صنعاء نيوز/المغرب : مصطفى منيغ -
المفسدون اعتمادا على الانحلال الخلقي المُعَرَّفِ عندهم بالحرية ، كمصاصي دم الشعب عن طريق الدكتاتورية ، الأخيرة تحتضن مََن دعَّمَها منهم لتعبثَ بما انتهت إليه الأولى النائية عن قيم المسؤولية والشعور باحترام الغير وفق المعايير الدولية ، ما دام التأكيد على الوطنية أصبح متجاوزاً عند معتنقي الحداثة الأنجلوأمريكية ، من زمن التفاف حكام العالم المتقدم على نظرية تخريب المجتمعات في دول متخلفة المُدرجة في خانتها الخاصة قابلة لأي تَحَوُّل هروباًً من واقعها وليس تعلقاًً بالتطورات المرتبطة بالتقدم الحضاري المبني على تحصيل العلوم التجريبية وتكريس الإدراك المعرفي سُلَّماً يَتِمُّ الصعود إلى قمته درجاً درجاً بالتنافس الشريف وتصريف المخزون العقلي بعيدا عن تَحَكُّمِ السياسات الرسمية المدافعة على مصالحها الذاتية، ومَن عارض فشلها مصيره الشرب من البحر كما شاء بعيداً عنها بالسجن عن تهمة ملفقة،أو التنكيل بكل الطرق المتاحة، أو الضغط النفسي بوسائل أصبحت مفضوحة، أو الإقصاء بالمسالك الجارحة، أو النفي لأماكن في أقصى الجَزْرِ مطروحة، أو التربية بالضرب كالبارحة ، داخل أي ساحة ، رجوعاًً لحفظ أبجدية لغتها من البداية بتكليف من زمرة جد محدودة بالنظر للسيل الهادر المحيط بها، تيقنت في المدة الأخيرة أنها لم تعد من حيث تقيم (كالسابق) مرتاحة ، خشية أن تتعرض في يوم تحسبه أسود لجراحة، وإن كانت ناجحة، ستفقدها أطنان الأوراق المصرفية التي ألِفَت فوقها السباحة.
... هنا في مراكش شاهدتُ مثل الحريات المُعَبِّرَة عن تحديها السافر للحرية التي تربت الأسر الأمازيغية على التشبث بها، وقريباً من ضريح البطل الأمازيغي المؤسس الفعلي لدولة المرابطين والرافع راية الإسلام المسلمين أربعمائة سنة بعدما أراد ملوك الطوائف تمزيقها ، يوسف بن تاشفين صاحب المدينة ومالِكَها الأول، لأنه مُشَيِّدها لغاية تخليد عصره بها، وما صال وجال داخلها، والمعالم الحضارية التي قاتلت مثله قُطَّاع الطرق المستبدلين ركوب الإبل والخيل والبغال والحمير بامتطاء آخر صيحات تكنولوجية السيارات ، و واستحملت عوامل التقلبات الجوية و واجهت ببسالة مشهودة عصابة الإقطاعيين القداما وأحفادهم الجدد ، وسبحان مُبَدل الأحوال ، هل كان أمير المسلمين المرضي عليه من الخليفة العباسي في بغداد ، أن تعج مدينته المسلمة بالحانات ومراقص المجون والاستحمام بالجعة والانتفاخ بالأحمر والترنح من فرط تجرع من كان في لون الكمثري ، كأن حي "بيكال" الشهير في حاضرة باريس انتقل بصورة مشوَّهة لأطراف مراكش الحمراء، يلوث طهارة أناسها الشرفاء، ويجتهد في نقل عَدْوَى الفلاس الشيطاني لدُورِ بها مَن يُصلي الفجرَ في حينه ، منذ سمع الأذان لأول مرة على أول سطح لأول دار امازيغية سكانها اعتنقوا الإسلام لينطلق الجهاد المسؤول المنبثق من تعاليم دين الرحمة والمغفرة لتصبح الأمصار محررة آمنة يتقدمها الإيمان لتقودها التقوى المُصانة بها الكرامة الضامنة العزة الفارضة عن طواعية النظام وأخذ الأمور بانتظام ليضاعف الإقبال على فعل الخير والتمسك بنظافة اليد وقبلها السريرة بتوافق يصل حد الالتحام الحسي مع الضمير الحي . وقفتُ أقارن مساحة القبر/ الضريح بمساحات أخرى منتشرة في عاصمة كانت للمرابطين قلعة و سيرة وجود ، ولم أبالي بما ذرفته عيناي إذ بكاء الرجال تعبير عما يختلج في صدورهم من اضطراب طبيعي يدفع أصحابه لليقظة في وقتها المُقدر للقيام بما يمليه واجب كل منهم وفق اختصاصاته ، وما الكلمات المنتشرة بين القارات مجموعة بتقنية السرد المكتوب ببلاغة لغة الضاد في مقال مُطَوَّل عنوانه " مراكش والزحف المتوحش " سوى قطرة في بحر تشق طريقها صوب عقول لا زال المغرب مملوءا بمالكيها عساهم يستدركوا ما ستؤول إليه الأمور في مراكش إن تُـركت جُلَّ المجالات داخلها تعيش تسيباً مُغلفاً باسم الحرية ، والأخيرة (بمفهومها الإنساني) بعيدة كل البعد، بل مترفعة عنها ، وأيضا أن يعتني الحكام بما أقسموا على أدائه واجباً مُقدساً حماية للأخلاق وصيانة لهذه الدولة التي وهبها المغاربة من تضحياتهم وصبرهم ما يستوجب الرد بالمثل ، إذ لا خير في دولة تقابل شعبها بما لا يرضاه ، ومن يروّج للمجتمع المدني معتمداً على سياسة الغرب في تخريب المجتمعات داخل الدول المتخلفة أن يدرك الحقوق الواجب منحها للمجتمع ليصبح مدنياً ، انتظارا لذلك ليقرأ ما يأتي به الجزء الخامس من هذا المقال إن شاء العلي القدير.
مصطفى منيغ