صنعاء نيوز/الدكتور عادل عامر -
أن بناء السد الإثيوبي "يمثل تهديداً للأمن القومي المصري ليس فقط على مستوي المياه والاقتصاد ولكن لها تهديدات أخرى إستراتيجية وسياسية، حيث يمنح إثيوبيا القدرة على التحكم في تدفقات المياه نحو دولتي المصب، مصر والسودان.
وبالنظر إلى مصر في الفترة الأخيرة وبعد ثورة يناير نجد القاهرة قد تحولت إلى الداخل مما سمح ببروز إثيوبيا كحليف إقليمي رئيسي في الخرطوم وعلى استعداد قوي للتوسط في النزاعات مع جنوب السودان وتوفير قوات حفظ السلام في إبيي. أنه يجب استخدام القوة الناعمة فى حل ألأزمة مشيراً إلى أن العلاقات التى تحكمنا قوية وممتدة منذ سنوات طويلة، لذلك لابد من التفاوض بشكل سلمى وعدم اللجوء الى طرق أخرى.
وبما أن السودان أصبح غير جذاب على نحو متزايد لمواقع الاستثمار الأجنبي أصبحت إثيوبيا أكثر جاذبية من السودان فقد سمحت إثيوبيا بزيادة الاستثمارات السودانية وعملت على استقرار السودان السياسي كما تفرغت لمشاريع البنية التحتية الكبيرة في أثيوبيا ودشنت سد النهضة الذي عارضته مصر ولم تستطع معارضته السودان بسبب التغلغل الاقتصادي لإثيوبيا في الخرطوم.
أن مشروع سد النهضة هو واحد من أربعة سدود رئيسية اقترحتها دراسة أمريكية عام 1964، حيث وافقت الحكومة الأمريكية على الطلب الإثيوبي في إمكانية التعاون معها للقيام بدراسة شاملة لحوض النيل الأزرق خاصة بعد عزم مصر على إنشاء السد العالي في ذلك الوقت، وجرى التوقيع على اتفاق رسمي بين الحكومتين في أغسطس 1957، المشروع المشترك كان يحمل عنوان «البرنامج التعاوني للولايات المتحدة الأمريكية وإثيوبيا لدراسة حوض النيل الأزرق» واستمرت تلك الدراسة المكثفة للمشروع لمدة خمس سنوات «1958 - 1964» وكان ذلك إبان بناء السد العالي في مصر «1960 - 1970».
تقدم إيران نفسها للعالم العربي باعتبارها دولة إسلامية تشارك الأمة همومها، وتتعاون معها لمجابهة كل التحديات والمؤامرات التي يحيكها الأعداء. لكن السياسات الإيرانية خلال العقود الثلاثة الماضية كشفت عن استمرارية في الغايات الإستراتيجية التي كان ينتهجها الشاه محمد رضا بهلوي، وأن التحول لم يتجاوز الآليات والجهة المستفيدة وهي جماعة الملالي بدلاً من عائلة الشاه، والتي أصبحت توظف القوة الناعمة مما مكنها من تحقيق الكثير مما كان يصبو إليه الشاه على يد الملالي. ربما اشتهر بوب مارلي عالميا بسبب حبه للماريجوانا ودفاعه عنها، إلا أن هذا ليس الجانب الوحيد لمطرب جامايكا الأشهر، فالجانب السياسي له لا يقل أهمية، حيث تعتبره إثيوبيا سلاحها السري من أجل إنشاء سد النهضة.
علاقة بوب مارلي بإثيوبيا
في أعقاب تتويج هيلاسلاسي إمبراطورا لإثيوبيا في الثلاثينيات، ظهرت عقيدة دينية في جامايكا، تدعو لتقديس هيلاسلاسي، بأنه المسيح وقد عاد من جديد، وتعرف العقيدة باسم “راستافاري”.
وكان بوب مارلي من أوائل اللذين أتبعوا هذه العقيدة، حتى أن أغنيته Jah Live تتحدث عن موت هيلاسلاسي، وإنه باعتباره إله لا يمكن أن يموت.
وليست هذه هي الأغنية الوحيدة التي تحدثت عن هيلاسلاسي، فكثير من أغاني بوب مارلي، تذكر إمبراطور إثيوبيا، ولكن بأسماء مستعارة، مثل Rastaman.
كيف استغلت إثيوبيا بوب مارلي
على الرغم من أن هيلاسلاسي نفسه، لم يشجع عقيدة “راستافاري”، إلا أن إثيوبيا لا تمانع من استخدام بوب مارلي وأغانيه للدعاية لبناء السد.
فبحسب موقع AllAfrica، تنظم إثيوبيا الأنشطة الفنية والاحتفالات التي تمجد بوب مارلي مع الدول الأجنبية، وتقريبا في كل هذه الاحتفالات يكون سد النهضة محور الدعاية.
وإذا لم يكن هذا كافيا فقد أقامت إثيوبيا، في أبريل الماضي، تمثالا برونزيا لبوب مارلي، راقصا في أديس أبابا.
وقبلها نظمت إثيوبيا مراسم إعادة دفن بوب مارلي في 2005، حيث صرحت أرملته لـ”الجارديان”، بإن جثمان زوجها الذي توفي في 1981، سيدفن في طقوس روحانية تتماشى مع عقيدة راستافاري، حيث يكون مقره الأخير في شاشيميني على بعد 150 ميل جنوب أديس أبابا.
والتطور الذي تشهده العلاقات الإيرانية الأمريكية والتسليم والاعتراف بدور إقليمي لها في العديد من القضايا كتقاسم النفوذ في العراق، والاتفاق حول برنامجها النووي وتخفيف العقوبات، يعكس الدور الإيراني المتطابق تماما مع دور الشاه في ستينات وسبعينات القرن الماضي، وهذا ما يؤكد عدم تغير النظر لإيران كدولة "محيط" يستغل موقعها للضغط على الأمن القومي العربي في التصور الإستراتيجي الإسرائيلي.
وعند النظر خارج الدائرة العربية تكشف السياسات الإيرانية في المحيط الإقليمي بوضوح حقيقة الدور الإيراني المقلد للإستراتيجيات الغربية والإسرائيلية في مقدمتها، والمتعارض كليا مع الأمن القومي العربي، وأهم هذه المناطق هي القرن الإفريقي، وتحديدا إثيوبيا الدولة الأخرى في "المبدأ المحيطي" الإسرائيلي، فكيف يتجلى ذلك؟إذا كان صمت إيران على مشروع سد النهضة وعدم اعتراضها عليه كحد أدنى يفرضه التضامن الإسلامي حسب خطابها المعلن أو التدخل واستثمار علاقتها مع الحكومة الإثيوبية والتوسط دبلوماسيا لحل القضية يعكس عدم اهتمامها بالأمن المصري، وأن خطاب نجاد وغيره من المسئولين الإيرانيين الذي روج على مدار العقود الماضية مجرد "بيع كلام"، فإن علاقة جمعية الأحباش بإيران تكشف التواطؤ المباشر أو الضمني أو تبادل الأدوار بين إسرائيل وإيران، نقيض ما تدعي طهران تماما.
استطاعت الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل بعد عقود طويلة تقسيم السودان، وكان تعاونها مع الجنوبيين واضحا بما لا يدع أي مجال للشك عن حقيقة أهدافها في المنطقة، وسعي إثيوبيا لبناء سد النهضة بما يحمله من مخاطر على مصر والسودان هو الآخر مشروع لا يخرج عن إطار عداء أديس أبابا للدول العربية، واستقدام النظام لجماعة الأحباش وحملته ضد أهل السنة لا تخرج عن هذا الإطار بالمجمل، وكل هذا يتناغم مع الإستراتيجية الإسرائيلية في منطقة القرن الإفريقي وحزامها المحاذي للدول العربية لخنقها، وهذه مخاطر معلومة ولا جدل حولها، غير أن الخطورة تكمن في السياسات الإيرانية المتقاطعة مع الإستراتيجية الإسرائيلية.
والأسوأ من ذلك توظيف الطرفين لنفس الأدوات في مناطق مختلفة، وهي هنا ممثلة في جماعة الأحباش التي تنفذ الإستراتيجية الإيرانية في سوريا ولبنان والإستراتيجية الإثيوبية والإسرائيلية في إثيوبيا. فهل يمكن عزل دورها في سورية عن مصالح تل أبيب؟ وفي الاتجاه المعاكس هل يمكن عزل دورها في إثيوبيا عن مصالح طهران؟ ومن جانب آخر إذا كانت إسرائيل تعتبر إيران والقوى الشيعية أو الموالية لها تهديدا حقيقيا فكيف تمكنها من مد أذرعها في إثيوبيا؟الأزمات التي تتعلق بالأمن القومي عادةً لا تظهر فجأة، بل تسبقها تراكمات من الإهمال وسوء التقدير والممارسات، إلى أن تصل الأزمة إلى ذروتها، حينها ينتبه صانعو القرار إلى وجود أزمة تهدّد الأمن القومي.
أن اللجوء إلى الكنيسة والمؤسسات الدينية لحل الخلاف المستمر حول مياه النيل، لن يكون سبباً في دفع المفاوضات إلى طريق الحل، مشيرة إلى أن دور الكنيسة وتبادل الزيارات قد يكونان جزءاً من تحسين مناخ العلاقات بين مصر ودول حوض النيل خاصة أن أغلب المشاكل بين مصر ومحيطها الافريقى يعود إلى الصورة الذهنية السيئة لمصر لدى إفريقيا عموماً. ويتجلى ذلك بوضوح في أزمة (سد النهضة) الذي شرعت أثيوبيا في بنائه، وقامت بتحويل مسار النيل الأزرق لاستكماله، كان ذلك بمنزلة صدمة وذعر لدولة المصب مصر على المستويين الشعبي والسياسي، حيث المياه تعني أمناً قومياً وشريان حياة، خاصة أن مصر تُعد داخلة في حزمة الدول الصحراوية في شمال قارة أفريقيا وليس لها مصدر مائي غير نهر النيل، واحتياجاتها للمياه تتزايد مع تزايد عدد السكان ومع مشاريع التوسع في الأراضي الزراعية الجديدة، وكذلك حاجتها إلى عدم نقصان الطاقة الكهربائية المُولدة من السد العالي، بل السعي إلى زيادتها، حيث ظهرت مؤخراً أزمة طاقة.
والأزمة ما هي إلا ميراث من سياسات نظام سابق أسقطته الثورة كان قد استبعد الدائرة الأفريقية من دوائر اهتمامات وأولويات السياسة الخارجية المصرية، وترك القارة تماماً لتملأ الفراغ دول أخرى مثل إسرائيل والصين وإيران، بل إنه في عام 1996 لم يعترض النظام السابق على تمويل البنك الدولي أثيوبيا لإقامة عدد من السدود لتوفير 180 مليون متر مكعب من المياه تم خصمها من حصة مصر والسودان مناصفة، وكذلك موافقة النظام السابق عام 2001 على طلب أثيوبي آخر لبنك التنمية الإفريقية لتمويل عدد آخر من السدود الإثيوبية على نهر النيل.
فالأزمة مركَّبة ونتيجةُ إهمال لملف المياه في حوض النيل لأكثر من 20 عاماً؛ لذلك لا بد للتعامل معها من هذا المنطلق من إيجاد حلول مرحلية وحلول أخرى بعيدة المدى تعالج المشكلة مستقبلاً، ومن ثم لا بد من تصور الأخطار الناتجة عن بناء سد على مجرى رافد يمدّ مصر بـ 60% من المياه. ومن قبلها تطوير العلاقات المصرية مع دول الحوض وخصوصا مع أثيوبيا حتى يكون لمصر كلمة مسموعة في مسرح العمليات بدول الحوض، والتعجيل بتنفيذ المشروعات المصرية المطروحة للاستفادة من فواقد المياه في حوض النيل، ولن يتحقق ذلك إلا بالفاعلية السياسية المتواصلة للإدارة المصرية الجديدة التي يجب أن تستعيد دورها المحوري والفاعل على الساحة الإفريقية عموما، وعلى ساحة دول حوض النيل على وجه الخصوص.. وإنها لمهمة كبيرة، غير إنها لا تصعب على المصريين الذين بنوا ألأهرامات وأسسوا حضارة شامخة أضاءت المعمورة، والذين يجب عليهم في هذا الوقت الحرج أن يتوحدوا لمواجهة الخطر الداهم بنا جميعا..
كاتب المقال
دكتور في الحقوق و خبيرفي القانون العام
ومدير مركز المصريين للدراسات السياسية والقانونية والاقتصادية
عضو والخبير بالمعهد العربي الاوروبي للدراسات الاستراتيجية والسياسية بجامعة الدول العربية
|