تحقيق: وئـــام سروري -
"طفل الأنابيب" تسمية قد تبدو غامضة ومثيرة لكثير من التساؤلات في مجتمعنا المحافظ؛ فما يزال الكثير من الناس يعتقد بأن أطفال الأنابيب هم أطفال تم صناعتهم بداخل أنابيب اختبار خاصة ومن ثم أخرجوا إلى هذه الحياة من خلال هذه الأنابيب. ويساور البعض الآخر تساؤلات عديدة: ترى من هو طفل الأنابيب؟ وكيف جاء إلى هذه الحياة؟ وكيف تمت ولادته؟ ومتى يلجأ الزوجان إلى مثل هذا العلاج؟ وهل الأطفال المولودون عقب التلقيح المجهري أكثر عرضة للتشوهات الخلقية والأمراض المستقبلية الخطيرة مقارنة بالأطفال المولودين من الحمل الطبيعي؟... هذه التساؤلات أدخلت الكثير في متاهات وتفسيرات مختلفة عن الفهم الدقيق والسليم لهذا العلاج مما جعل الكثير منهم لا يتقبل فكرة اللجوء إلى مثل هذا العلاج خوفا من العواقب والتأثيرات السلبية على الأجنة، فيما يجد آخرون فكرة اللجوء إلى أطفال الأنابيب مخالفا للدين والأعراف وتقاليد وعادات مجتمعنا المحافظ والذي يرجع كل تفاصيل الحياة إلى مسألة الرضى بالقدر والمكتوب.
وتؤكد دراسات طبية أن طفل الأنابيب هو الطفل الذي يأتي من خلال تلقيح البويضة بالحيوان المنوي في أنبوب اختبار خاص خارج الرحم، ولذا تم تسميته بطفل الأنابيب؛ لأنه يتم إخصاب البويضة داخل أنبوب الاختبار، وذلك بسحب البويضة المكتملة النضج من المبيض وتوضع معها الحيوانات المنوية بعد غسلها، ثم يعاد زرع البويضة المخصبة (الجنين) داخل رحم الأم لاستكمال نموها.
وتستغرق عملية نقل البويضة المخصبة إلى رحم الأم من يومين إلى خمسة أيام، ويتم أخذ أكثر من بويضة (من اثنين إلى ثلاثة المعدل الموصى به) لتزيد احتمالية أن تكون أكثر عدد ممكن من الأجنة الملقحة.
لذا نجد أن نسب النجاح تزيد كلما زاد عدد البويضات التي تم سحبها من مبيض المرأة، والعكس صحيح، وبزيادة عدد البويضات المنقولة في نفس الوقت قد يظهر معها بعض المشاكل على الرغم من أن فرص نجاح الحمل أكثر، ومن هذه المشاكل هو إمكانية تعدد الأجنة (توائم)، وتعدد الأجنة هذا قد يصاحبه إجهاض، عدم استكمال الحمل لما يسببه من مضاعفات للأم أو في بعض الحالات الأخرى يؤدى إلى الولادة المبكرة.
"السياسية" استعرضت بعض التجارب لزوجات يئسن من الإنجاب سنوات طويلة، ولجأن إلى مثل هذا العلاج للخروج من دائرة العقم وبحثت مع أطباء التأثيرات الجانبية التي ربما تواجهها الأم وما إذا كانت هناك تشوهات خلقية بالإمكان أن تؤثر على الطفل وهل نمو الأطفال المولودين عبر الأنابيب يتم بصورة طبيعية مقارنة بالأطفال المولودين من الحمل الطبيعي.
تحقق الحلم بعد 15 عاما
(س. م)، 45 عاما، أم لثلاثة توائم أنجبتهم عبر الأنابيب، تقول: "بعد خمسة عشر عاما من عدم إنجابي تحقق الحلم والأمل الذي انتظرته طويلا، فقد بدأت حكايتي عندما أخبرني الأطباء عن عدم قدرتي على الإنجاب، وأن الأمل الأخير هو اللجوء إلى طفل الأنابيب، حيث ستكون إمكانية النجاح فيها أكبر خصوصا عندما أخبرني أحد الأطباء بأن هناك حالات كثيرة من النساء نجحن بهذا العلاج وأن هناك إمكانية كبيرة في الحصول على توائم". وتضيف: "تحت رعاية الطبيب المختص وبقيمة تبلغ أكثر من 500 ألف ريال أجريت لي عملية قيصرية، والآن لدي ثلاثة توائم يتمتعون بصحة جيدة ونموهم طبيعي جدا والفضل يعود لله ولجهود الأطباء جميعا".
حالة من القلق الدائم
(ا.س)، 41 عاما، تقول: "لا أخفي على أحد المشاكل التي اعترضتني منذ بداية حملي الأول، فالقلق النفسي الدائم وعدم الحركة خلال التسعة الأشهر جعلتني أعيش في دوامة القلق خوفا من أن تفشل تجربتي هذه، خصوصا بعد أن سمعت بتجارب فاشلة، فأطفال الأنابيب يجب على الأم عند نقل الجنين إليها أن تبقى على الفراش دون حركة ولا تقوم بأي مجهود مهما كان". وتضيف: "هذه التجربة تحتاج إلى صبر كبير وتكاليف كبيرة، وعندما جاء وقت الوضع سافرت إلى مصر ودفعت مبالغ باهظة لإجراء العملية وتمت العملية القيصرية بنجاح تحت رعاية كبار من الأطباء المختصين الذين طلبوا مني البقاء بعدها لمدة شهرين دون أي حركة والآن أحمد الله فبعد عشرين عاما من اليأس أنجبت طفلة جميلة تتمتع بصحة جيدة".
أملي بالله كبير
(ع. ل)، 45 عاما، تقول بنبرات حزينة: "لجأت إلى أطفال الأنابيب قبل سنوات طويلة عندما كان عمري 38 عاما، كان ذلك تحت رعاية بعثة طبية ألمانية". وأضافت: "لكن في كل مرة ألجأ إلى هذا العلاج يسقط الجنين وفي آخر مرة حاولت الحفاظ على نفسي بعدم القيام بأي جهد أو حمل أي شيء ثقيل ولكن تم سقوط الجنين مرة أخرى في الشهر الخامس من أبسط جهد". وتضيف لم يكتب لي أن أنجب أطفالا فكل شيء مكتوب من الله تعالى، ولكن أملي بالله كبير فربما أرزق بطفل يوما من الأيام".
الأسباب مجهولة
أما (ك.ل) أصرت على السفر للخارج للبحث عن الطفل المفقود والمنتظر وبعد أن تأكد حملها بتوأم بشهور أصيبت بتلوث مفاجئ مجهول الأسباب أفقدها جنينها الأول. وبحسب أفراد أسرتها فإنها لم تخضع للأمر الواقع بإنقاذ الطفل الآخر من خوف تعفن الجنين الآخر، وبالتالي انتقل الضرر إليه فصمدت ورفضت الولادة المبكرة خوفا من فقدان طفلها الآخر وبعد أيام فقدت جنينها الثاني، وبعدها تم استئصال الرحم؛ كونه أصبح مهددا لحياتها، وبعد أسابيع توفيت متأثرة بالتلوث الذي تفشى في جسدها وتوفيت في سبيل تحقيق أمنية.
300 طفل يمني أبصروا النور
كشفت إحصائيات المركز الإنجابي الأول لأطفال الأنابيب في اليمن أن نحو 300 طفل يمني أبصروا النور بعد عمليات الإخصاب الصناعي بالأنابيب، خلال السبع سنوات الماضية لتنهي بذلك مخاوف العقم الدائم، مشيرة إلى أن أول طفل أنابيب يمني ولد عام 2000 بعد حلم تجاوز العشرين عاما للزوجين، وبعد صدور فتاوى شرعية بحل الإخصاب الصناعي للزوجين بشرط عدم الاستعانة بسائل منوي من رجل آخر أو بويضة امرأة أخرى بهدف الحصول على المولود المنتظر.
وأفادت الإحصائيات بأن نسبة النجاح التي حققها المركز تقترب من النسبة العالمية المقررة من 35 إلى 45 فيما بلغت نسبة النجاح المحلية 42 إلى 43، مما يجدد الأمل لدى الزوجين اللذين يعانيان من مشاكل صحية خاصة بالإنجاب من تجاوزها وتخطي عقدة العقم التي تسيطر على الثقافة العامة بأنه ليس لها حل.
وتفيد الدارسات الحديثة بأن العقم أصبح شبحا يمكن القضاء عليه وطرده من مكامن خوفنا، كون العلم ومجالات البحث تهتم بالعلاج والمساعدة.
وفيما يمثل بذل المال ودفع مبلغ يتجاوز 2000 دولار تكلفة عملية أطفال الأنابيب بنوعه المكلف (الإخصاب الخارجي) في اليمن مجازفة مقلقة للزوجين في سبيل الحصول على طفل يعوض خسارتهم برسم ابتسامة وأمان في سبيل إخراجه للنور.
كيف يتم التلقيح المجهري؟
تقول الدكتورة أنيسة جحاف، أخصائية أطفال الأنابيب في المركز الإنجابي التخصصي بصنعاء: "تتم عملية حقن البويضة عن طريق الحقن المجهري، وهي عبارة عن عمليه تقوم من خلالها تلقيح البويضة بحيوان منوي واحد فقط من عينة الزوج وتقوم بذلك في ظروف مخبريه خاصة وبمساعدة مجهر يقوم بتكبير عال جدا لحجم البويضة حيث يتم إجراء ثقب في جدار البويضة بعد إزالة الشوائب عنها باستخدام الإبرة المجهرية وإدخال الحيوان المنوي في سيتوبلازم البويضة مباشرة ثم يتم وضعها في حاضنه صناعية تشبه رحم الأم ويتم مراقبة التلقيح والانقسام لهذه البويضة الملقحة (الجنين) وإرجاعها بعد ذلك إلى رحم الأم".
متى يلجأ الزوجان إلى طفل الأنابيب؟
وتشير إلى أن الزوجين يمكن أن يلجأ لهذا العلاج في الحالات التي تعاني فيها المرأة من انسداد قناتي فالوب أو تعاني من عدم وجود تبويض منتظم، أيضا الرجل الذي يشكو من ضعف نسبي في الحيوانات المنوية لقلة العدد والحركة أو في حالة ارتفاع نسبة الأشكال المشوهة أو في حال وجود نقص شديد في عدد أو حركة الحيوانات المنوية أو كلاهما أو انعدام وجود الحيوانات المنوية في السائل المنوي نتيجة غياب أو انسداد في القناة الناقلة وفي هذه الحالة يتم سحب الحيوانات المنوية من الخصية بعمليه تسمى كذلك في حالة انعدام وجود أشكال طبيعية في السائل المنوي أو في حالة الزواج بسنوات طويلة دون تحديد واضح للعقم أو في حالات العقم المناعية، وذلك بسبب تكون الأجسام المضادة.
وتضيف الدكتورة أنيسة أن نقل البويضة المخصبة من المجهر إلى الرحم يتم بعد التأكد من تخصيبها وانقسامها في خلال 48 ساعة إلى 72 ساعة من وقت تلقيح البويضة بالحيوان المنوي ضرورة المتابعة الدورية للمرأة الحامل.
وعن المشاكل التي قد تؤثر بالزوجة أثناء الحمل تقول الدكتورة أنيسة: "لا توجد مشاكل للحمل بطريقة أطفال الأنابيب (الحقن المجهري)، فالمشاكل لا تختلف في المشاكل التي تحدث في حالات الحمل الطبيعي وإنما تحتاج الأم الحامل بأطفال الأنابيب إلى حيثيات خاصة بعد إرجاع الأجنة ومراجعة خاصة ومتابعة دورية أثناء الـ3 الأشهر الأولى ومن ثم تتم المتابعة طبيعيا مثل الحمل الطبيعي وطالما وجدت المتابعة والزيارات الدورية للطبيب ومن خلال جهاز الموجات الصوتية والذي يشمل التشخيص المبكر للمشاكل التي قد تحدث للأم سواء من خلال حملها الطبيعي أو عبر أطفال الأنابيب بجانب الفحص السريري فإنه يمكن معالجتها وتفاديها مما يحد من حدوث أي مشاكل تطرأ على الأم الحامل أثناء فترة الحمل".
التشوهات الخلقية ضئيلة جدا
وعن التشوهات الخلقية والأمراض الخطيرة التي ربما يصاب بها أطفال الأنابيب تشير الدكتورة أنيسة إلى أن الحمل الطبيعي نسبة التشوهات فيه ضئيلة جدا: 2 بالمائة.
وأكدت الدراسات العلمية أن هذه النسبة لا تزيد إذا لم تقل في حالات الحمل الناتجة عن الإخصاب خارج الجسم (أطفال الأنابيب).
تعدد الأجنة
وعن الأسباب التي تجعل الزوجة تنجب أكثر من جنين تقول الدكتورة أنيسة: "عند إجراء عملية أطفال الأنابيب يبدأ البرنامج بإعطاء الزوجة أدوية تحريض على الإباضة للحصول على عدد من البويضات والتي تخصب جميعها بعد سحبها وبعد حدوث الانقسام للبويضة المخصبة وحدوث أجنة في أول مراحل انقسامها يتم إعادة هذه الأجنة إلى رحم الأم". وتشير الدراسات التي أجريت إلى أن عدد الأجنة التي يتم إرجاعها إلى الرحم،3-5 أجنة، تحمل أفضل فرصة للحمل، ولكن في نفس الوقت تحمل مخاطر الحمل بالتوأم. وعن أسباب إجهاض بعض النساء في الشهر الأول تؤكد الدكتورة أنيسة أن عدم استخدام علاج المثبتات بانتظام كما أنه في حالة التوأم تزيد نسبة الإجهاض".
أسباب إجهاض المرأة
تؤكد الدكتورة أنيسة أن من أسباب إجهاض المرأة عدم استخدام علاج المثبتات بانتظام أو في حالة التوأم، حيث تزيد نسبة إجهاض الزوجات أيضا في حالة الإصابة بداء القطط حيث يتسبب هذا بتشوهات في المراحل الأولى للجنين وبالتالي يحدث الإجهاض وأخيرا عدم المتابعة الدورية للطبيب.
نصيحة للأزواج والزوجات
وتقدم الدكتورة أنيسة نصيحة لجميع الأزواج والزوجات بالمبادرة بالفحص في حالة تأخر الإنجاب عن سنة أو سنتين لأنه كلما تأخر التشخيص المبكر والمعالجة المبكرة كانت فرص الحمل أقل.
عدن (السياسية) – تحقيق: وئـــام سروري
|