صنعاء نيوز/الدكتور عادل عامر - الأمة في حاجة إلى سواعد قوية، وبطون ممتلئة، وأجسام مكسوة، وسعادة ترفرف فوق كل بيت.. فأين هي السواعد التي هيأتموها للنضال؟ وأين هي البطون التي درأتم عنها الجوع؟ وأين هي الأجسام التي أنقذتموها من العري؟ وأين هي السعادة التي أدخلتموها إلى كل بيت؟ ستذهلون من هذا الاتهام! ولكنا نطالبكم بأن تزوروا هذه الأحياء الفقيرة، وهذه الجموع العاملة، وهذه الكتائب "السائلة"، وهذه الآلاف من العجزة الذين يهيمون في الطرقات، وهذه الهياكل البشرية التي يسكن بعضها في القبور وهم أحياء!.. ونسألكم أن تنظروا في سجلات دوائر الصحة والمستشفيات العامة، بل نسألكم أن تسألوا بعض أنصاركم من عامة الشعب ليصدقوكم القول عما يعانيه الشعب من بؤس وشقاء، وعما تتخبط به الأمة من فوضى اقتصادية لا يرتضيها خلق ولا شرع ولا حكم ديمقراطي!.. اسألوا أنصاركم عن هذا لعلهم يصدقونكم ساعة في حياتهم! فقد يئسنا من أن تزوروا العامل في بيته، والفلاح في كوخه؛ والفقير في قبره.. وكيف يفرغ لهذا من يسهر الليل، ويدأب النهار؛ لتتم "الطبخة" الشهية التي تتحلب لها أفواه الراغبين في النيابات والزعامات!..
لا ينبغي لنا أن نتبرع ولو من باب التحفيز فنقر بأن مصر تخلت عن هويتها الإسلامية حينا من الدهر، أن مصر على الأقل من الناحية الدستورية كانت دائما إما جزء دولة وأمة دينها الرسمي الإسلام، أو جمهورية دينها الرسمي الإسلام (دستور 56), فضلا عن دساتير 71 و 2012 و 2014. كما أنه لا ينبغي لدعاة التمسك بهذه الهوية أن ينكمشوا فيتمدد غيرهم، فما زال الشعب رغم الأخطاء التي ارتكبت باسم الإسلام حريصا على هويته متمسكا بها،! مصر تمثِّل إقليمًا ذا طبيعة جغرافية وتركيبة سكانية خاصة منذ آلاف السنين؛ مما جعلها رغم تعاقب الأنظمة السياسية التي حكمتها والإمبراطوريات التي كانت مصر جزءًا منها دولة ذات وضع خاص، وتكاد تكون حدودها ثابتة على مر التاريخ حتى في الفترات التي انصهرت فيها ضمن إمبراطوريات أخرى إننا جميعًا تخلينا عن إنسانياتنا طواعية من أجل مال ندخره، أو سلطة نسعى إليها، أو أجندة معيبة نمتلكها، ثم صرخنا بأعلى الأصوات، إما شاكين همومًا أصابت دولتنا، أو متبادلين الاتهامات فيما بيننا، ولم ندرك فى لحظة تأمل قائمة على المنطق أننا جميعًا متهمون.. المعلم والمدرس والضابط والموظف والدكتور والإعلامي والمثقف والعامل.. جميعنا انفرطنا من عقد الوطن والأخلاق، غير عابئين بالعواقب، فشاهدنا المسلسل التركي، وامتلكنا الموبايل الفنلندي، وركبنا السيارة الياباني، وتعلمنا الدين الوهابي، وأكلنا الـ«فاست فود» الأمريكي، وشاهدنا منتجات هوليوود، وتجرعنا سمها الفكري وسط عسل الانبهار والمتعة البصرية، ثم بكينا على الهوية المفقودة..
واليوم أهدانا الله الفرصة للعودة سالمين إلى هويتنا، فتتحول الحالة الثورية إلى ثورة على النفس من أجل تمكين الأخلاق مرة أخرى.. ومن أجل ضمان عدم إنتاج هذا الإرهابي مرة أخرى.. من أجل مجتمع يحافظ على أمنه.. يجب أن يبذل مجهودًا لاستعادة أخلاقه.. استعيدوا الأخلاق يرحمكم الله. والإسلام لم يعرف ما عرفته الدولة الحديثة المعاصرة من تخويل القانون في مفهومه الوضعي التعاقدي دور القيم أو الأخلاق، والتي غدت بدورها مختزلة داخل منظومة الدولة الحديثة في دائرة الالتزامات الذاتية الفردية. النظام السياسي الإسلامي نظام عالمي، استمد عالميته من عالمية الإسلام ذاته، ومن صلاحيته للتطبيق في كل زمان ومكان، فجعل للعلماء القادرين على الاستنتاج واستخراج الأحكام الحقَّ في الاجتهاد في تفصيل الأحكام وتوضيحها بالشكل الذي يحقق أهداف الإسلام، ويدور في إطار أحكام الإسلام العامة، وقد جاءت أحكام الإسلام في أسلوبين:
الأول: أحكام تفصيلية محددة، تبين حكمها نصوص من القرآن واضحة الدلالة، لا خلاف في معناها، وأحاديث صحيحة من السنة وطرق أدائها، وهذه التعاليم لامجال للاجتهاد فيها بالزيادة أو النقصان مثل بعض أحكام الصلاة والزكاة والحج والمواريث وغيرها.
والثاني: أحكام جاءت من خلال الآيات التي يُختلف في تفسيرها، والأحاديث التي لم تثبت صحتها، أو ثبتت صحتها ولم يتفق العلماء فيها على معنى واحد، أو عبارة عن قواعد عامة في مجال المعاملات، وهذه من حق العلماء القادرين على الاجتهاد أن يبدوا الرأي فيها، بما يحقق مصالح المجتمع الإسلامي في زمن معين أو وضع معين، مع المحافظة على روح الشريعة، وتحقيق مقاصدها التي جاءت لمصلحة الناس. الصبر على الهوى أشق من الصبر في المعركة وأعظم أجراً، فالشجاع يدخل المعركة يمضغ في شدقيه لذة الظفر، فإذا حمي الوطيس نشطت نفسه وزغردت، والمؤمن وهو يصارع هواه يتجرَّع مرارة الحرمان فإذا صمّم على الصبر ولَّت نفسه وأعولت، والشجاع يحارب أعداءه رياءً وسمعة وعصبية واحتساباً، ولكن المؤمن لا يحارب أهواءه إلا طاعة واحتساباً.
إنه بسبب قوة المجتمع المدني الإسلامي وبالرغم من الحكم العضوض تواصل ازدهار الحضارة الإسلامية وتواصلت الوحدة السياسية لدار الإسلام ولو بشكل رمزي، ولم تسقط إلا بعد أن ترجحت بالكامل عوامل الانحدار وتحققت لدى المنافس الحضاري، لا سيما بعد اكتشافه للأمريكتين وتكديسه للثروات المنهوبة، فرص الغلبة، ففرض الحصار على دار الإسلام وتساقطت أقطارها تحت سنابك الاحتلال، حتى جاء الدور على مركز الخلافة نفسه المحاصر ليعلن عن سقوطه في بداية القرن العشرين مع أتاتورك. لقد ظلت الدولة التي ظهرت في المدينة في تواصل على الرغم من انتقالها من قطر إلى قطر، ومن قومية إلى أخرى، حتى الأرقاء أخذوا نصيبهم من الحكم، في ثبات عجيب ومرونة كبيرة، وذلك قبل أن يجتاحها الانحطاط من الداخل والغزو الاستعماري من الخارج.
وإذا استطاع رجل مثل أتاتورك بدعم دولي هائل أن يعلن عن سقوطها فإن الأمة لم تستسلم، وسرعان ما انطلقت الدعوة الإسلامية في مصر والهند وفي شمال أفريقيا وفي مواطن كثيرة من العالم بهدف مركزي، هو إعادة بناء الدولة على أساس الإسلام. ففي نفس العقد الذي أعلن فيه عن سقوط الخلافة أعلن حسن البنا انطلاقة دعوة الإخوان. وكانت فكرة إعادة بناء الخلافة هي الفكرة الباعثة والهدف الأساسي لتلك الدعوة التي عمت أرجاء العالم الإسلامي خلال هذا القرن، وهي اليوم تستشرف مرحلة أساسية من تحقيق هدفها في إعادة بعث الدولة الإسلامية الجامعة والحضارة الإسلامية المنقذة.
أن الحضارة الغربية اهتمت بالمادة في المقام الأول على حساب الإنسان والقيم التي تُعتبر المكونات الأساسية للأسرة، وهو ما انعكس بشكل سلبي على مفهوم الأسرة في الغرب، وجعلها ضعيفة ومفكّكة، وفاقدة لمضمونها ودورها في المجتمع، أن تلاشي دور الأسرة في المجتمعات الغربية جعل النشء بلا هوية ولا قيم ولا أخلاق؛ مما أفقده الكثير من مقومات الإنسان، وجعل غرائزه هي المحرّك الرئيسي له، ألا حضارة دون أسرة، فالأسرة هي نواة الحضارة.
إن أدوار وآثار الأسرة تناسبت مع تطوّرها وقيام الدولة المعاصرة، فقد كانت الأسرة تقوم بجميع الوظائف الاجتماعية والاقتصادية في الحدود التي يسمح بها نطاقها، وبما تقتضيه ظروف المجتمع وحاجاته، لافتا إلى أن للأسرة آثارا كبيرة على الدولة تتعدّى دورها الاجتماعي والأخلاقي لتشمل دورا اقتصاديا بل وسياسيا، وبالتالي فإن ضعف الأسرة يعني انهيارا تدريجيا لكل هذه المجالات.
أن الأسرة هي نواة المجتمع، وينعكس مستوى صلابتها وترابطها بشكل مباشر على ترابط المجتمع، فإذا كانت الأسرة مفككة وضعيفة أفرزت مجتمعا هشا يفتقد لكل مقومات القوة، ويكون معرّضاً للانهيار أمام أيّ هزات اجتماعية، والعكس صحيح، فالمجتمعات المترابطة والقوية اجتماعيا تكون الأسرة فيها قوية وذات أواصل صلبة ومتينة، أن الأسرة هي خط الدفاع الأول عن المجتمع وصمام الأمان له. الأسرة هي مصنع المجتمع، التي تخرج له أفراده ويتكوّن بداخلها مكوناته، ومن ثم فإن بناء مجتمع سليم وقوي اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا يبدأ بأسرة قوية ومترابطة، مشيرة إلى أن الترابط الأسري ودرجة التقارب بين الآباء والأبناء يؤثر بشكل مباشر على سلوكيات المجتمع ومستواه الأخلاقي والعلمي، حيث نجد أن المجتمعات التي يتوفر فيها مفهوم الأسرة تتمتّع بالسلوكيات الراقية والتقدّم العلمي وعلاقات اجتماعية جيدة.
أن الأسرة في المجتمع المعاصر هي امتداد طبيعي للأسرة في المجتمع القديم مع بداياتها الأولى مرورا بالعصر الإسلامي، الذي كانت له بصمات واضحة على ترابط الأسرة وتقوية العلاقة بين أفراد العائلة، وفي النواحي التربوية والاجتماعية، لافتة إلى أن الأسر كانت كبيرة الحجم، ثم أخذ يضيق نطاقها وحجمها تدريجيا، حتى وصلت إلى هذا القدر من الضيق الذي نراه في المجتمعات الغربية، حيث تتعمّد الأسر في الولايات المتحدة وأوروبا أن تعهد بحضانة أولادها إلى بعض المؤسسات الحكومية أو الأهلية، باعتبار أن عمل الوالدين يحول دون التفرّغ الكامل لرعاية الأبناء والاهتمام بشؤونهم، وهو ما كان له أثره البالغ في التفكّك الأسري وضعف العلاقات الاجتماعية في المجتمعات الغربية.لان حسن الخلق يستر كثيراً من السيئات، كما أن سوء الخلق يغطّي كثيراً من الحسنات. أكثر الناس خطراً على الأخلاق هم علماء "الأخلاق" وأكثر الناس خطراً على الدين هم رجال الدين . (أعني بهم الذين يتخذون الدين مهنة، وليس في الإسلام رجال دين، بل فيه فقهاء وعلماء ).
كاتب المقال
دكتور في الحقوق و خبيرفي القانون العام
ومدير مركز المصريين للدراسات السياسية والقانونية والاقتصادية
عضو والخبير بالمعهد العربي الاوروبي للدراسات الاستراتيجية والسياسية بجامعة الدول العربية |