صنعاء نيوز/ القاهرة ـ محمود القيعي: -
نادر فرجاني: الأمة العربية تدفع ثمنا تاريخيا بصعود دور السعودية في تقرير المصير العربي .. وتعاون الرياض العسكري مع الكيان الصهيوني صار علنا
قال المفكر الكبير د. نادر فرجاني إن العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين يشهد اكتمال حلم الأسر الحاكمة في شبه الجزيرة العربية والخليج بالهيمنة على صنع القرار في الوطن العربي، مشيرا الى أن هذا الانقلاب في أقدار الدول والشعوب في المنطقة العربية يمكن اعتباره تحولا تاريخيا بلا شك، حيث مضمونه تبوؤ كيانات سياسية – لم تبلغ مصاف دول مدنية حديثة في المحيط العربي تتلقي العون من شقيقاتها الأكبر في تلبية الحاجات الأساسية لأهلها وحتى كسوة الكعبة من الشقيقة التي كانت الاكبر، مصر- موقع التأثير في مصير الأمة العربية. بينما فقدت الدول العربية القائدة تقليديا في المشرق العربي مقومات الريادة، بل يمكن القول ان اثنتين منها، العراق وسوريا، قد قاربتا على الاندثار وقد لا تقوم لهما قائمة كما كانا قبل عواصف الأحداث في بدايات القرن الحالي في المستقبل المنظور.
كما تحولت مصر الرسمية تحت الحكم العسكري الراهن منذ منتصف 2013 إلى تابع خنوع لممولي حكامها، من “جنرالات كامب ديفيد” غير المحاربين والممولين من الخليج.
واعتبر فرجاني في مقال له نشره في صفحته على الفيسبوك أن القابلة التاريخية لهذا الانقلاب في الاقدار كانت المصادفة الجغرافية التي راكمت مستودعات هائلة من الوقود الأحفوري (النفط والغاز) تحت أراضي هذه المنطقة فحبتها، بعد أن اكتشفت الشركات القادمة من الدول الغربية المتقدمة هذه الوديعة وباشرت في استغلالها، بتراكم عائدات مالية ضخمة نتجت عن استنضاب هذه الثروة.
وتابع فرجاني : “ومن الضروري في هذا الصدد الاقرار بأن هذه الثروة المالية الهائلة لم تستخدم لبناء قدرات إنتاجية ذاتية متطورة لا في موطنها ولا في عموم الوطن العربي، فظلت المنطقة بما فيها قطب بلدان الوفرة المالية الخليجي تابعة ومستوردة لأهم احتياجاتها من البلدان الغربية المتقدمة. وتزداد البلدان النفطية تحديدا غرقا في نمط الاقتصاد الريعي حتى يسعى ملك السعودية إلى تسييل جميع أصول المملكة واستثمارها في الاقتصادات الغربية اكتفاء بالريع المشتق منها .
هذا الاستغراق في نمط اقتصاد الريع يقضي تماما على الفرصة التاريخية التي لاحت لبعض المخلصين منذ عقود قليلة ومؤداها توظيف عائدات استنضاب النفط في بناء التنمية الإنسانية في عموم الوطن العربي من خلال بنية إنتاجية متينة ودائبة الترقي بالاعتماد على ركني إنتاج المعرفة والتكامل الحضاري العربي.
ولعل في هذا إجابة التساؤل المزمن: هل كان مجيء النفط نعمة؟ وتأكيدا لا يلام النفط في حد ذاته على أن انتهى نقمة!”
وتابع فرجاني: “ولا يمكن إنكار أن الانقلاب الموصوف قد جرى في ظل الانضواء المتزايد لطرفي الكيانات السياسية العريبة تحت المشروع الصهيوني في المنطقة العربية من خلال التبعية لداعمه الأول الولايات المتحدة، والذي تصاعد بإخراج الشقيقة الاكبر سابقا، مصر، من الصراع العربي الصهيوني بقيادة محمد انور السادات وإمعان خلفائه من الحكام العسكريين في الانبطاح أمام الولايات المتحدة والكيان العنصري الغاصب لحقوق العرب في فلسطين. وعلى الطرف الآخر من متصل الكيانات السياسية العربية، الذي بات مسيطرا الآن، ازدادت العلاقات مع الكيان الصهيوني في شبه الجزيرة والخليج متانة حتى وصلت إلى التعاون العسكري والسياسي السافر وخرجت إلى العلن بلا حياء مؤخرا” .
وتساءل فرجاني ” هل جاء هذا الانقلاب بلا تكلفة؟
وأجاب قائلا : “في تقديري يمثل هذا التحول خسارة صافية ضخمة لها عديد من الأبعاد الدرامية في منظور النهضة الإنسانية في الوطن العربي.
بداية اقترن هذا الصعود بإهدار مقومات الدولة الموحدة في اثنتين من الدول العربية الثلاث الأكبر التي كانت إسرائيل تخشى جيوشها، واقصد العراق وسوريا، وأفضى “الصعود” الجزيري–
الخليجي في مرحلة تعاظمه الأخيرة، في سياق من التسلط المحلي الغاشم لا ريب، إلى تدمير ثلاثة بلدان عربية، سوريا واليمن وليبيا، بسبب حروب شارك قطب الجزيرة- الخليج بشنها مباشرة أو بالوكالة أو بالتحريض على العدوان الخارجي، ودعمه. كما تمخض الحربان على العراق وسوريا عن ولادة الكيان الهمجي المسمى “داعش”. والأدهى في نظري من زاوية إمكان النهضة في الوطن العربي هو الحرب المستعرة التي شنها هذا التحالف الرجعي على المد التحرري العربي في عموم الوطن العربي مستأجرا الحكم العسكري في مصر كرأس حربة لإجهاض ذلك المد النهضوي خاصة في مصر، قلب الأمة العربية السابق. وعندي أن هذه الثورة المضادة هي أصل كل البلاء الذي يلومه السذج على الانتفاضات الشعبية العربية التي اندلعت في نهايات العقد الأول من القرن الحادي والعشرين.
على الصعيد الثقافي، يفضي هذا “الصعود” المدمر لسيادة المذهب الوهابي المغالي في التشدد تعسيرا في الدين السمح وتوسل الغلظة والفظاظة سبيلا للدعوة لإسلام التعسير والتشدد.
وعلى المستوى السياسي يعني صمود هذا الانقلاب انتصار نمط الحكم التسلطي الفاسد المتسربل شكلا بالإسلام من خلال نموذج الأسر الحاكمة، المناقض لمثل الحكم الجمهوري الديمقراطي الذي يُعدّ منتهى مسيرة البشرية في الحكم الرشيد.”.
وتابع أستاذ العلوم السياسية قائلا: “على صعيد السياسة الإقليمية، تسبب هذا “الانتصار” الخليجي في العصف بالتنظيم الإقليمي، القاصر منذ ميلاده عن مثل التكامل العربي الفعال، المتمثل في جامعة الدول العربية فحولها إلى أداة في يد قطب شبه الجزيرة والخليج ولسياساته في الإقليم، منعا لها من التحول إلى تنظيم يقيم التكامل الحضاري العربي الفعال سبيلا إلى النهضة الإنسانية. والأبشع إن استخدمت “الجامعة” كحصان طروادة لاستدعاء العدوان الخارجي على بلدان عربية (تفضح مذكرات هيلاري كلينتون دور عمرو موسي وقت كان أمين الجامعة في تسويغ التدخل الغربي في ليبيا في 2011 بالتعاون مع الإمارات والأردن اللتان وافقتا ليس فقط على التدخل العسكري الغربي ولكن على المشاركة في القصف الجوي لعمليات حلف شمال الأطلنطي قبل صدور قرار مجلس الجامعة بالدعوة إلى فرض “حظر جوي”). وكان أشد أدوات
هذه الهيمنة الإقليمية فعالية على قيادة الجامعة، هو صك نفحة نهاية خدمة الأمين العام، المليوني الدولاري، الذي تتناسب قيمته بالطبع مع مدى انصياع صاحب المنصب للتعليمات، وكان الأكبر في حالة “العمرو“. ” .
واختتم فرجاني مقاله قائلا : “في مضمار احتمالات النهوض في الوطن العربي سيقلل هذا الانقلاب من احتمالات النهضة الإنسانية في عموم الوطن العربي، التي لابد ستقوم، إن قامت، على معيار التقدم في هذا الطور من مسيرة البشرية، على اكتساب المعرفة ولاسيما إنتاجها” . |