صنعاء نيوز/ الدكتور عادل عامر -
أن موقف مصر الثابت من عدم التهاون في التعامل مع الاتجار في الأفراد خاصة الاتجار في النساء والأطفال وتأثير تلك الجريمة بجميع أشكالها وضرورة حماية الضحايا والتفرقة في التعامل معهم بين المجرمين والمتورطين في تلك الأنشطة الإجرامية بمشاركة مع مؤسسات المجتمع المدني ومجتمع الأعمال ووسائل الإعلام والمثقفين ـ وانطلاقا من هذا الموقف تقوم الحكومة بجهود عديدة لمناهضة هذا النشاط الإجرامي ببعديه الدولي والداخلي التزاما منها بالمعايير للأمم المتحدة
وتعتبر جريمة الاتجار بالبشر ظاهرة دولية ، لا تقتصر على دولة معينة ، وإنما تمتد لتشمل العديد من الدول المختلفة والتي تختلف صورها وأنماطها من دولة إلى أخرى طبقًا لنظرة الدولة لمفهوم الاتجار بالبشر ومدى احترامها لحقوق الإنسان ووفقًا لعاداتها وتقاليدها وثقافتها والتشريعات الجنائية النافذة فيها في هذا المجال والنظام السياسي المتبع بها ، فمنها على سبيل المثال الاتجار بالنساء والأطفال لأغراض الدعارة والاستغلال الجنسي ، وبيع الأعضاء البشرية وعمالة السُخرة ، واستغلال خدم المنازل ، وبيع الأطفال لأغراض التبني ، والزواج القسرى ، والسياحة الجنسية ، واستغلال الأطفال في النزاعات المسلحة والاستغلال الجنسي للأطفال لأغراض تجارية ، والاستغلال السيئ للمهاجرين بصفة غير شرعية ، واستغلال أطفال الشوارع .
إن تفشي الفقر وتنامي الصعاب الاقتصادية في العديد من الدول أوجدت تفتتاً للنسيج الاجتماعي، ساعد بدوره على تزايد حركة الاتجار بالبشر في تلك الدول، خاصة بالنسبة للنساء، اللائي يعتبرن في البلدان الفقيرة ذات النظام الأبوي عبئاً اقتصادياً، الأمر الذي يدفع العائلات إلى التخلص منهن كمحظيات، أو نقلهن إلى دول أخرى حيث يجبرن على الزواج أو على العمل في البغاء.
والمؤكد أن البغاء وما يتصل به من نشاطات، مثل القوادة والإغراء ورعاية المواخير والإنفاق عليها، تساهم في الاتجار بالبشر، كونها توفر واجهة يعمل خلفها القائمون على هذه التجارة لغرض الاستغلال. وقد أظهرت دراسة أجرتها الحكومة السويدية بأن الكثير من الأرباح التي تُجنى من تجارة البغاء الدولية تذهب مباشرة إلى جيوب المتاجرين بالبشر. كما تقدر منظمة الهجرة الدولية بأنه يتم بيع حوالي خمسمائة ألف امرأة كل عام إلى أسواق البغاء المحلية في أوروبا.
والثابت أن إضفاء الصفة القانونية على مهنة البغاء لم يؤدي في الدول التي أقرت هذا الأسلوب إلى القضاء على الاتجار بالبشر. فقد ثبت أنه عندما تتسامح المجتمعات والسلطات الحكومية مع البغاء؛ فإن جماعات الجريمة المنظمة تعمل بحرية أكبر للاتجار بالبشر. وحيثما جُعلت مهنة البغاء قانونية؛ فإن قيمة الخدمات الجنسية سوف تشتمل على إيجار الماخور، والفحص الطبي، ورسوم التسجيل. وبسبب هذه التكاليف ازدهر البغاء غير القانوني في المناطق المرخص لها، ذلك أن الزبون يبحث عن سلعة جنسية أرخص ثمناً. ويتراوح عدد النساء اللاتي لم يسجلن رسمياً في الدول التي سمحت بالبغاء، بين ثلاثة إلى عشرة أضعاف اللاتي سجلن أسماءهن في سجلات الحكومة.
لذلك فان السماح الرسمي لمهنة الدعارة يمنح القائمين على الاتجار بالبشر أفضل غطاء، الأمر الذي يخولهم إضفاء الصفة القانونية على تجارة العبودية الجنسية، ويجعل من الصعب التعرف على ضحايا الاتجار بالبشر. طالبت الاتفاقية في المادة 35 منها أن تقوم الدول الأطراف لمكافحة الاتجار غير المشروع باتخاذ الترتيبات اللازمة علي الصعيد الوطني مع مراعاة أنظمتها الدستورية والقضائية والإدارية وذلك لتنسيق التدابير الوقائية والقمعية الرامية إلي مكافحة الاتجار غير المشروع , تحقيقا لذلك تعيين جهاز حكومي مناسب لتولي مهمة مسؤولية ذلك التنسيق وتبادل المساعدة اللازمة لمكافحة الاتجار غير المشروع بالمخدرات . العمل علي إقامة التعاون الوثيق فيما بينها ومع المنظمات الدولية المختصة التي تكون أعضاء فيها لمواصلة المكافحة المنسقة للاتجار غير المشروع علاوة علي ذلك أكدت الاتفاقية ضمان تحقيق التعاون الدولي بين الأجهزة الحكومية المختصة بطريقة سريعة وضمان إحالة المستندات القانونية بطريقة سريعة إلي الهيئات التي تعينها الدول الأطراف عند إحالة هذه المستندات من بلد إلي أخر لأغراض المحاكمة , والعمل علي تزويد الهيئة الدولية لمراقبة المخدرات ولجنة المخدرات الدولية بالمعلومات المطلوبة عن نشاط الاتجار غير المشروع بالمخدرات داخل حدودها , بما في ذلك معلومات عن زراعة المخدرات وإنتاجها وصناعتها واستعمالها والاتجار بها بطرق غير مشروعة.
أوصت الاتفاقية الدول الأطراف بإصدار التشريعات الصارمة وتشديد العقوبات علي جرائم المخدرات : أكدت المادة 36 من الاتفاقية علي إن تقوم كل دولة,مع مراعاة حدود أحكامها الدستورية باتخاذ التدابير اللازمة الكفيلة بجعل زراعة المخدرات , إنتاجها , وصنعها ,واستخراجها, وتحضيرها ,وحيازتها ,وتقديمها, وعرضها للبيع,وتوزيعها ,وشرائها, وبيعها, وتسليمها, بأية صفة من الصفات والسمسرة فيها, وإرسالها , وتمريرها, ونقلها, واستيرادها , وتصديرها , وأي فعل أخر قد تراه تلك الدولة الطرف مخالفا لأحكام الاتفاقية , جرائم يعاقب عليها إن ارتكبت عمدا, وكذلك باتخاذ التدابير الكفيلة بفرض العقوبات المناسبة في الجرائم الخطيرة ولا سيما عقوبة الحبس أو غيرها من العقوبات السالبة للحرية .
إضافة إلي ذلك ألزمت المادة 36/2 من الاتفاقية الدول الأطراف اعتبار جرائم المخدرات من الجرائم الموجبة للتسليم في أي معاهدة لتسليم المجرمين مع مراعاة الشروط المنصوص عليها في قوانين الدولة المطلوب منها التسليم .
إن الاتجار بالنساء يعد ممارسة لشكل من أشكال الجريمة المنظمة في الاتجار بالبشر، ويتم بمقتضاها سنويا نقل ملايين من النساء والفتيات عبر الحدود الدولية أو داخل حدود الدولة بغرض الاتجار بهن، وهو ما يعنى أن تفعيل أي جهود لمواجهتها يتطلب تعاون قانوني دولي في غياب القوانين التي تواجهها غالبية الدول.
إن التعاون الدولي الأمني لا يكفى وحدة لمواجهة الظاهرة، بل إن الصورة تتطلب حتمية الحل القانوني، فالواقع يشير إلى تفاقمها وازدياد انتشارها في دول العالم كله. أن مصر تستخدم أراضيها لنقل الضحايا إلى إسرائيل، ويتم المتاجرة بالفتيات الصغيرات تحت مسمى زواج الأثرياء العرب بالفتيات الصغيرات.
إن أحدث صور البغاء والاستغلال الجنسي للمرأة، تمثلت في الاستغلال الجنسي عن طريق التليفون، وأسلوب التخزين وهو احتجاز فتاة في منطقة مهجورة لمدة غير محددة لاغتصابها واستغلالها بتعاقب الاغتصاب، والسياحة الجنسية والزواج السياحي للقاصرات، والبغاء المقنع وزواج المتعة.
وللسياسة الجنائية - بحسبانها العلم الذي يهدف إلى استقصاء حقائق الظاهرة الإجرامية للوصول إلى أفضل السبل إلى مكافحتها - مراتب تبدأ بالمستوى القاعدي المتعلق بشق التجريم من القاعدة الجنائية ، فتبحث في مدى تلاءم التجريم المقرر من قبل المشرع الداخلي مع قيم وعادات المجتمع ، ومدى الحاجة إلى هذا التجريم في الفترة المقرر فيها ، حيث تتباين المجتمعات في هذا بحسب مستواها من التطور الاجتماعي والخلقي والروحي. وكذلك تبحث في طبيعة الوقائع المجرمة لتحديد أي الوقائع يجب أن تظل مجرمة ، وأيها يجب إباحته ، وأيها يجب أن يصبغ عليها وصف التجريم . وتنتقل السياسة الجنائية إلى الشق الجزائي من القاعدة الجنائية ، كي تقيم العقوبات المقررة وحالات التخفيف والتشديد والإعفاء وسبل التفريد التشريعي المقررة في مدونة العقوبات .
ثم تنتهي السياسة الجنائية إلى مرتبتها الثالثة المتعلقة بتحديد أساليب المعاملة العقابية حال التنفيذ الفعلي للجزاء الجنائي داخل المؤسسات العقابية ، خاصة ما يتعلق بالتفريد التنفيذي للعقوبة والتدابير الجنائية ، وكفالة إتباع أسلوب علمي في تنفيذ الجزاء على المجرم بما يضمن تأهيله وإصلاحه وتهذيبه وإعادة اندماجه في المجتمع مرة أخرى. وعلى ذلك فإن هدف السياسة الجنائية لا يقتصر على الحصول على أفضل صياغة لقواعد قانون العقوبات وإنما يمتد إلى إرشاد القاضي الذي يضطلع بتطبيق هذه الأخيرة وإلى الإدارة العقابية المكلفة بتطبيق ما قد يحكم به القاضي . وهذا الشق الأخير للسياسة الجنائية - والمسمى بالسياسة العقابية - هو الذي يضمه علم العقاب ، والذي يرمي بالتالي إلى الوقوف على الكيفية التي ينبغي بها مواجهة الظاهرة الإجرامية في مرحلة التنفيذ العقابي ، بما يكفل تحقيق أهداف المجتمع في منع الجريمة أو تقليصها إلى أبعد مدى . فكأن علم العقاب علم يسلم بحقيقة الظاهرة الإجرامية ، ويتلقفها بالدراسة والتحليل في أعقاب وقوع الجريمة وثبوتها على جان أو أكثر ، ثم يبدأ التعامل معها في مرحلة تنفيذ الجزاء الجنائي كي يباعد بين الجاني - وكذا بقية أفراد المجتمع - وبين تكرار وقوعها.