صنعاء نيوز/وهيب قائد الذيباني -
من هم الشباب ؟
الشباب هو من جاوز البلوغ ، الشبب هو أول النهار ، ويتضمن معنى التفتح والاستبشار بالحياة والمستقبل , وأشبب أي هيّج , والشباب مرحلة تهيج فيها غرائزه . رجل مشبوب أي ذكي الفؤاد , ذو القلب المتوقد بالحيوية والحركة . الشبوب وهو ما توقد به النار، وهو وصف حماسة الشباب وحرارته وسرعة تأثره بالأحداث وثورته على الظلم ، وبالرغم من اتفاق اغلب الكتاب والباحثين على اهمية الشباب الا انهم اختلفوا في تعريف الشباب .
حيث استند البيولوجيون في تعريفهم إلى الجوانب العضوية التي تتحكم في نمو واكتمال الوظائف الفسيولوجية الظاهرة والكامنة حيث يؤدي ذلك إلى التغييرات الجسيمة وإلى إيقاظ الوعي بالشعور بالذات ونمو القدرات العقلية والإدراكية ، أما علماء النفس فيستندون في تحديد فترة الشباب إلى مدى اكتمال الذات. وقد وقع علماء النفس على تعريف للشباب مفاده المرحلة التي ينتقل فيها الشخص من مرحلة العيش داخله في تعارض مع خارجه إلى مرحلة أصبح فيها هو جزء من الخارج والمجتمع المحيط بمعنى آخر من مرحلة كان فيها مأموراً إلى آمراً. أما علماء السكان فإنهم يحددون فئة الشباب على أساس أعمارهم .
ووفقاً لتعريف الأمم المتحدة فان الشباب هم الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين15 - 24سنة ، كما اعتبرت الإسكوا 2008 الشباب ضمن الفئة العمرية 10-35 عام ، وجاءت الاستراتيجية الوطنية لرعاية الشباب والطفولة في اليمن لتعرف الشباب ضمن الفئة العمرية 15-24 سنة ، كما عرفت الاستراتيجية الوطنية للشباب في المملكة الاردنية الهاشمية 2011-2015 الصادرة عن المجلس الاعلى للشباب 2010 الشباب ضمن الفئة العمرية 12-30 سنة.
كما اعتمدت جامعة الدول العربية في تعريفها للشباب على الفئة العمرية 35-15 عاماُ ، فيما عرفت استراتيجية رعاية الشباب لدول مجلس التعاون الخليجي الشباب بالفئة العمرية 15-29 سنة ، اما في فلسطين ومن أجل أغراض تصميم الاستراتيجية القطاعية فقد تم الاتفاق على أن الشباب يمثلون الفئة العمرية من سن 13-29 سنة ، واعتبرت الهيئة الرسمية الحكومية المسؤولة عن قضايا الشباب والمجلس الوطني للشباب (NCY) في مصر فئة الشباب بانهم الفئة العمرية بين 30-18 سنة.
لماذا الشباب ؟
الشباب هم عماد الشعوب ومستقبل الامة الواعد.. هم قادة الغد وطاقات البناء التي لا تتبدد.. على ايديهم تتحقق استدامة التنمية وتنمية المجتمعات.. هم ثمرة الابداع المتميز وجوهر الابتكار الثمين.. هم تاريخ الحاضر النضالي الحافل بالعطاءات والتضحيات ، وحضارة المستقبل المشع في اعينهم وعلى مخيلتهم بالرفاهية والتطور والنماء والازدهار.. فهم مصدر الطاقة ومنبع النشاط واولو العزم في التغيير.. بسواعدهم تبنى الاوطان وبأفكارهم ترسم السياسات والاستراتيجيات ، وبإبداعاتهم تبنى الحضارات والنهضة الانسانية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية نحو الافضل في مختلف بقاع الارض.. بعيونهم يصنع المستقبل وبنظرتهم الثاقبة ترى اساسات البناء وملامح التغيير نحو الارتقاء بأوطانهم الى مصاف الدول المتقدمة.. وهم الصفحة البيضاء التي سيرسم فيها قادة الاوطان تاريخهم الوطني .
تعد مرحلة الشباب من أهم مراحل الحياة، فخلالها يكتسب الفرد مهاراته الإنسانية البدنية والعقلية والنفسية والاجتماعية اللازمة لتدبير شئون حياته ، وتنظيم علاقاته مع الآخرين . فقد سلمت استراتيجية اليونسكو لعام 1998 بان الشباب شركاء متساويين وعناصر فاعلة من اجل التنمية والسلام ، حيث تبدأ شخصية الشاب بالتبلور وتنضج معالمها من خلال ما يكتسبه من مهارات ومعارف تجعله يبدأ بالتفكير في الحياة والمستقبل ، فإن مرحلة الشباب تتلخص في مجملها أنها مرحلة التطلع إلى المستقبل بطموحات عريضة وكبيرة .
ماذا تعني طموحات الشباب ؟
هي تلك الافاق والآمال والتطلعات التي يطمح الشباب الى تحقيقها خلال مسيرتهم العلمية والعملية ومستوى الرفاهية التي يرغبون الوصول اليها في حياتهم المعيشية ، ودرجة التقدم والتنمية والازدهار التي يحلمون بها في اوطانهم ، وكذا مستوى الرقي والتقدم الذي يأملون بلوغه في مجتمعاتهم ، وحجم المشاركة التي يبحثون عنها في مختلف المجالات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية ، وتحقيق مزيد من المهارات والقدرات الحياتية وتحصيل المعارف والمعلومات التي تؤهلهم للوصول الى مستوى عالي من الريادة الشبابية والقيادية ، وصنع من طاقاتهم وابتكاراتهم وحماسهم شعلة مضيئة لعملية التغيير والتوجه نحو البناء وإحداث التنمية المستدامة .
ماذا قدمت الدراسات والبحوث للشباب ؟
شهدت الفترة الاخيرة اهتمام واسع بقضايا الشباب من قبل كافة الاطراف الدولية وحكومات بعض الدول المتقدمة والعلماء والباحثين والمهتمين على مختلف المستويات الدولية والاقليمية والوطنية ، وسارعوا على تقديم رؤى ودراسات وبحوث تدعم اهمية استثمار طاقات وامكانات الشباب في عملية التنمية ودورها في رقي الاوطان ، بل وحثوا الحكومات في كافة اقطار العالم على اهمية اشراك الشباب في العملية السياسية وخاصة مراحل صنع القرار ، وضرورة تكثيف الجهود في سبيل تطوير مهاراتهم الحياتية وبناء قدراتهم المهنية وتعزيز المعارف والمعلومات لديهم لإحداث التنمية المستدامة ، واكدوا على ان الشباب هم رواد التنمية في التاريخ الحديث بل واساسها المتين نحو المستقبل الأمن والمزدهر ، وهم المورد الذي لا ينضب ابداً في عملية البناء والتقدم .
ماذا عن الشباب العربي ؟
لقد عملت جل تلك البحوث والدارسات على تناول قضايا الشباب بموضوعية ومهنية عالية وعمق استراتيجي خالص ، ولخصت واقعهم المرير في اوطانهم ، خاصة تلك الدول التي تمثل الاقل نمواً عالمياً ومنها العربية التي تعتبر الاقل حضاً في التقدم التنموي والاستقرار الامني والنهوض المجتمعي والتمكين السياسي والتقدم الاقتصادي . والتي كان من الممكن ان تستفيد من تلك الدراسات والبحوث في سبيل التركيز على مورد الشباب ، واستثمار طاقاتهم بصورة علمية مدروسة لتجاوز اغلب الازمات التي تعيشها جل تلك البلدان ، الا ان اغلب البلدان العربية لازال فيها الشباب يقبع تحت مضلة التخلف والاستبداد ، والامية والبطالة واوقات الفراغ التي خلقت منه عبئ انساني اكثر منه مورد بشري ، وجعلت منه مشكلة وطنية اكثر منه استثمار تنموي .
ما حجم الشباب العربي :
وبالتركيز على فئة الشباب بين 15-24 فقد بلغت نسبتها في الوطن العربي 20.7% في العام 2005 بمعنى ان واحد من كل خمسة افراد في المنطقة العربية ينتمون الى فئة الشباب ، ووصل اعداد الشباب الى ما يقارب من 70.3 مليون شاب في عام 2010 علماً ان عدد سكان المنطقة العربية 357.4 مليون في عام 2010 ، كما تقدر نسبة الشباب الذين تبلغ اعمارهم بين 15-29 سنة في دول مجلس التعاون الخليجي حوالي 28.3% من اجمالي السكان .
كيف تعاملت الدول العربية مع قضايا الشباب ؟
وفي هذا الاتجاه فقد فضلت اغلب الحكومات والانظمة العربية منها بلدنا اليمن على تجاهل وتجاوز معاناة الشباب في اغلب الاحيان ، بل انها لم تبدي اذانً صاغية لتلك الدراسات والبحوث التي تطرقت الى أهم الاحتياجات والاولويات الخاصة بالشباب في مختلف المجالات وحددت المعالم البارزة للتعامل مع قضاياهم ، مما جعلها لم ترتقي الى مستوى الجدية والمسئولية في التعامل مع تلك المحددات والمعالم ، ولا حتى النظر لاحتياجاتهم الاساسية او استثمار طاقاتهم على طريق تحقيق التنمية البشرية واستدامة التنمية التي تناولتها وركزت عليها مجمل التقارير والقرارات الدولية والاقليمية وحتى العربية والوطنية منها منذ عقود من الزمن ، وان تم التعامل معها احياناً ورسم سياسات وطنية لها بغرض مسايرة او مجاملة السياسات الدولية الا انها تظل حبيسة الادراج ويظل تطبيقها حلم يراود الشباب طيلة فترتها الزمنية الى ان تنتهي من غير ان يتم التعامل معها ولا الاستفادة من مضمونها .
ما حجم الشباب في المجتمع اليمني ؟
اليمن والذي تمثل فيه فئة الشباب الغالبية العظمى من الشعب اليمني والتي اكدت احصاءات اخيرة ان ما نسبته 76% من اجمالي السكان اعمارهم تقل عن 25 سنة ، ويقدر ما يقرب من خمسة ملايين أي ما نسبته 20% من الشباب بين سن 15-24 سنة كأكبر مجموعة من السكان تدخل في سن البلوغ ، بمعنى ان اليمن يملك ثروة بشرية هائلة بإمكانها تحريك عجلة التنمية الى الامام في غضون فترة وجيزة ان تحققت لهم البيئة والظروف المواتيتين لذلك ، فهناك توجد الكثير من التجارب والمبادرات الريادية التي خاضها وشارك فيها نماذج من الشباب اليمني على الصعيد الوطني والعربي والاقليمي والدولي والذي اثبت كفاءته وتميزه فيها بشكل كبير ونال على اثرها جوائز عالمية عديدة .
كيف يعيش الشباب اليمني ؟
الا انه وفي هذا الشأن فان الغالبية العظمى من الشباب اليمني يعيش في ظل أوضاع حياتية قاسية وظروف معيشية صعبة جراء عدد من القضايا والمشاكل التي انهكت قواه العقلية ، وطوقت افكاره الريادية ، وفرضت حضر مطبق عن ابتكاراته الابداعية ، فجعلت منه حبيس الفكر المتطرف والمتقوقع في اطار جماعات الشر والتخلف والارهاب ، وباتت تلك القضايا التحدي الاكبر والاهم امامه وامام تطور ونهضة وتنمية البلد في المستقبل القريب ، وبات يتعرض لاستغلال وتجنيد واسع من قبل خلايا التطرف والجماعات الارهابية لتنفيذ مخططات تخريبية وتدميرية للمصالح الوطنية وقتل الشعب من غير ان يعي او يدرك مخاطر هذه التصرفات او الممارسات ، ولو لاحظنا ان اغلب الضحايا التي خلفتها الصراعات والحروب الاخيرة هي من فئة الشباب وبالأخص الاعمار بين 15-29 سنة وهذه تعد جريمة انسانية وتنموية بامتياز .
ما اهم القضايا التي يعاني منها الشباب اليمني ؟
وبالرغم من الكم الهائل من القضايا التي يعاني منها الشباب اليوم في اليمن الا ان البطالة تمثل القضية الاهم والهاجس الاكبر لديهم ، حيث بلغت نسبتها بين الشباب ما يقارب من 54.5% وفق تقارير البنك الدولي ، اضافة الى الامية التي بلغت اكثر من 51% لدى الذكور و 71% عند النساء لعدة اسباب اهمها ضعف جودة التعليم ، وعدم مواكبة المناهج التعليمية لمتطلبات العصر الحديث ، وتفشي ظاهرة الغش في الامتحانات العامة مما حال بها دون تلبية الاهداف التي جاءت من اجلها ، اضافة الى عدم التحاق اعداد كبيرة من الاطفال بالتعليم الاساسي وتسرب اخرون من المدارس في مختلف المراحل التعليمية وخاصة من فئة الفتيات ، تليها قضايا لم تقل اهمية عن البطالة والتعليم ومنها تدني مستوى الوعي ، وتفشي ظاهرة تجارة المخدرات وحمل السلاح ، وتغييب الشباب وتهميشهم من المشاركة في الحياة العامة ورسم السياسات الوطنية وصنع القرار .
كيف تعاملت السياسات الوطنية مع الشباب ؟
وعلى هذا الاساس فان القصور الملموس ان لم نقل المقصود الذي تسلكه القيادة السياسية في تهميش وتغييب دور الشباب في اليمن ، وكذا الاهمال والتجاهل الذي انتهجته الحكومات الوطنية المتعاقبة والتي عملت جلها على تعزيز السياسات السلبية التي ضاعفت من معاناة الشباب ، وأظهرت ضعفها في توظيف قدراتهم وطاقاتهم في عملية التغيير والبناء ، وعدم تمكينهم من المشاركة الفاعلة والحقيقية في العملية السياسية والتنموية وصنع القرار ، وجعلهم يتخبطون بين سوء السياسات التعليمية وغياب الرعاية الصحية وشبح البطالة في ظل تنامي ثقافة العنف والتطرف والارهاب ، وستكون اليمن ثاني بلدان الشرق الاوسط وشمال افريقيا التي لن تحقق 80% من اهداف التنمية الالفية بحلول عام 2015 ومعظم تلك الاهداف مرتبطة بالطفولة والشباب ، فان كل ذلك سيجعل من الوضع الراهن واقع مؤلم لا مناص منه ان لم يتجه نحو التدهور وسوء الحال على الاقل في المستقبل القريب خاصة في ظل الفراغ السياسي والاداري والصراعات التي تمر بها البلد .
اين تكمن الحلول في تحسين وضع الشباب في اليمن ؟
اكدت مختلف الدراسات والبحوث المهتمة بقضايا الشباب على ان رسم السياسات والاستراتيجيات الوطنية الخاصة بالشباب في مختلف المجالات تعد خطوة في الاتجاه الصحيح نحو تحسين اوضاع الشباب واستثمار طاقاتهم ، ويتطلب من تلك السياسات ان تكون اكثر ترابطاً في خدمة الشباب وملاءمة لخصوصياته على المستوى الوطني والمحلي ، وتساعد على معالجة قضاياه وتلبية تطلعاته واحتياجاته ابتداءً من ايجاد التعليم الجيد ، وتوفير الصحة والرفاه الكافية ، ورفع الوعي بمختلف المعارف والمعلومات الحياتية ، وتنمية مهاراته وتعزيز قدراته الريادية ، وتمكينه اقتصادياً وسياسياً وثقافياً .
اما بالنسبة لليمن فان وجود الاستراتيجية الوطنية للطفولة والشباب او اصدار مزيد من القرارات والخطابات السياسية ليس كافياً لتحسين اوضاع الشباب ، فلابد من وجود النية الصادقة لدى الحكومة ومؤسساتها في التعامل مع تلك السياسات والتي ستكون بمثابة اللبنة الاساسية في طريق التعامل مع قضايا الشباب واحتياجاتهم ، ولإثبات حسن النوايا يتطلب الشروع في مرحلة التنفيذ عملياً وفق الاهداف المتفق عليها ، على ان يتم العمل مع الشباب كشركاء في مختلف المجالات الحياتية والمستويات الادارية ومراحل صنع القرار ابتداءً من مرحلة الدراسة والتخطيط ثم التنفيذ وانتقالاً الى المتابعة والتقييم واتخاذ القرار .
بالإضافة الى ذلك لابد من تقديم الدعم اللازم لتأسيس وإقامة المنتديات والاتحادات والاندية والمؤسسات والجمعيات والمبادرات الشبابية والرياضية الهادفة الى تنمية مواهبهم وابداعاتهم ، وضمان استمراريتها بما يساعد من تطوير مهاراتهم وبناء قدراتهم وتنظيم عمليات مشاركتهم في مختلف المجالات ، والاستفادة من افكارهم الابتكارية المتطلعة للمستقبل الافضل ، والعمل على تحصينهم من الاستغلال السيء والتجنيد في الصراعات المحلية .
المصادر :
1- – قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 14/40 المؤرخ 18 تشرين الثاني / نوفمبر 1985 بعنوان السنة الدولي للشباب : المشاركة ، التنمية ، السلام .
2- قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 81/50 المؤرخ 14 كانون الثاني / ديسمبر 1995 والذي اعتمدت بموجبة برنامج العمل العالمي للشباب حتى سنة 2000 وما بعدها .
3- الاستراتيجية الوطنية للطفولة والشباب في الجمهورية اليمنية 2006-2015 المقرة عام 2005 .
4- استراتيجية رعاية الشباب لدول مجلس التعاون الخليجي في المجال الشبابي والرياضي – العمل المشترك 2008-2023 .
5- الاستراتيجية الوطنية للشباب في المملكة الاردنية الهاشمية الشباب 2011-2015 الصادرة عن المجلس الاعلى للشباب 2010
6- اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي اسيا (الاسكوا) - توافر مؤشرات البرنامج العالمي للشباب في الدول العربية وطرق وادوات قياسها - اعداد د. احمد رجا عبدالحميد رجب – جامعة الازهر 2014 .
7- تقرير الاسكوا لعام 2008 .
8- التوصيات الختامية لمنتدى اليونسكو الثامن للشباب المنعقد في مقر اليونسكو باريس للفترة 29-31 تشرين الاول / اكتوبر 2013 .
9- د/ ليث سعود القيسي - الشباب والتحديات المعاصرة - http://www.islamtoday.net/bohooth/artshow-86-10622.htm
|