صنعاء نيوز/ فايز محي الدين البخاري -
مهما حاول الحوثيّون أن يثبتوا للشعب والعالم أنّهم دولة، أو يمثّلون الدولة، إلّا أنّهم شاهد كبير ومثل صارخ لعدمية الدولة. يتزاحمون في الشاشات وفي مانشيتات الصحف العريضة، يعملون جاهدين على رسم صورة نمطية توحي بأنّهم دولة، أو بمعنى أدقّ بأنّهم رجال دولة، لكن الواقع يقول، جازماً، والمجاعة تثبت، بلا شكّ، أنّهم رجال ميليشيا، ولا شيء غير ذلك... لا شيء.
لنبدأ بالعدالة، لقد غابت تماماً، ذابت وتلاشت في "دولتهم"، حتّى في "مهرجان" الموت و"فلكلور" الجنائز الذي يقيمونه، ترى جنازة يرافقها عدد من ذوي المتوفّى، لا يتعدّون عدد الأصابع. تشاهد، أيضاً، جنازة أخرى، يُخيّل لك أنّها جنازة زعيم، أو قائد ثورة، والفرق في ذلك يعود لاختلاف اللقب!
أمّا في مجال السياسة والإقتصاد والإدارة، فقد قال "صديقهم اللدود" بعظمة لسانه، بأنّهم: "بايتعلّموا"، وهذا اعتراف كبير من شخصية بحجم علي عبدالله صالح، لكن الزعيم لم يسأل نفسه أين سيتعلّمون، وبمن، وهل الشعب والوطن باتا حقل تجارب، أو ساحة مفتوحة للمراهقين؟!
لو كان صالح يعاني من الفقر والجوع والمرض، لما سمح لأي كان في هذا العالم بأن يتعلّم على حساب لقمة عيشه أو دواء طفلته؛ لو أنّه يتلقّى التهديد يوميّاً من حضرة المؤجّر، لما برّر لهم خوض هذه المراهنة.
في العالم أجمع، يتعلّم الناس في المعاهد والكلّيّات والجامعات، وخيرة خيرتهم يتحمّلون المسؤولية، ويتقلّدون المناصب تدريجيّاً، أمّا في اليمن، في "دولة" الحوثيّين، تتساقط النجوم والكواكب على المناكب، وتسكن الصقور في الصدور، حتّى إشارة "ركن" توهب لكلّ من يحمل لقب "قدّيس"، وإن كان لا يعي معنى "محلّك سر".
ما ننشده هو العدل والقانون، دولة النظام والمواطنة المتساوية؛ تلك الدولة التي غرس بذرتها ثوّار 26 سبتمبر، وسقوها بدمائهم الطاهرة؛ ننشد الحلم الذي تحقّق الكثير منه في عهد خلفاء سبتمبر بمن فيهم صالح، فكيف نتنازل عن دولتنا، عن حلمنا، عن حاضرنا ومستقبلنا، لمن هم في طور التعلّم والتجربة؟!
الحوثيّون طالبوا بالشراكة، وهذا حقّهم المشروع، ونحن اليوم نطالب بصدّ المجاعة، فهل لنا الحقّ؟
هل سأل الحوثيّون أنفسهم، يا ترى، كيف سيواجهون، بمفردهم، هذا الإعصار الجارف؟ وما ستؤول إليه الأمور إذا ما زادت معاناة الشعب وتفاقمت مجاعته؟ حتماً سيسقطون سقوطاً مدوّيّاً، وهذا ما لا نريده أو نتمنّاه. ما نصبو إليه هو أن تستظلّ جميع الأحزاب والجماعات والزعامات ومختلف القوى، أن يستظلّ الشعب كلّ الشعب بمظلّة الدولة، وأن نحمل جميعاً لقب مواطن.
إن الحلّ يكمن في روح الدولة، في هيبة النظام والقانون، في المساواة بين الناس، في التساوي بين السلطة والمسؤولية، لا أن يتحكّم بنا أفراد يملكون سلطات مطلقة، في حين لا يتحمّلون ذرّةً من المسؤولية، ولا أحد يجرؤ على ذكر أسمائهم إلّا في المديح.
الشعب يريد حكومة يحاسبها لا ميليشيا تحبسه، يريد شراكة تمثّله لا جماعة تقصيه، يريد دولة تنصفة لا قوائم تصنّفه، يريد عيشاً كريماً لا مجاعة تهينه وتطحنه، يريد بنكاً وبرلماناً ووزارة، يريد شرطة ونيابة ومحكمة، يريد قيادة يختار شكلها وملامحها لا أن يوضع بين خيارين كلاهما مُرّ (إمّا نحن وإمّا "الشرعية")، لأنّه سئم منكم جميعاً، لم يعد يطيقكم، ولا يتحمّل رؤيتكم في وسائل الإعلام وأنتم، بلا وجه حقّ، تمثّلونه، الشعب يريد أن يكون هو الحَكَم، لا يريد، أبداً، أن يكون إمّعة. |