صنعاء نيوز/ العميد المتقاعد شارل ابي نادر -
يتمتع تنظيم داعش الارهابي بعدة مميزات ، تضعه في مصاف اللاعب الاكثر قدرة على المناورة وعلى تكييف الميدان الذي يعمل به حسبما يتم توجيهه ، فهو جاهز لايصال كافة انواع الرسائل وفي مختلف الاتجاهات ، ويمكن اعتبار الاستثمار به او من خلاله ، مشروعا ناجحا و منتجا في كافة المجالات : مذهبيا ، ميدانيا ، عسكريا ، ديبلوماسيا ، اقليميا ودوليا .
عندما ظهر التنظيم وتمدد وانتشر ، متجاوزا الجغرافيا والتاريخ والمذاهب و الحدود و العلاقات التاريخية بين الدول ، هاجمه الجميع ( مبدئيا ) ، وشكلوا التحالفات الدولية والاقليمية لمحاربته ، فبدا الموضوع لاول وهلة ، و من خلال هذا الاستنفار العالمي ضده ، مسألة ايام او اشهر الى ابعد تقدير و يزول هذا المخلوق الخارج عن المألوف ، لنجد بعدها ان حضوره اصبح اقوى واقسى ، و انتشاره اوسع واشمل ، ورده السريع على تلك التحالفات الدولية والاقليمية كان باعلان دولته وتعيين قادته وامرائه و مسؤوليه ، في السياسة والاعلام والميدان والامن والمالية والتعليم و ... و.. و هكذا ، كان دائما يتقدم دون ان يلتفت لتلك التحالفات الهشة ، بالسيطرة اكثر وبزيادة القتل والاجرام والتحدي ، ساخرا منها ، مهددا متوعدا ، ومُنفذا .
لقد حضن " تنظيم الدولة " مختلف الجنسيات و القدرات والمستويات ، من العلماء والمخترعين ، الى القادة العسكريين اصحاب الخبرات في اشرس معارك المواجهات ما بين العراق او افغانستان و الشيشان وبلاد القوقاز وغيرها ، الى رجال الامن الاذكياء الذين كانوا يمثلون اذرع وادمغة الانظمة الاكثر شراسة وبطشا في المحيط والعالم ، الى خطباء المساجد الابلغ والاوسع فقها و تأثيرا ، واحتضن ايضا اعدادا كبيرة من "المجاهدين في سبيل الله " الطامعين بالجنة باكرا والجاهزين لتفجير انفسهم في اي وقت ومكان وطريقة و بمختلف احجام وانواع الاحزمة والعبوات والتفخيخات المتفجرة ...
اللافت في وقائع ومعطيات المعركة الدولية في مواجهة داعش ، او في معارك الأخير على طريق نشر عقيدته و توسيع سيطرة دولته ، ان مناوراته كانت دائما تتميز بانها تفاجئ الجميع ، وعندما كان يتعرض لهجوم في مكان او مدينة او قطاع ، كنا نراه يفلت في جهة اخرى ، ينفذ عملية انتحارية او اكثر ، يهاجم موقعا معاديا له او اكثر ، وكان دائما ينقل الاهتمام الى مكان آخر ، داخل او خارج ميدان المواجهة العسكرية معه ، او ينقل التركيز الدولي الى تغييرٍ آخر في نوع الهدف ، او الى اسلوب جديد في الاعتداء كالتفجير او اطلاق النار المباشر او الدهس او نشر السموم من اسلحة كيميائية ، او غير ذلك مما يكتشفه او يُتقنه ارهابيوه اصحاب المخيلة الواسعة .
كل هذه القدرات والتقنيات والامكانيات كانت ترعاها دائما وتحضنها بطريقة مباشرة او غير مباشرة ثلاثة ميادين مختلفة هي :
اولا : تركيا حيث الجغرافيا المفتوحة على الحدود بين سوريا والعراق ، وكان هذا الميدان يمثل دائما الرئة التي يتنفس منها التنظيم :
- في وصول مسلحيه ومؤيديه ، الاجانب او الاقليميين بطريقة سهلة سلسة دون اية صعوبات ادارية او امنية
- في حصوله على الاسلحة والتجهيزات ، والتي كان مستحيلا عليه متابعة معاركه الواسعة من دونها ، وما كان يتم اكتشافه او يظهر بين يدي مقاتليه من تجهيزات واسلحة وتقنيات متطورة هو خير دليل على ذلك.
- ايضا لعبت اراضي ومرافىء تركيا بالنسبة لداعش شريان تدفق الاموال التي كان يكتسبها برعاية شركات وطنية تركية ، عبر ضخ النفط المسروق من اراضي سيطرته في العراق وسوريا ، او عبر مؤسساتها المالية والتي كان يحصل عبرها على تحويلات الاموال المختلفة المصادر ، القريبة او البعيدة .
ثانيا : الميدان السعودي الحاضن الاساس لاغلب ما يحتاجه داعش :
- فكريا حيث مدارس الوهابية المنشئة للتشدد والتحريض المذهبي .
-- اعلاميا حيث مئات الفضائيات المتخصصة بنشر سموم الحقد والاجرام والتكفير .
- ماليا حيث تتنافس آلاف الجمعيات والمدارس والمؤسسات الخاصة اوالملكية على تأمين الاموال لمقاتلي الدولة "الذين يجاهدون في سبيل الله والدين" ، والذين يقاتلون اعداء الأمة الكفار والمرتدين ، الرافضة والمشركين ...
ثالثا : الميدان الاميركي الذي يؤمن الحماية الخفية و الفاعلة لداعش في :
- عملياته وانتشاره وتحركاته ، حيث يتنقل بوحداته وآلياته وصهاريج نفطه مئات الكيلومترات على مرأى طائرات واجهزة الرصد والمراقبة الاكثر تطورا في العالم ، وفي جغرافيا مكشوفة وواضحة وممسوكة بالكامل ، دون ان تنتبه هذه الطائرات او اجهزة الرصد لهذه الانتقالات و التي من المفترض ، على الاقل ، ان تكون اهدافا اساسية لقاذفات التحالف الدولي الذي يحارب الارهاب ... مبدئيا .
- اتصالاته ، حيث لم يصدف ان اكتشفت اجهزة التنصت الاميركية - ايضا الاكثر تطورا في العالم - اي مكالمة او اتصال او تسجيل حول عملية انتقال او هجوم او اعتداء لداعش ، بالرغم من تنفيذ الاخير آلاف العمليات بشكل شبه يومي ، وفي كافة امكنة مواجهاته الواسعة .
- مواجهاته الحساسة ، حيث وزيري الخارجية و الحرب الاميركيين جاهزان دائما للطيران الفوري والضغط والتهويل ، وخداع الدولة العراقية وتأخيرها عن اي قرار يهدف لحسم معاركها في المدن حيث يسيطر داعش ، و حيث تظهر فورا ، و في اية عملية حاسمة ضد المجموعات الارهابية الغيرة الاميركية على المدنيين ، فيعبّرون بشراسة مباشرة ، او من خلال مؤسسات الامم المتحدة ، عن انسانيتهم المرهفة وديمقراطيتهم العريقة .
واخيرا ... هل ما نشهده اليوم في اكثر من ميدان اقليمي قريب ، بدأ يؤسس لتفكك هذا الحلف الثلاثي الذي خلق داعش ، حيث نرى الاخير في العراق بدا ينهزم ، بالرغم من انه لم يتبين حتى الان مصيره الواضح في الموصل ومحيطه بعد ان سحب الاتراك والاميركيين تأثيراتهم المعتادة لحمايته ، او في سوريا حيث نراه يخسر تباعا مواقعه الاستراتيجية شمالها ، خاصة في المواجهة الدموية الشرسة في مدينة الباب شرق مدينة حلب ، والتي تحصل لأول مرة بهذه الطريقة المباشرة بين وحدات عسكرية نظامية تركية ترعى وحدات درع الفرات من جهة ، وبين عناصر التنظيم الارهابي من جهة اخرى ، وكل ذلك يحدث في ظل انسحاب خليجي سعودي صامت وخجول ، وفي ظل لامبالاة اميركية ظاهرة ، يغطونها بانشغال رسمي وسياسي وديبلوماسي |