صنعاء نيوز/بقلم / معين النجري -
يحدث أن يكتب أحدهم عن بقرة خالته فيقحم عشر روايات أجنبية وخمس عشرة مقولة لأدباء ومشاهير عالميين بطريقة استعراضية فجة, فنقول : هذا شيء يعنيه هو وبقرة خالته, لكن أن يشبه ما يشهده البلد من عدوان جاهل وغاشم وغبي بما تعرضت له ألمانيا في الحرب العالمية الثانية من قبل دول الحلفاء وما تلاه من تبنٍّ لإعادة إعمار ونهضة ألمانيا عبر مشروع مارشال, فهذا هو العُهر الثقافي الحقيقي الذي يصعب تجاهله والمرور عليه مرور الكرام, إذ لا بد من كشف المغالطات الوقحة التي يحاول هذا الكائن المثقف تمريرها لتبرير الجرائم البشعة التي يرتكبها طيران العدوان السعودي في حق النساء والأطفال والبُنى التحتية ومقدرات الشعب اليمني.
ومع أنني ضد أي حرب في أي مكان, إلا أنه لا وجه للمقارنة بين ما حدث لألمانيا وما يحدث لليمن, فألمانيا هتلر كانت دولة توسعية شنت حرباً على جيرانها واجتاحت دولاً وبلداناً, بينما اليمن لم تعتدِ على أحد ولم تقترف خطأً في حق أيٍّ من جيرانها.
أما النقطة الأكثر بشاعةً والتي ركز عليها صاحب الثقافات المتعددة فتتركز في تصبيره للشعب اليمني على ما يواجهه من عدوان وتبشيره له بأن مشروعاً ضخماً سيعقب هذا العدوان أسوةً بمشروع مارشال في ألمانيا, وهنا يكمن الجهل المفرط والمغالطة المخزية.
نعم, لقد نفذت الدول الغربية وأمريكا مشروعاً ضخماً نهض بألمانيا, هذا المشروع نقل إلى ألمانيا ما كانت تعيشه تلك البلدان من تجربة مدنية ديمقراطية ومبادئ المساواة والتعايش والحرية واحترام حقوق الإنسان قبل أن ينقل إليها تجربته الصناعية والتجارية والمالية, فكان له سريع الأثر على تطور الفكر المجتمعي الثقافي للشعب الألماني قبل التطور الصناعي.
هذا ما حدث في ألمانيا, بينما نعيش نحن ودول تحالف العدوان اليوم الصورة بالمقلوب, فاليمن عاش تجربة ثقافية وسياسية واجتماعية أكثر تطوراً من حال هذه البلدان, بل لن يصلوا إلى نفس مستوى تجربتنا – إذا ظلت على هذا النهج – ولو بعد عقود.
لقد منح الغرب ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية النظام الديمقراطي الحر, فهل سيمنحنا النظام السعودي الملكي السلالي نظاماً ديمقراطياً حراً؟
لقد أرست أمريكا والغرب في ألمانيا الحرية الفكرية والثقافية للجماعات والأفراد, فهل نتوقع من نظام "الهيئة" السعودي أن يضيف إلى تجربتنا الثقافية والفكرية – على بساطتها – شيئاً؟
لقد علَّم مشروع مارشال ألمانيا كيف تحترم حق الفرد في التفكير والتعبير, وتساعده على عرض أفكاره وتجاربه على الناس, فهل ننتظر من نظام أمني ديني يعاقب الناس على أفكارهم ومعتقداتهم بالجلد في الشوارع والساحات تعزيراً ومن ثم الحبس لسنوات, أن يوجد نظاماً في اليمن يساعد اليمنيين على تطوير أفكارهم المجتمعية وتحويلها إلى مشاريع تساعد المجتمع على التخلص من عُقَدِهِ القديمة وتشذب العادات والتقاليد.
كيف يمكن لنظام يرتدي الدين ستاراً ويعتبر المسرح والسينما والرسم رجساً من عمل الشيطان, أن يقدم شيئاً لمجتمع فقير يعشق الفنون والآداب ويتوق لخلق تجربته الخاصة؟
فاقد الشيء لا يعطيه, وهذا النظام لم يقدم للعالم شيئاً سوى القاعدة وجماعة النصرة وتنظيم داعش وطالبان وأنصار بيت المقدس.
حقيقةً لا أدري على أي معطيات وأبعاد اعتمد كاتبنا الهمام في مقارنته الكارثية بين ما حدث لألمانيا وما يشهده اليمن من حرب إبادة للحي والجماد؟!
لن تقدم السعودية لبلدنا شيئاً أكثر مما قدمته لأفغانستان والعراق وسوريا وليبيا, ولكن هذه المرة ليس بأيدي عبيدها في الداخل فقط, بل بأيديها هي أيضاً.