صنعاء نيوز/بقلم الصحفي/ رامي فرج الله - كاتب ومحلل سياسي – فلسطين -
طالعتني قبل ثلاثة أيام إذاعة " صوت إسرائيل " في نشرة أخبار السادسة والنصف صباحاً، خبراً يؤكد اعتراف قادة الحرب الإسرائيلية الأخيرة على غزة، بأن محمد الضيف، القائد العام لكتائب القسام، مازال حياً ويباشر عمله العسكري، رغم ضراوة العدوان على الفلسطينيين في قطاع غزة الصغير.
وعلى كل حال، لقد كتب الله تعالى لهذا الرجل عمراً جديداً لحكمة لا يعلمها إلا هو، بيد أن هذه الحكمة قد بدت ملامحها، بفتح تحقيقات واسعة على مستوى القيادات العسكرية والعناصر في الإخفاقات التي حدثت في مناطق متفرقة من القطاع، لاسيما المناطق الشرقية لرفح المتاخمة للحدود مع الأراضي المحتلة عام 1948، إضافة إلى التحقيق في استشهاد قادة أركان الكتائب الثلاثة رائد العطار و محمد أبو شمالة وبرهوم، واستشهاد عدد لا بأس به من النخبة القسامية شرق رفح و خانيونس وغيرها من المناطق الشرقية للقطاع، وتغيير القيادات العسكرية بلا استثناء.
بعد أن وضع العدوان الأخير أوزاره مباشرة، سألني صديق أبهره إنجازات كتائب القسام وفصائل المقاومة الفلسطينية، عن مستقبل حماس وجناحها العسكري، فقلت حينها : " إن حماس قد انتهت من الخارطة السياسية، أما كتائب القسام فسوف تخطو خطوة صعبة ودقيقة في هذه المرحلة التي تعيشها القضية الفلسطينية في ظل المتغيرات الدولية والإقليمية"، فسألني مرة أخرى مستفهماً عن هذه الخطوة، فأجبته وقتئذ أن القسام سينحو نحو الانفصال عن الحركة الأم، والعمل على تخريج قادة سياسيين وعسكريين من الكتائب نفسها، وسوف يتم تغيير القادة العسكريين وخصوصاً في المجلس العسكري العام للكتائب، وسينأى القسام بنفسه عن الأحداث الدائرة في الوطن العربي والالتفات فقط لتحرير فلسطين ، و أضفت أيضاً " سوف يتم تهميش دور خالد مشعل، وربما يصل الأمر إلى إجباره على الخروج من حماس ولكن سيتم الإعداد لخروجه بطريقة تحفظ ماء الوجه بإعلانه اعتزال الحياة السياسية".
اندهش صديقي من كلامي هذا، ورؤيتي لمستقبل الحركة و القسام، واستبعد حدوث ذلك، حينها قلت له: " لا تستبعد شيئاً عندما تتكشف الحقائق مع الأيام، وتعلم علم اليقين أن كتائب القسام لم تكن مستعدة بشكل جيد لخوض غمار الحرب، لكن الحركة فرضتها عليه من الخارج و أفراداً من الداخل باختطاف الفتية المستوطنين في الخليل لتقديم بعض قيادات القسام التي تريد عودة السلطة الشرعية إلى غزة كبش فداء، ولا يرضيها ما يحدث هنا منظلم واضطهاد،ورفضت الاقتتال الداخلي الذي أدى إلى الانقسام، بدليل أن هناك كوادر امتنعت عن المشاركة في أحداث 2007، فمنها من التزم بيته، وأخرى من جمد نفسه ولم يرفع السلاح في وجه أخيه حفاظاً على شرف المقاومة ، والأدهى والأمر حينما تظهر أسباب الحرب بتسرب محضر اجتماع الرئيس عاس وخالد مشعل في الدوحة يطلب الأخير منه صرف رواتب لموظفي غزة الذين وظفتهم حماس على أسس حزبية باطلة ودون مؤهلات أيضاً، لأن الكثير من الموظفين أدركوا مؤخراً أن حماس باعت موظفيها وذلك بالحديث عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وإذاعة صوت الأقصى علماً أن اتفاق الشاطئ وقبله الدوحة والقاهرة لم يتطرق إلى موظفي غزة على الإطلاق ، بل أكد على بند عودة الأمور على ما كانت عليه قبل 2007، والسبب الثاني حفاظ الحركة على نفسها باستعطاف شعوب العالم ، ورفع الحصار عن غزة، مع العلم أن الحصار شدد في الاونة الأخيرة على مصالح بعض المتنفذين داخل الحركة".
ومنذ ذلك الحين، لم أره إلا قبل أسبوع ليريني ما استبعده وقتها، مؤكداً الرؤية السابقة من خلال رسائل جواله باشتراكه بموقع فلسطين المحتلة الذي نقل عن موقع والا العبري، أن القسام بدأ تغييرات جذرية لقياداته العسكرية، وأنه لم يكن راضياً عن سياسة مشعل بالتدخل في الشئون السورية والمصرية على حد سواء، مؤكداً أن هناك توجهات للانسلاخ عن حماس السياسية ، والنأي عن كل ما يحدث في الدول العرية، كما كشف الموقع العبري أن هناك تصفية حسابات داخل جماس.
إن القدر شاء أن يعيش الضيف ليعيد للحركة سياستها الاستراتيجية وهي إعادة البوصلة نحو القدس والتحرير، إحداث انقلابات على الفكر والمنهج لا الاستراتيجية بتقبل الاخر، واستيعاب الكل الفلسطيني، وتوحيد الصف بين أبناء الشعب الواحد، وربما يعمل الضيف على إيجاد من يخلفه في حمل الأمانة إذا ما استهدفته إسرائيل في مرات قادمة، و الأيام حبلى بالحقائق والأحداث الجسام.
|