صنعاء نيوز - الاستاذ ايمن نبيل كان مفاجأة سارة بالنسبة لي انا الذي لم اسمع به ولم اقرأ له من قبل. مقالته الممتازه تبشر بكاتب محلل من الطراز الرفيع. يقول:
قواعد الحزب تعاني الشيزوفرينيا، فهي تناهض الحركة الحوثية وتجابه الموت كل يوم،" ولكنها لم تقم بخطوة واحدة لتصحيح المسار الكارثي للحزب، وحتى الاعضاء الجدد في اللجنة المركزية -وبعضهم اصدقاء مسيسون ومثقفون نعرف قدرهم الكبير ووعيهم الوطني- لم يحدثوا فارقا طفيفيا .. لم يحدثوا جديدا لا يرى بالعين المجردة حتى!
الحزب الاشتراكي الآن عبارة عن تركيز لكل اشكالياته التاريخية، وهو يعاني حقيقة آخر "نزعات الانحلال:
عن الحزب الإشتراكي اليمني
أيمن نبيل
الحديث عن الحزب الاشتراكي في سياق تاريخي يحتاج الى طرح عابر للتخصصات، من الايديولوجيا الى السوسيولوجيا الى تأثيرات الريف الى تاريخ العصبيات الى رأسمالية الدولة والاقتصاد السياسي الى طبيعة الجغرافيا والتأريخ للحركة الوطنية والعلاقات الخارجية و..الخ، وهذا نقاش ليس هنا مكانه علي اية حال، وسنناقش في هذه المقالة الحزب الاشتراكي كموضوع خلال المرحلة الانتقالية مع مقدمة ربط تاريخي مقتضب.
تعرض الحزب لكارثته الكبرى بعد 94 من تمزيق وتشريد لكوادره، ولا يجب ان نستهين مطلقا بإعادة بعث الحزب بعد تلك الكارثة، فهذا البعث السريع والمتمكن كان علامة على صلابة القواعد الاجتماعية للحزب وعلى رباطة جأش قياداته آنذاك، ولكن عملية إعادة الترميم هذه حملت معها مشاكل كثيرة كذلك، أهمها ان دمقرطة الحزب لم تتم فعليا، وأن عمليات القطع مع الماضي لم تحدث، ولا يجب ان يغيب عن خلدنا لحظة واحدة ان رئيس جهاز امن الدولة سئ السمعة في اليمن الديمقراطي عضو يفتخر به في الحزب الى اليوم بدون اي خجل! ... هذا بالطبع مجرد تمظهر واحد للإشكال البنيوي الذي رافق عملية اعادة التشكيل: تحت الضغط، تم ارجاع الكادر بدون اي حس نقدي، وبدون اي مراجعة للأيديولوجيا رغم الصدمة، بل ربما بسببها.
في مرحلة الشهيد جار الله عمر، كانت هناك رغبة في تشبيب الحزب، وكانت هذه الرغبة تترجم ذاتها الى العلاقات الممتازة والمؤثرة التي عقدها جارالله مع مجموعة من الشباب الجديد في الاشتراكي آنذاك، ولكن ظلت المراكز المستعادة تحكم سيطرتها على بعض المفاصل.
تأثر الحزب بسياسات النظام الداخلية تأثرا بنيويا، فالحزب الاشتراكي يحمل في عنقه (الذنب التاريخي) باقتياده الجنوب الى الوحدة، ومع اغتيال جار الله عمر واستمرار الاشتراكي في خوض غمار السياسة في إطار اللقاء المشترك، تعضت التشكيلات العصبوية في الحزب، وهذا على العموم امر شائع في الاحزاب اليمنية الكبرى وليس حكرا على الاشتراكي، ولكن الفارق المهم كان في ظهور الحراك الجنوبي والذي شكل تمفصلا في مسار الحزب، فالنواة الأولى للحراك الجنوبي كان مجموعات المبعدين بعد 94 -وكان ابعادهم تمظهرا للسلوك الاستعماري الداخلي النموذجي- وهؤلاء، بسبب طبيعة نظام جمهورية اليمن الديمقراطية الذي لم يفصل بين الحزب والنظام وجهاز الدولة وعادل بينها، هم من قواعد الحزب الاشتراكي بالضرورة، وبالاضافة الى "الذنب التاريخي"، وجد الحزب نفسه في قلب الأزمة الجنوبية وتفاعلاتها، وأثر هذا قطعا في تعاظم النزعة المناطقية في داخل الحزب -وهي موجودة في كل الاحزاب السياسية اليمنية بسبب وعيها الريفي- بالتوازي مع تأجيل العمليات الديمقراطية الداخلية مما زاد من تكلس الحزب وتعاظم قوة المراكز فيه، وتبدى هذا التكلس بعد ثورة فبراير.
بعد ثورة فبراير، تفجر المجتمع اليمني وتفجرت معه الازمات المخفية في التشكيلات السياسية الكبرى، وتبدت ازمة اليسار في اليمن حتى على المستوى النظري، حيث اتضح ان الايديولوجيا على كارثيتها لم تعد بذاتها من بنية الحزب، بل الشعاراتية والناستالوجيا هي بنيته الرئيسية، وهذا متسق مع تعاظم العصبويات والنزعات المناطقية بداخله: انها وسيلة تغطية على كوارثه البنيوية التي غيرت من صفته كحزب تقدمي وطني وتحول الى اقطاعيات تتمثل ادارتها بالمحافظة على التوازن فيما بينها، ونتذكر اننا في عام 2012 ناقشنا صديقا عزيزا من كوادر الحزب، وسألته عن سر هذا الجمود وعدم تحرك ياسين نعمان لإحداث تثوير في الحزب، حينها اجابني اجابة ملفتة.. قال:
نعمان يتمنى لو تتحرك القواعد وتضغط عليه فيقوم بتبني سياسات تحديثية بنيوية كاستجابة للضغط، لأنه لا يستطيع ولا يجرؤ على احداث خلل في التوازنات المناطقية في الحزب!
وبغض النظر عن سلامة تحليله، فإننا نتفق مع اشارته الى ازمة الحزب وتحوله الى اقطاعيات.
********************
مع كل هذه المشاكل البنيوية، تلفت نظرنا ظاهرتان مهمتان:
الاولى هي صعود الخطاب الفاشي الشعبوي ضد منتقدي اداء الحزب، حيث وصل ذروته في 2013 ممثلا بافتتاحية صحيفة الثوري -صحيفة الحزب الاشتراكي- والابتذال الشديد في الرد على النقد من خلال الشتائم، وصعود هذا الخطاب تمظهر للأزمات المعقدة التي المحنا اليها آنفا.
الثانية هي أن اغلب الشخصيات المهمة المكونة لواجهة الحركة الحوثية شخصيات اشتراكية، والمغفل فقط من يرى في هذا الأمر مجرد "صدفة"، لأن تكرار الحادثة بحيث تتحول الى ظاهرة لا يمكن تفسيره عبر فكرة الصدفة، بالاضافة الى ان الدوائر التنظيمية الداخلية في الحزب لم تتخذ اجراءات عقابية تجاه هذه الشخصيات رغم وجود كل المسببات التي تسمح بذلك، ابتداء بمناقضة الحركة الطائفية المسلحة للفكر التقدمي "المفترض" للحزب، وانتهاء بازدواجية العضوية، بل واكثر من ذلك، فإن الشيخ الغولي الذي قاتل مع الحركة الحوثية في عمران عضو في الاشتراكي، ولعلنا نتذكر جميعا الهجمة الفاشية التي تعرض لها مراسل قناة البي بي سي في اليمن حين المح لهذه النقطة، وقد دخل في حملة التشهير به اصدقاء جيدون للأسف، وهذا يقع ضمن الظاهرة الأولى.
لهذه الظاهرة تفسير مركب، الأول هو ان الحزب اخترق فعلا -وهذا مرجح- وكان اختراقه عموديا، حيث ان الإشتراكيين الموالين للحركة الحوثية ليسو من القواعد في الأساس، بل من القيادات والصحفيين الذين كرسوا انفسهم كاشتراكيين مؤدلجين، بالاضافة الى امر مهم، وهو استثمار الجرح التاريخي في الاشتراكي بسبب التجمع للإصلاح الذي شارك نظام صالح في تمزيق الحزب، ولا يجب علينا اغفال امر عميق ومحوري كهذا في السايكولوجيا الجماعية في الحزب، وقد استثمرت الحركة الحوثية هذا الجرح التاريخي من خلال طرحها لذاتها كنقيض وجودي للتجمع اليمني للإصلاح، مما سمح لكثير من الاشتراكيين بالوقوف مع بل والانضواء تحت، الحركة الحوثية بدون خجل او مواربة.
مع صيف 2014، تشكلت استراتيجية جديدة عند الحزب فيما يخص الحركة الحوثية -اما القضية الجنوبية فقد كان الاشتراكي واضحا في تمسكه بفكرة الاقليمين الكارثية كحل للقضية وللحفاظ على، واستثمار قواعده الاجتماعية هناك مستقبلا، والتكفير عن ذنبه كما يتصور- تتلخص في عدم تقديم مواقف واضحة من الحركة الحوثية وسلوكياتها، مع السماح للمؤسسات الصحفية التابعة له بالتعبير عن الوعي الوطني المناهض للحركة الحوثية، وقد قدمت صحيفة الثوري فعلا نموذجا جيدا وشجاعا لمقارعة الحركة الحوثية وهي في قلب العاصمة ولا تزال.
ومع انعقاد مؤتمر الحزب وانتخاب أمين عام خلفا للدكتور ياسين، وصل الحزب الاشتراكي الى قمة ازمته ولم يتبق له الا خطوة واحدة للانحلال:
يتصرف الحزب الاشتراكي الآن كحليف للحركة الحوثية، هذه هي الحقيقة المرة والتي لا يجرؤ البعض على قولها بسبب الخوف: اما الخوف من مواجهة الذات وانكسار المثال وتحطيم الاوهام، او الخوف من حملات التشنيع التي اثبتت كوادر الحزب المتعصبة قدرتها على شنها.
الحزب الاشتراكي حليف للحركة الحوثية، وحين تحدث السيد علي البخيتي عن رفض الاشتراكي لحل التجمع اليمني للاصلاح من قبل الحركة الحوثية، خطر في بالنا تساؤل هام:
على اي اساس تخاطب الحركة الحوثية الحزب الاشتراكي بصورة منفردة عن "نياتها"؟ وبأي تعليل نفسر عدم اعلان الاشتراكي لرفضه لهذه النوايا علنا وفضح الحركة الحوثية مباشرة؟
هناك تحالف ضمني، يتغذى بالأزمات البنيوية داخل الحزب، بحيث يعتقل شبابه في المظاهرات بدون ان يحرك ساكنا! ، وبحيث يطالعنا الامين العام بقوله ان الحزب الاشتراكي طرف "موضوعي"، وللعلم فإن الاستاذ السقاف قد ابتكر مصطلحا عجيبا يناقض فكرة السياسة:
فمن سينحاز اذا وقفت الاحزاب على الحياد؟! ثم هل تعد الحركة الحوثية مجرد "طرف"؟! .. وبالمناسبة، كلنا يعلم -باستثناء المغفلين- بأن الوقوف على الحياد بين ظالم ومظلوم هو موقف ينحاز للظالم ولكن بخجل ومواربة، وهناك بالطبع عدة شواهد اخرى على هذا الحلف الضمني بين الحزب الاشتراكي والحركة الحوثية، ولكن يكفي ما اوردناه لإثبات صحة ما ذهبنا اليه، وتبقى جريدة الثوري حاليا هي فقط من يذكرنا بان الحزب الاشتراكي حزب وطني .. فقط!
قواعد الحزب تعاني الشيزوفرينيا، فهي تناهض الحركة الحوثية وتجابه الموت كل يوم، ولكنها لم تقم بخطوة واحدة لتصحيح المسار الكارثي للحزب، وحتى الاعضاء الجدد في اللجنة المركزية -وبعضهم اصدقاء مسيسون ومثقفون نعرف قدرهم الكبير ووعيهم الوطني- لم يحدثوا فارقا طفيفيا .. لم يحدثوا جديدا لا يرى بالعين المجردة حتى!
الحزب الاشتراكي الآن عبارة عن تركيز لكل اشكالياته التاريخية، وهو يعاني حقيقة آخر نزعات الانحلال:
قبل يومين، كتبنا عن تجربة اليسار الالماني عشية صعود النازية، ولكن مالم نقله هو ان الحزب النازي كان حزبا اشتراكيا قوميا!.. ولم يتبق للحزب الاشتراكي ان لم يتداركه الوطنيون الا ان يعلن حلفه مع الحركة الحوثية فيتحول رسميا الى ذراع جديد لمليشيا طائفية مسلحة، وهنا يكون انحلاله: انحلاله الذاتي، وانحلاله من تاريخه كحزب أسس لدولة مابعد الاستقلال.
|