الكاتب والخبير في شؤون القدس علاء الريماوي -
لم يكن مشهد الجرافات الإسرائيلية بالقرب من مفترق الخان الأحمر مريحا ، وخاصة أن مساحة الحفر الجارية طالت عشرات الدونمات من الأراضي ، ثم امتدت في مساحات شاسعة باتجاه مدينة أريحا البوابة الشرقية لفلسطين ، ثم انعكست في الجهة المقابلة وصولاً إلى ما يعرف بالمفرق الداخل إلى منطقة الزعيم .
الحديث يدور هنا عن جسر معلق وبنية تحتية ضخمة من الطرق ، التي تجيء كترجمة حقيقية لمشروع المخطط الهيكلي 2020 | 2030 والذي يسعى لضم محيط مغتصبة معالي ادوميم وسلسلة المغتصبات الثمانية التي تمتد في موازاتها باتجاه البحر الميت لتشكل الضلع الرئيس في الشرق لما يعرف بالقدس الكبرى والذي من خلاله سيتم إضافة 164 كم في الإضلاع الأربعة إذا تم استثناء مناطق الأغوار التي ستشكل مع مجموع المصادرات الأخرى لأغراض الأمن والمعسكرات 17 % من أراضي الضفة الغربية .
شبكة الطرق التي يجري تنفيذها سبقها شق طريق يخرج من أطراف بلدة العيزرية ليصل إلى بلدة عناتا والذي سيكون الرابط الوحيد مع مدينة رام الله ومناطق الشمال ، التي ستحرم دخول ما يعرف بخط تل أبيب عمان لتتحول المنطقة جميعها إلى منطقة إسرائيلية مغلقة تضم آلاف الدونمات المصادرة والتي ستكون مأوى أكثر من نصف مليون إسرائيلي سيتم جلبهم للقدس في الأعوام العشرة القادمة .
المنطقة المعزولة هذه والتي سيعزلها مسار الجدار والذي سيضم للقدس مساحات شاسعة تبدأ من حدود بلدة العيزرية ومعاليه أدوميم حتى البحر الميت ثم تتعرج في الأغوار وصولا إلى طوباس والتي تشكل أكثر 24 % من أراضي الضفة الغربية .
هذا الجنون الإسرائيلي على الأرض ترافق مع حملة تهجير كبيرة طالت المواطن العربي في المدينة المقدسة حيث أفادت بعض الدراسات أن سحب الوثائق المقدسية بلغ هذا العام أكثر 4672 ، وأضافت الدراسة أن مجموع ما تم سحبه من وثائق المواطنة من العام 67 حتى اليوم 14 ألف عائلة والتي بلغ محيطهم أكثر من 80 ألف مقدسي ، وقد عالجت إسرائيل ما تبقى من الكثافة العربية بالجدار الفاصل والذي أخرج من القدس قرابة مئة ألف ، مضافا إلى 70 ألف يعيشون في الضواحي المعترف بها من بلدية القدس خارج أسوار المدينة بمعنى أن الحديث يجري فقط عن أكثر من 150ألف مقدسي داخل أسوار المدينة ، والتهجير مستمر .
حدود التغير في طابع المدينة لم يتوقف على البشر بل شرعت المؤسسة الإسرائيلية إلى بناء أكثر من 218 كنيساً إسرائيليا منها 70 كنيس في البلدة القديمة والتي تضاعفت فيه عن المعالم الإسلامية التي يهودها أكثر من 135 نفق تشكل مساحات عرضية واسعة تحت المسجد لتكون الأساس العملي للهيكل المزعوم .
هذا الحديث نضيف إليه العمل كبير في منطقة القصور الأموية والتي سترتبط بتوسيعات تصل المصلى المرواني تمهيداً للمصادرة ، مع تغير جوهري في ساحة البراق .
المخطط الهيكلي وتفعيل قانون أملاك الغائبين سيمس بالملكية العربية في القدس والتي لا تتعدى 13 % من أراضي القدس ومساكنها ، العين الإسرائيلية اليوم على أكثر من 25 ألف دونم في محيط القدس ، وأكثر من 50 منزل في البلدة القديمة ، وعشرات العقارات في سلوان ووادي حلوة والثوري والمكبر سيستولي عليها حارس أملاك الغائبين بحجة انقطاع الوريث الشرعي عن أملاكه .
خلاصة الأرقام التي يمكن تلخيصها من خلال مشهد تصويري سهل نجمله أن مخطط شبكة الطرق والجسر المعلق والذي نكشفه لأول مرة سيشكل الضلع الشرقي لأكبر عملية مصادرة في مناطق الغور ومحيط بلدة العيزرية وأراضي عرب الجهالين لتأسيس ما يعرف بالقدس الكبرى التي يمكن حصر العرب فيها بعد موجات التهجير والمباشر وغير المباشر ليبقى في القدس 170 ألف مواطن عربي ، مما يعني أن القدس ستكون سهلة التهويد في مقدساتها والتي يجري التغير لمعالمها في أكثر 215 زقاق في مدينة المقدسة .
هذا يعني وباختصار أن القدس تحولت في مشهدها من الصورة العربية إلى هيكلة إسرائيلية شوهت وجه القدس ، وغيرت من خلال العبث الكبير في الشواهد التاريخية وصولاً لمحيط المسجد الأقصى التي تشتد الدعوات لهدمه وتدميره وبناء الهيكل على أنقاضه .
وفي المقابل تظل الصورة عند العربي طبيعية مألوفة بلا حراك ولا مجابهة ، مما يشجع إسرائيل الذهاب في غيها إلى المحذور الذي نخشاه ، لا قدر الله ، ساعتها عيب على امة تبيع كرامتها في مزاد الذل من غير حراك ولا مواجهة . |