د.محمد جميعان -
تتزاحم الاحداث بين الحماسة والاستفزاز ، حماسة تجعلك تحكم ضميرك ليأخذك الى عمق الصواب ، فكانت بيانات مقاطعة الانتخابات التي ابتدأت بالوطنيين من المستقلين ثم المبادرة الوطنية،والاخوان المسلمين وجبهتم،والمتقاعدين ولجنتهم العليا ،ناهيك عن الذين اعلنوا توجههم بالمقاطعة وهم ينتظرون ظروفهم او صياغة بياناتهم ، وهي بيانات دققت النظر فيها وامعنت البحث فيها ، فوجدت فيها عمق حجتها في عظم توجهها، لتقترن بالمقابل من الحكومة التي تروج للمشاركة وهي تشعل رؤؤسنا استفزازا ، ولم تترك للهدوء طريقا..
وعسى ان تكرهوا شيئا وهو خير لكم ، ولا ضير فربما في بعض الاستفزاز فضيلة يخرج الكلمة من غمدها ، لتنطق من الاعماق عبارات تصل الى القلب وتجعل الوصف اكثر دقة .
دعوني اجول في خاطري لاتحدث عن قضيتين مهمتين الاولى تعديل الحكومة ، والثانية الترويج للانتخابات ؛
في الاولى ؛ الحكومة ممثلة برئيسها تحاول خدمة نفسها في هذا التعديل الوزاري المفاجئ رغم طول انتظاره وكثرة الحديث فيه،والذي جاء مباشرة بعد لقاء الرجال الرجال من المتقاعدين العسكريين مع نشطاء المعلمين والذي طرح فيه مقاطعة الانتخابات ، وقبيل مسيرة الشرفاء من المعلمين واصدقائهم الى كرك الهية والرجال ، وهي تحاول في هذا التعديل ان تنفس تراكم احتقانات كانت من صنيعة بعض وزرائها المغادرين ، لعلها بذلك تكمل مسيرة بقائها لتنفذ اجندتها المرسومة ..
ولكن الملاحظ ان هذا التعديل زاد الطين بلة واكثر من بلة وسنرى ذلك في قادم الايام ، ليس بشخوص من دخلوها من القدماء ممن سجلت عضويتهم سابقا في طبقة او نادي الوزراء ولكن بشخوص من دخلوها من الجدد الذين اضيفوا الان الى نادي الوزراء وطبقة النبلاء من البزنس والدجيتل من اجل معادلة التوازن وعدالة المحاصصة ؟!
وكأن هذا التعديل جاء بغطاء محكم لتعيينات على سياق العقلية والسياسات التي حكمت رئيسها منذ ان حطت قدماه رئاسة الحكومة، فما زالت التغييرات والتعيينات في المناصب جارية على قدم وساق من طبقة النبلاء وابناء الشخصيات والمعارف والمحاسيب والشطار وليس من ابناء الحراثين والقرويين والمتقاعدين واللاهثين وراء خبزهم ؟!
نعم فمن دخل الحكومة واعتقد ان من سيدخلها تحت مظلة هذا التعديل من الجدد من الوزراء وبقية المناصب هم من البزنس والدجيتل وليس من المتقاعدين الاشاوس اوالمعلمين الكوادح، والغريب الغريب ان شركة هواتف خلوية" بعينها " زين اصبحت مصدرة" للكفاءات الوهمية " للمناصب والوزارات فمن الصقر الى عفانه الى .. ولم يعد متقاعدي قواتنا المسلحة واجهزتنا الامنية ومدرسة الرجولة وخمرتهم وخبرتهم وشهاداتهم العليا مصدرة لهم .. وبهذا العرف الحكومي الرفاعي الدجتالي اصبح الندب واجب على سوء اختيارنا لماذا لم نتجه الى بزنس الغرائب والعجائب وشركات الهواتف واخواتها لننعم بالاجواء المريحة والناعمة والرومانسية وهدوء البال وننال الرضا والمناصب والوزارات ؟؟!!
ما يقلقنا ويثير حفيظتنا ويسخن عقولنا اكثر واعمق ، ما يجري الحديث فيه تفصيلا ، من سيطرة رئيس الحكومة عبر هذه التعيينات المحسوبية والمحسوبة بدقة على مؤسسة الضمان الاجتماعي ، وهي مؤسسة مدخراتنا ومستقبل ابنائنا وقد وضعنا فيها دماء قلوبنا كما يقال بلهجتنا المنسية ؟؟؟ وهو قلق يجعلنا نشد الاحزمة اكثر من السابق ونقول بان السياسات مازالت هي السياسات، وما التعديل هذا الا مظلة لزرع البذور وتثبيت الاقدام من اجل تحقيق الاهداف وتصويبها بشكل ادق وقاتل ؟؟
وفي الثانية ؛ سابقة هي الاولى من نوعها في تاريخ الاردن ، شاركت دائرة الافتاء في حملة الترويج للانتخابات عبر فتوى تم نشرها بشكل واسع مقصود، خلافا لكل ما اتعبتنا به الحكومات واصمت آذاننا وهي تكرر علينا وتزجرنا وتمنعنا من تسييس الدين والفتوى؟!
وهي المرة الأولى ايضا في تاريخ اردننا الذي يشهد مثل هذه الحملة الترويجية الواسعة والمبهرة في الظاهر والباهتة في التاثير والمفعول، لإقناع الناس بالمشاركة.والسؤال الكبير هنا الهذا الحد اصبحت حكومة النبلاء في مأزق وهي تصارع من اجل عدم مقاطعة الانتخابات ؟!
و لماذا كل هذه الزيارات المتكررة والمآدب والوعود المتواترة من قبل الرئيس بنفسه لبعض المحافظات ولشخصيات بعينها ؟ ولماذا كل هذا التركيز بأن هذه الانتخابات ستجري في ظل أجواء من الحرية والشفافية والنزاهة؟ ، أليسذلك مستغربا، وما دلالة ذلك ؟.
لن اتحدث في دلالات ذلك ، فالكل في بلدي مهما صغر عمرا وخبرة يعرف المأزق الحكومي ويعرف الارباك والتخبط الذي اصبح عنوانا للحكومة ، وهي تبحث عن طوق نجاة لها في هذه الانتخابات .
وكل صغير وكبير في وطني يعرف كل ما يجري ، ويدرك مغزى كل الدعايات، ولم يعد للبهرجة تأثير ، فقد اغلقت القلوب ، من سوء ما ابصرت العيون ، واختزن في الذاكرة من ظلم وضحك على الذقون .
لن اتحدث لك يا سيدي الشيخ عن اسباب اليقين في مقاطعة الانتخابات ، فقد امتلات بها الصحف والمواقع الكترونية وكتب بها كل الشرفاء ونادى بها كل المخلصين ، ليس اولها نتائج الانتخابات الماضية التي تم الاعتراف بعدم نزاهتها وحل البرلمان على اساسها ، مرورا بقانون انتخاب مؤقت ارتجالي مبهم ، وما بينهما من الكثير الكثير من التخبط والاستفزاز والظلم الذي مازال جاريا .. ان تزاحم الاسباب الموجبة للمقاطعة لم تترك طريقا لاي تاثير مهما كان ، فقد وصل الى اعماق اعماقنا..
مقاطعة الانتخابات يا سيدي الشيخ ليس قرارا اتخذته لاناقش به العقل حتى يقتنع ، وليس عاطفة لتؤثر به الدعايات ، بل هو املاء الضمير وعمق اليقين وتاكيد الادراك الذي رسخ في العقل لا يزعزعه الا الموت الذي هو بيد الله خالق الكون وكاسر الجبارين والظلام والمتكبرين. |