|
|
|
صنعاء نيوز -
عدن: تحقيق: وئام سروري
الصراع بين الأجيال داخل العائلة الواحدة يزداد ويتفاقم يوما بعد يوم في ظل انفتاح الأجيال الجديدة على عوالم وثقافات جديدة يشهدها عصر العولمة والاتصالات، عدم استيعاب الأهل لهذا الانفتاح، وما يطرأ عليه من تغييرات في سلوك وتفكير بناتها يجعلهم يشددون على سلوكها ويحاصرونها بكافة الوسائل والطّرق من خلال الأوامر والنواهي معتقدين بأن هذه التربية هي الحل السليم لمعرفتها الصواب من الخطأ، فتعتقد الفتاة بأن كل ذلك يحد من انطلاقها وحُريتها ويمنعها من تحقيق أحلامها وطموحها في عالم آخر يختلف عن عالم أهلها، فتصاب الكثير منهن بالقهر والكبت والإحباط بعد صراعها الطويل مع الأهل لتُعلن أخيرا ثورتها وتمردها عن الواقع، فتشذ الكثير منهن عن الطريق المستقيـم وقد تؤدي بهن تارة إلى عصيان الأوامر وتارة أخرى إلى الضياع والانحراف أو الهروب ليكتشف حينها الأهل أن خطواتهم غير المدروسة في تربية بناتهم لم تكن الحل الأمثل والسليم فيبدأون حينها مشوار البحث عن علاج جديد.
"السياسية" فتحت سجل البحث الاجتماعي واستعرضت قصصا وماسي إنسانية لفتيات تمرّدن عن واقعهن ممّا أدى بالبعض منهن إلى اتخاذ أشكال مختلفة من التمرّد كعصيان الأوامر والانحراف والهروب.. وبحثت مع أخصائيين نفسانيين واجتماعيين الأسباب التي تؤدي إلى تمرّد الفتاة ومن المسؤول عنه، وكيف بالإمكان علاج مثل هذه الظاهرة، والتي باتت خطرا يهدد حياة الفتاة نفسيا واجتماعيا وتربويا، وقد تقع ضحية لجريمة إنسانيه يدفع ثمنها الأسرة والمجتمع على حد سواء.
هروب الفتاة
"ليتني أعود إلى بيت والدي وإخوتي، ليتني لم أهرب من منزلنا. فالعذاب أهون بكثير من هذا العذاب.. ليتني لم أهرب، أتمنى الموت ألف مرة على أن أحيا هذه الحياة، ولكن ماذا ينفع الندم. ضاع كل شيء.. الأم والأب، ولم يبق لي سوى النّدم والألم وغضب الله، فهل سيغفر لي ربِّي خطيئتي؟!".
عبارات صغيرة مملوءة بدموع الحسرة والنّدم ابتدأتها "س" عندما بدأت حكايتها في منزل والدها الذي انفصل عن والدتها لتحل محلها زوجة قاسية لا تعرف الرحمة إلى قلبها طريقا. تقول: "كان عمري حينها 13 عاما بدأت حكايتي عندما قررت الهرب سرا مع صديقتي من الحديدة إلى عدن، كان ذلك بسبب ما وجدته من والدي وزوجته من ألوان العذاب النفسي والجسدي، لقد أخرجوني من المدرسة؛ ولا أعلم السبب. وعاملوني كخادمة لهم ولأولادهم. لم أذقْ منهم غير الاهانات والضرب، فضّلت الهرب على أن أظل على هذه الحياة". وتضيف: "كانت صديقتي تقول إن عدن مدينة جميلة. فالناس فيها طيّبون، وكل شيء فيها جميل. فهناك البحر والمطاعم والملاهي سنقضي أوقاتا جميلة وسعيدة". وتضيف بأسى: "وصلنا إلى عدن -وليتني ما وصلت- كانت الساعة الـ11 مساءً، اتجهنا إلى منطقة الخساف، وذهبنا إلى منزل صديقة لا أعرفها، فقامت باستقبالنا بحفاوة، ثم طلبت منّا أن نقوم بأعمال المنزل، وبعد ساعات تفاجأنا برجال غُرباء يأتون إلى المنزل، وطلبوا منّا الجلوس معهم لنسامرهم، رفضت بشدة، فهددوني بتبليغ الشرطة بتهمة السرقة، رضخنا لهم، وبدأت أجلس معهم، وأذهب معهم إلى منازلهم، وشقق خاصة لا أعرفها، وبعد أشهر بدأت أشعر أن هناك روحا تتحرّك بأحشائي، فقاموا بإجهاضي قسرا، خلال 24 ساعة، ثم أجهشت بالبكاء. وتمنيت الموت ألف مرة على أن أحيا هذه الحياة، ضاع كل شيء. ضاعت الأم وضاع الأب والأخوة وروحي تتعذّب باليوم ألف مرة.. لم أجد من هروبي سوى الضياع والنّدم. فالحياة مع الأهل مهما كانت مرارتها فهي أرحم بألف مرة من حياة الليل والشوارع والأجساد الثقيلة. أتمنّى أن تُزهق روحي قبل أن يُؤخذ جسدي. ولا أعلم هل سيغفر لي ربِّي خطيئتي"!
محاولة انتحار
قد تشعر الفتاة بظلم شديد من قبل أحد الوالدين أو كلاهما؛ نتيجة لاضطرابات في العلاقات الأُسرية ومشاعر التفريق في المعاملة بين الأبناء وعدم إعطاء الفتاة الحق في إنهاء دراستها التعليمية وتزويجها قسرا في مرحلة مبكِّرة من العُمر، والتي تحتاج فيها الفتاة إلى إشباع تام في الجوانب العاطفية ممّا يغذِّي لديها الشعور بالظلم والإحباط، وقد تتنوع الأسباب القهرية التي يمارسها الوالدان تجاه الفتاة، والتي يدفع بها إلى التفكير في الانتحار كحل وحيد للخلاص من واقعها الأليم.
"ف م ح" فتاة من مدينة صنعاء تبلغ من العُمر 18 عاما، أقدم والدها على تزويجها قسرا من عجوز يبلغ من العُمر 70 عاما بعد أن باءت محاولاتها ورفضها الطويل بالفشل. تقول: "حاولت الانتحار مرتين، كل ذلك بسبب ما وجدته من ظلم والدي الذي استغل الظروف الصحية لوالدتي فقام بتزويجي مكرهة، بعد أن زوّج جميع إخوتي طمعا بالمال، وأنا الزوجة الرابعة لهذا العجوز، وفي سن بناته وأحفاده".
وتضيف -بمرارة وألم-: "تمنيت أن أكمل تعليمي كمثيلاتي، وأحصل على أعلى الشهادات، فرفض والدي بشدة؛ طمعا بالكسب المادي، هربت إلى خالي اشكوا إليه ظلم والدي فحاول معه مرارا إلا أن محاولاته باءت بالفشل، فقررت الهروب، وخصوصا بعد أن أقدم والدي على ضربي وحبسي حتى لا أذهب إلى المدرسة. لقد كُنت من أوائل الطالبات، ولم تفلح جميع محاولات الأساتذة معه. هربت إلى مدينة عدن، وصلت إلى هناك في الساعة الثالثة عصرا، تجولت في شوارعها وأزقتها، لا أعلم إلى أين اتجه، حتى شعرت بالإعياء فغلبني النوم على الرصيف، فلمحني شاب وطلب منِّي الذهاب معه؛ رفضت بشدة فهددني بإبلاغ شرطة الآداب. فهناك المتخلفون عقليا والمجانين، شعرت بخوف شديد فرضخت لمطالبه. أخذني معه لأحضر معه السهرات، فأصبحت كالجارية في شقق، كل ذلك وأنا لا أعلم أني حامل إلا قبل شهرين أو ثلاثة أشهر من دخولي السجن"!
التدليل سبب من أسباب التمرّد
تعترف والدة هناء -وكيلة إحدى المدارس الحكومية- بعجزها التام عن تربية ابنتها منذ سنوات طويلة، فتصرفات ابنتها غريبة وشاذة، وقد بات الجميع يعرفها. حيث إن تصرفات هذه الابنة قلبت حياة الأسرة جحيما لا يُطاق، وتسلل الخوف والقلق إلى الجميع، عندما أعلنت الابنة ثورتها ورفضها لأي تعليمات وأوامر من والدتها.
تقول والدة هناء: "لديّ ابنتان وولد، واعترف بأنني قمت بتدليلها كثيرا في طفولتها، ولكن مع هذا كانت تربيتي لهم تتسم بين الشدة واللّين. وعلى الرغم أن الجميع أنهى مراحلهم الجامعية، إلا أن هناء ما تزال تعاني حتى هذه اللحظة من مراحل المراهقة بكل ما فيها. فهي في هوس الفضائيات، وتقليد كل جديد، ودائمة الغيرة من أختها من أبسط الأمور". وتؤكد والدة هناء بأنها لا تعلم أسباب هذه التصرّفات ورفضها للوضع. وأنها جلست كثيرا مع ابنتها ولكن لا تعلم كيف تدخل إلى نفسيتها وتُعالج المشكلات التي أصبحت تتفاقم يوما بعد يوم. فالابنة تتهم والدتها بأنها لا تعيرها اهتماما، وتفضل الجميع بينما تقوم الأم بدور المدافع!
وتهدد هناء جميع أفراد الأسرة بأنها ستترك المنزل وتنتقل للعيش خارج البلد.
وتضيف والدة هناء: "المشكلة أنها تتمادى يوما بعد يوم. وأصبحت تمد يدها، وترهب الجميع بتصرفاتها. فالكل يخافها على الرغم من عدم توجيه الأوامر والنواهي لها. حيث أصبحنا نعاملها كالمريضة. وعرضنا لها أخصائيين. ولكنها ترفض مقابلة الجميع. ولا تعمل إلا كما يحلو لها".
غيض من فيض
التأكيد على استقلالية الابنة وتطوّر إمكانياتها وقدراتها في مختلف المجالات الإيجابية شيء لا بُد منه، وإعطاء الحُرية في حدود المعقول في ظل مراقبتها عن بُعد أمر في غاية الأهمية، كي تستطيع مواجهة حياتها بشكل ناجح، ولكن حين يقوم الوالدان بالإفراط بذلك وإعطاء الابنة مطلق الحُرية في التحكّم بزمام الأمور تصبح هذه الحُرية تحدِّيا لكيانها وقُدراتها تدفع ضريبتها الأسرة على المدى القريب أو البعيد.
أروى طالبة يمنية عاشت في أبو ظبي سنوات طويلة مع والديها، أنهت دراستها الجامعية بنجاح، كانت حياتها -على ما يبدو- طبيعية، إلا أنها في حقيقة الأمر ليست طبيعية. فوالداها سلّما لها مفاتيح الحُرية والثقة دون حسيب أو رقيب، وأغدقا عليها المال منذ أن أبصرت النور ظنا منهما أن ابنتهما ستشرف العائلة يوما ما، ولن تخيب أملهم؛ كونها تعرف مصلحتها جيّدا. ونشأت مع هذه الفتاة صفات القوة وتوجيه الأوامر والنواهي، وأصبحت دائمة الغياب من المنزل إلى أن جاء ذلك اليوم الذي تفاجأ به الوالدان بأن ابنتهما قد تمادت بالفعل بحُريتها الزائدة لتقدّم لهم صفعة قوية من نوع آخر. فكانت المفاجأة بمثابة صدمة مدوِّية للوالدين. لم يجد الوالدان أمام هذه الصدمة سوى العزاء والصبر والتحفظ؛ خوفا على ابنتهما من العار والفضيحة، حين فاجأت تلك الفتاة أسرتها وبكل جُرأة أنها قد اختارت شريك حياتها، وتزوّجت منه بعد قصة حب طويلة على مدار الأربعة الأعوام الماضية. ولخوفها من رفضهما لهذا القرار فضلت أن تتخذ هذا القرار الذاتي -الذي تؤكد بأنه قرار شخصي ليس من حق أحد أن يتدخّل فيه ولو كان أقرب الناس- هذه الصدمة على الرغم من شدّتها فقد تبعتها صدمة أخرى، وهي حملها بطفلة لم تر أباها حتى هذه اللحظة؛ فقد هرب الزوج المنتظر بعد زواجه منها مباشرة، ولم يجدا الوالدان إزاء كل هذه الصّدمات سوى الاستسلام والصبر. وما زلت الفتاة في تكرار نزواتها وأخطائها حتى هذه اللحظة!!
رأي علماء النفس
تقول الأخصائية النفسانية فتحية سروري "إن تمرّد الفتيات على أسرهن له بُعدان: الأول اجتماعي مرتبط بالأسرة، ونمط التنشئة والقيم الاجتماعية العامة المرتبطة بالحالة الاقتصادية والاجتماعية معا، فالأسرة ذات المستوى الاقتصادي المرتفع تميل دائما لتحقيق كل رغبات أبنائها ممّا يخلق نوعا من التمرّد وحبِّ الذات لدى الشباب والشابات. والبُعد الثاني نفسي، يتمثل في الشخصية الفردية للفتيات، وهو مرتبط بالعديد من العوامل التي تتمثل في التغيّرات الاقتصادية التي حدثت بسبب غلاء المعيشة وشعور بعض الفتيات بالعجز المادي والنّقمة على حياتهن ومحاولة الهروب منها بأية وسيلة. وللأصدقاء دور؛ فقد يقدّمون نصائح ضارة، فتخلق عند بعض الفتيات حالة من التمرّد لمجرد رفض آبائهم شيئا معينا، فيتمرّدون ويتصرّفون من تلقاء أنفسهم دون علم آبائهم".
الأسرة
وعن أسباب تمرد بعض الفتيات تقول سروري: "تلعب الأسرة دورا أساسيا في تنشئة الأبناء تنشئة نفسيه سليمة، أساسها غرس مبادئ الدِّين وتقوية الوازع الدِّيني لديهم، والمساواة بين جميع الأبناء في الحقوق والواجبات، وأخذ الشورى واحترام آرائهن وأفكارهن، وهذه أمور قد تغيب عند الكثير من الأسر بسبب التمييز الحاصل لديهم".
وتضيف: "أيضا هناك جانب آخر؛ فموضوعات دراما التليفزيون التي تظهر الجوانب السلبية لدى الفتاة، قد تُساهم هي الأخرى في تغذية سلوك التمرّد لدى البنت، وتقليد كل ما تشاهده كالحب ومشاهد الجريمة وغيرها من الصور المعنّفة، فتدفعها بشكل أو بآخر إلى التمرّد، وقد تتحمل أيضا المدرسة دورا سلبيا".
وتتابع سروري حديثها قائلة: "وللأسف، فدور المدرس يفتقر إلى الأسلوب التربوي السليم أثناء تعليم الفتيات والشباب، فهو يضغط على الطلبة بالمشاكل والمناهج المكثّفة ومطالبتهم بواجبات أكثر من استعدادهم النفسي، بالإضافة إلى مشاكل الفتيات والضغوط النفسية التي يواجهنها خاصة في سن المراهقة، وهى الشريحة التي يتزايد فيها هروب البنت، والزواج العُرفي والخروج عن المألوف".
العلاج
وتستخلص الأخصائية فتحية العلاجات التي يجب على الأسرة اتباعها، فتنمية اتجاهات الفتيات منذ النشأة الأولى على ضرورة المشاركة في الحياة الاجتماعية والعامة، وتوفير مجالات صحية للاحتكاك بمشكلات المجتمع وتعليمها كيفية التعامل معها والمساهمة في معالجتها، أمر في غاية الأهمية، ومن شأنه أن يُؤسس طريقة إيجابية في التفكير الناضج مستقبلا. كذلك يجب أن يحرص الوالدان على إقامة علاقة متوازنة مع الأبناء أساسها التفاهم والحب وضرورة وجود كلمة بينهما بأن يتّبعا سياسة موحّدة تجاه الأبناء، فلا يوافق أحد الوالدين على موقف أو سلوك ويعترضه الطرف الآخر ويعارضه، فهذا يخلق الازدواجية في فكر الطفل الصغير.
وتضيف: "كما يجب على الوالدين توفير جو من التفاهم بينهما والتقارب ليشب الأبناء في مناخ صحي يُساعد على تنمية شخصية أولادهم. فالكثير من الآباء والأمّهات –وللأسف- لديهم أميّة واضحة في تربية أولادهم. فهم أميون تربويا ولا يقومون أيضا بالجانب الأهم، وهو غرس مبادئ الدِّين الحنيف منذ الصغر، وتقوية الوازع الدِّيني لديهم، على الرغم أننا قد نجد الكثير منهم متميّزين في مجالهم العلمي. فالمجتمعات الخارجية والتي نختلط بها سواء بالسفر أو التليفزيون أدخلت علينا اتجاهات جديدة أثّرت علينا، ليست بطريقة تربيتنا كشرقيين ولكنها مستوردة من الخارج؛ لأن بعض الأُسر تعتبر ذلك نوعاً من الحضارة".
وتؤكد "أنه وحتى لو توفّرت هنا فرص التعليم المُمكن، والغذاء المعقول، فإن التربية النفسية القائمة على السلب، وعدم تنمية طاقات جميع أفراد الأُسرة دون تمييز، كل ذلك يضع الفتاة أمام حقيقة مؤلمة تصبح حيالها أمام خيارين: إما التسليم بالأمر الواقع، أو التمرّد الذي يؤدي إلى الانحراف بشكل أو بآخر".
من جانبها قالت الأخصائية الاجتماعية سلوى بن بريك: "من خلال خبرتي التي تجاوزت 12 عاما في البحث الاجتماعي، ومن خلال نزولي إلى المصحات والسجون ودار الأحداث، رأيت ما لم تره العين من قصص ومآسٍ لفتيات تمرّدن على واقعهن وانحرفن وتم استغلالهن بكافة الأنواع لينتهي بهنّ المطاف في دُور الأحداث والسجون، ولهذا أودّ أن أقدّم نصيحة ورسالة إلى كل فتاة وإلى الشباب من كلا الجنسين (ذكور وإناث) بأن البحث عن التطوّر والارتقاء من خلال الهروب بحثا عن الأمنيات والأحلام قد يصبح نهاية المطاف بالنسبة لهذه الأحلام، وسيموت حُلمك مع كل صرخة لك بالموت".
كما وجّهت بن بريك رسالة إلى الآباء والأمّهات تؤكد ضرورة أن يتفهموا نفسية أولادهم قبل فوات الأوان، كما يجب مساعدتهم وأن يكونوا صدرا حنونا وليس سوطا يقتل الروح والجسد والحُلم.
رأي علماء الدّين
علماء الدّين يؤكدون الدّور الأول للأسرة في مُراعاة الأبناء، وخاصة الفتيات، والتواصي بهن خيرا، وفي هذا الصدد يقول إمام وخطيب أحد مساجد مدينة كريتر، علاء جميل: "إن الفتاة والمرأة أمانة في أعناق والديها أولا وأخيرا"، مشيرا إلى أن النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) رسّخ مفهوم التربية في الإنسان بعمومه سواء الرجل أو المرأة.
ويضيف: "ولهذا إذا واظبت الأسرة على ترسيخ المفاهيم الدِّينية والتربوية في عقل الفتاة منذ الصِّغر لن نلاحظ نشوزا ولا انحرافا ولا تمرّدا، أما إذا ترك أمرها وشأنها وتعمل ما تشاء فانتظر كل بلاء منها؛ لأن إفرازات الواقع مؤثّرة في نفسها بما يبث من قاذورات الإعلام ورزايا الأقلام، ومنتجات الأفلام، فالمسؤولية العُظمى والكُبرى على الأسرة أبا وأما وأخا وأختا".
وتابع قائلا: "يجب أن نعرف أسباب وصول الفتاة لهذه المرحلة من الهروب وعصيان الأوامر، ويكون العلاج بأن تنصح هذه الفتاة وتهذّب بالآيات والأحاديث وتعرف بالقدوات الحسنة من النساء كفاطمة الزهراء وعائشة وخديجة وزينب وبنات رسول الله وأسماء بنت أبي بكر، هؤلاء مصدر للقدوة في النساء، والحل بيد أهلها في نظر الدِّين. وهو إذا لم تتعظ بالترغيب فعليكم بالترهيب؛ لأن الدِّين يريد أن يُحافظ على الأعراض. فالدّين يرفض هذه السلوكيات، بل ويدعو إلى الطّهارة والأدب والالتزام والحشمة حتى في النّظر. يقول الله تعالى: (قل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن)، وقال سبحانه: (يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن). فالإسلام يدعو إلى الأدب ويمقت كل المقت النشوز والعصيان، ويدعو إلى إصلاح البنات والفتيات في زمن كثرت فيه الفتن والمحن".
كلمة أخيرة
مهما تعددت أشكال وصور تمرّد الفتاة تظل الأسرة المسؤول الأول والأخير عن تشكيل شخصية وسلوك ابنتها، فهي الانعكاس والواجهة لتربيتها ومكانتها، إلا أن المشكلة الحقيقية تكمن في انعدام نموذج القدوة الحسنة. فالروابط الأسرية اختفت أواصرها، ولم تعد هناك مائدة تجمع شمل الأسرة. ولم يعد الوقت كافيا لكي ينظر كل طرف في عين الآخر ليعرف هل هو مسرور أم مهموم، وفي الوقت ذاته نجد أكثر الفتيات منشغلات مع القنوات الفضائية والإنترنت، ومنبهرات بالعالم الخارجي، وتقليد كل ماهو جديد في ظل غياب رقابة الوالدين. وأخريات وقعن تحت وطأة ظروف اجتماعية واقتصادية متردية، فلم يجدن بُدا غير الهروب واتخاذ أشكالٍ مختلفة من التمرّد؛ بحثا عن الأمان والسعادة الضائعة، ولم تجد تلك الفتاة من يتحاور معها أو يستمع إلى مشاكلها وهمومها. فالهوّة بين الوالدين والفتاة هي التي تبدأ بزرع جذور التمرّد والانحراف عن واقعها. والسؤال: تُرى متى سيعود الآباء إلى منازلهم، ويدركون مسؤوليتهم الحقيقية ويخرجون أجيالا صالحة تطبّق مبادئ الدِّين ليحتذي بهم؟
صحيفة السياسية |
|
|
|
|
|
تعليق |
إرسل الخبر |
إطبع الخبر |
RSS |
حول الخبر إلى وورد |
|
|
|
|