صنعاء نيوز/ تقرير/ جمال الظاهري -
على مدار التاريخ تعرض كثير من التراث الثقافي والإنساني إلى عمليات إبادة وتدمير لأسباب مختلفة وضمن سياقات متعددة، ولكن تبقى النتيجة واحدة وهي أن البشرية خسرت جزءا مهما من ذاكرتها الحضارية وإرثها الإبداعي.
لم تسلم المواقع الأثرية في اليمن، ذي الحضارة الضاربة في التاريخ، من حمم العدوان السعودي ومن التدمير الممنهج الذي ينفذه تنظيم «القاعدة» واخوانه من التنظيمات السلفية التكفيرية، وجميعها مواليد شرعية للفكر الوهابي الذي نما وترعرع في احضان النظام الاسري السعودي.
اغلب المعالم الحضارية والتراثية والمزارات والاضرحة على طول وعرض اليمن تعرضت للاستهداف من قبل هؤلاء التكفيريين, إما بالاصالة والمباشرة من قبل الراعي الرسمي والممول الرئيسي لكل هذه الفرق الدموية- النظام السعودي- طوال فترة عدوانه على اليمن شعباً وارضاً وتاريخ وحضارة, أو عن طريق أدواته من التنظيمات التكفيرية، القاعدة وداعش وغيرها.
منطلق واعتقاد هؤلاء جميعاً منبعه واحد (السلفية الوهابية) التي ومنذ بدايات ظهورها في نجد ارتكزت على نهج توسعي تحالف فيه السياسي بالمعتقد القائم على فكرة التكفير والشركيات, ومن هذا المنطلق فإن منهجهم يقوم على استهداف المعالم الدينية والتاريخية، بحجة أنها موروثات «شركية» تتعارض مع فكرة «التوحيد»، والحقيقة أن الهدف الأساسي هو نسف الدين الإسلامي ومبادئه السمحة من الداخل.
في الأيام الأخيرة استهدفت بعض هذه الشواهد والمعالم في كل من أبين وحضرموت وعدن ولحج وتعز وغيرها من الأماكن التي يجدون لأنفسهم فيها مرتعاً وسلطة وسيطرة وما مارسه هؤلاء ويمارسونه في مدينتي المكلا والشحر وغيرهما إلا نموذجاً بسيطاً لبعض تجليات هذه العقلية المتوحشة التي لا تفقه من الدين غير القشور.
وكانت الهيئة العامة للآثار والمتاحف اليمنية، قد أعدت بيانات بالأماكن التاريخية التي استهدف من قبل العدوان السعودي الامريكي ورفعتها إلى منظمة اليونسكو، كجهة دولية مسؤولة عن حماية هذا التراث الإنساني، وعدد من المنظمات العربية والدولية ذات الاختصاص, معالم ومواقع اثرية تعرضت للتدمير والتفجير من العدوان وحواضنه التكفيرية لم يتسن حصرها رسميا, وهنا نورد الاحصائية الرسمية, كي يعرف الجميع بشاعة وحقارة من يعتدي ويمارس الغطرسة والتعالي على الشعب اليمني, ويستخف بكافة قوانين ومواثيق المنظمات والهيئات الإنسانية والدولية.
وقد کشفت إحصائية رسمية (غير نهائية) صادرة عن الهيئة العامة للآثار والمتاحف أن تحالف العدوان السعودي دمر 23 معلماً أثرياً من معالم التراث الإنساني في مختلف مناطق اليمن منذ بدء العدوان في مارس الماضي، وقد اوضحت الإحصائية أن تحالف العدوان السعودي دمر بنسب متفاوتة الكثير من المعالم الأثرية اليمنية.
ومن هذه المعالم : 6 مدن تاريخية و6 قلاع تاريخية و3 متاحف و2 مساجد و4 قصور و4 حصون وغيرها من الخرائب والسدود والمباني والجروف والدور والقباب، في كل من صنعاء، مأرب، عدن، امانة العاصمة ، الضالع ، صعدة، تعز ، الحديدة ، شبوة ، حجة.
ووفقا للوثيقة الصادرة عن الهيئة العامة للآثار فأن العدوان السعودي دمر كل من : مسجد حمراء بدار الحيد محافظة صنعاء بنسبة 100%ومدينة براقش بمحافظة مارب بنسبة 20% ومدينة صرواح بمحافظة مأرب بنسبة 30% وقلعة صيرة بمحافظة عدن بنسبة 10% ومتحف عدن ( قصر العبدلي ) بنسبة 15% وقرية فج عطان بصنعاء بنسبة 30% ودار الحسن بالضالع بنسبة 90% ومدينة صعدة التاريخية بنسبة 80% ومسجد وجامع الهادي بصعدة بنسبة 30% وقلعة القاهرة الأثرية بتعز بنسبة 80%.
كما دمر العدوان السعودي وتسبب بأضرار في مدينة صنعاء القديمة بما نسبته 30% وفي مدينة زبيد بما نسبته 20% وفي قصر السلاح ( غمدان) ما نسبته 10% والمتحف الوطني بصنعاء بما نسبته 10% ومتحف الموروث الشعبي بما نسبته 10%.
وتسبب العدوان السعودي بدمار وأضرار في جرف أسعد الكامل بمحافظة اب بنسبة 70% وفي القفلة بصعدة بما نسبته 50% وفي قلعة نقم بما نسبته 30% وفي متحف ذمار بنسبة 100% وفي قلعة جبل الشريف بمحافظة الحديدة بنسبة 40% وفي المصرف الشمالي والجنوبي لسد مارب القديم بنسبة 70% ودار الحجر بصنعاء بنسبة 10% ومجمع العرضي بصنعاء بنسبة 50% وقبة المهدي بصنعاء بنسبة 30% ومتحف عتق بشبوه بنسبة 10 %.
وفي محافظة حجة دمر العدوان وتسبب بأضرار في حصن النعمان بمدينة حجة بنسبة 10% وفي حصن المنصورة بنسبة 10% وفي حصن الشرف بنسبة 10% وفي القشلة بمديرية ميدي بنسبة 30% وفي قلعة المنصورة – ميدي بنسبة 30% والمجمع الحكومي القديم بنسبة 30% وفي خرائب قلعة الادريسي – ميدي بنسبة 30% وخرائب الجوبة والخور – ميدي بنسبة 30% وخرائب العلالي مديرية بكيل بنسبة 30% وحصن قفل حرض بنسبة 40% وقلعة قفل حرض بنسبة 40% وخرائب جبل جحفان بنسبة 40 %.
معالم حضرموت والقاعدة
أقدمت مجاميع القاعدة المسلحة في تاريخ 21-22 وحتى صباح الأربعاء 24 سبتمبر 2015م، في مدينة المكلا على هدم وتفجير العشرات من الأضرحة والمعالم الإسلامية التاريخية في مناطق متفرقة من المدينة المكلا عاصمة محافظة حضرموت.
واقتحمت مجاميع تنظيم القاعدة التي تطلق على نفسها عناصر “الحسبة” عدداً من المساجد والقباب التاريخية الشهيرة في مدينة المكلا أبرزها “قبة يعقوب” الواقعة بحي الشهيد خالد، ومحيط مسجد عمر، و”قبة المحجوب”، و”قبة مسجد بازرعة” الواقعة بحي السلام بالمدينة.
وقال مصدر أمني: إن عناصر القاعدة أقدموا على نهب محتويات القباب وهدم وتحطيم كل مقامات الأولياء الصالحين بداخلها، على مرأى ومسمع جمع من الأهالي والسكان. موضحاً، أن عناصر القاعدة استقدموا “جرافة” لهدم الأضرحة والقباب الأثرية بعد عجزهم عن تكسيرها وتدميرها بشكل كامل بأيديهم، ويعزمون على تفجيرها ومساواتها بالأرض.
ولفت المصدر في تصريح لوكالة “خبر” للأنباء إلى أن عناصر التنظيم قاموا بتلغيم “قبة المحجوب” وتفجيرها مرتين ثم استخدموا الجرافة لاستكمال هدمها بشكل كلي. مشيراً إلى أن حالة من السخط والغضب سادت في أوساط الأهالي، جراء قيام عناصر التنظيم بتحطيم وتدمير هذه الأضرحة والقباب التاريخية التي يعود تاريخها إلى مئات السنين، بل إلى ما قبل بناء مدينة المكلا.
ويوجد بداخل هذه القباب التاريخية عدد من الأضرحة والمقامات لعدد من العلماء الأجلاء والفقهاء الصالحين والعارفين وسياسيين بارزين وأبرز أعلام حضرموت وكالة “خبر” للأنباء تنشر نبذة موجزة عن بعض هذه الشخصيات:
قبة وضريح الشيخ يعقوب باوزير، نسبة ليعقوب بن يوسف بن علي بن طراد الذي كان وزيراً لأحد الخلفاء العباسيين، ومن هنا جاءت تسمية آل باوزير. وهاجر يعقوب بن يوسف هو وأبناؤه الثلاثة وحفيده إلى حضرموت، ونزلوا بالمكلا. مات يعقوب بالمكلا سنة 553هـ (1158م) ودفن بكثيبها الأبيض الذي يعرف اليوم بتربة يعقوب. قامت حول القبة الشهيرة مدينة المكلا، وأقيمت جوارها أكبر وأقدم مقابر المكلا، يعود تاريخها لمئات السنين.
ضريح الشيخ عبدالله محفوظ الحداد الذي درس في رباط حضرموت العلمي وعلى يد عدد من علمائها، وتعيّن قاضيًا شرعيا في محكمة مدينة المكلا عاصمة الدولة القعيطية آنذاك، ثم عين رئيساً لمحكمة الاستئناف بالمكلا ومفتي الديار الحضرمية.
ضريح السلطان القعيطي، أحد سلاطين الدولة القعيطية، ومن أمرائها في حضرموت بعد أن كانوا يلقبون بالمشائخ، وكان أبوه من كبار الحضارمة في مدينة حيدر أباد. حكم مدينة شبام فأضاف إليها مدينة الشحر متعاونًا مع أخيه في تقويض سلطنة آل السلطان الكثيري وبسط نفوذه في حضرموت.
مقامات العلامة الحامد، والسيدة علوية بنت الشيخ أبي بكر، والعلامة أحمد بن محسن الهدار وهم من علماء حضرموت الذين يعتبرون من أبرز أعلامها المتصوفين في اليمن.
في يوم الثلاثاء تاريخ 29/10/2015م قام عناصر تنظيم القاعدة بهدم قبة وضريح الشيخ الفقيه مزاحم بن أحمد باجابر في مدينة المكلا.
تجدر الاشارة هنا إلى أن تاريخ بناء هذه القبة يعود إلى مئات السنين وتقع في منطقة بروم على بعد 30 كيلو غرب مدينة المكلا.
وهدم تنظيم القاعدة النصب التذكاري الصيني وقبور الخبراء الصينيين بمدينة المكلا في 29 أغسطس الماضي، وكان أقدم مسلحون متشددون على تفجير “قبة الحبيب حمد بن صالح” الواقعة في قرية الواسط بمديرية الشحر بساحل حضرموت، في 28 يوينو الماضي، ويسيطر تنظيم القاعدة على مدينة المكلا منذ 2 أبريل الماضي.
أضرحة تعز ولحج وعدن
اقدم متطرفون الاسبوع الثاني من شهر سبتمبر 2015م على اقتحام وسرقة ونهب ومن ثم هدم ضريح ومقام الإمام عبدالهادي السودي الذي يقع في مسجده بحارة عبدالهادي السودي في المدينة القديمة بحي الأشرفية بمدينة تعز.
كما قام عناصر تنظيم القاعدة في وقت سابق، بتفجير عدد من الأضرحة كان منها مسجد وضريح عمر بن علي السقاف، وضريح ولي الله حسن البحر في محافظة لحج، وتحطيم ضريح الإمام الحبيب محمد بن علوي الشاطري بالمعلا بمدينة عدن.
تجدر الاشارة إلى أن تزايد عمليات هدم الأضرحة والمعالم الدينية والتاريخية في محافظات حضرموت وعدن ولحج وتعز أتت على خلفية سيطرة أو تواجد لعناصر التنظيمات الارهابية ذات المنبع الوهابي الدخيل على الارض والشعب اليمني.
وفيما يخص محافظات تعز ولحج وعدن على وجه الخصوص فإنها ومنذ انتشار وسيطرة هؤلاء الإرهابيين فإنها تعيش حالة من الانفلات الأمني غير المسبوق بعد التنفيذ الأمني عليها بشكل شبه كلي من قبل ما يسمى بالمقاومة الشعبية واللجان الموالية لعبدربه منصور هادي وحكومته المدعومة من قبل الغزاة الإماراتيين والسعوديين, جدير بالذكر أن هذه الأضرحة والمعالم الاثرية لم تتعرض لأي أذى من قبل أي جهة أو سلطة حكمت وسيطرت على مناطق وجودها طيلة العقود والقرون الماضية.
وحسب المؤتمر نت فإن الشيخ الإمام عبدالهادي السودي من أبرز أعلام الصوفية في اليمن، بالإضافة إلى أنه من أسرة علم وصلاح وفضل وتقى، شهرته كعالم وأديب ملأت الآفاق, وهو احد العارفين، وسيرته العطرة منهل عذب للمشتغلين والمهتمين بتراث الصوفية.
وبالنسبة لقبة مسجد الشيخ عبدالهادي السودي فإنها من أكبر القباب في اليمن، وتاريخها يعود إلى حقبة الدولة الطاهرية، وهي إحدى أجمل المعالم الدينية في تعز القديمة ويعود تاريخها إلى عصر الخلافة العثمانية. |