صنعاءنيوز الدكتور عادل عامر - الحقوق السياسية للمرأة ودورها في تفعيل الممارسة الديمقراطية الحديثة
الحقيقة أن المرأة حظيت في الدستور الجديد بمكانة متميزة، بداية من ديباجة الدستور التي ذكرت "المواطنات والمواطنين"، باعتبارهم الشعب المصري الذي يعبر عن إرادته ويضع دستوره.
فقد كانت المرأة المصرية هي فرس الرهان في الاستفتاء على نصوص الدستور الجديد الذي جري يومي 14، 15 يناير 2014. وبالفعل كان حضور المرأة في هذا الاستفتاء من الأمور التي استرعت انتباه كافة المتابعين والمراقبين له من المصريين وغيرهم. ففي مقابل ما يشاع عن عزوف الشباب عن المشاركة في التصويت على الدستور، وهو أمر تضاربت فيه التصريحات، أقبلت النساء على التصويت بأعداد كبيرة. وكان للمجلس القومي للمرأة دور كبير في تحفيز النساء على المشاركة، عن طريق الندوات التي عقدت لتعريف المرأة بحقوقها الدستورية، وهي ندوات غطت ربوع البلاد شرقاً وغرباً، شمالاً وجنوباً، وشملت كل طوائف المرأة المصرية في الريف والحضر والبادية.
وقد وردت النصوص الخاصة بالمرأة في الدستور الجديد في الباب الأول الخاص بالدولة والباب الثاني الخاص بالمقومات الأساسية للمجتمع، وهو ما يؤكد وضعية المرأة التي تكون الدولة والمجتمع، ويؤكد أيضاً أن قضايا المرأة هي قضايا مجتمعية، والنهوض بالمرأة هو ارتقاء بالمجتمع، باعتبار أن المرأة تشكل نصف المجتمع وتسهم في رفاه النصف الآخر.
وفيما يلي، نتناول النصوص الخاصة بالمرأة في الدستور الجديد، من خلال القضايا التي كرستها هذه النصوص، فنقلت حقوق المرأة إلى مصاف الحقوق الدستورية التي لا يجوز لأي سلطة من سلطات الدول المساس بها.
جنسية أبناء الأم المصرية:
كان القانون المصري حتى سنة 2004 يقصر الحق في الجنسية على الطفل الذي يولد لأب مصري، فلم تكن قوانين الجنسية المصرية تعترف بحق الدم كسبب لمنح الجنسية المصرية إلا بالنسبة للأب دون الأم. وفي سنة 2004 صدر القانون رقم 154 ليساوي بين الأب المصري والأم المصرية في هذا المجال. وقد أصبح لأبناء الأم المصرية المتزوجة من غير مصري اذ ذاك حق الحصول على الجنسية المصرية بموجب نص قانوني، يمكن للسلطة التشريعية أن تعدله لاحقا في حال رغبت بذلك، لغياب الضمانة الدستورية في هذا الخصوص.
لذلك جاء دستور 2014 ليسد هذه الثغرة، ويحول حق أبناء المصرية المتزوجة من أجنبي من حق مصدره القانون إلى حق دستوري. ف"الجنسية حق لمن يولد لأب مصري أو لأم مصرية، والاعتراف القانوني به ومنحه أوراقاً رسمية تثبت بياناته الشخصية، حق يكفله القانون وينظمه". ويتضح من هذا النص أن الحق في الجنسية لأبناء المصريين والمصريات هو حق دستوري، لا يجوز للقانون الانتقاص منه، أو أن يضع له شروطاً تقيده بالنسبة لأبناء طائفة معينة من المصريات. فالتنظيم المقصود لا يمكن أن ينتقص من أصل الحق، لكنه تنظيم لكيفية منح الأوراق الرسمية المثبتة له بما لا يمس وجوده.
المساواة بين المرأة والرجل:
نصت المادة 11 من الدستور على أن " تكفل الدولة تحقيق المساواة بين المرأة والرجل في جميع الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وفقا لأحكام الدستور". ونصت المادة 53 على مساواة المواطنين أمام القانون، وهم متساوون في الحقوق والحريات والواجبات العامة، لا تمييز بينهم بسبب الجنس. كما ألزمت المادة 9 الدولة بتحقيق تكافؤ الفرص بين جميع المواطنين، رجالاً ونساءً، من دون تمييز. وقد أغفل دستور 2012 النص على حق المرأة فى مساواتها بالرجل في الحقوق كافة، واتخاذ التدابير الكفيلة بضمان تمثيل المرأة تمثيلا مناسبا في المجالس النيابية، وحقها في تولى الوظائف العامة والقضائية دون تمييز ضدها.
والمساواة بين المرأة والرجل التزام دستوري، في حدود أحكام الدستور التي تجعل من مبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع. ومبادئ الشريعة الإسلامية تشمل أحكامها قطعية الثبوت وقطعية الدلالة. لذلك لا صحة لما يروجه البعض من أن المساواة بين المرأة والرجل في الحقوق، تعنى أن حقها فى الميراث مساو لحق الرجل في كل الأحوال، أو أنه يكون للمرأة أن تتزوج بأربعة مثل الرجل، وغير ذلك من الأباطيل التي راجت في أوساط معينة. والمساواة بين المرأة والرجل مقررة في المواثيق الدولية التي صدقت عليها مصر، ولها قوة القانون، ومنها اتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة. وقد تحفظت مصر على بعض موادها، بألا يخل تطبيقها بأحكام الشريعة الإسلامية، إن كان فيها أصلاً ما يخل بأحكام الشريعة.
حق المرأة في التمثيل النيابي:
تعمل الدولة – وفقاً للمادة 11- على اتخاذ التدابير الكفيلة بضمان تمثيل المرأة تمثيلاً مناسبا في المجالس النيابية، على النحو الذي يحدده القانون. وكانت توجد مطالبات بأن تحدد نسبة في الدستور لتمثيل المرأة في البرلمان (كوتا)، لكن لجنة الخمسين لم تقر نسبة لأي طائفة اجتماعية لتعارض ذلك مع أسس الديمقراطية. بل إن اللجنة ألغت نسبة الـ 50% التي كانت مقررة منذ ستينيات القرن الماضي للعمال والفلاحين في البرلمان. وقد رأت أنه من غير المقبول بعد إلغاء الكوتا النص عليها بالنسبة للمرأة، حتى لا يكون ذلك مبرراً للمطالبة بنسب لفئات اجتماعية أخرى. لكن الدستور أقر نسباً محددة في المجالس المحلية دون المجالس العامة، فخصص ربع عدد المقاعد للشباب، وربعها للمرأة، على ألا تقل نسبة تمثيل العمال والفلاحين في المجالس المحلية عن خمسين بالمائة من إجمالي عدد المقاعد، وأن تتضمن تلك النسب تمثيلاً مناسباً للمسيحيين وذوي الإعاقة.
حق المرأة في تولى الوظائف العامة:
نصت المادة 11 على أن تكفل الدولة "للمرأة حقها فى تولى الوظائف العامة ووظائف الإدارة العليا فى الدولة والتعيين فى الجهات والهيئات القضائية، دون تمييز ضدها". والجديد في هذا أن المشرع الدستوري لم يقنع بالنص العام على أن الوظائف حق للمواطنين على أساس الكفاءة، ودون محاباة أو وساطة (م 14)، فهذا النص لم يكن كافياً في الماضي لضمان حق المرأة في تولى الوظائف القضائية. أما النص الحالي، فقد نص على كفالة الدولة لحق المرأة في التعيين في الجهات والهيئات القضائية، دون تمييز ضدها. والجهات القضائية التي وردت في الدستور هي النيابة العامة والقضاء العادي ومجلس الدولة والمحكمة الدستورية العليا والقضاء العسكري، أما الهيئات القضائية، فهي النيابة الإدارية وهيئة قضايا الدولة، والمرأة تعيَّن فيها منذ نشأتها دون خلاف.
أما بالنسبة الى الجهات القضائية، فقد دخلت المرأة بداية في المحكمة الدستورية العليا دخولاً رمزياً، بتعيين قاضية واحدة فيها. لكن دستور 2012 عزلها، وأمر عودتها موكول إلى الجمعية العمومية للمحكمة الدستورية العليا. والقضاء العادي اعتلته المرأة منذ سنة 2007، حيث جرى تعيين 42 قاضية من بين عضوات النيابة الإدارية وهيئة قضايا الدولة على دفعتين. لكن التجربة توقفت بعد ذلك رغم إثبات المرأة لكفاءتها وجدارتها بتولي مناصب القضاء. ولم تدخل المرأة النيابة العامة حتى تاريخه، كما لم تدخل القضاء العسكري. أما مجلس الدولة، فقد أعلن في سنة 2009 عن تعيين دفعة من خريجي وخريجات كليات الحقوق في وظيفة مندوب مساعد بالمجلس. لكن ثار خلاف حول هذا الموضوع بين المجلس الخاص للشؤون الإدارية والجمعية العمومية للمجلس، التي صوتت ضد تعيين المرأة في مجلس الدولة بنسبة وصلت إلى 87 %، ولم تعين المرأة في المجلس حتى تاريخه. وحديثاً أعلن المجلس عن طلبه دفعة جديدة للتعيين في مجلس الدولة من خريجي دفعة 2013. وعندما ذهبت الخريجات للتقدم، رفض قبول طلباتهن للتعيين، وكان ذلك بعد نفاذ الدستور الجديد، الذي يكفل حق المرأة في التعيين في الجهات القضائية، وعلى الرغم من تصريح رئيس المجلس أثناء إعداد الدستور بأن المجلس سيعين المرأة قاضية، حيث قال رئيس المجلس: "عند إقرار الدستور سيكون النص مفعلا ويفتح الباب لتعيين المرأة، ونحن في مجلس الدولة ملتزمون بأحكام الدستور والقانون، فنحن قضاة المشروعية، وعلى النساء أن يأملن خيرا".
وهكذا يرفض مجلس الدولة، حامي الحقوق والحريات، تنفيذ نص المادة 11 من الدستور، مكرراً ذات الموقف الذي اعتنقه في سنة 2009، وكأن ثورات لم تقم فى مصر، وكأن دستوراً جديداً لم يصدر. وقد دفع هذا الموقف النساء المتقدمات للترشيح إلى تحرير محاضر إثبات حالة بأقسام الشرطة، ووجهت رئيسة المجلس القومي للمرأة خطاباً شديد اللهجة إلى مجلس الدولة، تطالبه بالالتزام بالدستور والاعتراف بحق المرأة في اعتلاء منصة القضاء الإداري، لكن المجلس رفض الرد على خطاب رئيسة المجلس، وأحاله إلى رئيس الجمهورية، بسبب لغته غير المعهودة في مخاطبة المجلس. وينذر موقف مجلس الدولة بمواجهة مؤكدة بين المجلس والمنظمات النسائية، حيث هددت رئيسة المجلس القومي للمرأة بأن مجلسها سوف يتخذ إجراءات قانونية ضد المجلس لإلزامه بتنفيذ النص الدستوري. لكن الإجراءات القانونية تعنى رفع دعاوى أمام مجلس الدولة، للطعن على قراره السلبي بالامتناع، فيكون المجلس هو الخصم والحكم. والطريق الآخر المتاح لاتخاذ إجراءات قانونية ضد المجلس هو اللجنة الأفريقية لحقوق الإنسان ولجنة الأمم المتحدة لحقوق المرأة. لذلك نأمل في أن يراجع مجلس الدولة موقفه، ويتخذ قراراً بتعيين قاضيات في المجلس، قراراً يوفق بين حقوق المرأة واستقلال القضاء واحترام الدستور الذي اعترف باستقلال المجلس واعترف في الوقت ذاته بحق المرأة في التعيين في وظائف المجلس، فضلاً عما يحققه هذا القرار من حفاظ على سمعة مصر الدولية، فاستقلال القضاء لا يحول دون خضوعه للدستور والقانون. ولنا عود إلى هذا الموضوع بعد أن تنتهي تفاعلاته لمناقشة قضية تولى المرأة القضاء من جوانبها المختلفة.
جدير بالذكر أن حق المرأة في تولى الوظائف العامة أورده الدستور في المادة 11، وهذا الرقم هو ذاته رقم المادة (11) من اتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة في ميدان العمل، وليس الأمر فيما نظن محض مصادفة. جدير بالذكر كذلك أن مفتي مصر كان قد أصدر فتوى أثناء إعداد مشروع الدستور، قرر فيها حق المرأة في تولى الوظائف العامة ووظائف القضاء من وجهة نظر الشريعة الإسلامية. وعند مواجهة أحد نواب رئيس مجلس الدولة، على الهواء مباشرة أثناء مداخلة تليفزيونية مع الإعلامية لميس الحديدي، برأي المفتى، كان رده فليقل المفتى ما يشاء.
تمكين المرأة من التوفيق بين واجباتها الأسرية والتزاماتها المهنية:
تلتزم الدولة بحماية المرأة ضد كل أشكال العنف، وتكفل تمكين المرأة من التوفيق بين واجبات الأسرة ومتطلبات العمل. هذا الالتزام يضع على عاتق الدولة واجباً دستورياً محدداً، يتمثل في ضرورة مراجعة النصوص القانونية لاستكمال حماية المرأة ضد أشكال من العنف لا تشملها النصوص الحالية، مثل العنف الأسري، والعنف الاقتصادي، وزواج القاصرات، وختان الإناث، والتحرش الجنسي، والعنف القانوني الذي يشمل كل صور التمييز ضد المرأة. كما تكفل الدولة تمكين المرأة من التوفيق بين واجباتها الأسرية ومتطلبات عملها في المجتمع، وظيفية كانت أو مهنية، كي لا تكون التزاماتها الوظيفية أو المهنية على حساب واجباتها الأسرية أو العكس، عندما تكون الالتزامات الأسرية عائقاً يمنع المرأة من ممارسة وظيفتها أو مهنتها. هذا التمكين يفرض على الدولة أن توفر المرافق اللازمة لرعاية الأطفال وتقديم الخدمات المساعدة للمرأة العاملة، كما يفرض على الدولة أن تيسر للمرأة الحصول على الإجازات اللازمة للزواج والحمل والوضع ورعاية الأسرة، دون أن تكون هذه الإجازات سبباً في حرمان المرأة من كل أو بعض الدخل الذي تحصل عليه من عملها.
وأخيراً تلتزم الدولة بتوفير الرعاية الاجتماعية والصحية والحماية القانونية للأمومة والطفولة والمرأة المعيلة والمسنة والنساء الأشد احتياجا في المناطق الفقيرة والعشوائية والنائية.
حقوق المرأة المصرية في الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان:
نصت المادة 93 من الدستور على التزام الدولة بالاتفاقيات والعهود والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان التي تصدق عليها مصر، وتصبح لها قوة القانون بعد نشرها وفقاً للأوضاع المقررة. هذا النص الدستوري يضفي قوة إلزامية على اتفاقيات حقوق الإنسان، التي تكون لها في مصر قوة القانون، فيما تقرره من حقوق للمرأة تلتزم بها كافة سلطات الدولة، ويكون للمرأة أن تطالب بها أمام كافة السلطات، ومنها الحقوق الواردة في اتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة (السيداو).
ونؤكد في هذا الخصوص على أن الحقوق الواردة في الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان إذا ما ارتبطت بنصوص دستورية مقابلة لها في الدستور المصري، فإنها تتمتع بالحماية المقررة للنصوص الدستورية، عندما تتعارض مع نصوص وردت في القوانين المصرية، فتكون للحقوق الواردة في الاتفاقية الدولية لحقوق الإنسان الأولوية في التطبيق على النصوص القانونية المتعارضة معها. وتوجد نصوص صريحة في القوانين المصرية تؤكد على أن الحقوق الواردة في المواثيق الدولية هي حقوق يستفيد منها المصريون والمصريات متى صارت هذه المواثيق نافذة. من ذلك نص المادة الأولى من قانون الطفل في فقرتها الثانية المضافة بالقانون رقم 126 لسنة 2008. فالفقرة الأولى من هذه المادة تقرر كفالة الدولة لحماية الطفولة والأمومة، والفقرة الثانية تنص على أن "تكفل الدولة كحد أدنى، حقوق الطفل الواردة باتفاقية حقوق الطفل وغيرها من المواثيق الدولية ذات الصلة النافذة فى مصر". ولا يختلف الوضع- وفقا لنص المادة 93 من الدستور الجديد- بالنسبة لحقوق المرأة الواردة باتفاقية إزالة كافة أشكال التمييز ضد المرأة وغيرها من المواثيق الدولية ذات الصلة بحقوق المرأة النافذة في مصر.
وتؤكد نصوص قانونية أخرى سمو الاتفاقية الدولية على النصوص القانونية الوطنية عند التعارض. من ذلك نص المادة 26 من القانون 26 لسنة 1975 بشأن الجنسية المصرية، وهي تنص صراحة على أن "يعمل بأحكام المعاهدات والاتفاقيات الدولية الخاصة بالجنسية التي أبرمت بين مصر والدول الأجنبية ولو خالفت أحكام هذا القانون".
مما تقدم نرى أن دستور مصر 2014 أنزل المرأة المنزلة التي تليق بها، وضمن حقوقها بنصوص دستورية، لا يملك البرلمان الانتقاص منها أو تعطيلها، ولو بقانون، تحت ستار تنظيمها، فكل قانون يصدر لتنظيم ممارسة الحقوق والحريات لا يجوز له أن يقيدها بما يمس أصلها وجوهرها (م 92 من الدستور). وهكذا كان الخروج الكبير للمرأة المصرية لدعم الدستور الجديد مفهوماً، ونتمنى ألا تخذل الدولة المصرية النساء، فالحقوق لا تنفذ بالدساتير التي تقررها، بل يلزم تخصيص الإمكانات والموارد، واتخاذ الإجراءات التي تضمن تفعيل الحقوق الدستورية ووضعها موضع التنفيذ الفعلي، وهذا هو الاختبار الحقيقي الذي سوف تجتازه الدولة بعد أن تم إقرار الدستور.
دور المرأة فى الأحزاب السياسية
المرأة والنقابات
تباين ظهور المرأة في النقابات ما بين النقابات المهنية والعمالية ولكن بشكل عام كان تواجدها في كليهما ولا سيما في النقابات المهنية والتي يبلغ عددها 24 نقابة لأضعف بشكل محبط للغاية على مدار السنوات الماضية كان عدد السيدات اللاتي نجحن في الحصول على مقاعد في عضوية النقابات المهنية لا يتعدى ال10 حالات, بالرغم من أن النقابات المهنية تضم في عضويتها قرابة 3.9 مليون عضو في 24 نقابة ’’وفقا لإحصاء الجهاز المركزي للمحاسبات عام 2000 فإنه والنسبة الأكبر لعضوية المرأة في نقابة المهن التعليمية بنسبة 28.4 % ، تليها نقابة المهن الزراعية بنسبة 17،7% ثم نقابة التجاريين بنسبة 16.1% ، وقد وصلت أعداد النساء في النقابات المهنية 26 ألفا عام 1981 وارتفع إلي 36 عام 1999 ، ولكن نسبة المساهمة الإجمالية انخفضت من 25 % من جملة الأعضاء عام 1981 إلي 17% عام 1999.
ولم تضم نقابة الصحفيين صحفية واحدة في المجلسين الأخيرين 99 و2003 بعد أن نجحت الكاتبة الصحفية أمينة النقاش في الحفاظ على مقعدها بالمجلس لدورتين متتاليتين أعقبها فترة فراغ تام ثم عادت المرأة إلى مقاعد مجلس نقابة الصحفيين بنجاح عبير سعدي في انتخابات المجلس2007 ، كما لم تنتخب محامية واحدة في مجلس نقابة المحامين في الدورتين الأخيرتين 200 -2005 و2005 -2009 حتى على مستوى النقابات الفرعية لم تسنح الفرصة لأية امرأة بالمشاركة في عضويتها ، ولم تشهد الفترة من 1975 إلي 2009 سوى وجود محاميتين نالتا مقعدين في مجلس النقابة هما المحامية تهاني الجبالى حيث انتخبت عضوا في المجلس عام 89 -92 عن مقعد القطاع العام كما انتخبت المحامية بشري عصفور في مجلس النقابة العامة التي جرت عام 92 عن مقعد دائرة استئناف الإسماعيلية. كذلك ضم مجلس نقابة المرشدين السياحيين في الدورة 2002- 2005 امرأة واحدة ضمن المجلس البالغ 9 أعضاء وضم مجلس نقابة الرياضيين في الدورة 1997 -2001 سيدتين فقط ، إلى جانب الغياب التام للمرأة في مجالس النقابات المجمدة مثل الأطباء المجمد مجلسها منذ 17 عاما والمهندسين الموضوعة تحت الحصار منذ سنوات ، ولا يذكر هنا سوى المرأة الوحيدة التي نجحت في أن تكون نقيب الاجتماعيين "ثريا لبنه" والتي ساندتها الحكومة المصرية بشكل تام للحفاظ على منصبها رغم الطعون العديدة المقدم ضدها لأسباب سياسية واستمرت في المنصب حتى وفاتها المفاجئة
وفى المقابل نجحت المرأة في اختراق مجالس النقابات العمالية فمن أصل 17 الف نقابة عمالية حصدت المرأة العاملة مقاعد في 9 نقابات عمالية، حتى أنها في بعض المجالس كان عدد مقاعدها يفوق عدد مقاعد الرجال كنقابة التعليم الخاص ، وبحسب الأرقام فإن نسبة تواجد النساء في النقابات العمالية تصل إلى حوالي 53% بينما نسبة نجاحها فى انتخابات عضوية نقابتها بنسبة 1% !!
أسباب ضعف المشاركة النقابية للمرأة
يرجع ضعف المشاركة النقابية للمرأة لعدة أمور أبرزها أن التنظيمات النقابية موالية للحكومة ومرتبطة بها عضويا ومؤيدة لسياستها ومواقفها في القضايا التي تمس أعضائها , هذا بالإضافة إلى أن التنظيم النقابي الحالي يواجهه أزمة شرعية حادة , تتجلى أبرز مظاهرها في تصاعد الحركة الاجتماعية بعيدا عن أعضاء مجالس النقابات
كما يرجع أيضا إلى أن تلك التنظيمات تسيطر عليه النخبة التي انتقلت بفعل المناصب التي تحتلها وعلاقتها بالحكومة التى صعدتهم وزورت لهم الانتخابات كما يعتبر قانون100 لعام 1993 سببا من أسباب التمثيل الهزيل للمرأة في النقابات المهنية والذي أدي إلي توقف الانتخابات في معظم النقابات وبالتالي توقفت الممارسة النقابية، مما يؤكد على ضرورة إلغاء هذا القانون أو تعديله حتى تجري الانتخابات ، كما أن هنالك ضرورة لاجتياح العنصر النسائي النقابات المهنية لأن الجوانب الإنسانية والحياتية والمعيشية عندما تتولاها المرأة تكون أكثر قدرة علي التعبير عنها من الرجل
المرجعية القانونية
ربما قد يتصور البعض أن غياب أو ضعف تمثيل المرأة في النقابات المهنية مرجعه قانوني, ولكن المفاجأة انه لا توجد أية عوائق قانونية في التشريعات الحاكمة للعمل النقابي لكل نقابة حيث تساوى هذه التشريعات بين المرأة والرجل فيما يتعلق بالتصويت أو الترشيح ولكن في نفس الوقت لا توجد آليات معينه لتشجيع التمثيل النسائي بهذه النقابات حيث تلعب القوائم الخاصة بالقوى السياسية المختلفة بالإضافة إلى المؤثرات والتقاليد الاجتماعية دورا أساسيا في غياب هذا التمثيل أو محدوديته
إن المناخ العام في النقابات المهنية بمصر لا يساعد المرأة على اقتحام هذا المجال حيث أصبحت هذه النقابات حالتها متأخرة جدا كما أن التراجع المخيف في قيم وأفكار المجتمع بسبب سيطرة التيار الدينى الوهابي على المجتمع إلى جانب عوامل أخري مثل تدهور الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية لقاعدة واسعة من المجتمع المصري مما جعل النساء عازفات عن العمل العام سواء في الأحزاب أو في النقابات هذا بجانب علو بعض الأصوات التي تتخذ موقفا ضد المرأة وتدعو إلي عودتها للبيت باعتبار أن البيت هو مكانها الطبيعي وتطالب بألا تعمل المرأة إلا إذا كانت في حاجة إلي دخل مادي لكي تفسح المجال للرجال العاطلين ! ومن هنا نجد أن أن الثقافة العامة في المجتمع تهبط من حماس المرأة وتشارك بالنسبة الأكبر في تدهور دورها ومشاركتها السياسية
إن الكارثة هي تزايد الفجوة بين القانون أو الدستور والتطبيق فنرى الحقوق مكتوبة ومعلنة ولا يمارسها ولا يتمتع بها أحد وإن مارسها البعض فإنها تكون ممارسة تفتقر إلى دعم اجتماعي .فلا يوجد لدى السواد الأعظم من النساء والرجال أية ثقافة سياسية تمكنهم من فهم حقوق المرأة
ومن هنا نرى أن القانون موجود ولكنه وحده لا يمكن أن يحدث تغييرا إلا إدا كان هناك وعي حقيقي من السواد الأعظم من المواطنين والإيمان بحقوق النساء فى نهضة المجتمع |