صنعاء نيوز/ كتب/ محمد أنعم - -
يشعل المؤتمر الشعبي العام الشمعة الخامسة والثلاثين في 24 أغسطس الجاري في ظل تحديات خطيرة يواجهها اليمن وعدوان همجي تقوده السعودية وحصار جائر واقتتال داخلي مؤسف.
وتأتي هذه المناسبة والمشهد السياسي اليمني مشابه لتلك الحالة المأساوية التي كان يعيشها ابناء الشعب اليمني قبل 34 عاماً، حيث كانت اليمن مشطرة والاقتتال الداخلي يحرق بنيرانه فلذات أكباد اليمن والأحزاب تتصارع على السلطة بشكل هيستيري والأطراف الدولية تصفي حساباتها على حساب الدم اليمني.. كانت نيران الكراهية والاحقاد والتعصب المناطقي والمذهبي والتكفير وتسخير الدين لتأجيج الصراعات على أوجها.
ومن وسط هذه النيران وهذا الركام خرج المؤتمر الشعبي العام وقد انهكت الصراعات كل القوى السياسية واحرقت النيران شباب اليمن وامكاناتها ووصل الجميع الى طريق مسدود عندما ظلوا يراهنون على البندقية وتصفية الآخر كخيار لحكم الشعب.. كانت القلوب قد بلغت الحناجر وتحولت اليمن الى أرض مفتوحة لمعارك عنيفة وهاجر آلاف الشباب وعاش الآخرون في وطن يعيش ابناؤه وكأنهم في مركز للأطراف..
ومنذ أن اُنتخب الزعيم علي عبدالله صالح رئيساً للجمهورية في 17 يوليو 1978م عقب اغتيال الشهيدين سالم ربيع علي رئيس الشطر الجنوبي واحمد الغشمي رئيس الشطر الشمالي حينذاك وبرغم يأس وقنوط ابناء الشعب اليمني في الشمال والجنوب من انبلاج عهد جديد لإنقاذهم من الموت، بيد أن الزعيم علي عبدالله صالح الذي عاش معاناة الشعب كجندي عركته الحروب وصراع الايديولوجيات واكتوى بنيران التعصبات ولم يسلم من الاحتراق بنيران تآمرات وصراع كبار الضباط على السلطة.. والتي قذفته ليعيش مع فئات الشعب وبمختلف المناطق مآسي أمة فقدت البوصلة.. لأول مرة وصل الى الحكم ضابط جاء من وسط الشعب وليس من أسرة ارستقراطية لكنه حمل هم أمة وتطلعات شعب بقلب ضابط استحق الترقيات العسكرية بفضل قدراته القيادية الخارقة على بقية الضباط.
وفور انتخابه رئيساً حمل علي عبدالله صالح كفنه على أكفه لإنقاذ اليمن والشعب من تلك الكارثة التي أكلت بنيرانها الأخضر واليابس.. لذا أقدم على اتخاذ قرارات وطنية شجاعة وكان في مقدمة ذلك تأسيس المؤتمر الشعبي العام في 24 أغسطس 1982م كتنظيم سياسي وطني يضم في صفوفه مختلف الأطياف في الساحة الوطنية بعد حوار وطني استمر عدة سنوات أسفر عن اتفاق القوى السياسية على وثيقة وطنية جامعة عبر حوار ديمقراطي مسئول جسد أروع صور الشراكة الوطنية والقبول بالآخر ورسخ مبدأ التعايش في وطن يتسع للجميع.
وجاء تأسيس المؤتمر الشعبي العام كإعلان لبداية مرحلة تاريخية في حياة الشعب اليمني ومسيرة تطوره، واضطرت الأحزاب التي تتبنى العنف بعد أن وصلت الى طريق مسدود وعجزت عن فرض مشاريعها الهادفة للانقضاض على السلطة الى أن تهرب للاحتماء في المؤتمر الشعبي العام.
ومثلما أسس المؤتمر وفق رؤية استراتيجية فقد استطاع القائد المؤسس أن يطوي صفحة ماضٍ مؤسف من الصراعات المحلية ويضمد الجراح بقرارات العفو العام وبمزيد من الحوار وتجسيد قيم التصالح والتسامح، وخلال بضع سنوات عادت الحياة الى اليمن وغادر الانسان اليمني متاريس الاقتتال العبثي الى ساحات البناء والإعمار.
وقاد المؤتمر الشعبي العام خلال ثمان سنوات من ثمانينيات القرن الماضي تحولات كبيرة وحقق منجزات تاريخية من خلال إحداث ثورة في تنمية الانسان وكذلك في استخراج الثروات المعدنية، اضافة الى تحقيق نهضة زراعية غير مسبوقة في تاريخ اليمن ماتزال أجيال اليمن تجني ثمارها الى اليوم، كما أن الخطط الاقتصادية التي جرى تنفيذها حققت نجاحات كبيرة بفضل الأمن والاستقرار الذي كانت تنعم به البلاد، الأمر الذي صاحبه تطور على المستوى السياسي والانفتاح في الحوار من أجل اعادة تحقيق الوحدة اليمنية.
وازداد المؤتمر الشعبي العام قوة بما جسده من نهج ديمقراطي داخل صفوفه وعلى مستوى القرارات ذات الصلة بالشأن الوطني أو التنظيمي خصوصاً بعد أن استوعب كارثية الصراع الذي ألحقته أجنحة الحزب الاشتراكي اليمني سواءً على الوطن أو على مستوى الحزب..
ومثل نهج الوسطية والاعتدال الذي جسده المؤتمر قوة لقيادة التحولات الاقتصادية والسياسية على مستوى الوطن كما انعكس ذلك بشكل واضح في ادارة ملف الحوار من أجل اعادة تحقيق الوحدة اليمنية، وهو الملف الذي تمسك به المؤتمر بعد أن ظهرت المشاريع الصغيرة تنهش جسد الحزب الاشتراكي بعد الاحداث الدامية التي شهدتها مدينة عدن في 31 يناير عام 1986م.
وقد تعامل المؤتمر مع ملف الوحدة تعاملاً وطنياً مسئولاً، وجسَّد الحوارات الوحدوية والقمم بين قيادة الشطرين, وحرص على إعادة تحقيق الوحدة اليمنية بطرق سلمية وديمقراطية وعبر الحوار حتى لا يتعرض هذا المنجز الوطني لانتكاسة، وقد تحقق ذلك المنجز في يوم ال 22 من مايو 1990م وقام الزعيم علي عبدالله صالح ومعه علي سالم البيض برفع علم الجمهورية اليمنية خفاقاً في مدينة عدن.
وعقب قيام الجمهورية اليمنية حرص المؤتمر الشعبي العام الذي يمتلك قيادات تاريخية على أن يوسع حضوره ليعم جميع مناطق المحافظات الجنوبية، مجسداً نهجاً ديمقراطياً متميزاً أمام الأحزاب الشمولية، وازداد شعبية أكثر على مستوى الساحة الوطنية تجلت بشكل واضح في الانتخابات البرلمانية لعام 1993م.
غير أن المؤتمر الشعبي العام تعرض للاستهداف بشكل ممنهج عقب المرحلة الانتقالية في تسعينيات القرن الماضي، إلاّ أن شعبيته والتفاف جماهير الشعب حوله افشلت كل المخططات التآمرية.
وظل المؤتمر الشعبي العام يتخذ من المكاشفة والديمقراطية سلاحاً لتوحيد صفوفه وتعزيز ثقة الجماهير بسياسته وانتقل الى المدافع الأول عن مصالح الشعب والوطن ليواصل انجاز مشروعه الحضاري سواءً بما أحدثه من ثورة تعليمية أو تنموية أو تحولات ديمقراطية، متقدماً خطوات عما ترفعه بقية الاحزاب الشمولية من شعارات لدغدغة مشاعر الجماهير، من خلال الانتقال الى الحكم المحلي وانتخاب مديري المديريات والمحافظين، تزامن ذلك مع تبنّي سياسة للإصلاح الاقتصادي والمالي والإداري وتعزيز أجهزة الرقابة وانشاء هيئة وطنية لمكافحة الفساد واتخاذ خطوات جريئة لتعزيز استقلالية القضاء.
بيد أن مسيرة المؤتمر الشعبي العام تعرضت منذ ما بعد الانتخابات الرئاسية عام 2006م لمنعطف خطير حيث تكالبت أحزاب اللقاء المشترك ضده، وبدأت تخطط للاطاحة به بصورة ممنهجة وبدعم خارجي، مفتعلةً العديد من الأزمات بلغت أوجها في العام 2011م تحت مسمى »الربيع العربي« المزعوم الذي كان الهدف منه تنفيذ أجندة خارجية للقضاء على الأنظمة الوطنية واستبدالها بأنظمة موالية للخارج وزرع الفوضى وزعزعة أمن الدول العربية وتسليمها للإرهابيين لإعطاء المبرر للدول الكبرى للتدخل المباشر بحجة محاربة الإرهاب.
وقد استطاع المؤتمر بقيادة الزعيم علي عبدالله صالح تفويت الفرصة على كل هذه المخططات التآمرية وظل متماسكاً لأنه يستمد قوته من الشعب اليمني.
ولما لم يستطيعوا تقليم أظافر المؤتمر افتعلوا الأزمات بواسطة عملائهم في الداخل وعلى رأسهم الفار هادي الذي كان مطية للعدوان المباشر على اليمن.