صنعاء نيوز/تحليل : فائز سالم بن عمرو - مقدمة :تتصاعد الحملات الإعلامية والسياسية والحقوقية الغربية والدولية متهمة المملكة السعودية برعاية ودعم الإرهاب بالمنطقة والعالم وتدين الازدواجية الغربية في استراتيجية محاربة الإرهاب التي تقيم التحالفات الدولية والإقليمية لمحاربة داعش والقاعدة وفي الوقت نفسه تغمض النظر عن الفكر الوهابي السلفي لمملكة الرمال الرافد الأساس للإرهاب فكريا وماليا وبشريا ولوجستيا تحت بريق صفقات السلاح الضخمة واستمراء سياسية الرشوة للدول والمنظمات الدولية والأممية والحقوقية .
ونركز في هذا المبحث على المتغيرات السياسية والعسكرية والإستراتيجية التي أدت بالولايات المتحدة الأمريكية بفك ارتباطها بالدولة الوظيفية السعودية التي مثلت خزانا نفطيا وماليا وعسكريا لتمدد الإمبراطورية الأمريكية في المنطقة والعالم ، ذلك التحالف بين عبدالعزيز بن سعود والرئيس الامريكي روزفلت الذي بدأ باتفاقية 1933م بتأسيس شركة سعودية أميركية لإنتاج النفط تحت اسم " أرامكو " يشهد في العصر الحالي تراجعا سريعا وتاريخيا حين أقدمت الدول الخمس في مجلس الأمن بعقد اتفاق تاريخي بين الغرب وإيران ، والذي وصفته الدبلوماسية السعودية بأنه سيجعل المنطقة أكثر خطورة " رويترز " . يمكن حصر أهم الأسباب في تغير أمريكا لتحالفاتها بالعوامل الآتية :
أولا : العامل الاجتماعي والعجز عن التغيير :
يذكر الباحثون بأن التحالف بين أمريكا والسعودية تحالف نفعي تستفيد منه الولايات المتحدة بالمقام الأول اقتصاديا بسيطرة شركاتها على النفط السعودي وعسكريا بإقامة القواعد العسكرية في المنطقة لتعزيز تواجدها الاستعماري وجعل منطقة الخليج سوقا للسلاح الأمريكي ، وكذلك وفرت السعودية الأموال لإنجاح المشاريع الامريكية في المنطقة والعالم ، من جانب آخر لم يقدِّم هذا التحالف التاريخي الأمريكي إلا بتقديم الحماية العسكرية للأسرة الحاكمة دون أن يسهم في تطوير المملكة علميا وعسكريا واقتصاديا مقارنة بالتحالفات الأمريكية الأوربية والتحالف مع اليابان ونحوها .
يحرص الأمريكان على استدامة التحالف المربح مع السعودية ، ولكن في الوقت نفسه يدركون بأن المملكة التقليدية الرافضة للتغيير والتطور والتي تعصف بها المشاكل المذهبية والطائفية والاجتماعية قد تنفجر في أي وقت ، لذلك وجه الرئيس أوباما تحذيرا خطيرا لحكام المملكة في مقابلة مع " نيويورك تايمز " قائلا : بأن الخطر الذي يتهدد السعودية ليس من هجوم خارجي من إيران ، وإنما يأتي الخطر الحقيقي من الشباب الساخط المحبط الذين لا يجدون طريقا للحل سوى داعش " .
قارن الباحثون بين تحذير أوباما في جامعة القاهرة للحكام العرب بانتهاج التغيير والذي أدى تجاهله لتغير المنطقة العربية بتفجير ثورات الربيع العربي والإطاحة بأنظمة ودول عربية وفتح على الوطن العربي باب جهنم وبين تحذير أوباما للأسرة الحاكمة السعودية وعدوا عبارة أوباما رسالة واضحة لضرورة التغيير أو ستشهد السعودية انفجار ثورات شعبية تطيح بالأسرة الحاكمة وتفتح المملكة على المجهول ، وذكر المراقبون بأن التحذيرات الأمريكية جاءت بعد تولي الملك سلمان للحكم مطيحا بالجهود الإصلاحية لسلفه الملك عبدالله بن عبد العزيز ومحذرة لخطورة سياسيات الملك سلمان الداعمة للجماعات الجهادية السلفية لتعزيز سلطته ونقل الملك لابنه الطائش محمد بن سلمان .
وما يعزز تغيرت الاستراتيجية الأمريكية تجاه المملكة من التحالف الاستراتيجي إلى التخلي أو الاستنزاف والإضعاف بأن المملكة بنية تقليدية " الدين والسلطة " غير قابلة للتطور والتجديد ومقاومة لتغيير ، فقد عزز الملك سلمان تحالفه التاريخي بين رجال الدين والأسرة الحاكمة وأطاح بالآمال الأمريكية والغربية في التغيير والاستجابة للمطالب الشعبية والاجتماعية المتزايدة ؛ مما يعجل بانفجار الثورات الشعبية والمطلبية والشبابية داخل المملكة نتيجة تراكم المشاكل والتباين الاجتماعي والاقتصادي واحتكار السلطة دينيا وكذلك انتهاء فترة رشوة الشعب ماليا لتدهور أسعار النفط ، وغرق السعودية وتمددها في الصراعات الداخلية والإقليمية والدولية التي تبشر بالتغيير الحتمي الذي يستبقه الأمريكان بتقسيم المملكة وفق المصالح الأمريكية فيما يعرف بسايسكس بيكو جديد .
ثانيا : العامل الاقتصادي وتراجع الورقة النفطية السعودية :
يعد العامل الاقتصادي والمصالح الاقتصادية العامل الأساس لإقامة التحالفات في الممارسة الغربية والأمريكية على وجه الخصوص ، وقد شكلت أموال النفط الخليجي والسعودي الدعم الكبير لقوة الدولار الأمريكي والغطاء له ومثلت أيضا الودائع العربية الكبيرة في البنوك الغربية الشريان الأساس لحركة الأموال الغربية وسيطرتها على الأسواق المالية إضافة إلى صفات السلاح الضخمة والخيالية التي أحيت عصب الصناعة العسكرية الغربية على وجه الخصوص والأمريكية مثل صفقة اليمامة بين الحكومة البريطانية ووزير الدفاع السعودي سلطان بن عبد العزيز عام 1985م والتي بلغت قيمتها حوالي 43 مليار جنيه إسترليني 86" " مليار دولار أمريكي المصدر " ويكبييديا " ، وكذلك اتخذت أمريكا المملكة السعودية سوقا لترويج مشاريعها الاقتصادية والعسكرية فالمملكة مولت مشروع إسقاط الاتحاد السوفيتي وأطاحت بالنظام العربي القومي وساهمت أموالها السوداء في احتلال افغانستان والعراق وليبيا وتدمير سوريا ولبنان واليمن ، وتستعمل أمريكا المملكة فزاعة لإذكاء صراع طائفي واسع " سني شيعي ، سني سني ، إسلامي مسيحي " . ويمكننا إجمال أهم الدوافع الاقتصادية في تحول التحالفات الأمريكية عن الحليف التقليدي السعودي في الآتي :
1= تطور تقنيات استخراج النفط بشكل سريع جدا فيما يعرف بالحفر الموجه " الحفر الأفقي " لتفادي التصادم بقشرة الأرض والأماكن الصلبة ما ساهم في زيادة المعروض النفطي ، إضافة إلى تطور تقنيات الحفر في المحيطات والبحار العميقة الذي غيَّر مسار تجارة النفط واستعادة الدول المتقدمة كالولايات المتحدة الصدارة في إنتاج وتجارة النفط بعد عقود من الاعتماد على النفط الخليجي رافد أساسي للتجارة والحضارة الغربية . كل تلك العوامل جعلت الحليف الامريكي يغيِّر تحالفاته من السعودية لإيران لتحافظ على مصالح الغرب في المنطقة وتخلى عن حلفائه التقليديين الذين يتخبطون من صدمة المواقف الأمريكية لإدارة أوباما .
2= بدأ التعامل الاقتصادي الأمريكي السعودي مبكرا منذ عام 1933 بتأسيس شركة سعودية أميركية لإنتاج النفط تحت اسم " أرامكو " وحسب الاتفاقيات النفطية فأن نسبة النصف تتحول للدول المستخرج منها النفط وتبقى نسبة الشركات الغربية والعالمية نسبة ضئيلة جدا بعد فترة خمسين عاما ، ولذلك يعد استخراج النفط في الدولة الكبيرة البكر إيران أكثر جاذبية ومنفعه اقتصادية للشركات الأمريكية والغربية بسبب نسبة الربح الكبيرة التي ستحصل عليها الشركات والتي ستستمر لفترة تقارب نصف قرن من الزمان .
3= وافقت لجنة الطاقة في الكونجرس الأمريكي نهاية العالم الماضي على مشروع قانون برفع حظر تصدير النفط الخام الأمريكي لخارج الولايات المتحدة ، بعد حظر دام 40 عاماً على تصدير الخام الأمريكي ، واعتبر بوب دادلي، المدير العام لـ "بي بي"، أن "الولايات المتحدة تجاوزت السعودية بصفتها المنتج العالمي الأول للنفط للمرة الأولى منذ 1975" . وهذا يعني تحرر أمريكا من ربقة النفط السعودي ، وبذلك تفقد السعودية الورقة الاقتصادية الوحيدة لرشوة أمريكا والغرب .
4= عجزت السعودية عن القيام بأي إصلاح اقتصادي وفشلت في تجديد مواردها الاقتصادية المعتمدة على الطفرة النفطية ، وقد حذر صندوق النقد الدولي والمؤسسات الدولية من اعتماد المملكة على الموارد النفطية التي تشهد تراجعا مخيفا وكبيرا وطالبت بإصلاحات اقتصادية كثيرة منها رفع الدعم عن المشتقات وخصخصة الشركات الحكومية وفك ارتباط العملة السعودية الريال بالنفط ، وقد أعلنت الحكومة السعودية عن ميزانيتها الجديدة لعام 2016 بعجز قياسي مقداره 98 مليار دولار ، ورفع الدعم عن المحروقات والماء والكهرباء إلى جانب السحب من الاحتياطي النقدي الذي تقدر قيمته بحوالي 660 مليار دولار .
ثالثا : الاستراتيجية الأمريكية تنقل اهتماماتها لمنطقة المحيط الهادي مع الصين والهند :
يذكر المراقبون بأن أمريكا غيِّرت استراتيجياتها الاقتصادية والعسكرية والسياسية ونقلت اهتماماتها لمنطقة المحيط الهادي حيث سيكون منطقة الصراع والتنافس في العقود القادمة وسيأخذ الصراع طابع التنافس على الأسواق وتامين حركة التجارة العالمية في ظل نهاية حقبة الهيمنة الأمريكية الأحادية على العالم ، حيث ظهر مصطلح الدول الناشئة أو الأسواق الناشئة ، ويعني دخول دول جديدة واقتصاديات جديدة للسوق العالمي مثل : الصين الهند روسيا البرازيل ، ويحصر المراقبون مجالات الصراع بين الدول الكبرى والناشئة في الآتي :
- عرض التدابير حمائية من الدول الصناعية ضد منتجات الدول الناشئة .
- استخدام احتياطيات النقد الأجنبي (الصناديق السيادية المالية) لتمويل الاستحواذ على الشركات والمؤسسات الإستراتيجية
- الوصول إلى المواد الخام .
- الأضرار اللاحقة بالبيئة لعرقلة الاقتصاديات الجديدة .
يتوقع أن تشهد العقود القادمة من القرن الحادي والعشرين تنافسا محموما على الأسواق العالمية ، لكن في ظل توزان ودخول قوى جديدة تكسر الاحتكار الأمريكي الغربي ، وهذا التغير سيقود إلى تغير التحالفات التقليدية ، وستكون الدولة الوظيفية في دول الخليج هي الخاسر الأكبر من هذه التغيرات في خارطة التحالفات والصراعات في المراحل القادمة .
رابعا : محاربة الإرهاب وتجفيف منابعه :
منذ وصول المك سلمان للحكم ألغى كل الاصلاحات التي اتخذها سلفه الملك عبدالله بن عبد العزيز ، فقد ألغى قرارات تجريم الإرهاب والعقوبات على الانضمام للجماعات الجهادية ، بل إن الملك سلمان تحالف مع الإخوان في تركيا واليمن ، وكذلك قام بالانقلاب على هيئة البيعة بتعيين ابنه محمد وليا لولي للعهد ، وقد حددت صحيفة التايم البريطانية خمسة تحديات تواجه المملكة السعودية : وهي حرب اليمن وحرب سوريا وانخفاض أسعار النفط والخلاف بين الأسرة المالكة وأخطر تلك التحديات مخاطر الإرهاب والتطرف .
وتتهم مراكز الاستخبارات سلمان بدعمه القوي للجماعات الإرهابية فترة توليه إمارة الرياض ، فقد كان الداعم الأول للمقاتلين في أفغانستان وفي البلقان وفي القوقاز . المصدر " فورن بوليسي " ، كما اتهمت وزارة الخزانة الأمريكية السعودية بأن 84% من المطلوبين على قوائم الإرهاب الأمريكية سعوديين ، فالسعودية توفر للإرهاب : الفكر ، المال ، الرجال ، الإعلام . المصدر " نيويورك تايمز " . |