صنعاء نيوز/د.ماهر الجعبري -
لا يمكن فهم التجاذبات الحزبية في أجواء الانتخابات دون فكفكة شبكة العلاقات الثنائية بين الأحزاب في الكيان الصهيوني والأحزاب الأمريكية، من حيث العقلية والأساليب:
إذ من المعروف أن حزب الليكود الصهيوني المتطرف يميل إلى الأساليب الدموية التي تستند إلى استخدام قاعدة "القوة الصلبة" والحسم العسكري في الصراعات، وهو يلتقي بذلك مع اليمين الأمريكي المتمثل في الحزب الجمهوري الذي يستخدم القوة العسكرية لتحقيق مصالح أمريكا في العالم، وهو الذي خاض حروب العراق وأفغانستان. وتلقائيا صار الليكود (صديق الحزب الجمهوري) خصم الحزب الديمقراطي.
وفي المقابل، فإن الديمقراطيين الذين يفضّلون استخدام "القوة الناعمة" القائمة على الدبلوماسية والوسائل السياسية والمشروعات الاقتصادية هم في تجانس - من حيث الفكرة العامة والأساليب - مع نقيض الليكود، وهو تاريخيا حزب العمل، الذي يستند إلى قاعدة "الدهاء" السياسي. صحيح أن حزب العمل ضم المؤسسين الأوائل من ذوي العلاقات القوية مع بريطانيا، إلا أن العلاقات المصلحية والدهاء الدبلوماسي كفيلة بتحقيق أرضية التقائه مع الديمقراطيين الأمريكان. ثم إن قادة اليهود يخدمون الدول الغربية بالقدر الذي يحقق مصالحهم.
إذن فالمحصلة أن هنالك التقاء مصالح انتخابية بين الليكود والجمهوريين من جهة وبين حزب العمل (ومعه - ليفني) والديمقراطيين من جهة أخرى، وحيث إن الرأسمالية هي الفكرة الأساسية عند الفرقاء جميعا، وهي التي تجعل "المصلحة" فوق كل اعتبار، فإن جميع الأطراف تتورط في فظائع تحت ضغط التنافس الانتخابي دون "أخلاق"، ومن هنا تبرز سجلات الفضائح للأطراف المتخاصمة.
لذلك لاحقت نتنياهو فضائحه الأسرية والانفاق المالي المبالغ فيه، وهي ما جعلت كفة نتنياهو الانتخابية تنزل، وقد اشتكى من ألم هذه المهاجمة الإعلامية وقال "أتركوا عائلتي وشأنها" (القدس العربي 26/1/2015).
وفي هذا السياق، لا بد من تذكّر السجل الخاص من النكد السياسي بين نتنياهو والديمقراطيين: فهم لا ينسون فضائح "مونيكا-كلينتون" التي ساهم المدافعون عن نتنياهو في ترويجها ضد الرئيس الديمقراطي في حينه، خلال لعبة العض على الأصابع بين الطرفين في نهاية التسعينات.
وفي صد الهجوم الإعلامي الشرس عليه، حرص نتنياهو على البروز أمام الناخب اليهودي بصورة البطل المدافع عن أمن كيان يهود، والرافض لنووي إيران، لو أدّى ذلك لتحدي أوباما والخروج على الأعراف الدبلوماسية. فعمل بذلك على إعادة شيء من الاعتبار السياسي والانتخابي، لمعادلة الكفة.
أما على الطرف المنافس المتمثل في "معسكر اليسار الوسط" الذي يضم حزب العمل بقيادة هرتسوغ وحزب "هتنوعا" الوسطي بقيادة ليفني (حزب الحركة)، فقد التقت مصالحهم مع الديمقراطيين، وعملوا على إبراز مخاطر تلك المواجهة بين ليكود-نتنياهو وديمقراطي-أوباما على أمن ووجود الكيان اليهودي، وربما كان في إطلاق عنوان "المعسكر الصهيوني" على هذا التحالف نوع من التنافس الشعاراتي مع نتنياهو.
وكان الليكودي موشيه آرنس وزير الحرب (الدفاع) السابق قد جدد التذكير بتصريح سابق لشاورن من أن "إسرائيل" "تمثل حاملة طائرات أمريكية ثابتة" (صحفية فلسطين 17/2/2015)، وهو بذلك يلفت انتباه الناخب "الإسرائيلي" إلى حجم الخدمات التي تقدمها "إسرائيل" لأمريكا، مما يمكن اعتباره نوع من طمأنة الناخب من أن أمريكا لا يمكن أن تتخلى عن "إسرائيل"، لتحقيق مصالحها الأمنية والعسكرية، وذلك ردا تخويف حزب العمل (ومعسكره) الناخبين من تهديد العلاقة مع أمريكا.
إذن، فقد حاول الطرفان ترجيح الكفة الانتخابية، ولكنها ظلّت دون حسم قبل الانتخابات، وظلت الفرص الانتخابية متكافئة.
وثمة خلافات أخرى بين الطرفين تتعلق بالنظرة للكيان الفلسطيني: فمن المعلوم أن حزب العمل يوافق على حل الدولتين القاضي - نظريا - بإقامة "دويلة" فلسطينية منزوعة السلاح تمارس صلاحيات إدارية، بينما ظل الليكود رافضا لنزع السيادة اليهودية على أي جزء من فلسطين وظل يضع العراقيل، ولذلك حصل انشقاق في الليكود عندما نفذ شارون الانسحاب الأحادي من غزة وأسس حزب "كاديما" عام 2005. وهذا لا يعني أن حزب العمل سلس في تحقيق الدولة الفلسطينية، بل يعمل على تفريغها من أي مضمون سيادي، بل يقبل مبدأ "التخلّي الإداري"، بينما يصرّ على بقاء الهيمنة العسكرية والمستوطنات، وعلى وجود حزام أمني على نهر الأردن.
إذن يلتقي الطرفان على مبدأ عدم وجود سيادة أخرى فوق فلسطين غير كيان يهود، ولكنهم يختلفون في الشكل والإخراج، والنظرة الصهيونية لليكود قائمة على التمدد والتوسع الجغرافي، أما العمل فطورها للتمدد الاقتصادي وفتح الأسواق العربية.
وبغض النظر عن نتائج الانتخابات، سيبقى "أمن كيان يهود من أمن أمريكا" عند الديمقراطيين والجمهوريين على حد سواء. ومن ثم فلن تتغير طبيعة الصراع على فلسطين بين الأمة والكيان الصهيوني ومن خلفه أمريكا، ومن السخف السياسي أن تجد في الطبقات السياسية من يرجو خيرا من نتائج تلك الانتخابات، ومن يرقب الحل من إفرازات تلك الصناديق.
وفي الختام، لا بد من التفريق بين التحليل السياسي والعمل السياسي، إذ إن مجرد التحليل لا يغير واقع فلسطين، وإن التوقعات المجردة لا يمكن أن تنتج فعلا سياسيا، بل لا بد من أن يقترن العمل التغييري مع التحليل حتى يخرج المحلل من أسوار المعاهد وخزانات الأفكار إلى الميادين والشوارع السياسية ليكون مؤثرا في حركة تغيير الأمة وتحريرها. |