|
|
|
صنعاء نيوز/الأستاذ الدكتور/ سيف العسلي -
الشرعية السياسية
شرعية التعاقدات والعقود
مفهوم السياسة
قوة الإلزام والالتزام -الجمعي- توافقا
القيم الست الإنسانية الكبرى الجامعة
قواعد تغيير الشرعية السابقة لمصلحة المجموع
حالة التشريع والشرعية - مكة والمدينة
الشرعية السياسية في القرآن
لقد اكد القرآن على الشرعية السياسية وجعلها فوق الشرعية الدينية. و يتجلى ذلك بانه جعل الشرعية الدينية شرعية خاصة و ليس شرعية عامة؛ فلا اكراه في الدين و لكن هناك بالطبع اكراه في السياسية.
وبما ان الاسلام قد شرع لتعدد الاديان، فانه لم يشرع ابدا لتعدد الحكام.
يقول الله تعالى في سورة المائدة: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُم بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ إِلاَّ مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ (1) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحِلُّواْ شَعَائِرَ اللَّهِ وَلاَ الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلاَ الْهَدْيَ وَلاَ الْقَلائِدَ وَلا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّن رَّبِّهِمْ وَرِضْوَانًا وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُواْ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَن صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَن تَعْتَدُواْ وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبَرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (2) حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَن تَسْتَقْسِمُواْ بِالأَزْلامِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِّإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (3)}.
فهذه الايات تلزم المؤمنين بان يوفوا بما تعاقدوا عليه مع غير المؤمنين و ان لا يتحججوا بايمانهم الجديد للتخلص من التزاماتهم القديمة.
و كذلك فان الإيمان، أي الدين الحق، لا يمنع اتباعه من التعاون على البر التقوى ومن ثم الدخول بالتعاقدات والالتزامات المتبادلة بينهم و بين من يعتبرونهم غير مؤمنين.
فلا بد من التعايش اذا كان القبول بالدين طوعا، ولكن ينبغي أن لا يؤدي ذلك الى فوضى؛بان يتم استخدام الدين كوسيلة لظلم الآخرين والتحكم بهم. فالتعاقدات والعقود تولد شرعية، أي شرعية القيام بتصرف ما او عدم القيام بتصرف اخر. ولعل ذلك ينطبق و بشكل خاص على القضايا و الموضوعات السياسية.
***
فمفهوم السياسة يعني: أن أي مجموعة من الناس تسكن في منطقة محددة، فان عليها ان تتفق على حقوقها الداخلية والخارجية، وان توثق ذلك بعهد و بيان واضح، وان تكلف من يقوم على ادارتها.
وقد جعل القرآن ذلك واجبا يجب القيام به والدعوة اليه والمحافظة عليه ما دام انه يلتزم بالقواعد الاساسية والتي يقبلها كل عقل بشري؛ وهي العدل والإحسان و إيتاء ذي القربى.
ولذلك فقد عالج القرآن -ذلك - وبشكل واضح وبيِّن لا يقبل الغموض. وهناك نصوص كثيرة في القرآن ولا يمكن حصرها في هذه الورقة وانما سنركز على اكثرها وضوحا.
فلم يكتف اليهود في التملص من التزاماتهم بحجة الدين الباطل الذي يدعونه، بل انهم شجعوا غيرهم من العرب المشركين بالتحجج بالدين من اجل التخلص من الالتزام السياسية.
فقد كانوا من قبل يستهزءون بدين المشركين ولا يقبلون الاحتجاج به مقابل اي ادعاء ديني لليهود، ولكنهم الآن طالبوا باعتبار دين المشركين حجة للتملص من التزاماتهم كما يتضح ذلك من الايات سالفة الذكر.
يقول الله تعالى في سورة النساء: {انَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا (58)}.
في هذه الايات يأمر الله تعالى المؤمنين ان لا يكونوا مثل اليهود، اي ان يقبلوا بالالتزامات الواضحة ثم عندما يتم الزامهم بها يحاولون التملص منها بحجة شرعية الدين.
فمن يكون متدينا حقيقيا؛ فانه لا بقبل ابتداء القبول باي التزامات تخالف ما يلزمه به دينه، فان قبل فانه يكون قد كفر بهذه الشرعية واسقطها باختياره فلا يحق له المطالبة بالالتزام بها.
فقد كانت هذه اسباب التضليل و الخداع الذي كان يمارسه كل من اليهود والمشركين.
يقول الله تعالى في سورة النحل: {فَإِن تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاغُ الْمُبِينُ (82) يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللَّهِ ثُمَّ يُنكِرُونَهَا وَأَكْثَرُهُمُ الْكَافِرُونَ (83) وَيَوْمَ نَبْعَثُ مِن كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا ثُمَّ لاَ يُؤْذَنُ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ وَلاَ هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ (84) وَإِذَا رَأى الَّذِينَ ظَلَمُواْ الْعَذَابَ فَلاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمْ وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ (85) وَإِذَا رَأى الَّذِينَ أَشْرَكُواْ شُرَكَاءَهُمْ قَالُواْ رَبَّنَا هَؤُلاء شُرَكَاؤُنَا الَّذِينَ كُنَّا نَدْعُوْ مِن دُونِكَ فَأَلْقَوْا إِلَيْهِمُ الْقَوْلَ إِنَّكُمْ لَكَاذِبُونَ (86) وَأَلْقَوْا إِلَى اللَّهِ يَوْمَئِذٍ السَّلَمَ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ (87) الَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ اللَّهِ زِدْنَاهُمْ عَذَابًا فَوْقَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُواْ يُفْسِدُونَ (88) وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا عَلَيْهِم مِّنْ أَنفُسِهِمْ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَى هَؤُلاء وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ (89)}.
فعلى الرغم من ان الرسول قام بالبلاغ المبين واسقط كل شبهاتهم وادعاءاتهم في سورة النحل من اولها حتى هذه الايات، فانه لم يلزمهم بما لم يوافقوا عليه لا دينيا ولا سياسيا.
فان كان الدين الحق الذي انزله الله يقبل اختيارا، فان العلاقات السياسية اولى ان يتم الالتزام بها طوعا؛ لانه يترتب عليها عقوبات في الدينا. اما ما يترتب على مخالفة متطلبات الدين غير السياسية فان الله هو الذي يعاقب عليها و قرر الله تعالى انه يفعل ذلك يوم الدين.
***
لقد قررت قريش استخدام سلطتها السياسية من خلال استخدام القوة بحساب هواها. فاجبرت النبي و المسلمين معه على ترك دينهم او الخروج من مكة او مواجهة القتل و التعذيب و الظلم. ولان الجميع قد توافق على ذلك اما برغبته او بالاكراه فقد امر الله نبيه و رسوله ان يخرج من مكة ولا يقاوم راي الاغلبية الظالمة.
و لكن الله تعالى امر رسوله والمهاجرين من المؤمنين ان لا يغيروا النظام الذي كان سائدا في المدينة بحسب دينهم او رغبتهم لانهم سيكونون في هذه الحالة مثل قريش ومثل اليهود. ولكنه طالبهم بان يسعوا الى ايجاد شرعية مقبولة من الجميع قبل الغاء او تعديل الشرعية القائمة حتى ولو كانت ظالمة لمن هم في المدينة.
يقول الله تعالى في سور ة النحل: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (90)}.
بما ان هذه القيم الست قيم انسانية فطر الله الناس عليها وتحظى بالقبول لدى كل البشر في كل زمان و مكان، فان الله الذي خلق الناس على هذا النحو لا يمكن ان يامرهم بما يخالف ذلك. فقد امر بكل الكتب التي انزلها و الزم كل الرسل والانبياء ان يعملوا بها. فلا يمكن ان تستقر الحياة وان يعيش الناس على الوجه الذي ارداهم الله ان يعيشوا به اي الحياة الطيبة الا بالالتزام و الالزام بهذه القيم.
و لكن هناك -ممن يدعون انهم مكلفون من الله بشرح كتابه و بيانه- من يبرر مخالفة هذه القيم او بعضها على الاقل من اجل مصلحته ولكن باسم الله.
فانزل الله هذه الاية لتكون واضحة و محكمة و لا تقبل التاويل او الانحراف. ومن ثم فان كل من ادعى مخالفة ذلك باسم الله فهو كاذب و لا ينبغي تصديقه ابدا.
***
فما كان من العدل و الاحسان فينبغي القبول به من اي طرف جاء او حدث، و كذلك بقية القيم الايجابية. وما كان من الفحشاء فيجب ادانته و عدم العمل به من اي جهة صدر. فالايمان الصحيح و الدين الحق هو الذي يعترف و يطبق هذه التعاليم ومن يخالفها ففي ايمانه نقص و في دينه باطل.
وقد التزم الرسول الكريم بهذه التعاليم نصا وروحا. فلم تكن الشرعية التي كانت قائمة في المدينة قبل الهجرة ظالمة كلها ولكن هناك الكثير من الظلم. فقد امر الله نبيه و المؤمنين ان يقبلوا بكل ما يتوافق مع هذه التعاليم و ان يطالبوا بتغيير ما ليس كذلك من خلال الرجوع الى الشرعية الطبيعية التي امر الله بها وقبل بها العقلاء من الناس عبر التاريخ و عير الازمنة.
فاي شرعية مفيدة و يمكن ان يتوافق الناس عليها مهما كان دينهم او عرقيتهم او وضعهم او تخلفهم او تعلمهم، هي التي تقوم على العدل و الاحسان و ايتاء ذي القربى. وهذه تصرفات يشرع للانسان القيام بها بدافع فطرته التي فطره الله عليها. وفي حال حثه على ذلك فان ذلك يكون مشروعا. وكان ينبغي على الانسان ان يمتنع عن التصرفات النابعة عن محالفة العدل والاحسان طوعا بحكم فطرته، فان منع منها بالاكراه فان منعه منها يكون مشروعا ولا تقوم الحياة الا بها و لذلك كان من الضروري ان يتوافق الناس عليها و ان يختاروا من يقوم على تفعيلها من بينهم، اي على وجود سلطة لهذا الغرض فقط.
يقول الله تعالى في سورة النحل: {وَأَوْفُواْ بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدتُّمْ وَلاَ تَنقُضُواْ الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ (91) وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثًا تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ أَن تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ اللَّهُ بِهِ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (92) وَلَوْ شَاء اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِن يُضِلُّ مَن يَشَاء وَيَهْدِي مَن يَشَاء وَلَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (93)}.
وفي حال حدوث امور جديدة لا تتضمنها القواعد الطبيعية او ما تم الاتفاق عليه من قبل فلا مانع من ايجاد شرعية جديدة تتعامل معها، ولكن بشرط ان لا يترتب على ذلك الغاء ما تم التوافق عليه من قبل، والا كان كمن يخرب على نفسه بنفسه.
فلا بد من الحرص على تنفيذ الالتزامات القديمة والا لا فائدة من المفاوضات حول التزامات جديدة او الاتفاق عليها. و من لم ينفذ الالتزامات السابقة فانه لن ينفذ اي التزامات مستقبلية وخصوصا اذا تغير حاله من القوة الى الضعف او العكس.
وفي هذه الآيات حظ للمسليمن، على الالتزام بما تعهدوا به قبل المطالبة بتغيير هذه الالتزامات، وعلى القبول بالتزامات من لم يلتزم بالتزاماته السابقة اذا اجبر على ذلك فان حاول التخلص منها في المستقبل فانه يجبر على ذلك كذلك.
يقول الله تعالى في سورة النحل: {وَلاَ تَتَّخِذُواْ أَيْمَانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا وَتَذُوقُواْ السُّوءَ بِمَا صَدَدتُّمْ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَلَكُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (94) وَلاَ تَشْتَرُواْ بِعَهْدِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلاً إِنَّمَا عِندَ اللَّهِ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (95) مَا عِندَكُمْ يَنفَدُ وَمَا عِندَ اللَّهِ بَاقٍ وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُواْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ (96)}.
***
فلا يمكن ان تكون هناك امة او شعب او جماعة لا تحترم اعضائها او لا تحترم غيرها من الجماعات. و من ثم فانه لا بد من التعاهد على القيام باعمال وتصرفات معينة او عدم القيام باعمال او تصرفات معينة، فتصبح واجبة على الجميع بقوة الجميع. ولا يحق لاي سبب كان تغيير ذلك الا من خلال القواعد التي على اساسها تم التوافق اولا. و ما لم يتم ادراك ذلك و العمل عليه و فرض اجراءت جزائية على من يخالف فلن تقوم لهذه الجماعات او الدولة اي قائمة. وتكون ممارسة التعاقد اسوأ من عدم التعاقد. فالبعض يركن على ما تم التعاقد عليه فلا يتوقع غير ذلك، وعندما يفاجأ بتحلل البعض من ذلك يتعرض لمخاطر كبيرة كان بالامكان تجنبها ولو لم يركن الى ماتم التعاقد عليه.
فان نفذ كل الاطراف ما تعهدوا به فان الجميع يصبح امة واحدة تتعاون على البر والتقوى. وفي هذه الحالة فان حدث ان ترتب على ما تم الاتفاق عليه ظلم غير مقصود فانه لا ينبغي الاصرار على التمسك بالشرعية السابقة لانها تصبح مضرة، فان كان في هذه الحالة لصالح طرف من الاطراف فانها ستكون في المستقبل ضده. فان لم يراع ظروف الطرف الاخر فانه لن يراعيه في المستقبل.
وفي هذه الحالة فانه لا بد من تعديل الشرعية السابقة الى شرعية جديدة مفيدة للجميع بعد ان اتضح ان الشرعية السابقة لم تكن كما كان متوقعا منها؛ اي لم تؤدي الى العدل و الاحسان و مراعاة القرابة، ولم تودي الى ترك الفحشاء و المنكر و البغي.
وان كان الخلاف بين فريقين من القرقاء فان على الطرف الثالث ان يصلح بينهما بالعدل من خلال شرعية التصالح والتي تعتبر خروجا مؤقتا عما تم الاتفاق عليه ولظروف قاهرة.
فان لم يقبل الطرفان بذلك و اصروا على هدم الشرعية القائمة وبدون ايجاد شرعية جديدة و لم يكن في مقدور الطرف الثالث الصلح بينهم او اجبارهم عليه فان عليه ان لا يكون طرفا في اي شرعية مخالفة ترغب بعض الاطراف فرضها على الاخرين.
يقول الله تعالي في سورة النحل: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ (97)}.
فان غم الامر فانه لا بد من الرجوع الى القرآن وسيهدي الله بالقرآن من قال سمعنا واطعنا لله و لكتابه.
يقول الله تعالى في سورة النحل: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ (98) إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (99) إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُم بِهِ مُشْرِكُونَ (100) وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَّكَانَ آيَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُواْ إِنَّمَا أَنتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ (101) قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ (102) وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِّسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ (103) إِنَّ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ لاَ يَهْدِيهِمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (104) إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ (105)}.
يقول الله تعالى في سورة النساء: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ يَشْتَرُونَ الضَّلالَةَ وَيُرِيدُونَ أَن تَضِلُّواْ السَّبِيلَ (44) وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدَائِكُمْ وَكَفَى بِاللَّهِ وَلِيًّا وَكَفَى بِاللَّهِ نَصِيرًا (45) مِّنَ الَّذِينَ هَادُواْ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِي الدِّينِ وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانظُرْنَا لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَأَقْوَمَ وَلَكِن لَّعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً (46)}.
***
وفعلا تم التعاقد مع كل من كان يسكن المدينة لقيام نظام سياسي يحافظ على حقوق الجميع. فبعد ان وقع اهل المدينة صحفية المدينة المعروفة والتي حددت الحقوق المتبادلة بين اهلها والطريقة المتفق عليها لحل اي خلاف - سياسي وليس ديني، لجأ بعض اليهود الى خلط الدين بالسياسة من اجل التخلص من التزاماتهم السياسية التي وافقوا عليها وهم يعلمون موقف دينهم منها. والدليل على ذلك هو ما ورد في هذه الايات من الاشارة الى تحريف الكلم من بعد مواضعه، اي تفسير ما التزموا به من خلال ما يدعونه من دين من اجل التخلص من السمع و الطاعة لما التزموا به.. اي من اجل التخلص من التزاماتهم السياسية. حيث انه لم يكن هناك من يلزمهم بالالتزام بدينهم لانه فيه باطل من ناحية ومن ناحية فان وثيقة المدينة اعطتهم الحرية الكاملة بالالتزام به ما لم يكن مخالفا لما وافقوا عليه من التزامات سياسية و منها حرية الدين للجميع.
يقول الله تعالي في سورة النساء: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ آمِنُواْ بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقًا لِّمَا مَعَكُم مِّن قَبْلِ أَن نَّطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولاً (47) إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا (48) أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنفُسَهُمْ بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَن يَشَاء وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً (49) انظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَكَفَى بِهِ إِثْمًا مُّبِينًا (50) أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ هَؤُلاء أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُواْ سَبِيلاً (51) أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ وَمَن يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا (52) أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِّنَ الْمُلْكِ فَإِذًا لاَّ يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا (53) أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُم مُّلْكًا عَظِيمًا (54) فَمِنْهُم مَّنْ آمَنَ بِهِ وَمِنْهُم مَّن صَدَّ عَنْهُ وَكَفَى بِجَهَنَّمَ سَعِيرًا (55) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُواْ الْعَذَابَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا (56) وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لَّهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَنُدْخِلُهُمْ ظِلاًّ ظَلِيلاً (57)}.
***
و كذلك فقد توافق اليمنيون على دستور، فان الخروج عليه باي طريقة لا تتوافق مع وسائل تعديله المتوافق عليها يعد خروجا عن الشرعية، ولا يُقبل باي شرعية للخروج عن الشرعية الدستورية.
ويمكن القول ان الدستور اليمني القائم قد استوفى الشروط الضرورية للحكم بشرعيته السياسية وعلى هذا النحو.
..... (يتبع: الحلقة الثالثة)
* المقال خاص لوكالة خبر
*وزير المالية الأسبق البروفيسور «سيف العسلي»
- أ.د. سيف العسلي: الرجوع للشرعية الدستورية شرط ضروري لوقف الحرب في اليمن (1) |
|
|
|
|
|
تعليق |
إرسل الخبر |
إطبع الخبر |
RSS |
حول الخبر إلى وورد |
|
|
|
|