صنعاء نيوز/إيهاب زكي -
حينما قضت محكمة أمريكية في نيويورك بتغريم إيران 11 مليار دولار بتهمة مسؤوليتها عن 11 أيلول/ سبتمبر، حينها لم يكن أسعد من النفط وإعلام النفط وإعلاميي النفط، وسال الحبر أنهاراً وعصفت الأقلام أشجاراً تشيد بنزاهة وعدالة وحيادية القضاء الأمريكي من جانب، ومن جانبٍ آخر سال الحبر وعصفت الأقلام شماتة ولؤماً وتشفياً بإيران، حيث اعتبرها النفط الصفعة الأولى بعد الاتفاق النووي ستتلوها الصفعات، ولكن منذ أن وافق الكونجرس الأمريكي على مشروع قرار بالإجماع يقضي بالسماح لعائلات ضحايا البرجين برفع الحصانة عن السعودية والسماح بمقاضاتها، تحوَّل المشرع الأمريكي إلى شيطانٍ أكبر يمارس الإبتزاز ضد أم العروبة والقرصنة على مال العرب، وتبخرت النزاهة والحيادية والموضوعية بمجرد المساس بالسراويل المقدسة، وهؤلاء ومفارقاتهم بالضط كـ"لويز فيليديو" التي روى مفارقةً عنها الشاعر الفرنسي شارل بودلير فقال مندهشاً مستنكراً "رافقتني ذات يوم إلى متحف اللوفر وهي عاهرة بخمسة فرنكات، وكانت أول مرة تزور هذا المتحف، فاحمَّر وجهها وراحت تغطيه بكفيها، وتجذبني من كُم سترتي متسائلةً أمام اللوحات الخالدة، كيف أمكن عرض هذه العورات على الناس".
فالنفط يبدو أكثر بلادةً من أن يفهم بأن الولايات المتحدة خطيرةٌ على أعدائها لكنها أشد خطراً على حلفائها، فكيف سيكون خطرها على أتباعها، وهي في سبيل تحقيق غاياتها لا يساوي أي تابع أكثر من فرنكات لويز فيليديو الخمسة، والطريف أن أحد كُتاب النفط تذكر جرائم أمريكا منذ فيتنام وحتى العراق مروراً بأفغانستان، حتى أنه لم ينسَ اطاحتها بحكومة مصدق، واعتبر أنها سترفع الحصانة عن نفسها وسيحاكمها العالم إن هي رفعت الحصانة عن السعودية، والإنصاف يقتضي من هؤلاء إن كانوا يملكون لأقلامهم نصالاً، أن يحاكموا من كان لأمريكا عوناً في كل جرائمها، ومن وضع الأموال -التي أصبحت الآن عربية- وكانت رافعة الاقتصاد الأمريكي والدولار الأمريكي، سنرتضي منهم شجاعة أن يطالبوا أولياء أمرهم بتسعير النفط بغير الدولار إن كانوا يظنون في أنفسهم سيادة واستقلالاً، وهو بكل تبعاته أسهل من محاكمة أمريكا، إلا إذا كانوا يصدقون ما يكتبون، بأن سلمان هو الحزم والعزم العالمي لدرجة أنهم دعوا أوباما للاقتداء بسلمان حزماً وعزماً، وبالتالي فهم يطلبون من سلمانهم جلب أوباما وتعزيره بألف جلدة في ساحة عامة، خصوصاً أن عبد الرزاق المهدي قائد ما يُسمى بـ"جيش العسرة" الذي يتشكل شمالاً بأوامر سعودية، كان قد أصدر فتوى بارتداد أوباما عن الإسلام.
وهذه العينة –جيش العسرة-هي أحد مسارب الأموال السعودية التي أصبحت بين مشرّعي أمريكا وقضاتها أموالاً عربية، ففي العام 2002 نشرت "واشنطن بوست" عدة تقارير عن العلاقات الأمريكية السعودية، وجاء فيها على سبيل المثال (لا الحصر) مكررة للتأكيد "أنه بناءً على طلب ممن وليام كيسي مدير المخابرات المركزية إبان رئاسة رونالد ريغان، قام مبعوث سعودي بالسفر إلى روما لإيداع مبلغ 10 ملايين دولار في حساب يعود للفاتيكان، لمساعدة الحزب الديمقراطي المسيحي للتغلب على الشيوعيين الإيطاليين في الانتخابات"، "وفي العام 1984 وبطلبٍ من مستشار ريغان للأمن القومي ماكفرلين قدمت السعودية عن طريق الأمير بندر 30 مليون دولار لثوار الكونترا، الذين كانوا يحاربون الشيوعية"، وتقول لصحيفة أن هذا لم يكن يعني شيئاً بالنسبة للسعوديين، حتى دون أن تقول الصحيفة ذلك فأمريكا بالنسبة للسعوديين لا تُسأل عما تفعل وهم يُسألون، كما تقول الصحيفة بأن السعوديين كانوا سعداء لأنهم تحملوا الجزء الأكبر من فاتورة "عاصفة الصحراء، لكنها لم تفصح عن سبب تلك السعادة، إلا إذا كان السعوديون يعتبرونها جزءًا من الزكوات والصدقات تقرباً لله، كما أن السعودية تدفع تكاليف التواجد العسكري الأمريكي على أراضيها والبالغة 100 مليون دولار سنوياً.
ولا يوجد حتى الآن إحصائية دقيقة لما دفعته وستدفعه السعودية للتخديم على المشاريع الأمريكية بالأموال (العربية) حالياً، بتدمير سوريا واليمن والعراق، وكم ستدفع لتصبح إيران عدواً و"إسرائيل" قائداً لمستقبل المنطقة وجيوشها وحكوماتها، يعتقد السعوديون أنه لا فكاك من كماشة التعويضات إلا بـ "نتن ياهو"، فيلجأون إليه ليدفع عنهم أذى سيدهم، وهي سياسة الباب الدوَّار، فتحت طائلة هذا الاعتقاد الوهم، كلما ضغطت أمريكا أكثر كلما هربت السعودية للحضن "الإسرائيلي" أكثر، وفي نهاية المطاف سيجد السعوديون أنفسهم وحين تقرر أمريكا أنها لم تعد بحاجة لخدماتهم، أنهم أشد بؤساً من "الخيل الإنجليزي"، حيث تُصرف له طلقةٌ يستقبلها بين عينيه كمكافأة نهاية الخدمة، فالقاعدة الأمريكية العامة مع حلفائها قبل أتباعها، حروبي حروبكم مغانمها لي ومغارمها لكم، وكلما اقتربت سوريا من انتصارها اقتربت السعودية من اندثارها، على الأقل بناءً على هذه المعادلة يتصرف آل سعود، وعليهم أن يقلقوا حقاً من النهايات غير الحميدة وسياسة الباب الدوَّار اللا مأمونة قطعاً، فالتاريخ غزير اللعنات كريم اللكمات. |