صنعاء نيوز/محمد عمر غرس الله* -
تعد الحالة الليبية غريبة من بين مثيلاتها العربية [الربيع العربي] فيما سوق له على إنه مساعدة للإحتجاجات الشعبية والثورة والثوار، وما أُعتُقد إنه لسواد عيون الليبيين، فحقيقة ما حدث ويحدث في ليبيا تجاوز إدعاء محاربة النظام السابق الذي سقط عام 2011 ، إلى تدمير البنية الإجتماعية للمجتمع، وتحطيم بنية الدولة وكيانها، والوئام الإجتماعي الوطني، بفعل إتضح إنه مقصود وممنهج مستمر حتى اليوم وبإصرار، حيث تكالبت بعض الدول العربية ومنها الدول المجاورة، وأخرى من الأشقاء، للقيام بأعمال تؤدي لتحطيم الوحدة الإجتماعية لليبيا، وتدمير المجتمع الليبي، ونشر الخراب والقتل والإقتتال فيه، بضخ الأسلحة والسماح بعبور المقاتلين الأجانب والإرهابيين، والدفع ليتقاتل الليبيون منذ بداية الأحداث حتى اليوم، حيث كان بعض الليبيون صم عمي أعمتهم الفضائيات، والسيطرة الإعلامية الرهيبة التي أغلبها عربية للاسف، التي وقعت تحتها ليبيا، ولم يلتفتوا أنذاك او يسألوا، لماذا تكالب هذه الدول وبهذه السرعة، والسخاء في إتخام البلاد بالأسلحة والعتاد والتشجيع، والتمويل، ونقل المقاتلين، تلك الأعمال التي كانت الاسباب الرئيسة للمأساة؟، فما قصة المظلمة الليبية عربياً، التي لم يوفر فيها نظام عربي، ليبيا كدولة وكيان، وشعب ومجتمع، فتكالب أغلب الأنظمة العربية ـ وليس الشعوب ـ اما قتالاً وقصفاً، او تمويلاً، او نهباً او بيعاً لرؤؤس الليبيين بمئات الملايين، كما إن بعض العرب والجيران يستمر في إلقاء اللوم على ليبيا والليبيين فيما يحصل في بلدانهم رغم ما بليبيا من محن هم أنفسهم كانوا ورائها، وأحد أهم صانعيها، وادواتها؟
فبغض النظر عن بعض التجادبات العربية تاريخياً لم يعرف عن ليبيا والليبيين كشخصيات او أفراد او حتى كأنظمة متعاقبة مساهمتها تاريخيا في الإضرار بمجتمع عربي كبنية ووحدة، وشعب، ودولة، أو إستهداف وجود دولة عربية برمتها، كما يحصل لليبيا اليوم، حتى وإن كانت هناك تجاذبات سياسية وخصومات عربية، لم تكن محصورة في النظام الليبي السابق فقط، بل إن الكثير من الأنظمة العربية كان بينها خصومات سياسية وتلاسن، لكن الأمر لم يصل إلى الحد الذي تم ويتم اليوم في ليبيا، بإستهداف البلاد كوجود وكيان، وبينة إجتماعية، ودولة ومستقبل، و وئام اجتماعي، من الأشقاء والجيران قبل الأعداء.
فمع إندلاع الأحداث في بنغازي الليبية ـ تكشف وجه عربي جديد و مفاجيء في تصرف الجيران، الأشقاء والعرب حيال ليبيا والليبيين، فالجيش التونسي وجهاز الأمن التونسي ومعهم الحلقة السياسية التونسية، التي تمكنت بعد خروج زين العابدين بن علي ـ أمثال الغنوشي والرئيس السبسي، وقادة الجيش والأمن التونسي {وليس الشعب التونسي وقواه الحية} ـ كانوا ولا زالوا لاعبين أساسيين في مظلمة الشعب والمجتمع الليبي، حيث تم فتح المواني، والقواعد العسكرية التونسية والمنافذ، مع ليبيا لتدفق كميات كبيرة جداً من الأسلحة إلى ليبيا، بل قاموا بفتح المواني والمطارات والقواعد العسكرية، وايضاً فتح معبر جديد في الحدود مع ليبيا جنوب [بوابة إذهيب] تم عبره إدخال عشرات الأف شحنات الأسلحة، والمقاتلين، إلى داخل التراب الليبي, أما المجلس العسكري المصري عام 2011، فقد سمح وغطى دخول الإرهابيين والأسلحة عبر التراب المصري إلى ليبيا، وكانت مصر معبر مهم للمقاتلين الأجانب الذين دخلوا إلى المنطقة الشرقية، وكان كل ذلك على مرأة ومسمع المخابرات العامة المصرية، والجهاز الأمني والعسكري للقوات المسلحة المصرية.
إنها المظلمة الليبية تشكو دول الخليج العربي، التي كانت أول من طلب تعليق عضوية ليبيا في الجامعة العربية، وكانت ولا زالت قطر رأس الحربة فيما يجري في ليبيا من دمار، وتمويل، وإدارة الأرهاب وتغطيته، ونقل الإرهابيين لداخل ليبيا، أما الإمارات العربية المتحدة فلعبت وتلعب دوراً كبيراً في تزويد مجموعات ليبية بالأسلحة والعتاد والتمويل حتى اليوم، وشاركت هذه الدول في العمليات القتالية بالأسلحة، والطائرات، والكوماندوس، والعمليات الإستخباراتية التي اوصلت ليبيا لما هي فيه، كما إن هذه الدول كان لها الدور الأكبر في ضخ كميات كبيرة من الأسلحة لمجموعات معينة داخل ليبيا، والتي تشكل المشكل الأخطر اليوم والأكثر تدميراً للسلم الأهلي، حيث يستخدمها هولاء في قتال بعضهم البعض وتدمير بنية الدولة، ونشر الفوضى، وإنعدام الأمن، كما إن قسم الفتاوي في المخابرات السعودية يدير الكثير من المجموعات الليبية بصورة مسرح العرائس، وهو يتحكم بطريقة او أُخرى في خيوط هذه المجموعات، ويوجهها كيفما يريد تحت غطاء فتاوي شرعية.
ومن ناحية أخرى تشكو المظلمة الليبية الأردن الذي شارك في المأساة الليبية بالعمل اللوجستي والمخابراتي ومبكراً جداً تحضيراً للعمليات في ليبيا، ثم لاحقاً بالمشاركة في العمل العسكري المباشر عبر كوماندوس أُردني شارك في العمليات عام 2011 تحديداً في دخول طرابلس، وهذه المظلمة تشكو السودان الذي كان ولا يزال من اوئل الذين ساهموا بقوة في إتخام المجتمع الليبي بشحنات من الأسلحة والعتاد والمقاتلين، وتدير جهات مخابراتية سودانية الكثير من الأعمال داخل ليبيا بما فيها في العاصمة طرابلس، ولا تكاد تنقطع الطائرات السودانية عن نقل العتاد والمقاتلين الأجانب إلى قاعدة معيتيقة في طرابلس معقل الجماعة الليبية المقاتلة،
وتشكو المظلمة الليبية بقية العرب،جميعهم تقريباً وافقوا في إجتماع الجامعة العربية 22 فبراير على تعليق عضوية ليبيا، ولاحقاً قرروا نقل ملف ليبيا لمجلس الأمن مما يعني وضع ليبيا كدولة وشعب ومجتمع ووجود تحت رحمة اللعبة الدولية التي تعبث بليبيا حتى اليوم، ولا نعرف إلى أين تقودنا، وقد كان فقط الموقف السوري والجزائري مجرد متحفظا وبإستحياء، ولاحقاً وبشكل غريب عملت الجزائر على مقايضة اللعبة الدولية بالوضع الليبي، فصارت المعبر السياسي للإسلامويين، والجماعة الليبية المقاتلة، ووقفت بقوة ضد إقرار تسليح الجيش العربي الليبي، بالرغم من إن ما يجري في ليبيا هو تحضيرا للإنقضاض على الجزائر نفسها لاحقاً.
وهكذا حتى بعد سقوط النظام لم يوفر ليبيا والليبيين أحد ، فقد سارع الأشقاء لاحقاً للظفر بجزء من الكعكة الليبية ببيع رؤؤس الليبيين بالملايين، فباعت موريتانيا عبد السنوسي مقابل 200 مليون في عمل يتنافى وأبسط حقوق الإنسان، والأعراف الدولية، والأُخوة والإستجارة، أما تونس راشد الغنوشي فقد باعت البغدادي المحمودي مقابل 200 مليون جهاراً نهارا وعلى الأشهاد بل وتبجحاً وبدون أي مواربة، وسلمته للإسلامويين الذين يسيطرون على طرابلس في عمل دنيء لا يقره أي عرف أو أخلاق، أما مصر محمد مرسي والمجلس العسكري فقد باعت الدبلوماسي الليبي [علي ماريا] الذي شغل القائم بالأعمال الليبي في القاهرة في صفقة مخزية لم تعتبر أي عرف دبلوماسي، أو انساني واخلاقي، أما الجارة الجنوبية النيجر فلم تستطع مقاومة إغراء الملايين فباعت الساعدي القذافي وعبد الله منصور، بصفقة مالية لا تعرف قيمتها حتى الأن.
إن المظلمة الليبية لم تكن فقط بسبب الأنظمة السياسية الحاكمة العربية فقط، بل أيضا حتى التيارات السياسية العربية لم توفر ليبيا المجتمع والكيان، فبعض القوميين العرب لم يفرقوا بين معاداة ومخاصمة النظام ومحاربته، ومباركة وتسليم ليبيا للعبة الدولية فكانوا صوتاً صادحاً في مباركة عمليات القتال وتشجيعها من أول يوم، بما فيها تدخل الناتو الإمبريالي، وعدوانه الصارخ وتدميره للبلاد، وسار القوميون العرب ـ بما فيهم الليبيون ـ جنب لجنب مع برنار ليفي، وجون ماكين، وساركوزي وكاميرون، في شوارع بنغازي مبتهجين تعلوهم الإبتسامات، فرحين مغتبطين، وعربياً تنكر أقرب أصدقاء ليبيا من القوميين العرب لها، وكانوا ـ عبر الفضاءيات العربية ـ أداة اللعبة الدولية، صوت ولسان العمليات القتالية والعسكرية، بما فيها غارات الناتو، وتسويغها على الشعب الليبي وإمكانياته وموارده، ويتفرجون اليوم على الشعوبية وهي تقبض على ليبيا وعاصمتها وإمكانياتها، وتعبث بها، وكأن الإمر لا يعنيهم في شيء، ولا يعني قوميتهم، ولا ناصريتهم، وحتى المقاومة اللبنانية نفسها كان لها إشادة واضحة بالعمليات القتالية للناتو في ليبيا، وأغمضت العين على العدوان الغربي على بلاد عربية، أما الأخوان المسلمين فانهم أحد أدوات اللعبة في تفتيت ليبيا، وتدمير إمكانياتها ونشر الإقتتال بين قبائلها، ومناطقها، ونشر الفتن فيها إلى اليوم، وهم رأس الحربة في ضرب النسيج الإجتماعي الليبي، وتفتيته وإشعال فتيل حروبه، وتغطية الدواعش والإرهابيين، والقتلة، وتمويلهم، وتسويغ افعالهم، وتبريرها، والتغطية عليها.
أن المظلمة الليبية كمجتمع وشعب ودولة، ترسل رسالة لوم تاريخية وسؤال مرة صادم للامة وقواها الحية، إنه واضح للعيان كيف تآمر وتكالب على هذا الشعب، وباعه الأشقاء والأصدقاء قبل الأعداء [حلف الناتو]، بل إن الجميع تقريباً شارك بقدر ما في صنع وإستمرار وإذكاء الأزمة الليبية، والحرب على الدولة والشعب، والسلم الأهلي لليبيين، ووضع ليبيا على خطى التفتيت والتقسيم والتأزيم، وأيضا ساهم بشكل او أخر في نهب الأموال والأرصدة سوى بشكل مباشر، أو ببيع رؤؤس الليبيين كالخراف، الأمر الذي يعد ظاهرة غريبة وواضحة وفاضحة في المنطقة وفي التاريخ العربي والأخوة، فما حصل يتجاوز جداً خصومة او عداوة مع النظام الليبي السابق الذي ـ سقط وإنتهى ـ إلى ضرب كيان ليبيا الإجتماعي وتشجيع الإقتتال وتمويله، بل وإدارته، وأيضا الإجهاد على الدولة وإمكانياتها، ونهب أموالها وأرصدته، وتحين الفرصة لذلك، والبحث عن سبيل لنهب الشعب العربي الليبي وإبتزازه، وإستمرار مأساته، إنها مظلمة ليبية بكل معانياه نشكوها للتاريخ العربي والإقليمي، ونسجلها، ونحتفظ بها في تاريخنا الوطني، بمقدار الأخوة والدم والتاريخ، وحقنا في توجيه اللوم، وترقب دور إيجابي ـ مفترض ـ كنا ننتظره، حيث يبقى تساؤلنا تاريخي مر صادم، لماذا فعل ويفعل بنا وببلادنا إخوتنا العرب وجيراننا ما فعلوا ويفعلون ببلادنا ليبيا، وشعبها، ومجتمعها، وسلمها الأهلي، وأموالها، ولماذا باع ليبيا المجتمع والدولة، الجيران الأقربون من الأشقاء، وساهموا في إسقاط مجتمعها ودولتها بإتخامها بالاسلحة والعتاد والمقاتلين الأجانب، وتشجيع الإقتتال بين قبائلها ومناطقها، وتمويله وإدارته وتغطيته إعلامياً، بل يديريون عمليات تفتيت، وإنقسام ليبيا، وتشجيع وإدارة ودعم وتمويل أدواتهم المحلية والشعوبية، بالمال والسلاح، والتغطية الإعلامية والسياسية، بالرغم من أن اللوم الأول يقع على الليبيين جميعاً قبل بقية العرب ونحن المسؤؤل الأساس والأكبر كليبيين فرادا وجماعات، لكن سؤال المضلمة الليبية عربياً يبقى سؤال ملح وضروري أيضاً، وحق صادق أخوي، وعلى أعلى وأمر مستوى من المرارة، واللوم لإخوتنا وأشقائنا العرب، وجيراننا من الدول العربية، التي نعرف جيداً مساهمتها حتى اليوم في المأساة الليبية، وفي دفع ليبيا إلى التقسيم والإندثار، والإقتتال، والإحتراب، ونلوذ بقوى الأُمة الحية في هذه الدول للعب دور أكبر لدفع بلدانهم لتكف أيديها عن ليبيا، ولتساعد القوة الوطنية الليبية، فالشعوب العربية ـ التي ننزهها ـ عليها مسؤلية دفع إنظمتها إلى عمل أكثر إيجابية لتعبر ليبيا أزمتها.
والله من وراء القصد
كاتب ليبي / بريطانيا
|