صنعاء نيوز/نوارة نجم -
كانت عجيبة من عجائب الأقدار حيث كنت أسيرة في الشارع يوم 24 يناير 2017 لتستوقفني سيدة في العقد السادس من عمرها وتقول لي: أنا فاكراك... فاكرة صوتك لما كنت بتقولي إحنا في الميدان لوحدنا وهمّ داخلين علينا وعددنا قليل.. انزلوا انقذونا.. ثم أجهشت كل منا بالبكاء بالتزامن. تابعت السيدة: اللي راح على الأرض عمره ما بيروح عند ربنا... مفيش فايدة.
في الذكرى السادسة للثورة، يقبع عدد كبير من رموز الثورة في السجون أو في الإحباط وخيبة الأمل
في الذكرى السادسة للثورة، يقبع عدد كبير من رموز الثورة في السجون أو في الإحباط وخيبة الأمل
وقبل أن نبدأ "المندبة" يجدر الإشارة إلى أن الثورات عادة ما "تفشل" إذا ما قيست بأحلام الثائرين، والنتائج التي انتهوا إليها.
إذا لم تكن الثورة انقلاباً عسكرياً، عادة ما يتم التنكيل بالثوار الحالمين، ببساطة لأنهم حالمون.
كانت عجيبة من عجائب الأقدار حيث كنت أسيرة في الشارع يوم 24 يناير 2017 لتستوقفني سيدة في العقد السادس من عمرها وتقول لي: أنا فاكراك... فاكرة صوتك لما كنت بتقولي إحنا في الميدان لوحدنا وهمّ داخلين علينا وعددنا قليل.. انزلوا انقذونا.. ثم أجهشت كل منا بالبكاء بالتزامن. تابعت السيدة: اللي راح على الأرض عمره ما بيروح عند ربنا... مفيش فايدة.
في الذكرى السادسة لثورة يناير كلنا يتصارع بداخله مشاعر مختلفة.
في الذكرى السادسة للثورة، ينعم البعض بنتائجها، وأغلب من ينعمون بنتائجها لم يشاركوا فيها، بل وبعضهم كان ضدها.
في الذكرى السادسة للثورة، يقبع عدد كبير من رموز الثورة في السجون أو في الإحباط وخيبة الأمل.
لا يساورنا الندم للحظة، كما أن الأمل أصبح بعيد المنال.
كما لخصت السيدة: اللي راح على الأرض ما بيروحش عند ربنا... مفيش فايدة.
هاتان الجملتان اللتان تبدوان متناقضتين هما حقاً الحديث الداخلي لأغلب المشاركين في ثورة يناير، وعلى تناقضهما الظاهري، إلا أنهما متسقتان باطناً، مفيش فايدة... على الأرض التي أشارت إليها السيدة، لكننا ننتظر العدل من الله.
تطور درامي حدث لأغلبنا على مدى ست سنوات، من أشخاص يحدوهم الأمل، يحاوطهم الحب، الثقة، الانطلاق، الرغبة العارمة في التضحية، ثم الشعور بفداحة التضحية والرغبة في نيل الحد الأقصى من الأماني في مقابل التضحيات الجمة: عيش، حرية، عدالة اجتماعية، كرامة وطنية.
كان ناقص نطلب ندخل الجنة في الآخرة.
ثم بدء استشعار الخيانة من عدة أطراف كنا نضع فيهم ثقتنا – غير المبررة – دون قيد أو شرط.
لم تكن الثقة في الأشخاص أو الكيانات أو المجموعات أو المؤسسات، بقدر ما كانت ثقة في تحركنا: معقولة يعني المؤسسة العسكرية تبيع الثورة والناس؟ معقولة يعني الأخوان اللي الثورة طلعتهم من السجن يخونوها؟
مش معقول طبعا.... هاه؟
ثم اتضح لنا أنه معقول، وربما جائز، ثم تبين لنا أنه لازم، ثم تمسكنا بالحلم، ثم إنه كان لدينا استشعار بالقوة يبدو لي الآن غير مفهوم، قوة العدد، قوة الأنفاس، قوة الهتاف.
كيف تسنى لنا أن نحلم بأن أنفاسنا الحارة التي عبأت الشوارع قادرة على هزيمة نظام فاسد يضرب بجذوره في البلاد لعقود مضت، أو أن هتافنا قادر على تغيير قناعات وإيمانيات غزلت بعناية على مدى عقود في عقول ظنت أن معها مفتاح الجنة؟
هكذا راهن الحالمون على صدق أنفاسهم بينما كانت تحاك المؤامرات بحق في الغرف المغلقة، ثم انتهت الاجتماعات إلى اتهام من في الشارع بأنهم متآمرون.
ثم ببراءة ظننا أننا يمكننا بقوة أنفاسنا أن نفرض شروطنا.
ثم تم التعامل معنا بوصفنا "شوية عيال مهافيف"، ثم تم التعامل معنا باحتمالية "جربوا تشتروهم"، ثم تم التعامل معنا بوصفنا "خطر على البلاد".
وهكذا تملكنا شعور بأن الحلم الجميل قد انتهى.
وانتقلنا من مرحلة طرح مطالب الثورة إلى مرحلة التأكيد على أن الثورة لم تكن مؤامرة.
وانتقلنا من هتاف: عيش، حرية، عدالة اجتماعية، كرامة وطنية.
إلى: عيش، حرية، الجزر دي مصرية.
وقد ينتابني خوف نابع من ظلام اللحظة الراهنة بأن الهتاف القادم: بلا عيش بلا حرية سيبوا البنطلون عليا.
لكن علينا ألا نغرق في ظلام اللحظة.
وعلينا أن ننظر من بعيد كقادم من كوكب آخر.
علينا الخروج من أحزاننا الشخصية، كوابيسنا التي تداهمنا كل ليلة، يزورنا فيها وجوه الأصدقاء الدامية، وأعينهم المفقوءة، ورائحة الدم، وصورة ثلاجات المشرحة التي حوت أجمل الشباب.
ولنتفقد ثورات من قبلنا.
ولنتفقد تغيرات حدثت بالفعل، حتى وإن كان المستفيدين منها أشخاص كانوا ضد الثورة.
أصبح هناك خطاب جديد.
أصبح هناك وعي جديد.
أصبح هناك أشخاص جدد... فكلما كبرنا عشرات السنين في زهاء ست سنوات، تغير معنا الناس أجمع. لم يعد لدى الفاسد الشعور بالأمان الذي كان متوطنا في قلبه.
إذا خسرنا نحن، فلم يربح أعداؤنا. لكن مكسباً ما أحرزه المجتمع.
قد يحدث التغير المنشود، بعد عقد، أو اثنين، أو بعد قرن. لا يهم. المهم أننا شاركنا في كتابة تاريخ هذا البلد، وأننا بقوة أنفاسنا غيّرنا مسار مستقبلها، حتى وإن دفعنا ثمن هذا نوماً هانئاً لا نرى فيه جثث أصدقائنا القتلى.
رحم الله شهداء يناير.
وكل الحالمين من الشهداء.
وسلام على أهل السلام.
المصدر: الميادين نت
إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي الميادين وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً |