صنعاء نيوز/الدكتور عادل عامر -
السياسة الاقتصادية كل لا يتجزأ، وفي حالة عمل كل سياسة من مكونات السياسة الاقتصادية بمفردها، عادة ما يكون لذلك أثر سلبي على المستوى القومي، ومن المفترض من الناحية النظرية، أن ثمة تنسيقا بين مكونات السياسات الاقتصادية (السياسة النقدية، والسياسة المالية، والسياسة التجارية، وسياسات الاستثمار، وسياسات العمل والتشغيل)، حتى لا تعالج سياسة معينة سلبياتها بمزيد من السلبيات على حساب السياسات الأخرى. والملاحظ في الواقع المصري أن هذا الربط بين مكونات السياسة الاقتصادية ضعيف، أو أنه يحتاج إلى سرعة في معالجة الآثار التي تنتج عن إتباع إجراءات معينة داخل كل سياسة من مكونات السياسات الاقتصادية يعد النمو الاقتصادي والتنمية والازدهار لكل المصريين من المكونات الهامة لنجاح الانتقال للديمقراطية في مصر. وتعكس المساعدات الانتقالية الاقتصادية التي تقدمها الولايات المتحدة دعم الشعب الأمريكي للشعب المصري، فضلاً عن تقديرنا واهتمامنا بنجاح مصر. وتتوافق أولويات مساعداتنا الاقتصادية بشكل مباشر مع المطالب الشعبية المصرية لمزيد من الفرص والتكافؤ الاجتماعي الاقتصادي، خاصة للشباب.
أن السياسات والأساليب الإنمائية، في أي بلد كان، لا تجري في الفراغ، بل هي تستلهم، علناً أو ضمناً، من الأجواء الاقتصادية والمالية الدولية والإقليمية السائدة والمهيمنة. وهذا صحيح بخاصة في حالة الدول النامية التي تتأثر أكثر من سواها بما يجري في الدول المتقدمة. حيث شهد التاريخ الاقتصادي للدول النامية نوع من التناوب أو تبادل الأدوار في عملية التنمية الاقتصادية بين الدولة في القطاع والخاص ، فبلغ التوجه نحو توسيع دور القطاع العام ذروته في بداية الستينات من القرن الماضي ،ثم تراخى تدريجياً لينحسر في نهاية السبعينات ،في المقابل أشتد زخم الخصخصة في بداية الثمانينات ،وبلغ ذروته عند مطلع الألفية الثالثة مع تزايد دور الشركات العابرة للقومية وأتساع نطاق عولمة الاقتصاد
.أن هذا التغيير المستمر في موقف الدولة من المشاركة في عملية التنمية، وانتقالها من مرحلة الدولة الفاعلة إلى أخرى أقل فاعلية وأكثر حيادية. لم يأت كرد فعل على الضغوط والقيود الداخلية التي تواجه عملية التنمية ، وأما جاء في الغالب كمحاكاة للسياسات الاقتصادية المستخدمة في الدول المتقدمة ،وتولدت هذه المحاكاة عن الاستجابة للضغوط السياسية والاقتصادية الخارجية التي تمارس بشكل مباشر أو غير مباشر على تلك الدول . ولكن من الناحية المنطقية لا يبدو هناك مبرر لمثل تلك المحاكاة ، فالقوانين والنظم الاقتصادية نسبية و ليست مطلقة في الزمان والمكان ، وعلى كل مجتمع أن يأخذ منها ما يتلاءم ودرجة تطوره وترتيباته المؤسسية ،وبالتالي فأن ما هو مفيد لدول قطعت أشواطاً طويلة في عملية التنمية ، قد لا يكون بالضرورة مفيد لدول ما زالت ترزح تحت وطأة التخلف . ولكن ذلك لا يتعارض مع مبدأ الاستفادة من تجارب الدول الأخرى ، على أن تعتمد تلك الاستفادة على دراسة متأنية لتاريخ الدول المتقدمة ، وتحديداً على تلك الفترات التي سعت فيها تلك الدول للخروج من التخلف وتهيئة شروط الانطلاق نحو التنمية ، حيث تكشف تلك الفترات عن وجود دور حيوي للدولة في تحقيق التقدم الاقتصادي ،وحماية الاقتصاد الوطني ودعم الطبقة الرأسمالية ،ومساعدتها في عملية تجميع الفائض الاقتصادي وتوجيهه لإحداث التراكم الرأسمالي اللازم لعملية التنمية .و بهدف التعرف على أهم الدوافع والأسباب والنتائج المترتبة على التغييرات في موقف الدولة من قضية المشاركة في النشاط الاقتصادي
ومن أبرز ملامح هذا الأداء ما تم تجاه السياسة النقدية بعد ثورة 25 يناير 2011، حيث ظل صانع السياسة النقدية يمارس أقصى درجات حماية سعر صرف الجنيه المصري، بينما السياسة التجارية تاركة الباب على مصراعيه ليزداد العجز في الميزان التجاري وفي ميزان المدفوعات بشكل كبير. وكذلك توفرت الحرية التامة لخروج رؤوس الأموال الأجنبية، بل وتوفرت هذه الحرية لبعض أموال المصريين بالعملات الأجنبية في ظل سعر صرف مستقر، وكان الثمن أن تم استنزاف ما يزيد عن 20 مليار دولار من احتياطي النقد الأجنبي، ليتم وضع الاقتصاد المصري تحت مجموعة من الضغوط هو في غنى عنها.
واقع السياسة النقدية بالنظر إلى مكونات السياسة النقدية في مصر، نجد أن نسبة كبيرة منها تؤدي في ظل ظروف استثنائية، فغالبية هذه الأدوات تعاني من ضغوط، ويمكن اعتبار هذه الضغوط التي تعمل في إطارها أدوات السياسة النقدية سببا ونتيجة لمشكلات الاقتصاد المصري ككل. فلدينا سعر الصرف الذي يمكن أن نعتبره الأداة الأولى للسياسة النقدية، نظرًا لما اعتراه من انخفاضات مباغتة منذ مطلع عام 2013، ليفقد الجنيه نحو 10.1% من قيمته التي كان عليها مع نهاية عام 2012. ومن هذا المنطلق فإن الوضع الحالي بالنسبة لمعدلات التضخم ما زال يعوق انعكاس زيادة النمو الاقتصادي على معيشة المواطن المصري الذي يشهد تآكل مستوى الدخل الحقيقي نتيجة النمو المستمر في الأسعار
إلا أن للتضخم أسباباً عديدة لعل أهمها ضعف الإنتاج المحلى وعجز الميزان التجاري، لهذا نرى أن الحل الأمثل في محاربة التضخم هو زيادة الإنتاج، ما يؤدى إلى خفض التكلفة الإنتاجية وزيادة المعروض من المنتجات، وبالتالي خفض الأسعار، بالإضافة إلى ضرورة تحديد أهداف معينة للسياسات المالية والتحويلات الرسمية للبرامج الاجتماعية والمصروفات الرأسمالية، فضلاً عن إفساح المجال أمام مؤسسات القطاع الخاص لإقامة مشاريع البنية التحتية. تتجلى الأزمة الاقتصادية التي تعانيها مصر في جوانب عدة.
فوفقا لما ذكرته عديد من المقالات الاقتصادية، انخفضت احتياطيات النقد الأجنبي من نحو 36 مليار دولار في يناير 2011، ما قبل الثورة، إلي ما يقرب من 13 مليار دولار، والتي قد لا تكفي لتغطية واردات ثلاثة أشهر فقط، علي الرغم من حاجة الحكومة لاستيراد كميات كبيرة من الدقيق والوقود لسد احتياجات الأفراد من الخبز ومصادر الطاقة. كما انخفضت قيمة الجنيه المصري منذ ديسمبر وحتى الآن بنسبة 10 بالمائة. هذا التراجع في قيمة العملة أدي بدوره إلى زيادة نسبة التضخم من معدل سنوي يقل عن 5 بالمائة في ديسمبر 2012، إلي 8 بالمائة في فبراير 2013. وما أسهم في تفاقم هذه الأوضاع هي القيود التي فرضها البنك المركزي على التبادل التجاري، وتضييق الخناق على التجارة والاستثمار الأجنبي، وفرض ضرائب باهظة بأثر رجعي على المستثمرين المحليين، إلي الحد الذي لم يعد معه السوق المصري آمنا أو مربحا للمستثمرين الأجانب. وفيما يتعلق بالصناعة الوطنية، تم إغلاق نحو 4500 مصنع منذ الثورة وحتى الآن، وهو ما ترتب عليه ارتفاع معدل البطالة من 9 بالمائة إلي 13 بالمائة. أدى ذلك كله إلى وصول الاقتصاد المصري إلى مرحلة "الركود التضخمي"، بعد أن تراجع معدل النمو الاقتصادي في الأشهر الثلاثة الأخيرة من عام 2012 إلى 2.2 بالمائة وفقا للبيانات الرسمية.
ويتوقع الخبراء الاقتصاديون أن يصل العجز إلى 12 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي في نهاية السنة المالية في يونيو، بعد أن كان 9.5 بالمائة. يؤثر ذلك في معدلات الفقر في المجتمع المصري، إذ ارتفعت نسبة المصريين تحت خط الفقر من 21 بالمائة في 2009 إلى 25 بالمائة في العام الماضي. تعود هذه الأزمة الاقتصادية في مصر إلى عاملين رئيسيين. أولا: عدم الاستقرار السياسي وما يرتبط به من اضطرابات أمنية أدت إلى خروج الاستثمارات الأجنبية من السوق المصرية، فضلا عن إلحاق الضرر بقطاع السياحة، الذي يسهم بـ 12 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي، إذ وصلت خسائر قطاع السياحة إلى 2.5 مليار دولار، منذ يناير 2011 وحتى الآن، خاصة بعد قيام منتدى الاقتصاد العالمي بتصنيف مصر كإحدى أخطر المناطق للسياحة. فيما يتمثل العامل الثاني في عدم مرونة السياسات المالية والنقدية
خاصة ما يتعلق بتصاعد عجز الموازنة نتيجة لسياسات الدعم، وجهود مواجهة انخفاض قيمة العملة. فترى عديد من التحليلات الاقتصادية أن سياسات الدعم التي تفتقد الكفاءة والفاعلية التي طبقتها الحكومات المتعاقبة هي أحد أبرز العناصر الضاغطة على الاقتصاد المصري. إذ تستحوذ فاتورة الدعم على ثلث الميزانية الحكومية بقيمة 20 مليار دولار، ناهيك عن عدم وصوله إلى مستحقيه، واستفادة الفئات غير المستحقة للدعم منه. ومن ثم، يكون الإصلاح الاقتصادي والخروج من هذه الأزمة الاقتصادية غير ممكن إلا من خلال سياسات تعالج هذين الجانبين، أي تعمل على تحقيق الاستقرار السياسي
وضمان توفير بيئة استثمارية آمنة وجاذبة للمستثمرين الأجانب من جهة، وإعادة النظر في سياسات الدعم والعمل على إصلاحها من جهة أخرى. تقف وراء إستراتيجية النظام السياسي في التعامل مع التحديات الاقتصادية سالفة الذكر أهداف ودوافع سياسية بالأساس. فنتيجة لحسابات الاستقطاب السياسي، وزيادة حدة المعارضة للنظام، واقتراب موعد الانتخابات التشريعية، يرى الخبراء أن الحكومة آثرت تطبيق سياسات من شأنها أن تعالج تلك التحديات علي المدى القصير، ومد أمد ما قد تئول إليه من انهيار اقتصادي إلى ما بعد انتخابات مجلس الشعب. فبدلا من وضع خطة شاملة للإصلاح الاقتصادي، اتجهت الحكومة إلى السعي للحصول على مساعدات خارجية وقروض داخلية، حتى لا تضطر إلى فرض سياسات تقشف قد تؤثر في شعبيتها، ومن ثم في السلوك التصويتى للناخبين.
وفي هذا الشأن، قامت الحكومة بالاقتراض من البنوك المحلية، وحاولت الدفع تجاه إصدار تشريع يسمح بإصدار الصكوك الإسلامية. كما بذلت الحكومة جهودا لحث حكومات الدول الصديقة، خاصة الخليجية منها، على تقديم مساعدات للدولة المصرية للحيلولة دون تدهور احتياطيات النقد الأجنبي لدى البنك المركزي. وبالفعل، استطاعت الحكومة الحصول على 4 مليارات دولار من قطر، ومليار دولار من السعودية، ومليار دولار من تركيا. إلا أن حكومات الدول الخليجية أعربت عن عدم رغبتها في تقديم مساعدات إضافية، وهو ما دفع الحكومة للتوجه نحو العراق وليبيا. قد تسهم هذه المساعدات في تغيير الأرقام المجردة، إلا أنها لن تغير من الواقع المتأزم للاقتصاد المصري. فهذه السياسة لا يمكن أن تتسم بالاستمرارية، ولا أن تحقق الاستقرار الاقتصادي المنشود، خاصة في ظل عدم الاستقرار السياسي والاجتماعي. بيد أن الجزء الأكبر من المساعدات الخارجية التي تسعى الحكومة للحصول عليها هو قرض صندوق النقد الدولي الذي تبلغ قيمته 4.8 مليار دولار.
إلا أن المؤسسات الدولية، كصندوق النقد أو الاتحاد الأوروبي، تتردد في منح الحكومة المصرية هذه المساعدات، خوفا من أن تكون كتلك الأموال التي حصلت عليها مصر من ليبيا وقطر، ولم تسهم في إصلاح حقيقي للأوضاع الاقتصادي، وإنما فقط أدت إلى إطالة المدة قبل الانهيار الكامل لاحتياطيات النقد الأجنبي لدى البنك المركزي. وعلى الرغم من قيام الحكومة بتعديل بعض السياسات الضريبية لمواجهة الأزمة الاقتصادية، ووضع خطة لترشيد الدعم سيتم تطبيقها في يونيو، فإن ما أخفقت فيه هو وضع خطة شاملة للإصلاح الاقتصادي، والتي رآها صندوق النقد شرطا لازما للحصول على القرض.
ليس ذلك فحسب، بل إن الحكومة لجأت إلى العديد من الاستراتيجيات والسياسات التي كانت تتبع في ظل نظام مبارك قبل الثورة الهادفة لتحقيق أهداف سياسية على حساب الأوضاع الاقتصادية كمحاولة للتصدي للانتقادات الموجهة للنظام السياسي. وفقا لآلية السياسة النقدية الخاصة برفع سعر الفائدة على الودائع لتشجيع المدخرين على تقييد إنفاقهم على الاستهلاك والتوجه للادخار للاستفادة من سعر الفائدة المرتفع، نجد أن هذه الآلية لا تحقق أثرا إيجابيا، إذ إن معدل التضخم في مايو الماضي البالغ 12.3% يفوق سعر الفائدة الجديد الذي قررته اللجنة في 16 يونيو الحالي، وهو 11.75%.
فالمودع لا يزال ينظر إلى إيداع أمواله في البنوك على أنه ذو مردود سلبي، حيث معدل التضخم أعلى من سعر الفائدة على الودائع، وبالتالي ما الميزة التي سيحصل عليها المودع لكي يضع أمواله في البنوك إذا كان سيجني من إيداعه خسائر في النهاية؟ هذا بفرض أن معدل التضخم سيظل ثابتا مع نهاية العام، ولكن التوقعات تشير إلى أن مصر دخلت بالفعل مرحلة "التضخم الجامح"، أي التضخم الذي لا يمكن السيطرة عليه، والمتوقع له زيادات مستمرة ومرتفعة.
وما الذي يدفع المودع لكي يضع أمواله في البنوك أمام هذه الفرص من المضاربات في البورصة، أو في السوق السوداء على الدولار، أو على الأقل الاتجاه للدولرة، أو المضاربة على العقارات؟إن السوق السوداء للدولار في مصر أصبحت ملاذا للمضاربة، على الرغم من القيود والتشريعات التي تتبناها الحكومة لزيادة العقوبات على تجارة العملة، ولكن الحيل لدى التجار في ظل التكنولوجيا الحديثة شجعتهم على تجاوز هذه العقوبات. وعاد الدولار لينشط مرة أخرى في السوق السوداء بمصر، وليتجاوز حاجز 11 جنيها للدولار بعد أن ظل لنحو أسبوعين بحدود سعر 13.8 جنيهات للدولار.
يمثل الإجراء المكمل والضروري لمواجهة التضخم في مصر حلا معجزا لحكومات ما بعد الانقلاب العسكري، وهو بناء قاعدة إنتاجية قوية في قطاعي الصناعة والزراعة تركز إلى الأنشطة الريعية أو القطاع العقاري والسياحي أو الأنشطة الاقتصادية التي تؤدي إلى مزيد من تبعية الاقتصاد المصري للخارج. بالرغم من إن الهدف النهائي للإصلاح هو تحقيق الرخاء المشترك لكل الشعب. إلا انه في سياق تحقيق هذا الهدف فإن النسبة الضئيلة من الأفراد ذوي القدرات التخصصية العالية والذين يديرون أعمالهم بأمانة وإخلاص أصبحوا أثرياء بعد أن تبنت البلاد سياسة الإصلاح والانفتاح في نهاية سبعينيات القرن الماضي. وهذا حطم نظام توزيع الدخل المتساوي في ظل الاقتصاد المخطط الذي كان متبعا لم تكن الكثافة السكانية الهائلة عبئا علي الحكومة في تحقيق التنمية الاقتصادية، بل تميزت الحكومات الصينية في فن إدارة الموارد البشرية وحسن استغلالها لزيادة الإنتاج ، فجعلت من الكثافة السكانية ميزة تتمتع بها وليست عائق أمام التنمية .
الاقتصاد المخطط يكسر قيود الملكية الأحادية ويجعل الاقتصاد أكثر ديناميكية، وهذا يؤدي إلى استيعاب الرأسمال الاجتماعي لإثراء هيكل حقوق الملكية للمؤسسات المملوكة للدولة، والتي ستحسن كفاءتها التشغيلية، وتبين التجارب السابقة أنه من الأهمية بمكان الإسراع بتطوير اقتصاد الملكيات المختلفة وزيادة نصيبه في الاقتصاد الوطني من أجل تحقيق تنمية اقتصادية مستديمة .
يجب طرح مفاهيم جديدة لإصلاح النظام الإداري القائم. إن النظام الإداري التقليدي القائم على التوجيه من القمة إلى القاع لعب دورا هاما في فترة الاقتصاد المخطط القديمة. ولكن الآن وقد تبنت كل من الصين ومصر سياسة الإصلاح والانفتاح منذ أكثر من عشرين عاما فإن التغيرات الاقتصادية والمفهومية جعلتهما غير قادران على الاستجابة للتنمية الاجتماعية ولذا وجب إدخال تغييرات توائم الظروف الاجتماعية الجديدة.
يجب تقليل سلطة الدولة في توزيع الموارد من أجل التفعيل الكامل لآلية السوق. يجب خلق آليات تمكن العاملين من الوصول إلى والحصول على الموارد بقدرتهم الذاتية وفي إطار عمل قانوني. يجب تغيير آلية الإدارة الحكومية ذات الاتجاه الواحد إلى نمط تعاوني من الإدارة. ويجب إحلال المفهوم الاجتماعي حول مركزية الدولة إلى مفهوم المجتمع الذي مركزه الفرد. وإنه لمن الأهمية بمكان العمل على إحداث إصلاحية سياسية بفاعلية واستدامة. ولعل المهمة الملحة حاليا هي تعديل دور الحكومة في إطار من الديمقراطية والقانون ومنع إساءة استخدام السلطة والتدخل في النشاطات التجارية."
والأمر لا يقتصر على استخدام أسعار التحويل بالمعني السالف، بل يمكن استخدام هذه السياسة لدعم موقف أحدى الوحدات التي يكون من مصلحة الشركة الأم تدعيمها رغم ما تتعرض له من خسائر أو ما تحققه من أرباح منخفضة، إذا كانت هذه الوحدة تمثل أهمية في إطار الشركة ككل. وفي نفس الإطار يمكن أن تستهدف الشركة الأم أن يسفر نشاط إحدى وحداتها خاصة في الدول النامية عن خسارة محاسبية استنزافا لموارد شريك محلي أو تهربا من الضرائب أو من القيود على تحويل الإرباح.
أثبت نمط الإدارة الرأسمالية للاقتصاد المصري على مدى العقود الماضية عجزه عن تحقيق التنمية الشاملة، القادرة على الاستجابة لطموحات الجماهير العريضة من المصريين في نقلة نوعية تشمل كافة نواحي الحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية، وتتناسب مع الإمكانيات المادية والبشرية الحقيقية لمصر. فقد أسفرت السياسات الاقتصادية المطبقة على مدى العقود الثلاثة الماضية عن اعتماد المجتمع المصري على العالم الخارجي في توفير احتياجاته الأساسية من الغذاء والمنتجات الصناعية والسلع الرأسمالية. وتجلت هشاشة الوضع الاقتصادي في عدم قدرة حصيلة الصادرات المصرية من السلع والخدمات، بما في ذلك إيرادات قناة السويس والسياحة وتحويلات المصريين العاملين في الخارج، على تغطية إجمالي مدفوعات الواردات السلعية والخدمية. و اعتمدت السياسة الاقتصادية منذ منتصف التسعينات في سد ذلك العجز على تدفقات رؤوس الأموال الأجنبية سواء تمثلت تلك التدفقات في رؤوس أموال لشراء المشروعات المطروحة للخصخصة والاستحواذ على حصص حاكمة في مشروعات قائمة (تدرج باعتبارها استثمارات مباشرة) أو التعامل في سوق الأوراق المالية وإقراض الحكومة المصرية عبر الاكتتاب في أذون وسندات الخزانة (وهو ما يسمى بالاستثمارات غير المباشرة أو استثمارات المحفظة). وفى نظام تنسحب فيه الدولة من النشاط الاقتصادي تكفلت سياسة الخصخصة من ناحية، وتزاوج الثروة مع السلطة، من ناحية أخرى، بخلق احتكارات محلية وأجنبية تسيطر على قطاعات الإنتاج والتوزيع، وتسعى حثيثا للهيمنة على قطاعات التعليم والصحة ومرافق الخدمات العامة، وتفرض أسعارا للسلع والخدمات تطيح بالقوة الشرائية للجنيه المصري وبمستوى معيشة الجزء الأكبر من المواطنين. وتجلت أزمة النموذج المصري للنمو في حقيقة أن الاحتكارات المتحالفة مع سلطة الدولة قد شكلت بذاتها عائقا رئيسيا أمام نمو القطاع الخاص وخلق وتوسيع قاعدة عريضة من المشروعات المتوسطة والصغيرة. كما تجلت أزمة النظام الرأسمالي المصري في نمط للاستثمار يركز على المشروعات كثيفة رأس المال وكثيفة الاستخدام للطاقة، بما يتناقض مع الخصائص الرئيسية للمجتمع المصري، كمجتمع يتميز بوفرة الأيدي العاملة، وارتفاع معدلات البطالة، وبما يشكل إهدارا لثروات طبيعية ناضبة، وافتئاتا على حق الأجيال المقبلة في تلك الثروات. وتركزت الاستثمارات بالأساس في القاهرة والإسكندرية والمدن الكبرى في الوجه البحري، في تحيز واضح للحضر على حساب الريف من ناحية، ولمحافظات الدلتا على حساب الصعيد والمحافظات الحدودية من ناحية أخرى. ولم يقتصر الأمر في هذا الصدد على استثمارات القطاع الخاص، بل مثل أيضا النمط السائد للاستثمارات الحكومية في مجالات التعليم والصحة والنقل والمياه والصرف الصحي وغيرها من الخدمات والمرافق العامة.
فبالإضافة إلى تواضع معدل الاستثمارات الحكومية، تركزت الغالبية الساحقة من تلك الاستثمارات أيضا في القاهرة والإسكندرية والمدن الكبرى. وكان من الطبيعي أن يعجز هذا النمط من الاستثمار عن خلق فرص متكافئة للعمل وتوفير حياة كريمة للجماهير العريضة من المصريين في الريف والحضر. وفى ظل سياسات اقتصادية تروج لها مبادئ الليبرالية الجديدة المعروفة بتوافق واشنطن، تحت قيادة صندوق النقد والبنك الدوليين ووزارة الخزانة الأمريكية، أسفر النمو الاقتصادي في مصر عن تدهور أوضاع الطبقة العاملة نتيجة لسياسات الخصخصة وتصفية المصانع ووقوع الكثير من العمال تحت طائلة المعاش المبكر بشكل شبه قسري، وإجبار الآخرين على العمل المؤقت، مع الحرمان من الضمان الاجتماعي والحقوق العمالية وعدم وجود حد أدنى للأجور يكفل للعامل الحد الأدنى من الحياة الكريمة.