب.فالكل يضع على رأس أولوياته محاربة الفساد بكل أشكاله و إعطاء الأولوية للخدمات الاجتماعية ببهرجة تفوق الوصف ،وهم يعلمون جيدا أنهم هم الفاسدون في الأصل و هم من وفروا التربة الخصبة لاستيطان الفساد و استشرائه داخل مؤسسات الدولة،فكيف لأحزاب تتشكل منها الحكومة أن تحارب الفساد و هي تسيطر على دواليب التسيير و تغض الطرف على ما يقترف من تجاوزات و تحمي المفسدين من المتابعة القضائية و هي تدرك أنها تقترف جرما شنيعا في حق المواطنين البسطاء؟.و كيف لأحزاب يحتكر زعماءها موارد الدولة و يسيطرون على الاقتصاد الوطني و يستحوذون في ما بينهم على خيرات البلاد أن تتصدى لهذا النوع من الفساد الذي يعاني منه المغاربة؟ ألم تكن مسئولة عن برامجها السابقة التي ادعت من خلالها القطع مع كل أشكال الفساد و لم تنفذ وعودها التي أغدقت بها على المواطنين في الانتخابات السابقة بسخاء؟ و لماذا يصوت المواطن وهو يدرك أن نفس الوجوه تتبادل الأدوار في ما بينها و سرعان ما تعيد ملفاتها إلى الرفوف دون اكتراث لما تضمنته البرامج الانتخابية الموسمية؟.كل هذا يدعو إلى التساؤل عن فحوى المشاركة في هذه الانتخابات؟.
قد تكون مقاطعة الانتخابات عملية سلبية تساهم بشكل أو بآخر في تسهيل دخول بعض الوصوليين و الانتهازيين إلى مراكز القرار و إمعانهم في تكريس الهيمنة على الحقل السياسي الوطني الفاسد أصلا، لكنها في نفس الوقت اعتراف ضمني بأن شكل هذه الانتخابات يعتريها من الخلل ما يضعها موضع شك في نزاهتها و الكيفية التي تدير بها وزارة الداخلية و التابعين لها هذه العملية ، بالإضافة إلى أنها تعبير يريد من خلاله المواطن إظهار مدى تذمره و سخطه من الواقع البئيس الذي يكتنف الساحة الوطنية و يشل الحياة الاجتماعية بكيفية رهيبة. فكيف للعملية الانتخابية أن تتسم بالديمقراطية و الإنزال المالي الفظيع يهيمن على الساحة الوطنية بشكل تبدو معه العملية مجرد مسرحية هزلية سرعان ما تنتفي فيها المسئولية الوطنية بمجرد فرز نتائج الانتخابات.
إن المنظومة الحزبية بالمغرب يعتريها خلل بنيوي يتطلب إعادة صياغته بكيفية تتماشى و الظروف الراهنة ،إذ لا يعقل أن الأحزاب العتيقة التي تسيطر على المشهد السياسي في البلاد هي نفسها التي تواكب هذا الحراك الشعبي الذي يجتاح الوطن العربي بنفس الوجوه و نفس العقلية التي كانت سائدة منذ عقود خلت ، و تعالج الظرفية الراهنة بالكيفية التي تخدم أجنداتها دون أن تجدد نخبها و تفسح المجال للشباب الطموح الراغب في التغيير و الإصلاح و نهج سياسة جديدة تتأقلم مع المتغيرات الجديدة ، و بالتالي فهي بذلك تكرس صورة الاستبداد و السلطوية التي تغلف واقع جل الأحزاب الوطنية.