صنعاء نيوز/الدكتور عادل عامر -
أن التطورات التي تشهدها المنطقة أكدت أهمية الوجود المصري في المبادرة، لالتئام الشمل والقضاء على أسباب الفرقة والانقسام. أن "مصر لن تفرط في حقوقها المائية، لكنها نجحت بحنكة الرئيس السيسى، بالتوصل إلى اتفاق يرضي جميع الأطراف ويمنع تحول دول مجرى نهر النيل إلى ميدان للصراعات والحروب، وذلك عبر العودة إلى القانون الدولي". أن الحديث عن قدرة أي نظام سياسي في مصر على مواجهة أزمة سد النهضة لا تتم بين يوم وليلة، فالقضية تعود لعشرات السنين، وتحديدا منذ اتفاقية 1959، الخاصة بمياه النيل بين مصر ودول الحوض. أنه منذ منتصف ستينيات القرن الماضي وإثيوبيا تقوم بدراسات لإنشاء سدود كبرى على نهر النيل، ومع غياب السياسة الخارجية المصرية طوال حكم مبارك وأثناء ثورة يناير، استغلت إثيوبيا الفرصة لتحقيق أهدافها، بغطاء سياسي تمثل في مبادرة حوض النيل. أن مشروع الربط الملاحى بين بحيرة فيكتوريا والبحر المتوسط يتم فى إطار تطوير سبل التعاون بين دول حوض النيل، والاستغلال الأمثل لمياه النهر وتعظيم الفوائد لجميع الدول، مشيرًا إلى أن الربط الملاحى مشروع استراتيجي طموح، له العديد من الأهداف على المدى البعيد، التى تعمل على تعظيم القيمة الاقتصادية والسياسية لنهر النيل، وإحداث نهضة فى التعاون والتبادل التجارى بين دول حوض النيل.
ويعني ذلك أن أي حديث عن حاجة إثيوبيا لمياه النيل التي تتدفق إلى مصر، والتي ترتبت عليها حياة البشر والنبات والثروة الحيوانية بصورة كلية في مصر، هو حديث بعيد عن الحقائق ويثيره البعض وبالذات في بعض مراكز الأبحاث المخابراتية في الغرب لإذكاء الصراع بين مصر وإثيوبيا، ولدفع الأخيرة على التوجه للاعتداء على حصة مصر بدلا من استخدام المصادر الأخرى للمياه المتوافرة لديها. ويبقى حديث حاجة إثيوبيا إلى الطاقة الكهربائية من مساقط المياه التي يمر بها النيل الأزرق والروافد المختلفة لنهر النيل، هو الحديث الذي يمكن قبوله وتنظيم الاستفادة بتلك الطاقة دون إضرار بمصالح مصر والسودان. أما إريتريا فإن مواردها المائية الداخلية تبلغ 3 مليارات متر مكعب، ويبلغ متوسط نصيب الفرد منها نحو 549 مترا مكعبا. ويأتي جزء من إيرادات نهر عطبرة من إريتريا، فضلا عن كونها معبرا شديد الأهمية لمياه ذلك النهر إلى النيل الرئيسي. وتعتبر موانئ إريتريا وجيبوتي هي المعابر الوحيدة للتجارة الخارجية الإثيوبية، نظرا لأن إثيوبيا منذ انفصال إريتريا عنها، أصبحت دولة داخلية مغلقة لا توجد لها أية منافذ على البحر. ويستهلك قطاع الزراعة في إريتريا نحو 95% من موارد المياه المتاحة لها، بينما يشكل الاستهلاك المنزلي نحو 5% من إجمالي استهلاك المياه العذبة في ذلك البلد الشديد الأهمية لمصر من كل الزوايا المائية والإستراتيجية، دون أن يلقى الاهتمام الذي يستحقه من الدولة المصرية حتى الآن. اثيوبيا كما يؤكد الدكتور أقدمت على بناء السد في وقت كانت فيه الساحات و الميادين في المدن المصرية تعج بملايين المحتجين و تدوي بأصوات و هتافات تلك الملايين و بهدوء تام و بدون جلبة أو ضوضاء بالبدء في بناء السد .
لم تقتصر التهديدات الإثيوبية على رئيس الأركان و القيادات العسكرية التي إختارت موقع السد لتطلقها بل شملت أيضا وزير الدفاع لتأكيدات الإثيوبية بإمتلاك القدرة و الجاهزية لصد أي هجوم سواء على موقع السد أو على إثيوبيا عموما .هل يمكن تفسير هذه التأكيدات على أنها تندرج ضمن الحرب النفسية أو نوع من التمويل و الخداع لردع مصر عن القيام بأي إجراء لإجهاض مثل هذا الإجراء أي الخيار العسكري .
لكن هناك تقارير ترقى إلى مستوى المعلومات التي تحض بالمصداقية و مصدرها شعبة التعاون الخارجي تسريبات في وزارة الدفاع الإسرائيلية تكشف المستور. هذه التقارير تكشف أن القيادة الأمنية الإسرائيلية ( وزارة الدفاع ووزارة الشؤون الإستراتيجية و الإستخبارات ) أمدت إثيوبيا و بموافقة رئيس الوزراء بن يمين نتانياهو و نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية أفيجدور ليبرمان بحزمة من الوسائل التي تشكل مكونات المنظومة المضادة للطائرات و الصواريخ :
1- منظومة القبة الفولاذية ثلاث بطاريات لحماية موقع السد ( البحيرة و محطات توليد الطاقة ثم جسم السد )
2- ثلاث بطاريات صواريخ مضادة من نوع باتريوت الأمريكية المحسنة .
3- صواريخ حيتس 1و 2 لإعتراض الصواريخ المتوسطة و البعيدة المدى هذه الحزمة تشكل ما يعرف بمنظومة الدرع الصاروخي أو منظومة إعتراض الصواريخ .
هذه المنظومات نقلت إلى إثيوبيا خلال الأشهر الثلاث الأخيرة من عام 2014 أي شهر فبراير ومارس و أبريل ، و بحس مصادر مقررة من مكتب مدير عام وزارة الدفاع و المسؤول عن مبيعات الأسلحة أو تصديرها تجاريا أو على سبيل المساعدات و الدعم فإن هناك 1000 جندي و ضابط أرسلوا إلى إثيوبيا من أجل تشغيل هذه المنظومات و تجريب أطقم إثيوبية على تشغيلها في المستقبل .
يتضح من تحليل الخطاب التهديدي الإثيوبي التداخل والإرتباط بين لهجته التصعيدية و بين هذا الدعم العسكري الإسرائيلي لإثيوبيا و الذي تم بضوء أخضر من قيادات عسكرية أمريكية سياسة النعامة ووضع الرأس في الرمال . التغطية الإعلامية للأزمة المائية مع إثيوبيا من قبل وسائل الإعلام المكتوبة أو المرئية و الناطقة التلفزة و الإذاعة لم تكرس أو تتطرق إلى البعد الإسرائيلي في تهديد الأمن المائي لمصر إلا لماما و بشكل عابر و في أضيق الحدود وإقتصر على صحيفة أو صحيفتين السودان نال النصيب الأوفر من الإتهامات و الحملات الشعواء في إطار هذه التغطية . و يمكن القول و بموضوعية أن السودان تعرض لإتهامات و تجنيات بنفس المستوى من الخبرة و العداء لما تعرضت له إثيوبيا . إسرائيل المتداخلة و المشاركة في بناء مشرو ع سد النهضة عسكريا و ماليا و فنيا و توفير الدعم السياسي لأثيوبيا على الصعيد الدولي . تركيا الذي ذهب وزير خارجيتها داوود أغلوا إلى أديس بابا في بداية شهر أبريل من العام الحالي من أجل تأكيد دعم تركيا لمشروع بناء السد و مشاركة الشركات التركية في هذا المشروع . غني عن البيان أن تركيا حليف لإثيوبيا منذ خمسينات القرن الماضي و هناك تنسيق في إدارة الصراع مع دول حوض النيل و حوض دجلة والفرات .
هناك إلى جانب تركيا أيضا قطر.
لا شك أن الأزمة المائية في مصر الناجمة عن بناء سد النهضة ستكون أزمة مفصلية عندما تنجز إثيوبيا مشروع بناء سد النهضة عام 2017 . إثيوبيا و كما تؤكد جميع الدلائل لن تتراجع عن موقفها فهي تتصور أن الوقت يعمل في صالحا و أن البيئة الإقليمية و الدولية تعمل لصالحها بينما مصر ظلت تعزل نفسها حتى عن بيئتها العربية منذ إتفاقية كامبديفد 1979 السيئة الصيت .
كاتب المقال
دكتور في الحقوق و خبيرفي القانون العام
ومدير مركز المصريين للدراسات السياسية والقانونية والاقتصادية
عضو والخبير بالمعهد العربي الاوروبي للدراسات الاستراتيجية والسياسية بجامعة الدول العربية
|