صنعاء نيوزد/ رؤوفة حسن -
بيت الدمية مسرحية شهيرة للكاتب النرويجي هنري ابسن، وقد شكلت المسرحية في زمنها في أواخر القرن الثامن عشر الميلادي الحدث الاجتماعي الأكثر ثورية في القضايا التي أثارها. وهي تتحدث عن العلاقة الزوجية والشعور بالأمان والسعادة داخل الأسرة ثم تتابع تطور الأحداث لتصبح قضية قرض استدانته الزوجة لمساعدة مريض أدت إلى انهيار كل البنى الوهمية بالأمان. وقد أثارت المسرحية في زمنها نقاشات كبيرة وجدلا بدأ ولم ينته حتى اليوم داخل كثير من المجتمعات المتقدمة. وقد تذكرت أحداث هذه المسرحية، وأنا استمع إلى بعض تفاصيل الحياة اليومية لزوجة يمنية عاملة ولديها أطفال وتقوم بجهود خيالية للتوفيق بين كل الأعمال التي تقوم بها خارج البيت مع الأعمال داخل البيت، وتحصل بالكاد على نسبة صغيرة من العون من زوجها سواء في دوره كأب أو في دوره كرب بيت. وتردد دوما "يهون الجهد في سبيل ان المركب يسير". ولكن ابنتها التي أنهت تعليمها وتمت خطبتها تمثل مشكلة بالنسبة لها، فالفتاة تريد شريكا فعليا في حياتها دون شعور بالدونية والغبن. وتدور نقاشات بينها وبين هذا الخطيب تجعل الأم العاملة المثقفة في حالة استغراب ودهشة. فهي لم تتوقع أبدا أن مثل هذا النوع من الحوار الثنائي الذي تحلم به يمكن ان يحدث فعلا بينها وبين زوجها، اما ان يتم تطبيق ذلك في الحياة العملية فهي تقول ان ذلك مستحيل مع زوج يمني، ربته أمه على ان يحصل على الخدمة الكاملة في البيت وتكون له الكلمة الفصل ويسمح بالحديث أو يمنعه عندما يرغب سواء على الحق أو الباطل. بيوت مقاومة للتحديث: يمثل البيت اليمني مثل أي بيت في أي مكان من الأرض موقعا لكل ما هو قائم في المجتمع فكرا وسلوكا ودينا وأسلوب حياة. وبينما يتم تجهيز النساء فكريا لتقبل المتطلبات التي يشترطها هذا الدور، يتم قليلا تجهيز الرجال لأدوارهم كآباء. وهكذا تنشأ أسرة جديدة قائمة على توقعات بالسعادة دون اعداد مسبق لما تحتاجه السعادة، ويتم الانجاب المتتالي دون الخضوع لتدريب خاص لهذا العمل لأي من الطرفين سواء الأب أو الأم بالاستفادة من التطورات العلمية التي انتجها العلم في هذا الشأن. فالطعام الصحي برغم منهج المدرسة الذي سبق له الحديث عن قيمة مجموعة المكونات المطلوبة للوجبة من سكريات وكربوهيدرات وبروتين وفيتامينات، لا يتم أبدا ترجمتها في المائدة اليومية إلى مائدة غنية بالخضار ومصدر المواد المطلوبة. والمعلومات المنهجية عن نمو الأطفال وعن علاقة المرض بالميكروبات والأوساخ لا تنعكس في الطريقة التي يتم بها تنظيف البيت او الطفل او المواد الغذائية أو الملابس. وكل شيء آخر في الحياة التي يمكن شراء كتاب واحد للرد عليها يتم الاستمرار في تجاهلها واتباع طريقة واحدة سواء كانت صحيحة أو خاطئة هي ما كانت أسرة الأم أو أسرة الأب تتبعه سواء كان ما تفعله صحيحا أو خاطئا فليست هناك لحظة توقف واحدة للمراجعة. فحتى لو كان أفراد تلك الأسرة جميعهم واقعين تحت مرض السكري مثلا بسبب سوء التغذية وعدم التوازن بين السكريات ومصادرها المختلفة فإن الأسرة الجديدة ستواصل الدرب في طريق تكريس المرض إلى ماشاء الله. واذا كان الأب قد تعرض للضرب من والده ففي الغالب سيكون ذلك هو مصير الابناء الجدد باعتبار ذلك طريقة التربية الوحيدة المتاحة. فرص التعايش السلمي: أخطر ما في الموضوع هو ان الاحصاءات تقول بوجود ما يصل إلى مليون عائلة يمنية يعيش فيها الابناء والبنات مع الوالدين في غرفة واحدة. في هذه الغرف ومن بين هذه العائلات توجد أعلى نسبة من ظواهر العنف والاعتداء على الأفراد الضعفاء في الأسرة وهم البنات والأطفال من ذكور واناث . والأمر هنا يجب أن يعالج من كل الأطراف، وفيه ضرورة لتدخل التشريع والدولة. فالسياسة التي يقتلونا يوميا بتغطيات أزماتها في وسائل الاعلام ليست هي العنف الوحيد الذي يتم تسليطه على الناس، بل إن حياة الناس بحاجة إلى تنظيم لتحقيق تعايش سلمي داخل البيت اليمني. ففي بعض الحالات تصبح غرفة الأسرة الوحيدة التي تمثل بيت الأسرة موقعا أكثر خطورة من الشوارع على أفراد هذه العائلة. وخطاب الجمعة يتوجه نحو عالم لم يعد يفهمه أحد، والنادي مشغول بمباريات الهواء وتشويه السمعة، والبرلمان مشغول بالخلافات بين الكتل، والناس في بيوت زجاجية جميعها معرض للكسر، ان لم يكن في شكل الموقع ففي نوع العلاقات بين الأفراد أزواج وزوجات وآباء وأمهات وأبناء وبنات. والله يعين الناس من أجل ان المركب يسير.
|