صنعاء نيوز/ د. صبري محمد خليل * -
مؤشرات بداية عصر ظهور الإرادة الشعبية العربية "دراسة في جدليه ظهور وخفاء الاراده الشعبية والنظام السياسي العربيين
تهدف الدراسة إلى إثبات انه رغم أن النظام السياسي العربي ، وخلال الفترة الممتدة منذ عام 1970 والى الآن، قد وصل إلى ادني درجات التردي ، فتدنى إلى مزيد من التجزئة " التفتيت الطائفي "، إلى درجه تزيد من احتمال انزلاقه نحو الفوضى ،
إلا أن هذا لا يعنى إلغاء الاراده الشعبية العربية بل تعطيلها، و الفارق بين الاثنين أن الإلغاء هو تعطيل على كل المستويات، بينما التعطيل هو إلغاء على مستوى معين ، وما تم خلال هذه الفترة هو إلغاء الاراده الشعبية العربية على مستوى معين "هو المستوى الرسمي"،
وليس على كل المستويات "وتحديدا ليس على المستوى الشعبي". وبعبارة أخرى فان وجود الاراده الشعبية العربية لم ينتفي خلال هذه الفترة ،
وان فقد صفه الفاعلية "جزئيا" ، فالمشاريع التي تهدف إلى محاوله إلغاء الاراده الشعبية العربية"كمشروع الشرق الأوسط الجديد الامبريالي الصهيوني"، والمذاهب التي يلزم منها ذلك موضوعيا - وبصرف النظر عن النوايا الذاتية لأنصارها - "كمذهب لتفسير السياسي للدين-الذي عبر عنه البعض خطا بمصطلح الإسلام السياسي- والذي هو بدعه في ذاته وفيما يلزم منه ،
ومذهب الغلو في التكفير و استحلال الدماء المعصومة، والذي يخالف مذهب أهل السنة في الضبط الشرعي للتكفير والقتال "، قد انتهت محاولتها "المقصودة أو غير المقصودة" إلى الفشل في إلغاء الاراده الشعبية العربية، وان نجحت في تعطيلها . كما أن هذا التعطيل - الإلغاء المقيد - للاراده الشعبية العربية على المستوى الرسمي- قد فتح المجال أمام مرحله جديدة من مراحل تفعيلها – على المستوى الشعبي - هي مرحله" ظهور" الاراده الشعبية العربية ( اى وضوح اثر فاعليته للرائي) ،
بعد أن كانت"مختفية "(اى لم يكن اثر فاعليتها واضحا للرائي) في مرحله تفعيلها السابقة، وهى مرحله التفعيل الزعامي، و التي شكلت القسم الأكبر من تاريخها ، و التي انتهت عام 1970 بوفاة جمال عبد الناصر"آخر زعيم قومي للامه العربية"،
والتي كانت فاعليتها خلالها متحققة ، ولكنها مختفية خلف زعمائها– أبطالها التاريخيين ، والذين حققت اغلب انجازاتها التاريخية بتوحدها خلفهم . وتشمل مرحله ظهور الاراده ألشعبيه العربية مرحلتين من مراحل تفعيل الاراده الشعبية العربية - على المستوى الشعبي - ،المرحلة الأولى هي مرحله التفعيل التلقائي ، والتي أخذت شكل رد الفعل العاطفي الانفعالي ، ضد مظاهر تردى النظام السياسي العربي ، وهذه المرحلة - على وجه الإجمال- بمثابة مؤشر لبداية عصر "ظهور" الاراده الشعبية العربية، كما أن الانتصارات التي حققتها الاراده الشعبية العربية خلالها ، بدون أن يمثلها أو يعبر عنها أو يسعى لتحقيق أهدافها اى نظام سياسي معين ، – على وجه التفصيل -
بمثابة مؤشرات لبداية هذا العصر، والمرحلة الثانية هي مرحله التفعيل ألقصدي ،
والتي تتجاوز رد الفعل العاطفي - التلقائي/ المؤقت- إلى الفعل العقلاني- المستمر – المنظم / المؤسساتي- السلمي، والتي تقتضى الدرجة التي وصل إليها تردى النظام السياسي العربي"تزايد احتمال انزلاقه نحو الفوضى" ، ضرورة ارتقاء الاراده الشعبية العربية إليها، بالالتزام بشروط تفعيلها ،والتي أتاح تطور وسائل الاتصال و الإعلام" الخاصية التفاعلية " امكانيه الارتقاء إليها ،
وهذه المرحلة التي ستمثل عصر الظهور " الحقيقي" للاراده الشعبية العربية. مرحله التعطيل الارتدادي للاراده الشعبية العربية على المستوى الرسمي: لا خلاف على أن الفترة الممتدة منذ عام 1970 (عام وفاه الزعيم الراحل جمال عبد الناصر"رحمه الله"، وتولى الرئيس المصري السابق محمد أنور السادات السلطة خلفا له ) ، والى الآن "2016 "هي مرحله التعطيل الارتدادي للاراده الشعبية العربية على المستوى الرسمي ،
وهى المرحلة التي بدأت بمحاوله الرئيس السادات الارتداد "السياسي "عن مجمل سياسيات الزعيم الراحل- المتسقة مع أهداف الاراده الشعبية العربية - بدعم من الغرب بقياده الولايات المتحدة الامريكيه- من مناهضه الاستعمار القديم والجديد والاستيطاني، إلى التبعية للولايات المتحدة الامريكيه، وتوقيع اتفاقيه سلام مع الكيان الصهيوني"كامب ديفيد"،
من أقامه تنميه مستقلة وتحقيق العدالة الاجتماعية، إلى تطبيق النظام الاقتصادي الراسمالى، تحت شعار الانفتاح الاقتصادي ،ومن التضامن العربي ، إلى قطع العلاقات مع الدول العربية، ثم سير عدد من الانظمه العربية في نفس هذا الخط.، ووصلت هذه المرحلة إلى تردى النظام السياسي العربي من التجزئة" الشعوبية الى مزيد من التجزئة" التفتيت" الطائفي "، إلى درجه تزيد من احتمال انزلاقه نحو الفوضى، والتي بدأت بالفعل في بعض أجزائه التي تتصف بضعف الروابط الوطنية والقومية ، لشيوع الطائفية أو القبلية أو العشائرية فيها. تعطيل وليس إلغاء ( نقد النظرة التشاؤمية ):
إلا أن تقرير كل ما سبق لا يعنى تقرير انه تم إلغاء الاراده الشعبية العربية، خلال هذه الفترة ،كما يرى أنصار النظرة التشاؤمية- الاحباطيه- التعجيزيه للاتي : أولا: الخلط بين الإلغاء والتعطيل: أن هذه النظرة التشاؤمية لا تميز بين تعطيل الاراده الشعبية وإلغائها، بينما الأول هو إلغاء مقيد لهما- اى خلال فتره زمنيه معينه، أو على مستوى معين - بينما الثاني هو تعطيل مطلق لهما- اى في كل زمان، وعلى كل المستويات- ثانيا:مخالفه تقرير المنظور المعرفي والسياسي الاسلامى عدم قابليه الاراده والاراده الشعبية للإلغاء: كما أن هذه النظرة التشاؤمية تخالف تقرير المنظور المعرفي والسياسي الاسلامى عدم قابليه الاراده والاراده الشعبية للإلغاء ، حيث يثبت منهج المعرفة الاسلامى حرية الاراده الانسانيه ،
ويجعل العلاقة بين الاراده الالهيه الاراده الانسانيه علاقة تكامل وتحديد وليست علاقة تناقض وإلغاء ، فالأولى تحدد الثانية كما يحدد الكل الجزء ، فيكمله ويغنيه ولكن لا يلغيه، قال تعالى(و ما تشاءون إلا أن يشاء الله)، فالايه لم تلغى الاراده الانسانيه،
بل قيدتها بالاراده الالهيه. اتساقا مع المنهج الاسلامى قرر أهل السنة بفرقهم الكلامية المتعددة أن الفعل الانسانى هو محصله الخلق الالهى والكسب الانسانى .كما يثبت المنظور السياسي الاسلامى الاراده الشعبية،
لأنه يسند السلطة "المقيدة" – بعد إسناده ألحاكميه :السيادة "السلطة المطلقة "لله تعالى - إلى الجماعة - بموجب الاستخلاف العام قال تعالى ﴿ وأمرهم شورى بينهم)، أما الحاكم فنائب ووكيل عن الجماعة، لها حق تعينه ومراقبته وعزله ، يقول أبو يعلي (الخليفة وكيل للمسلمين ) (المارودي، الأحكام السلطانية، ص 7 ) ،اتساقا مع هذا نجد عدد من القواعد التي قررها علماء أهل ألسنه والتي تؤسس للاراده الشعبية ومنها :
أولا:تقريرهم أن العصمة"المقيدة" بعد الرسول (صلى الله عليه وسلم) لا تكون لفرد معين بل تكون للجماعة، استنادا إلى نص الحديث " لا تجتمع امتى على ضلاله "،ثانيا: تقريرهم مبدأ الاغلبيه في المسائل الفرعية الاجتهادية - وخاصة القضايا السياسية - يقول الغزالي في مسألة " إذا بويع لإمامين" (أنهم لو اختلفوا في الأمور وجب الترجيح بالكثرة... ولأن الكثرة أقوى مسلك من مسالك الترجيح).
ويقول الإمام ابن تيميه في مبايعة أبى بكر( وإنما صار إماما بمبايعه جمهور الصحابة).
ثالثا: الخلط بين الثنائيات الثلاثة"الإلغاء و الإبقاء والتعطيل والتفعيل والظهور والخفاء": أن هذه النظرة التشاؤمية لا تميز بين ثلاثة ثنائيات متضادة في ذاتها ، ومشروطة في علاقتها مع غيرها من ثنائيات " فالسابقة شرط للتالية وليس العكس" ،
و هي : "الإلغاء و الإبقاء" و "التعطيل والتفعيل "و"الظهور والخفاء"، فالثنائية الأولى تتصل بالوجود وعدمه، والثانية تتصل بالفاعلية وعدمها، والثالثة تتصل بوضوح الأثر للرائي وعدمه. انطلاقا من هذا التمييز بين هذه الثنائيات الثلاثة فان خفاء الاراده الشعبية العربية (اى عدم وضوح اثر فاعليتها للرائي) لا يلزم منه تعطيلها (اى عدم اتصاف وجودها بالفاعلية )، كما أن تعطيل الاراده الشعبية العربية لا يعنى إلغائها (اى انتفاء وجودها ) رابعا: النظرة الجزئية- القاصرة: كما أن النظرة التشاؤمية تستند إلى نظره جزئيه - قاصرة ،فهي تركز على المستوى الرسمي الاراده الشعبية العربية - الذي تم تعطيله - ممثلا في النظام السياسي العربي - الذي وصل إلى ادني درجات التردي - ولكنها تتجاهل المستويات الأخرى للاراده الشعبية العربية وأهمها المستوى الشعبي –الذي تم تفعيله- فشل محاولات إلغاء الاراده الشعبية العربية :
فالمشاريع التي تهدف إلى محاوله إلغاء الاراده الشعبية العربية ، والمذاهب التي يلزم منها ذلك موضوعيا– وبصرف النظر عن النوايا الذاتية لأنصارها- قد انتهت محاولتها "المقصودة أو غير المقصودة" إلى الفشل في إلغاء الاراده الشعبية العربية، وان نجحت في تعطيلها،وفيما يلي نعرض نماذج لهذه المشاريع والمذاهب: أولا: المشاريع التي تهدف إلى إلغاء الاراده الشعبية العربية : مشروع الشرق الأوسط الجديد" الامبريالي – الصهيوني": ويهدف إلى الارتداد بالنظام السياسي العربي من مرحله التجزئة على أساس شعوبي " الدول الوطنية العربية "، بعد اتفاقيه "سيكس بيكو"، بين قوى الاستعمار القديم (بريطانيا وفرنسا) ، إلى مرحله التفتيت على أساس طائفي / قبلي – عشائري"الدويلات الطائفية "، مع بقاء إسرائيل كحارس لهذا التفتيت في هذه المرحلة ، كما كانت حارسه للتجزئة في المرحلة السابقة.وقد كانت بدايته بعد وفاه الزعيم الراحل جمال عبد الناصر 1970 وتولى الرئيس السادات السلطة، وارتداده عن جمله سياسات الزعيم الراحل التي تجسد الاراده الشعبية العربية، وقد فشل هذا المشروع في إلغاء الاراده الشعبية العربية،
رغم نجاحه في تعطيلها. فقد نجح في الارتداد بالنظام السياسي العربي خطوات تجاه التفتيت على أساس طائفي، لكنه فشل في التحكم في هذا الارتداد ، فافرز عدد من الظواهر،التي تجاوز تأثيرها السلبي النظام السياسي العربي إلى القوى التي تقف خلف هذا المشروع ، من هذه الظواهر : ظاهره الإرهاب وتدفق أللاجئين على الغرب، والفوضى الناتجة من إسقاط الولايات المتحدة لبعض النظم العربية، ومحاولتها تحويل ثوره الشباب العربي من مسارها الجماهيري السلمي ،إلى مسار طائفي مسلح فى بعض الدول العربية ،
مما اضعف مقدره الولايات المتحدة ذاتها على فرض إرادتها السياسية على النظم السياسية العربية التالية لإسقاط أو سقوط هذه النظم.
ورغم نجاح الكيان الصهيوني في التردي بالواقع السياسي العربي إلى مزيد من التجزئة ، بدعمه للحركات الانفصالية "الشعوبية والقبلية والطائفية .."، و الهاء النظم والقوى العربية ، إلا انه فشل في إلغاء الانتماء القومي والديني ومناهضته للصهيونية ، أو إلغاء المقاطعة الشعبية العربية للكيان الصهيوني ومناهضه التطبيع معه ، أو إلغاء الانتماء الوطني والقومي والديني الفلسطيني، فاندلعت الانتفاضات الفلسطينية الثلاثة (انتفاضه الحجارة ، انتفاضه الأقصى،ثوره السكاكين ). وأخيرا فقد فشل مشروع الشرق الأوسط الجديد في إلغاء الروابط الموضوعية "التاريخية ، الحضارية ، الدينية ، الجغرافية .."
التي تربط أجزاء الامه العربية وتشدها إلى بعض, اى فشل في إلغاء الوحدة العربية على المستوى الشعبي- رغم نجاحه في تحقيق مزيد من التجزئة على المستوى الرسمي"السياسي". ثانيا: المشاريع التي يلزم منها موضوعيا - وبصرف النظر عن النوايا الذاتية لأصحابها- إلغاء الاراده الشعبية العربية : ومنها: ا/ مذهب التفسير السياسي للدين " الإسلام السياسي ": هو مذهب معين في تفسير طبيعة العلاقة بين الدين والسياسة ، يقوم على إثبات العلاقة بينهما ، ولكنه يتطرف في هذا الإثبات إلى درجه جعل العلاقة بينهما علاقة تطابق و خلط. فهذا المذهب لا يتسق مع المنظور السياسي الاسلامى ، الذي يجعل العلاقة بين الدين والدولة علاقة وحدة وارتباط " وليست علاقة خلط أو تطابق كما في الثيوقراطيه "،
لان السلطة في المنظور السياسي الإسلامي مقيده بمفاهيم وقيم قواعد كليه ، مصدرها النصوص اليقينية الورود القطعي الدلالة "كالشورى والعدل والمساواة.... .وعلاقة تمييز"وليست علاقة فصل كما في العلمانية" ، لان الإسلام- ميز بين التشريع كوضع الهي ثابت والاجتهاد ككسب بشرى متغير. كما أن هذا المذهب يساوى بين الدين والسياسة في الدرجة، وقد يتطرف فيجعل السياسة أعلى درجه من الدين، حين يجعل الغاية هي الدولة – السلطة والوسيلة هي الدين،
بينما الدين هو الأصل” الغاية” والسياسة هي الفرع” الوسيلة” ، وهو ما أشارت إليه كثير من النصوص كقوله تعالى (الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة واتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر …)( الحج). ومرجع التطرف مذهب التفسير السياسي للدين في إثبات العلاقة بين الدين والدولة أن هذا المذهب إنما ظهر في المجتمعات المسلمة في العصور الحديثة والمعاصرة كرد فعل على الليبرالية والتي باستنادها إلى العلمانية نفت اى علاقة للدين بالدولة.
بدعية مذهب التفسير السياسي للدين : وهذا المذهب هو بدعه في ذاته " اى يستند إلى مفاهيم بدعية "، ومن أهم هذه المفاهيم هو القول بان الامامه” بمعنى السلطة” أصل من أصول الدين وليست فرع من فروعه، وهو ما يخالف مذهب أهل السنة في الامامه ، والقائم على أن الامامه هي فرع من فروع الدين وليست أصل من أصوله كما قرر علماء أهل السنة، يقول الآمدي ( واعلم أنّ الكلام في الإمامة ليس من أُصول الديانات ، ولا من الأُمور اللابدِّيَّات ... ) (غاية المرام في علم الكلام : ص 363). كما أن هذا المذهب بدعه فيما يلزم منه اى يلزم منه مفاهيم بدعية ومنها على سبيل المثال لا الحصر: أولا: تكفير المخالف فى المذهب، وهو يخالف مذهب أهل السنة، القائم على اباحه الخلاف في فروع الدين دون أصوله، وبالتالي عدم جواز تكفير المخالف في المذهب، يقول ابن مفلح ( لا إنكار على من اجتهد فيما يسوغ منه خلاف في الفروع)(الآداب الشرعية 1/186)، ثانيا:اباحه الاختلاف ” التعدد “على مستوى أصول الدين:وهو ما يتناقض مع ما قررته النصوص ، من النهى عن الاختلاف ،على مستوى أصول الدين ،التي مصدرها النصوص اليقينية الورود القطعية الدلالة : يقول تعالى( وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ~ مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ) ( آل عمران: الآية (104).. و يلزم من مذهب التفسير السياسي للدين – باعتبار بدعيته – العديد من الفتن التي نهت عنها النصوص وحذر منها علماء الإسلام ، ومنها على سبيل المثال لا الحصر : أولا: فتنه التفرق في الدين، ثانيا: فتنه الرجل في دينه وبيعه الدين بعرض الدنيا،ثالثا: فتنه الائمه المضلين:
و هم كل متبوع بلا دليل شرعي ، وهذا الإتباع بلا دليل يلزم منه الضلال والإطلاق البدعى، ومفارقه الهدايه والضبط الشرعى، وقد أشارت النصوص إلى أنهم أخوف على الامه من الدجال .أما التفسير الديني ” الاسلامى – الشرعي- للسياسة فهو - خلافا لمذهب التفسير السياسي للدين - يجعل الدين هو الأصل – والسياسة هي الفرع، اى أن يكون الدين ” ممثلا في مفاهيمه قيمه وقواعده الكلية ” للسياسة بمثابة الكل للجزء، يحده فيكمله ولكن لا يلغيه . وطبقا لهذا التفسير فان النشاط السياسي يجب ان يلتزم بجمله من الضوابط التي تهدف إلى تحقيق اكبر قدر ممكن من الاتساق- وليس التطابق- بينه وبين مفاهيم وقيم وقواعد الدين الكلية ،ومن هذه الضوابط : أولا: أن الامامه - بمعنى السلطة - هي فرع من فروع الدين وليست اصل من اصوله يقول الإمام الغزالي ( اعلم أنّ النظر في الإمامة أيضاً ليس من المهمات ، وليس أيضاً من فنّ المعقولات ، بل من الفقهيات ... ) (الاقتصاد في الاعتقاد : ص 234).
ثانيا: أن السياسة الشرعية هي ما كل يحقق مصلحه الجماعة ولو لم يرد فيه نص ، فهي اتساق – وليس تطابق- مع النص، يقول ابْنُ عَقِيلٍ(السِّيَاسَةُ مَا كَانَ فِعْلاً يَكُونُ مَعَهُ النَّاسُ أَقْرَبَ إلَى الصَّلَاحِ، وَأَبْعَدَ عَنْ الْفَسَادِ، وَإِنْ لَمْ يَضَعْهُ الرَّسُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَا نَزَلَ بِهِ وَحْيٌ.) . الانتقال من التفسير السياسي للدين إلى التفسير الديني للسياسة كشرط لتفعيل الاراده الشعبية العربية:أن بدعية مذهب التفسير السياسي للدين ، ومخالفته لمذهب أهل السنة– الذي أصبح جزء من البنية الحضارية للشعوب والأمم ألمسلمه - ما عدا الامه الايرانيه- يلزم منها ان الأمم و الشعوب ألمسلمه - بما فيها الامه العربية- سترفض - في خاتمه المطاف - كل الأحزاب والحركات السياسية التي تتبنى هذا المذهب ما توافرت لها شروط الرفض الذاتية " الوعي " والموضوعية " الاراده ". وبالتالي فان شرط استمرارية هذه الأحزاب والحركات السياسية هو إجرائها لمراجعه فكريه شامله لمذهبها ، تتضمن:
أولا: انتقالها من التفسير السياسي للدين"الإسلام السياسي" الذي يلزم منه تكفير المخالف (فضلا عن التفرق في الدين ، والتعصب المذهبي والكهنوت....).إلى التفسير الديني للسياسة "السياسة- الشرعية - الاسلاميه"، والذي مضمونه الاجتهاد في حل المشاكل التي يطرحها الواقع ، انطلاقا من مفاهيم وقيم قواعد الدين الكلية، بدون تكفير للمخالف ،
لان مضمون السياسة الشرعية ما يحقق مصلحه الجماعة ولو لم يرد فى نص ، فهي اتساق وليس تطابق مع النص. ثانيا: تراجعها عن مواقفها - النظرية والعملية - التي تتعارض مع أهداف الاراده الشعبية العربية، في الوحدة و الحرية والعدالة الاجتماعية،والجمع بين الاصاله والمعاصرة"التجديد". ب/مذهب الغلو في التكفير واستحلال الدماء: تنظيمات الغلو في التكفير قطاع من الإسلام السياسي : نشطت في المجتمعات المسلمة عامه والعربية خاصة ، في الفترة الاخيره العديد من التنظيمات السياسية ، التي تستند إلى مذهب الغلو في التكفير واستحلال الدماء المحرمة ، وهذه التنظيمات هي قطاع من الإسلام السياسي ،اى أنها تتبنى إحدى صيغ مذهب التفسير السياسي للدين ،
فتلتقي فيما يتصل بمشكله العلاقة بين الدين والدولة - مع الأحزاب السياسية التي تتبنى مذهب التفسير السياسي للدين ، في بدعه التطرف في إثبات العلاقة بن الدين والدولة، إلى درجه جعلها علاقة تطابق وخلط وليست علاقة ارتباط ووحده(وليس خلط كما في الثيوقراطيه ) من جهة، وتمييز(وليس فصل كما في العلمانية ) من حهه أخرى،
ولا تختلف عنها إلا في أنها تقول بتكفير المخالف لها في المذهب صراحة وعلنا - لا ضمنا وسرا كما في هذه الأحزاب السياسية - التي تستخدم مفهوم التقية ذي الأصول الشيعية- إذ أن تكفير المخالف هو من لوازم مذهب التفسير السياسي للدين البدعى . بدعية مذهب الغلو في التكفير واستحلال الدماء المحرمة: و يقوم مذهب الغلو في التكفير واستحلال الدماء المحرمة على بدعيتين بينهما علاقة تلازم، البدعة الأولى هي الغلو في التكفير ، ويلزم منها البدعة الثانية وهى استحلال الدماء المحرمة " كدماء المسلمين وأهل الذمة والمعاهدين وغير المقاتلين من الكفار.."،
فهو مذهب يقوم على الإطلاق البدعى لمفهومي التكفير والقتال ، من خلال عدم الالتزام بضوابطهما الشرعية ، وهو مذهب يفارق مذهب أهل السنة ، لأنه يقوم على الضبط الشرعي لهذين المفهومين ، من خلال الالتزام بضوابطهما الشرعية . كما ان هذا المذهب يتعارض مع قاعدة تحريم الخروج بالسيف، اى التغيير باستخدام القوه المسلحة ، والتي اجمع عليها علماء أهل ألسنه يقول الإمام النووي (وأما الخروج عليهم وقتالهم؛ فحرام بإجماع المسلمين – وإن كانوا فسقة ظلمة – وقد تظاهرت الأحاديث بمعنى ما ذكرته، وأجمع أهل السنة أنه لا ينعزل السلطان بالفسق) (شرح مسلم12/432-433) . وقد اجمع علماء أهل السنة ،على كون مذهب الغلو في التكفير واستحلال الدماء المعصومة – الذي مثله في عصرهم الخوارج – مذهب بدعي ضال ،
وانه يجب قتال أصحابه في حال تطبيقهم لمذهبهم في استحلال الدماء المعصومة ، يقول الإمام ابن تيمية (َإِنَّ ْأُمَّةَ مُتَّفِقُونَ عَلَى ذَمِّ الْخَوَارِجِ وَتَضْلِيلِهِمْ … ) ( الفتاوى : 28/518 ). استنادا إلى ما سبق السابق نقرر الاتى: أولا: أن هذه التنظيمات تشوه صوره الإسلام والمسلمين وتضر بالدعوة الاسلاميه، ولا تخدم إلا أعداء المسلمين – بوعي أو بدون وعى- والادله على هذا كثيرة منها: إنها تؤجج الفتنه الطائفية ، وهو ما يخدم مشروع الشرق الأوسط الجديد الامبريالي الصهيوني، الهادف إلى تحويل الدول العربية إلى دويلات طائفيه ..ثانيا: أن نشاط هذه التنظيمات في الفترة الاخيره هو مؤشر لنهاية الإسلام السياسي – لأنها قسم منه ،اى تتبنى إحدى صيغ مذهب التفسير السياسي للدين كما اشرنا أعلاه- ولجوء أنصار اى فكره إلى العنف ، هو مؤشر على نهاية هذه الفكرة ، وفشل أصحابها في إقناع الناس بصحتها بالحوار والحجة ،
كما انه مؤشر على ضعف الولايات المتحدة الامريكيه، و ضعف قبضتها على المنطقة العربية ،لأنها ساهمت في تكوين هذه التنظيمات- بمساعده حلفائها - بهدف تحقيق أهدافها فى المنطقة، لكن هذه التنظيمات خرجت لاحقا عن سيطرتها، وضربت في العمق ذات القوى التي ساهمت في تكوينها الاراده الشعبية العربية من الخفاء إلى الظهور:
كما أن هذا التعطيل - الإلغاء المقيد - للاراده الشعبية العربية على المستوى الرسمي- قد فتح المجال أمام مرحله جديدة من مراحل تفعيلها – على المستوى الشعبي - هي مرحله" ظهور" الاراده الشعبية العربية ( اى وضوح اثر فاعليته للرائي) ، بعد أن كانت"مختفية "(اى لم يكن اثر فاعليتها واضحا للرائي) في مرحله تفعيلها السابقة، وهى مرحله التفعيل الزعامي، و التي شكلت القسم الأكبر من تاريخها ، و التي انتهت عام 1970 بوفاة جمال عبد الناصر"آخر زعيم قومي للامه العربية"، والتي كانت فاعليتها خلالها متحققة ، ولكنها مختفية خلف زعمائها– أبطالها التاريخيين ، والذين حققت اغلب انجازاتها التاريخية بتوحدها خلفهم . ولا يعنى انتهاء مرحله التفعيل الزعامي انقضاء دور الزعماء في تفعيل الاراده الشعبية ،ويكن يعنى ان هذا الدور يجب أن يأخذ شكل آخر مضمونه ان يتحول هؤلاء الزعماء إلى رموز تاريخيه ملهمه الاراده الشعبية العربية، وتتوحد فيها الاراده الشعبية العربية حول الأهداف التي سعى لتحقيقها هؤلاء الزعماء – والتي هي ذات أهدافها – وليس خلف أشخاصهم . مرحلتي ظهور الاراده الشعبية العربية: وتشمل مرحله ظهور الاراده الشعبية العربية مرحلتين من مراحل تفعيل الاراده الشعبية العربية - على المستوى الشعبي – مرحله التفعيل التلقائي وبداية عصر ظهور الاراده الشعبية العربية: المرحلة الأولى هي مرحله التفعيل التلقائي ، والتي أخذت شكل رد الفعل العاطفي الانفعالي ، ضد مظاهر تردى النظام السياسي العربي ، وهذه المرحلة - على وجه الإجمال- بمثابة مؤشر لبداية عصر "ظهور" الاراده الشعبية العربية، كما أن الانتصارات التي حققتها الاراده الشعبية العربية خلالها ، بدون أن يمثلها أو يعبر عنها أو يسعى لتحقيق أهدافها اى نظام سياسي معين ، – على وجه التفصيل - بمثابة مؤشرات لبداية هذا العصر، وفيا يلي نعرض لبعض هذه الانتصارات: • المظاهرات الشعبية العربية في عقب خطاب التنحي بعد هزيمة يونيو 1967، والمطالبة ببقاء عبد الناصر في السلطة ،واستمرارية فى قياده حركه التحرر القومي العربي من الاستعمار، ودرء أثار النكسة ، واعاده بناء الجيوش العربية... وأثمرت - على المستوى الرسمي : بدء حرب الاستنزاف- واعاده بناء الجيش المصري، الذي مهد الطرق أمام نصر اكتوبر 1973، ومؤتمر الخرطوم وشعاراته "لا صلح لا اعتراف لا تفاوض". • المظاهرات الشعبية المصرية ألمطالبه بانتهاء حاله" اللا حرب ولا سلم" – -، قبل حرب اكتوبر 1973.والتي اعتبرها البعض مماطلة من قبل الرئيس السادات في خوص الحرب •
الانتفاضات والثورات الشعبية السلمية ، ضد تطبيق العديد من انظمه العربية النظام الاقتصادي الراسمالى، تحت شعارات "الخصخصة والتحرير والانفتاح والإصلاح الاقتصادي.. وأشهرها:ا/ الانتفاضة الشعبية المصرية ضد سياسة الانفتاح الاقتصادي 1977 .ب/الانتفاضة الشعبية السودانية ابريل 1985، ضد سياسات نظام نميرى في مرحلته الاخيره ،
ألقائمه على تطبيق السياسات الاقتصادية الراسماليه لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي التى أفقرت الشعب السوداني ، ورهن الاراده السياسية لأمريكا، وتطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني – سرا - والذي بلغ مرحله الخيانة القومية بترحيل اليهود الفلاشا " ، والتي انتهت بإسقاط هذا النظام . • المقاطعة الشعبية العربية للكيان الصهيوني ومناهضه التطبيع معه. • ظاهره تنامي مظاهر التدين الشعبي ،
وهى - في جوهرها - ظاهره ايجابيه ، لأنها تعبير "ديني" عن رفض الاراده الشعبية العربية لمظاهر التغريب والتخريب القيمى والاخلاقى، والتمرد على القيم الحضارية والدينية ، التي تلازم تطبيق النظام الاقتصادي الراسمالى.، والمطلوب هو الارتقاء بها من مرحله رد الفعل العاطفي التلقائي إلى مرحلة الفعل العقلاني ، وترقيه الوعي الشعبي الديني، وتقديم الفهم الصحيح للدين،ومحاربه أنماط التفكير البدعى ..
- وليس إلغائها كما يرى بعض أنصار التيار التغريبي- أما بعض المظاهر السلبية كالتدين الشكلي"المظهري والتظاهري "، والاتجار بالدين ،والتوظيف السياسي للدين...التي تزامنت في الظهور معها، فلا تعبر عن هذه الظاهرة وجوهرها ، بل هي محاولات لتوظيفها واستغلالها، لتحقيق أهداف شخصيه أو حزبيه ضيقه. • الاحتجاجات الشعبيبه السلمية ،
الرافضة للاسائه إلى الرموز الدينية الاسلاميه - وأهمها الرسول "صلى الله عليه وسلم –" ، والتي مارستها بعض الجهات والدوائر الاعلاميه والثقافية الغربية . • استمرار المقاومة الشعبية الفلسطينية لهضم الكيان الصهيوني لحقوق الشعب الفلسطيني ، ممثله في الانتفاضات الشعبية الفلسطينية الثلاثة: انتفاضة أطفال الحجارة عام 1987 والتي أجبرت الكيان الصهيوني على الاعتراف بالسلطة الفلسطينية . ثم انتفاضة الأقصى عام 2000, والتي أدت إلى تعاطف العالم مع الشعب الفلسطيني وقضيته، وهو ما اثمر اعتراف العديد من الدول بالسلطة الفلسطينية . ثم ثوره السكاكين 2015, والتي أربكت الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية داخل الكيان الإسرائيلي. • المقاومة الوطنية اللبنانية للاعتداء الصهيوني على لبنان، والتي نجحت في طرد الاحتلال الصهيوني من جنوب لبنان عام 2002. •
المظاهرات الشعبية الرافضة للاحتلال الامريكى للعراق ، و نجاح المقاومة الوطنية العراقية ، فى توجيه ضربات قاضمه له ، قبل أن تعمل أمريكا وحلفائها على تحويل الصراع من صراع بين محتل ومقاوم ، إلى صراع طائفي بين ألسنه والشيعة . • " ثوره الشباب العربي " التي نجحت في إسقاط عدد من الانظمه العربية الاستبدادية سلميا ، قبل أن تنجح القوى والنظم ذات المصالح المتعارضة مع أهداف الاراده الشعبية العربية في تحويل مسارها في بعض الدول العربية من المسار الجماهيري السلمي ،إلى مسار طائفي مسلح .
مرحله التفعيل ألقصدي وعصر الظهور " الحقيقي" للاراده الشعبية العربية : والمرحلة الثانية من مراحل تفعيل الاراده الشعبية العربية ، التي تشملها مرحله ظهور الاراده الشعبية العربية هي مرحله التفعيل ألقصدي ، والتي تتجاوز رد الفعل العاطفي - التلقائي/ المؤقت- إلى الفعل العقلاني- المستمر – المنظم / المؤسساتي- السلمي، والتي أتاح تطور وسائل الاتصال و الإعلام" الخاصية التفاعلية " امكانيه الارتقاء إليها، والتي تقتضى الدرجة التي وصل إليها تردى النظام السياسي العربي، ضرورة ارتقاء الاراده الشعبية العربية إليها ، ،بالالتزام بشروط تفعيلها والتي تتضمن : • الارتقاء بالوعي الشعبي العربي"الديني ، السياسي ، الثقافي..."باعتبار أن الوعي شرط الاراده. •
محاربه أنماط التفكير الخرافي والاسطورى والبدعى ، والالتزام بأنماط التفكير العلمي والعقلاني – التي لا تتناقض مع الوعي- والفهم الصحيح للدين . • توظيف الخاصية التفاعلية ، التي تميز هذه المرحلة من مراحل تطور وسائل الإعلام والاتصال، في الارتقاء بالاراده الشعبية العربية، من مرحله التفعيل التلقائي إلى مرحله التفعيل القصدى،من خلال ترقيه الوعي الشعبي واتاحه الفرصة للاراده الشعبية للتعبير عن ذاتها ، ومحاربه محاولات توظيفها لتعطيل الاراده الشعبية العربية من خلال الانحطاط بالوعي الشعبي ،وتزييف الاراده الشعبية . •
قيام الاراده الشعبية العربية بكل الخطوات الممكنة تجاه أهدافها في الحرية والعدالة الاجتماعية والحرية والاصاله والمعاصرة ،على المستوى الشعبي قبل المستوى الرسمي. • إن تردى النظام السياسي العربي نحو مزيد من التجزئة "التفتيت "، مع ما يلزم من ذلك من زيادة احتمالات انزلاقه نحو الفوضى،يقتضى عدم السكوت عن هذا التردي ، أو محاوله إيقافه باستخدام العنف ضد النظام السياسي العربي ، بل العمل على إيقاف هذا التردي بأساليب سلميه، وذلك بضغط الاراده الشعبية العربية على النظام السياسي العربي بأجزائه المتعددة - بأساليب سلميه – بهدف دفعه نحو التوافق "المشاركة” ، والإصلاح " التغيير السلمي التدريجي ” - بشرط بعدم اكتمال توافر الشروط الذاتية والموضوعية” للثورة في الجزء المعين- مع الالتزام بالسلمية حتى في الحالة الاخيره "اى حاله توافر شروط الثورة ". وهذه المرحلة من مراحل تفعيل الاراده الشعبية العربية هي التي ستمثل عصر الظهور " الحقيقي" للاراده الشعبية العربية.
" د. صبري محمد خليل / أستاذ فلسفه القيم الاسلاميه في جامعه الخرطوم تمهيد(ملخص الدراسة) :
|