صنعاء نيوز - الضغوط الميدانية والسياسية على تركيا تدفع بأنقرة إلى التراجع عن رفض الحوار مع الأسد
نائب وزير الخارجية التركي محمد شمشيك، لم يُطلق مفاجأة من خارج السياق في إعلانه قبول الحوار مع الرئيس بشار الأسد. ففي منتجع "دافوس" حيث يجتمع "الكبار" سنوياً، سبقه كثيرون منهم إلى ما سماه شميشيك "عدم واقعية الاستمرار بالرفض". وربما لم يعلن بعض المسؤولين ورؤساء الدول ذلك صراحة، لكن أروقتهم بما يشي بالتراجع تنضح.
تغيّرت الأحوال جذرياً على ما يقول المسؤل التركي، في إشارة ربما إلى معادلات ميدانية وسياسية جديدة بعد حلب. ولم تعد اللاواقعية السابقة قابلة للمراهنة على معجزات تقطيع الوقت والاطمئنان للمجهول. لكن يبدو أن شميشيك يتقصّد في "دافوس" صدى صوته الذي يصل إلى المجموعات المسلّحة التي جمعتها تركيا في أستانة على وعد ما تسميه هذه الجماعات "الاصرار على التمسك في أهداف الثورة". وفي مجريات هذه السردية ليس فقط الاستمرار في الحرب حتى إسقاط النظام، بل وأيضاً الدخول في فتح جديد بين موسكو وأنقرة لعزل إيران وانسحاب حزب الله من سوريا، كما عبّر "المستشارون القانونيون" الثلاثة في وفد المعارضة السياسي إلى أستانة.
ولا ريب أن ما سمته هذه المجموعات رسالة تطمين خاصة من الرئيس التركي بالثبات على الموقف، ضربت على وتر دغدغة الأحلام لتسهيل جمع ما يمكن من المجموعات في تراجع الخطى هوينا. لكن الخطاب الرسمي التركي "بالثبات" وفق ما أعاده وزير الخارجية التركي، هو بمثابة تمهيد عملاني لتسويق التحوّل التركي، بحسب ما كشفته المجموعات الرافضة للذهاب إلى أستانة في مجريات المباحثات مع موسكو في أنقرة. ولا يقتصر هذا التحوّل على "عدم الثبات" بشأن الرئيس السوري وعلى الحوار مع الدولة السورية في الحل السياسي المنشود بين السوريين، بل يتعداه إلى تسليم السلاح والمصالحة وقتال الارهاب إلى جانب الجيش السوري.
ما أعلنته مصادر المجموعات المسلحة إلى وكالات الأنباء الروسية، بشأن تشكيل كتائب مشتركة مع الجيش السوري بقيادة ضباط من تركيا وروسيا، هو ما جرى الاتفاق بشأنه في لقاءات أنقرة تحت اسم المجلس العسكري كما كشفت المجموعات الرافضة. وهو مجلس بقيادة تركية ــ روسية في خلال مرحلة مؤقتة لتأمين انسحابات متبادلة على خطوط التماس مع الجيش السوري، من أجل تسليم السلاح للجيش والاتفاق على المعركة المشتركة في مواجهة "داعش" وعزل النصرة. وفي هذه الأثناء لا بد من تنسيق المجلس العسكري المقترح مع غرفة العمليات بين موسكو وطهران ودمشق وحزب الله، والانتقال الميداني والسياسي من المواجهة إلى المشاركة خطوة بعد خطوة.
الضغوطات التركية على المجموعات الذاهبة إلى أستانة التي بلغت 14 فصيلاً بحسب ميخائيل بوغدانوف، ليس كافية وحدها لدفع تحوّلها نحو حوار مباشر "بين طرفي النزاع" وفق مولود جاويش أوغلو. فالضغوطات الأخرى بعد حلب الضاغطة على أنقرة والمجموعات المرافقة، قد تكون أشدّ تأثيراً على تحوّلها. وإلى جانب هذه الضغوطات تبرز أمامها مغريات تسمح لها بالتراجع عن الاستمرار في نفق مسدود، إلى الدخول في طريق مفتوح نحو مشاركة فاعلة في الحل وحفظ الوجود. فهي في مباحثات أستانة مع الدولة السورية، تسهم في "وضع معايير التسوية الشاملة التي ستستمر ضمن فعاليات أوسع في جنيف شباط/ فبراير" كما أوضح سيرغي لافروف في افتتاح المشاورات السياسية للدول الأعضاء في منظمة شنغهاي. وبمعنى آخر تكون هي الطرف الأكثر تأثيراً بين معارضات جنيف والأكثر ترجيحاً في صناعة الحل.
ما يضغط على هذه المجموعات في الميدان والسياسة، يضغط على أنقرة بشكل أشدّ وأدهى في خياراتها السورية والإقليمية بعد حلب، وفي خيارات الرئيس التركي الداخلية التي تشتد صعوبة إذا لم يجد حزب العدالة والتنمية مخرجاً آمناً مع موسكو وطهران في سوريا. وعلى الأرجح يعوّل الرئيس التركي على تراجعه خطوة في اتجاه دمشق، لكي يتقدّم خطوتين في الشمال السوري بدعوى مكافحة الإرهاب.
وتشمل هذه المراهنات التوسّع الميداني تحت جناح "درع الفرات" وكذلك توسّع النفوذ والرعاية السياسية في إدلب وغيرها. لكن هذه الطموحات غير المنظورة قد تبقى طموحات وآمال أبعد من متناول أيدي أنقرة في المتغيرات الدولية والإقليمية. فما تقف عنده اليوم هو المشاركة في محادثات وفق الاتفاق الروسي ــ الإيراني ــ التركي مع كازاخسان. وشرطه الأول العودة إلى الواقعية في الحوار مع الرئيس الأسد. لكن العودة إلى الواقعية السياسية قد تكون أهم ما تكسبه تركيا في علاقاتها الاقليمية وفي نظرتها ولنفسها.
الميادين
|