صنعاء نيوز - صنعاء نيوز/عبد الباري عطوان
لقاء لوزان بين لافروف وكيري هل يمنع احتمالات الحرب العالمية الثالثة؟ ولماذا يشن الإعلام الروسي حملة تعبئة لصدام نووي؟ ومن الذي يتراجع أولا عن سياسة حافة الهاوية أمريكا او روسيا؟ ما صحة التقارير التي تتحدث عن قصف روسي لغرفة عمليات في حلب ومقتل خبراء أمريكيين وأتراك وإسرائيليين؟ تستضيف مدينة لوزان السويسرية الهادئة اجتماعا صاخبا يوم السبت يحضره وزيرا خارجية الولايات المتحدة جون كيري وروسيا سيرغي لافروف، يصفه الكثير من المراقبين بأنه اجتماع الفرصة الأخيرة لنزع فتيل التوتر بين البلدين بعد انهيار اتفاق وقف اطلاق النار، والتفاهمات بين القوتين العظميين في سورية.
الوضع الحالي على درجة عالية من التوتر وسط مؤشرات قوية عن تزايد احتمالات لجوء القوتين الى “الخطة B” التي تشمل الاستعداد لمواجهة عسكرية، ويذهب بعض المراقبين، ونحن منهم، إلى القول بأن حالة الاحتقان بين الدولتين في سورية تشبه نظيرتها أثناء أزمة الصواريخ الروسية في خليج الخنازير بكوبا عام 1965.
من يتابع محطات التلفزة وأجهزة الاعلام الروسية هذه الأيام يخرج بانطباع مفاده أن الحرب العالمية الثالثة باتت وشيكة، حيث تحتل الشاشات برامج حوارية يشارك فيها خبراء عسكريون روس يتحدثون عن إسقاط طائرات أمريكية، وتجهيز ملاجىء نووية تحسبا لقصف موسكو، وتعبئة سياسية ونفسية للشعب الروسي لكل الاحتمالات، بما في ذلك نقص المواد الأساسية. تيغور كوناشينكوف مسؤول الاعلام في وزارة الدفاع الروسية مشغول جدا هذه الأيام، وينتقل من شاشة إلى أخرى، موجها التحذيرات، المباشرة وغير المباشرة، إلى واشنطن بعواقب وخيمة في حال إقدامها على أي عمل عسكري ضد القوات السورية، أو الطائرات الروسية.
آخر بياناته قالت “نعرف عدد المستشارين الأمريكيين الرسميين وغير الرسميين والدور الذي يلعبونه من خلف ستار لتدريب وتسليح ووضع خطط الهجوم والدفاع للجماعات الإرهابية، مثل جبهة “فتح الشام” أو “النصرة” والفصائل المتحالفة معها، مثلما نعرف أماكن تواجدهم وأعدادهم (5000 مستشار) وإذا هاجمونا سنرد بالهجوم على هؤلاء” فورا.
*** وكالة أنباء “سبوتنيك” الروسية الرسمية سربت خبرا قبل أسبوع قالت فيه أن روسيا أطلقت صاروخا من طراز “كاليبر”، استهدف غرفة عمليات في بلدة دار عزة القريبة من جبل سمعان في حلب، مما أدى إلى مقتل 30 مستشارا عسكريا أمريكيا وغربيا وإسرائيليا وقطريا وتركيا، كرد على قصف قوات سورية في جبل الثردة في دير الزور. هذا النبأ الذي نقلته الوكالة المذكورة عن مصدر عسكري روسي لم تؤكده أي مصادر غربية، ولم تتطرق إليه وكالات أنباء عالمية، ولم يصدر أي نفي رسمي له في الوقت نفسه، ولكن ليس هناك شيء مستبعد في هذه الحرب المستمرة منذ خمسة أعوام. روسيا تكثف حشودها العسكرية في شرق البحر المتوسط وفي قواعدها البحرية والجوية في طرطوس والساحل الشمالي السوري، فقد أرسلت حاملة طائرات واكثر من سبع سفن حربية مجهزة بصواريخ قادرة على اغراق أي فرقاطات وحاملات طائرات أمريكية او غربية، مثلما أرسلت أنظمة دفاع جوي حديثة متطورة تضم منصات لإطلاق صواريخ مضادة للطائرات من طراز اس 300، واس 400 في نسختيهما المتطورة والاحدث تقنيا.
هذا التحشيد العسكري الروسي ليس موجها قطعا لـ “الدولة الإسلامية” أو جبهة النصرة، وإنما رسالة قوية إلى الولايات المتحدة تقول كلماتها “نحن مستعدون للمواجهة العسكرية إذا استدعى الأمر، ولن نتراجع عن ما جرى التوصل إليه في التفاهمات بيننا، أي اجتثاث الجماعات الإرهابية”.
الإدارة الأمريكية سربت تقارير إخبارية تؤكد عقد مجلس الأمن القومي الأمريكي الذي يضم قادة هيئات أركان مختلف الجيوش والقطاعات العسكرية إلى جانب مدراء أجهزة الاستخبارات وخبراء وزارة الخارجية والداخلية، “اجتماعات حرب” لدراسة كل احتمالات الرد في سورية، بما في ذلك العسكرية منها. ويأتي هذا الاجتماع وسط قناعة بأن صورة الولايات المتحدة قد اهتزت في العالم بأسره، فقد وقفت عاجزة في ازمة أوكرانيا، ولم تمنع روسيا من ضم شبه جزيرة القرم، ووصل الأمر إلى درجة تطاول الرئيس الفلبيني على الرئيس باراك أوباما ووصفه بـ”ابن العاهرة”، وهزيمة أمريكا، أو تراجعها، في سورية قد يعني انهيار سمعتها كقوة عظمى يمكن الاعتماد عليها، ويضعها في وضع مشابه لوضع الاتحاد السوفيتي في أيامه الأخيره. الروس يشعرون بالاطمئنان والثقة بصلابة دعم حلفائهم، وخاصة الصينيين، وكان تأييد المندوب الصيني في مجلس الامن الدولي لصالح مشروع القرار الروسي الأخير، وامتناعه عن التصويت اثناء طرح مشروع القرار الفرنسي، أحد الأدلة في هذا الصدد، وصرح لي باو دونغ نائب وزير الخارجية الصيني بأن هناك شراكة استراتيجية تتطور بشكل متسارع بين بلاده وروسيا في الملفات السورية والافغانية، ومن المتوقع ان يلتقي الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مع نظيره الصيني تشاي جن بينغ على هامش قمة دول “البريكس″ التي ستعقد في مدينة جوا الهندية أواخر هذا الأسبوع. *** لا نعتقد أن روسيا تريد اشعال فتيل الحرب العالمية الثالثة لما يعنيه ذلك من دمار للعالم بأسره، ولكنها لا تتردد في خوضها إذا انجرت إليها مكرهة، واستراتيجيتها الحالية تقوم على كسب الوقت، والمزيد منه، حتى تكمل مشروعها في القضاء على الجماعات الإسلامية المسلحة في حلب قضاء تاما، ويبدو أن تحقيق هذا الهدف بات وشيكا، في ظل الصمت الأمريكي، والتجاهل التركي، وتردد السعودية وقطر في تزويد هذه الفصائل بصواريخ جوية متطورة دون ضوء اخضر أمريكي.
لقاء لوزان قد يمهد لمؤتمر “يالطا 2″ الذي يوزع مناطق النفوذ بين أمريكا وروسيا ويمنع الصدام بينهما على غرار “يالطا1″ الذي انعقد بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، أما فشله فيعني تسارع احتمالات المواجهة العسكرية المباشرة، أو بالإنابة. هناك مثل روسي يقول “إذا لم تتجنب المواجهة العسكرية فاضرب أولا”..
نأمل أن لا يجري تطبيق هذا المثل، وأن يتم تجنب المواجهة، والتخلي عن العناد، والتحلي بالمرونة، لأن ضحايا المواجهة سيكونون عربا ومسلمين على الأغلب في جميع الحالات.
نقلا عن رأي اليوم.. |