صنعاء نيوز -
رأي- بقلم/ عبدالعزيز ظافر معياد*
ما يجري في عدن من احداث درامية خاصة في الأشهر الأخيرة من عمليات اغتيال وهجمات إرهابية وممارسات مناطقية من قبل سلطتها المحلية، لايخرج عن اطار سعي القوى القديمة/الجديدة لإحكام قبضتها على عدن، كون السيطرة على المدينة خطوة ضرورية لضمان التحكم في الكيان الجديد الجاري تكوينه في المحافظات الجنوبية.
لذا يجري التركيز في السيطرة على المكونات الرئيسية في المجتمع العدني وعلى القوى الجديدة التي ظهرت كأحد افرازات الحرب الأخيرة وبالذات المقاومة السلفية، مع التركيز أساسا على تلك القيادات الرافضة لفكرة الانفصال أو التي تبدي تفهما لتلك المطالب لكنها قد تفضل خيار الفيدرالية كحل مقبول لديها لمشكلة الجنوب عند لحظة الحقيقة.
تتطلب السيطرة على تلك المكونات والقوى ممارسات وإجراءات غير قانونية ولا إنسانية بل وربما وحشية، وكله يهون من اجل السلطة والقوة واستعادة النفوذ والتحكم في كل شيء، مع القيام بذلك تحت يافطة استعادة الدولة المغدور بها، ولان مثل تلك الممارسات والإجراءات ستواجه برفض المواطن البسيط في عدن ومحيطها، كان ضروريا اللجوء الى ورقة الإرهاب والفوضى الأمنية واعطائها بُعداً مناطقياً، لضمان اضعاف الرفض الشعبي لها بل وإيجاد مزاج مؤيد لها في الشارع العدني.
ولان الإجراءات مؤلمة وشديدة القسوة كالإقدام، مثلاً، على تصفية قيادات في المقاومة السلفية او ترحيل جماعي لمئات العاملين البسطاء من أبناء الوطن الواحد تحت ذرائع واهية ومفبركة كالزعم بعدم امتلاك أبناء تعز هويات وتصاريح عمل في عدن، بل وتحول الامر في الفترة الأخيرة الى استهداف قيادات امنية وعسكرية جنوبية، لكنها تعتبر من وجهة السلطة المحلية في عدن غير مضمونة الولاء بالكامل، إما لانتمائها لمنطقة جغرافية معينة او لاعتبارها امتداداً للنظام السابق، وذلك إما بالتصفية الجسدية أو ازاحتها من المناصب التي تشغلها، بل واعتقالها تحت مبرر ورود اسمائها في التحقيقات مع إرهابيين كما حصل مؤخراً مع وكيل جهاز الامن القومي او نائب مدير مطار عدن، ولتبرير هذه الإجراءات، يتطلب الامر ان يكون خطر الإرهاب في اعلى مستوياته، بحيث يوفر مبررا مقنعا لتلك الممارسات المناطقية والدموية.
من هنا يمكن فهم سبب تعرض محافظ عدن ومدير الامن فيها لسبع محاولات اغتيال وجميعها بسيارات مفخخة، رغم انه لم يمض على وجودهما في منصبيهما سوى بضعة اشهر، ورغم أيضا قوة تلك العمليات والتي راح ضحيتها عدد من المرافقين الامنيين للرجلين، الا ان الحبكة الدرامية تستدعي التضحية ببعض الاعوان، والتقليل من جهة أخرى من أهمية عدم إصابة القياديين حتى ولو بخدش بسيط في اصبع الرجل اليمنى مثلاً. والغريب أيضاً إصرار الإرهابيين على استهداف الرجلين بالسيارات المفخخة رغم ان قوة وفعالية الإجراءات المتبعة حولهما أظهرت عدم فعالية هذا النوع من الهجمات.
اللافت هنا تجنب الإرهابيين اللجوء الى الاحزمة الناسفة، كما حصل عند تصفية الشهيد سالم قطن، رحمه الله، رغم قيام المحافظ اكثر من مرة بالاختلاط بالعامة وشرب عصير الليم في منطقة شعبية، في حين مارس مدير الامن هواية لعب كرة القدم اكثر من مرة في الشارع – طبعا انا هنا لا احرض على الرجلين - ولكن أحاول فهم سبب ذلك هل عناصر القاعدة بهذا الغباء ام ان اللجوء الى هذه الطريقة سيمثل خطرا جديا على الرجلين؟ سيما مع الشكوك بعدم تواجد الرجلين في مكان التفجير في معظم العمليات السبع المعلن عنها سابقا.
إضافة الى ان استهداف المحافظ ومدير الامن يقدمهما في الشارع كبطلين يتصديان لخطر الإرهاب ويواجهانه بكل جسارة ومن دون أي تردد او خوف رغم المخاطر الجسيمة على حياتيهما، بما يساهم في رفع شعبيتهما لدى البسطاء، ويشتت الأنظار عن فشلهما الذريع في إيجاد حلول معقولة لمشكلة الخدمات الرئيسية كالكهرباء مثلا، ويحول دون وقوف الكثيرين عند نهجهما العنصري الذي يتجاوز الشمال الى داخل الجنوب نفسه.
استهداف أبناء تعز لعدة أسباب:
هناك اكثر من سبب يفسر سبب تركيز السلطة المحلية وأجهزة الامن على أبناء تعز بالذات، ومن ذلك:
1- مكانة تعز الروحية والعملية والتاريخية والجغرافية كقلب الوحدة النابض والشريان الرئيس الرابط بين الشمال والجنوب، والذي لن يكتب للانفصال ان يرى النور، الا بعد تدمير كل ما يربط تعز بعدن، وهذه مهمة شبه مستحيلة ان لم تكن المستحيل بذاته.
2- تقديم تعز نفسها كقربان لعدن عندما انفجرت في وجه الحوثيين في الأسابيع الأولى لنشوب الحرب عدن، وهذا الموقف اوجد ثغرة كبيرة في تحريضات الحراك لأبناء الجنوب ومزاعمهم بدعم أبناء الشمال للحرب التي يشنها الحوثيون وصالح عليهم.
3 – عودة اصول اكثر من ربع سكان عدن الى تعز، إضافة الى تواجد آلاف العمال من أبناء الحالمة في عدن، وهذا في حد ذاته يشكل خطرا على نجاح الاستفتاء على تقرير المصير في حال تمكن الانفصاليون من اقراره، وهذا الامر قد يفسر سبب استهداف أبناء عدن من أصول تعزية من حين لآخر من قبل غلاة الحراك كما حصل مع صور الرئيس الأسبق عبدالفتاح إسماعيل، وفي اقتحام منزل اسرته في الاحداث الاخيرة.
4-إضفاء مصداقية بشأن تحميل السلطة المحلية في عدن الشمال مسئولية كل اعمال العنف والإرهاب والفوضى، التي تشهدها عدن من خلال الاتهام المتكرر لما تسميه خلايا الحوثي وصالح و قاعدة عفاش بالوقوف وراء عمليات الاغتيال والتفجيرات التي تقع بصورة يومية تقريبا، حيث ان عملية ترحيل أبناء تعز والشمال عموما يعطي انطباع ان القتلة والإرهابيين ينتمون الى هذه الشريحة خاصة أجهزة الامن رغم اتهاماتها المتكررة للشمال، تجنبت الكشف عن أسماء وصور من تم اعتقالهم كمتهمين في بعض تلك العمليات لتأكيد صحة اتهاماتها بأنهم شماليون، وهذا يشابه الى حد ما اعلان القوات الموالية لهادي طيلة العام الماضي عن اعتقال ضباط إيرانيين والعثور على جثث اخرين، لكن دون ان تقدم الى حد الان ما يثبت صحة ذلك.
إن ما يحدث في عدن هو اقرب ما يكون الى عودة الصقالبة (وهو نعت اطلقه أبناء عدن عقب احداث 86م على أبناء الضالع ويافع وردفان) للتحكم بأهلها وإدارة شئونها بعيدا عن تاريخها وطابعها المدني الحضاري المنفتح على الجميع والحاضن لكل أبناء اليمن، ومحاولة حكرها على مديريتي الضالع ويافع، للأسف الشديد.
[email protected]
* عبدالعزيز ظافر معياد، كاتب وباحث من اليمن