صنعاء نيوز/الدكتور عادل عامر -
لقد ساد المجتمعات العربية في الفترة القريبة الماضية، سلوك يتسم بالرهبنة يهتم بحل القضايا الآنية في الاقتصاد والمجتمع من خلال التركيز على سلسلة من الإجراءات والسياسات الإصلاحية التي تهتم بالدرجة الأولى بمعالجة المشكلات التي يواجهها الاقتصاد والمجتمع دون أن يحكمها بالضرورة " أفق إستراتيجي واضح حول أساليب النهوض الاقتصادي، وتحديداً الانتقال من مرحلة الإصلاح الاقتصادي إلى مرحلة التطوير الاقتصادي والتنمية الشاملة. إذ لا يكفي معالجة قضايا الواقع الراهن فحسب من خلال حل سلسلة من المشكلات الآنية، مثل السيطرة على معدلات التضخم، تثبيت سعر الصرف، تخفيض حجم العجز في الموازنة، أو في ميزان المدفوعات، وبقدر أهمية وضرورة مثل هذه الإجراءات إلا أنها تظل سياسات منقوصة وقاصرة إذا لم يتم ربطها وتوظيفها في إطار إستراتيجية مستقبلية واضحة المعالم للنهوض والتطور الاقتصادي . إن عالم المستقبل هو عالم التكتلات الاقتصادية، عالم الشركات و الاستثمارات الكبرى، عالم التقانة و المعلوماتية، عالم الإدارة القادرة و القرار النافذ . لذلك يتوجب على البلدان العربية أن تخطو خطوات حاسمة في استمرارية لا رجعة فيها لتحقيق هدف التكامل الاقتصادي العربي و الوحدة الاقتصادية العربية التي بدونها لن يستطيع العرب بناء اقتصاد عربي قادر على البقاء و المنافسة في عالم الاقتصاد المعاصر .
وأما إذا تفارقا دائماً وتكراراً أو في أغلب الأحيان بتعمد أو بدونه، فذلك دليل التأخر، وهو ما يدل على الشيخوخة والهرم والعجز السياسي والتقهقر الاجتماعي والثقافي والسياسي في الأمة والوطن، أو يعني الطفولة والتهور والمراهقة والصياغة السياسية والشراهة في الميدان الاقتصادي والسياسي والاجتماعي. وفي كلا الحالتين يعتبر اختلاف القانون والواقع ضعفاً في الكيان والأمة والمقدرة والكفاءة الكافية وهذا كله هو المرض بعينه.
ذلك لأن أسس تلك الدساتير كانت مرتكزة على الدستور الإنكليزي ولا زالت على فكره الطائفي المستبد خانقاً لكافة الحريات، ومعادياً لجوهر الديمقراطية، يقود إلى الإضعاف في قيمة القواعد الدستورية والاستهانة بها وبشرعيتها التي كان ظاهرها يُستمد من موافقة الشعب، وكان وضعياً في جوهره وأحكامه وعلمانياً في روحه وديمقراطياً في اتجاهاته، وقد دونت نصوصه الأساسية في نص منفرد وخاص يتمتع بهيبة كبيرة تجعله مهيمناً على سائر القوانين ولا يتم تعديله إلا بطرق خاصة وهذه ما جعلته بعيداً عن يد العابثين به. كما كان بعيداً عن واقع الشعب ولم ينل موافقة غالبيته والى الآن. وربما نحتاج لمجموعة من الدراسات والأبحاث التي تعتمد نتائجها عادة كدليل ومؤشر على مصداقية النتائج والاستنتاجات لكننا هنا سنكتفي بما يظهر في أفق المستقبل من علائم تحددها ظواهر راهنة مع قليل من تطبيق معادلات الأستراتيجيا المعروفة من اجل حلول أو بالحد الأدنى ضوابط لمنع الانتقال لمرحلة أسوأ مما نراه ويحتمل أن نراه بعد هذه الأعوام الخمسة . وفى منهجية المقاربة لابد سنعتمد خطين رئيسيين وفى كل منهما مجموعة من العناوين المتشابهة لصناعة مربع منطقي يمكننا من تتبع خارطة الطريق المنوه عنها للوصول لاحتمال أقرب ما يكون للحقيقة وان كانت هذه بعد خمسة أعوام .
إن الأمر كان ليختلف نوعياً لو كانت المدة موضع التنبؤ تساوى ضعف هذه المدة ، وذلك لان العامل المقرر في مستقبل المنطقة وتحولاتها ما زال فتياً ويحتاج لوقت أطول لإنهاك قواه ومن ثم تحوله لعامل ثانوي غير حاسم في معادلة الشرق الأوسط ومنطقتنا العربية على وجه الخصوص إن الخطين المذكورين يقعان بين العامل الموضوعي الخارجي الحاسم للأسف والمقرر بخلاف منطق ماركس الديالكتيكى والذي يميل عادة لتغليب العامل الذاتي ، وربما نجد هنا هذا التناقض المميز لمنطقة تختزن كل عوامل التغيير كما اختزنت على مدى قرون كل ثقافة العالم بخيره وشره واحتضنت كافة الأديان وأنبيائها ورسلها وقامت بتشكيل الوجدان الانسانى وشكلت على مدى التاريخ محطة المتعبين كما المغامرين ممن صنعوا أمجادهم على خلق ذلك التماثل مع رموز المنطقة وإشعاعهم الحضاري ، وحاجتهم الدائمة لمصباح يضيء بزيت لا ينضب . وفى الشق الآخر من المعادلة تأتى العوامل الداخلية التي ربما لو تم استنهاضها بشكل علمي ومدروس فربما تقدم سلاحاً أكثر مضاءً مما نرى من اجل اجتثاث الكثير من الزوائد السرطانية وبؤر التخلف والانشقاق المؤدية حتماً لنهايات كئيبة وغير منصفة لمنطقة طالما قدمت للعالم وللمدنية أفضل أسسها . إن مخططاًً أمريكياً مدروساً يعمل منذ الإطاحة بنظام البعث العربي في بغداد ولعل العدد الهائل من ضحايا الحصار والاحتلال يمثل العلامة الأبرز على ذلك وهو ما ينطبق على معظم حالات وبؤر النار الموجودة بالمنطقة من جيبوتي والصومال مروراً بالسودان وانتهاءً بفلسطين ولبنان ، وما لا تعصف به الحرب الداخلية تتناوله جحافل التتار الجدد .
وفى هذا العنصر بتطبيقه على الواقع الداخلي وتصور القوى الحية حتى الآن لمعالجة هذه الأزمة وانعكاساتها المستقبلية المديدة نلاحظ محاولات ضعيفة وغير مدروسة لكنها تنم عن وعى أصحابها بخطورة الأمر وعقابيه الوبيلة على الأمة وأقطارها المبعثرة ، لكن التحول باتجاه ايجابي لن يكون خلال الخمسة أعوام المقبلة . وارتباطاً بذلك فان تطفيش العلماء وإغرائهم بالهجرة وقتلهم إن اقتضى الأمر وضعف الإمكانات المرصودة للبحث العلمي والتقني يساهم لاى حد كبير في ضمان نجاح الخطة الأمريكية لإبقاء المنطقة تحت رحمتها . إن وجودًا مديداً للقوات الأمريكية سيطيل زمن القتل عدداً ونوعاً وقد تم صب الزيت على نار الفتنة فابتعد حلم المصالحة وتقدم شيطان الطائفية والمذهبية بشكل مرعب وأصبحنا على وشك الانغماس جميعاً في لعبة إدارتها الولايات المتحدة ببراعة تحسد عليها وفى وجود كهنة لمعبدها الشيطاني ، وربما نحتاج لخمس أخرى لنتمكن من إطفاء الحرائق المشتعلة هناك ، ولعل أهل الرأي يتمكنون من اختراع مطفئ من نوع جديد ، أو هبة شعبية من نوع ما تدفع دول الجوار وكهنة المعبد على الولوج في وسط هذه النار لإطفائها أو إبقائها في حدود العراق وهذه تتطلب ليس فقط الشجاعة بل امتلاك أدوات التخلص من طقوس ومراسيم البطرك الأكبر .
وان أسوأ ما سيرافق انتصار المقاومة هو انفلات خطير في روابط المجتمع العراقي تريده أمريكا كتعويض عن هزيمة أصبحت وشيكة وهذا يساوى في الحقيقة هزيمة ليس للمشروع الوطني العراقي فحسب بل تدمير لكل أسس البناء الوحدوي العربي بأوهى عوامله وإلقاء ظلال كثيفة على المكون الأبرز لتشكيل امة تطمح لبقعة مرئية تحت الشمس .
كاتب المقال
دكتور في الحقوق و خبيرفي القانون العام
ومدير مركز المصريين للدراسات السياسية والقانونية والاقتصادية
عضو والخبير بالمعهد العربي الاوروبي للدراسات الاستراتيجية والسياسية بجامعة الدول العربية |