صنعاء نيوز/بقلم / حمدي دوبلة -
حين قرر كفار قريش فرض حصار اقتصادي واجتماعي شامل على بني هاشم في السنوات الأولى للدعوة الإسلامية كانوا يرمون إلى كسر إرادة المسلمين ومعهم بني هاشم قبيلة النبي الأكرم عليه وعلى آله أفضل السلام صغاراً وكباراً رجالا ونساء كفارا ومسلمين وإجبارهم عبر التجويع والتضييق المعيشي على العدول عن اعتناق الإسلام والرجوع إلى وثنية وأصنام مكة والرضوخ لرغبة عتاولة قريش وكبرائها.
هذا الحصار الجائر الذي عرف بحصار شعب أبي طالب استمر ثلاث سنوات كاملة افتقر خلالها لأي بعد أخلاقي وقيمي في وسائله وأهدافه ولذلك انهار أمام إيمان وعزيمة وسمو أخلاق النبي الكريم ومن معه من المحاصرين الأبرياء ..وإذا بالحصار الذي تبناه كبارات قريش وعتاولتها ذوي البطش والنفوذ ينهزم وتنكشف سوءاته أمام أول مبادرة حملت دلالات أخلاقية وإنسانية والتي استطاعت الإطاحة به وإعلان إخفاقه في تحقيق أي من أهدافه وأصبح الحصار في عشية وضحاها في خبر كان. وكأن لم يكن.
الطريف في الأمر أن هذه المبادرة الرافضة للحصار قادها أربعة من سادة وكبار الكفرة في قريش غير أنهم امتلكوا شيئا من مروءة وشهامة وأخلاق الإنسان العربي الأصيل التي لا تسمح لكائن بشري يتمتع بكافة ملذات الحياة فيما يهلك نفر من أبناء قومه جوعا وعطشا .
نذكر من هؤلاء الأربعة المشركين الذين تفوقوا في أخلاقهم وشهامتهم ورجولتهم على كثير من عرب ومسلمي اليوم البحتري بن هشام شقيق عمرو بن هشام ( أبو جهل ) وكذلك المطعم بن عدي وكلاهما من قتلى معركة بدر الكبرى حيث كانا ممن ناصبا الإسلام والمسلمين العداء والخصومة لكنهما بأخلاقهما العربية الكريمة رأيا في ذلك الحصار عملا مشينا لا يستقيم مع ما عُرف به العرب من شيم ومناقب أصيلة ترفض الظلم وتأبى الضيم وتأنف المذلة والانزلاق إلى مهاوي السقوط والرذيلة .
نجحت المبادرة الرافضة للحصار من أول محاولة لإنهائه على الرغم من أن مؤيديها لم يكونوا غير أربعة رجال لكنهم بأخلاقهم الرفيعة تمكنوا من إسقاط جبروت وعنجهية الحصار ودعاته وأربابه الذين لم يجدوا أي مبرر لمواصلة حماقتهم وجنونهم فاستسلموا لإرادة الحياة وسقط الحصار سقوطا مدويا وقبل أن يرى أهل مكة جميعاهم مسلمهم وكافرهم معجزة ( الأرضة ) التي أكلت كل البنود التي تضمنتها صحيفة الحصار ولم تبق إلا على كلمة واحد وهي ( بسمك اللهم )التي وردت في مستهل صحيفة الحصار الظلوم .
اليوم التاريخ يعيد نفسه لكن بطرق أخرى جديدة فالحصار الشامل والأحمق الذي يتعرض له شعبنا اليمني من قبل بعض أشقائه العرب والمسلمين يتفوق كثيرا على حصار شعب أبي طالب وتحديدا من حيث العنجهية والوحشية ومن حيث افتقاره لأي أبعاد أو مضامين أخلاقية تدل على امتلاك هؤلاء شيئا من قيم المروءة والشهامة وأخلاق أمة العرب .
وإذا كان حصار كفار قريش قد استهدف قطع الإمداد الغذائي عن عشرات أو مئات الأفراد من المسلمين وبني هاشم فان الحصار السعودي اليوم يستهدف قتل وتجويع أكثر من ثلاثين مليون إنسان يمني باتوا يعيشون أوضاعا مأساوية وكارثية في ظل انعدام الغذاء والدواء ومواد النفط وحليب الأطفال وكل أساسيات ولوازم الحياة اليومية وأصبح الآلاف من نزلاء المشافي والمرافق الصحية في مواجهة موت محقق بسبب انعدام المشتقات النفطية المشغلة لأدوات ومعدات وأجهزة تلك المشافي وكل مجالات الحياة . وذلك بسبب الحصار الذي تتفاقم آثاره التدميرية يوما بعد يوم مع العلم ان يوما واحدا من هذا الحصار يعادل عاما كاملا وربما أكثر من حصار شعب أبي طالب القديم بالنظر إلى تطورات الحياة وازدياد إعداد السكان وتسارع إيقاعات الحياة وتنامي احتياجات ومتطلبات العيش في زماننا .
كل هذه المخاطر والتهديدات بإبادة شعب عن بكرة أبيه لم تلق آذانا صاغية لدى مهندسي العدوان والحصار من الأشقاء الأعداء ليستمر الحصار على قدم وساق ودون أن يظهر صوت واحد يتسم بقليل مما اتسم به أولئك النفر من كفار قريش من سلوك يدل على المروءة والشهامة والخلق الرفيع رغم وثنيتهم وشركهم .
ولا أدري حقيقة ما إذا كان مرتزقة أسرة سعود قد وجدوا في قرارة أنفسهم قناعة راسخة بأن الحصار الشامل والإبادة الجماعية هما الحل الوحيد لكسر إرادة هذا الشعب وإخضاعه خاصة وان الغزاة المعتدين قد افتقروا للأخلاقيات الفاضلة ولصفات الشجاعة والإباء وأخلاق الفرسان والمحاربين التي تمكنهم من منازلة خصومهم اليمنيين وجها لوجه وفارسا لفارس في ميادين الشرف والبطولة رغم تفوقهم المطلق في العدة والعتاد غير أن هذا التفوق افتقد لقيمته على ما يبدو بعد أن تملكهم الهلع والذعر وجعلهم عاجزين ومشفقين على أنفسهم من خوض غمار الحرب بشرف وإباء .. لذلك لا غرابة أن نرى علامات الهزيمة بادية على تلك الأجساد المرتعشة حتى وهم متخفون في عنان السماء بعيدا عن بطش بواسل اليمن ومقاتليه الشجعان الذين يسطرون اليوم أروع الملاحم البطولية في مختلف محاور القتال المقدس .."ولينصرن الله من ينصره""ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله