صنعاء نيوز استطلاع / عبدالعزيز شمسان - ارتفاع الأسعار ..ينهب »محدودي الدخل«
المواطن البسيط لا يبحث إلا عن كفاف العيش، بل لا يسأل إلا عن توفير النزر اليسير مما يسد حاجة جوعه وجوع أولاده،فكيف إذا عز عليه الحصول على هذا النزر اليسير وأضحى التفكير فيه ضرب من ضروب المستحيل؟
سلع غذائية كثيرة يعتمد عليها الفقراء وهي إلى حد ما تقارب قدرتهم الشرائية المحدودة جداً؛بعضها اختفى من الأسواق، وبعضها عز الحصول عليه بسبب ارتفاع أسعارها، فضلاً عن ضمان الحصول عليها طازجة، كالزبادي مثلاً..وأس المشكلة بالتأكيد الحصار المطبق الذي يفرضه العدوان الغاشم.
ودون مواربة نحن أمام وضع ينذر بالكارثة، عبرت عنه الأمم المتحدة ومنظماتها المختلفة مراراً وتكراراً ..لكن لاحياة لمن تنادي ..
ارتفاعات جنونية في الأسعار يقابلها ندرة في العرض..وتدهور شرائي واضح بسبب اتساع دائرة الفقر..
( الثورة )..نزلت الأسواق وتتبعت الحال ..وهذه الحصيلة:
أمة اللطيف علي ،ربه منزل، تقول بصوت مُتعب :
لم يبق لي إلا أن أسأل الناس «يارب ياكريم»، زوجي مجرد عسكري وراتبه محدود جداً والأوضاع المعيشية صعبة للغاية، في السابق كنا نفكر في هم الإيجار كيف نوفره والآن أصبحنا نلاحق الزبادي من بقالة إلى أخرى، وأصبح تفكيرنا ينحصر من أول النهار إلى آخره في ما يقينا لسعات الجوع وذلّ السؤال.
وأضافت: لم نعد نفكر لا بشراء اللحم في نهاية كل شهر، ولا بشراء الدجاج نهاية كل أسبوع،الآن نبحث عن أي غذاء رخيص يشبع جوعنا، وللأسف الشديد نجد صعوبة في هذا، وإن حصلنا عليه فنحن لم نعد نهتم بتاريخ صلاحيته،ففي السابق كان الزبادي يسد حاجتنا من الجوع ومع ارتفاع سعره وصعوبة الحصول عليه طازجاً تركناه مجبرين .
احتياجات عديدة
صلاح صالح زيد، موظف حكومي،يقول بنبرة احتجاج واضحة:
- يا أخي أصبحنا نبحث عن البضائع الأكس باير»منتهية الصلاحية» المهم أن نشبع ويشبع أطفالنا، راتبي 40 ألف ريال وإيجار المنزل 25 ألف ريال، أي أن المتبقي 15 ألف ريال وعلي أن أوزعها بين مصاريف مدارس واحتياجات أخرى عديدة، بالإضافة إلى التفكير بقيمة اسطوانة الغاز التي أصبحت تستقطع جزءاً رئيسياً من راتبي.
باختصار يلخص معاناته اليومية: هذا هو الوضع بالنسبة لي فلا تسألني عن الزبادي ولا عن غيره فأنا بين خيارين، إمّا أن أتحول إلى لص،أو أتسول أنا وأولادي.
حياة صعبة
أيمن لطف عبدالله،عامل بالأجر اليومي،بتذمر واضح يقول:
أنا في صنعاء منذ ستة أشهر بدون أي عمل وأسرتي تنتظر مني مصاريف لها،والحياة صعبة للغاية والمسئولين لا يفكرون في أوضاع الفقراء.
وتابع والأسى يتدفق في مفردات حديثة :الفول، الفاصوليا، والزبادي أصبحت اليوم تشكل هماً بالنسبة ..لم نعد نفكر باللحم والسمك والدجاج ، وللأسف الشديد وصل بي الحال إلى أن انتظر على أبواب المطاعم في انتظار أن يتفضل عليّ صاحب المطعم بالأكل من بقايا ما يتركه الزبائن، ومع هذا أكل من دون شهية لأني أفكر بأطفالي وعائلتي التي تعيش في محافظة حجة.
وأضاف: قبل الأزمة الأخيرة كنت أرسل لأولادي 25 ألف ريال شهرياً كمصاريف خاصة بهم، والآن تواصلي منقطع منذ حوالي خمسة أشهر ولم أرسل لهم حتى» 25» ريال، يا أخي خلي لي حالي.
الجوع مصيبة
هذا حال محدودي الدخل فكيف سيكون الحال مع متسول ..ماذا سيقول ؟ فارس عبده، متسول، يقول بمرارة:
أنا أتسول في هذا الشارع منذ أكثر من خمس سنوات،الناس كانت تتفضل علينا بعشرة وعشرين ريالاً وإذا فاض الخير عندها تصدقت بمائة ريال، أما اليوم فالناس أصبحت شحيحة للغاية بسبب الواضع الراهن، فهي ما إن ترانا حتى تغلق نوافذ سياراتها، وأصبحنا لا نفكر إلا بما يضمن لنا قوت يومنا.وختم معاناته بالقول :الجوع مصيبة يا صاحبي والألعن من الجوع هو المرض، تصور أن يكون أحد أبنائك أو زوجتك يشكون من مرض ما، كيف ستتصرف وأنت لا تملك شيئاً بصراحة أصبح الوضع لا يطاق.
غلاء الأسعار
مريم أحمد، موظفة وربة منزل،تقارن بين زمنين وتقول :
كنا في السابق نزين المائدة ببعض الفاكهة، أما اليوم فقد استغنينا عن الفاكهة بالمرة، واستغنينا عن أشياء أساسية كانت تدخل في صلب حاجتنا الغذائية، كالحليب مثلاً، حرمنا أنفسنا وأولادنا من شرائها نتيجة ارتفاع سعره، الزبادي أيضاً أصبح من الصعب التفكير بشرائه بسبب صعوبة ضمان أنه صالح غذائياً بسبب انعدام الكهرباء، حتى العيش «الخبز» اصحبنا نشتريه بمقدار معين ،الحياة أصحبت صعبة والعدوان والحصار عكس نفسه على سلوكنا في داخل المنزل نفسه.
ومضت تقول: أتحدث عن كوني سيدة موظفة وزوجي موظف، أي أننا نعيش براتبين والمنزل مملوك لنا، أي أننا لا ندفع إيجاراً ومع هذا تواجهنا صعوبات عديدة.
وتساءلت :هذا بالنسبة لوضعنا كيف بالنسبة لمحدودي أو معدومي الدخل كيف يتصرفون؟.
وتابعت :اعتقد أن المسؤولين عن هذا البلد لن يرتاحوا إلا وقد دخل الفقراء في هذا البلد في طقوس من الموت الجماعي ،الله يعين.
وضع مزرٍ
هاني محمد علي ،رب أسرة وعاطل عن العمل،بالتأكيد تلال المشاكل هنا تكبر وتكبر في حال كهذا يقول وآثار الغم بادية على ملامح وجهه:
- أنا رب أسرة مكونة من خمسة أولاد بالإضافة إلى زوجتي، وكنت موظف قطاع خاص وبسبب الحرب تم تسريحي من الوظيفة، والآن أعيش على ما يتفضل به علينا أهل الخير من أسرتي وأسرة زوجتي.
وأضاف:بعد تسريحي من العمل اضطررت لبيع ذهب زوجتي ليتسنى لي توفير الاحتياجات الغذائية الضرورية، وللأسف الشديد وصل بي الحال إلى بيع العفش وصاحب المنزل لم يمهلن حتى تدبير الإيجار وقرر طردي وأنا الآن أعيش في شقة مع أخي وقسمناها نصفين وهو من يتكفل بدفع الإيجار والوضع صعب للغاية.
وواصل حديثه: نتدبر مسألة عدائنا بشراء القليل من الخضار والزبادي، ونعتمد على وجبة واحدة في اليوم نتناولها في الساعة الخامسة مساء حتى تكون بمثابة الغداء والعشاء، ومع هذا ينام أولادي وهم جياع .
ويعيد هاني السبب في ذلك إلى ارتفاع الأسعار،حتى الرز الذي قررنا أن نأكله ناشفاً أصبح غالياً، والماء البارد أيضا أصبح ضربا من المستحيل بسبب ارتفاع أسعاره والكل يتعذر بشراء الديزل والبترول، وصدقني لا أنا ولا أولادي ولا زوجتي شربنا شربة ماء بارد منذ ثلاثة أشهر.
وأكمل حديثه بالقول: لو كانت هناك دولة لضمنت للموظف حقوقه في جهة عمله وإلا ما انتهى مصيرنا إلى هذا الوضع المزري، سُرحت أنا وعشرات من زملائي من الوظيفة من دون ضمان العودة إليها وبدون حقوق، والسبب غياب الدولة وغياب القوانين المنظمة بين الموظف وجهة عمله في القطاع الخاص.
نهاية المطاف
يلخص معد الاستطلاع مشاهداته التي نقلها بعمق من واقع تلك المعاناة فهذا نموذج بسيط جداً عن حقيقة الأوضاع التي يمر بها المواطن البسيط، أزمة نتجت عنها أزمات كثيرة انسحبت على كل تفاصيل حياة الناس..
حاولنا بواسطة هذا الاستطلاع تقديم صورة من صور متعددة يعيشها المواطن معاناة طافحة بالمأساة لأن الأجزاء المتبقية من الصورة يصعب احتواؤها واستيعابها من خلال استطلاع واحد أو حتى بواسطة عشرات الاستطلاعات الصعبة والمرهقة للغاية على أي صحفي ،كون هذا الصحفي سيكون مضطرا للتعامل مع مواجع البسطاء الذين يعتصر بداخلهم الكثير من الألم ، ويختلط شرحهم بالكثير من الدموع.
لكن يبقى السؤال القافز إلى سطح المشهد .. وهو سؤال كل الناس : إلى أين نحن ذاهبون؟!
|