صنعاء نيوز/الدكتور عادل عامر -
فقد نص الدستور المصري وفق نص المادة 82 تكفل الدولة رعاية الشباب والسياسية والعمل على اكتشاف مواهبهم، وتنمية قدراتهم الثقافية والعلمية والنفسية والبدنية والإبداعيةً، وتشجيعهم على العمل الجماعي والتطوعي، وتمكينهم من المشاركة في الحياة العامة.
أثبت الشباب المصري منذ 25 يناير 2011 وثورته المجيدة أنه من أهم الأعمدة القائم عليها عملية الإصلاح في جمهورية مصر العربية من خلال توجيه قدرة الدولة والمجتمع في رسم السياسات المقبلة لإدارة الدولة بفاعلية، ويتمتع الشباب بحيوية عالية وطاقة رهيبة قادرة على التأثير داخل المجتمع. ما يحتاجه الشباب في هذه الفترة هو القدرة على العمل الجماعي وعلى تجميع القوى في إطار واحد يضمن حرية المشاركة الفاعلة والى دعم الشباب لتوحيد رؤيتهم نحو بناء مستقبل ينعمون خلاله بتوافر كافة عناصر الحكم الرشيد المبنية على أساس احترام حقوق الإنسان وحرياته الأساسية.
وعليه يجب إشراك الشباب في جميع شؤون الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وهنا يأتي دور الشباب في تعزيز مفهوم سيادة القانون من خلال التوعية بالحقوق والواجبات المفروضة على الشباب بصفتهم أعضاء في المجتمع ومشاركين في بنائه، وهذا سينعكس إيجابا على سلوكياتهم وسيترك أثرا كبيرا على أداء الحكومات وتفعيل مبدأ الرقابة عليها. ويتركز دور الشباب في عملية تفعيل مفهوم سيادة القانون من خلال تفعيل دورهم بالمشاركة القائم على بناء المجتمع حتى يصبحوا مصدرا مهما من مصادر القوى الداخلية والقادرة على فرض وجودها والعمل على التغيير والمراقبة والمحاسبة والمساءلة والتأثير ضمن حدود القانون والدستور.
يستطيع الشباب المصري أن يكون قادرا على المشاركة من هنا فالمشاركة السياسية قد تعنى أي عمل تطوعي من جانب المواطن، بهدف التأثير على اختيار السياسات العامة وإدارة الشئون العامة أو اختيار القادة السياسيين على أي مستوى حكومي أو محلى أو قومي. وهناك من يعرفها على أنها عملية تشمل جميع صور اشتراك أو إسهامات المواطنين في توجيه عمل أجهزة الحكومة أو أجهزة الحكم المحلى أو لمباشرة القيام بالمهام التي يتطلبها المجتمع سواء كان طابعها استشارياً أو تقريرياً أو تنفيذياً أو رقابياً، وسواء كانت المساهمة مباشرة أو غير مباشرة.
وهى قد تعنى لدى البعض الجهود التطوعية المنظمة التي تتصل بعمليات اختيار القيادات السياسية وصنع السياسات ووضع الخطط، وتنفيذ البرامج والمشروعات، سواء على المستوى الخدمي أو على المستوى الانتاجى، وكذلك على المستوى المحلى أو المستوى القومي.
كما تعنى المشاركة إسهام المواطنين بدرجة أو بأخرى في إعداد وتنفيذ سياسات التنمية المحلية سواء بجهودهم الذاتية أو التعاون مع الأجهزة الحكومية المركزية والمحلية.
كما قد تعنى تلك الجهود المشتركة الحكومية والأهلية في مختلف المستويات لتعبئة الموارد الموجودة أو التي يمكن إيجادها لمواجهة الحاجات الضرورية وفقاً لخطط مرسومة، وفى حدود السياسة الاجتماعية للجميع.
ويمكن تقسيم المشاركة الجماهيرية إلى ثلاثة أنواع رئيسية: المشاركة الاجتماعية والمشاركة الاقتصادية والمشاركة السياسية.
وإن كانت هناك صعوبة عند الفصل بين هذه الأنواع في الواقع العملي لارتباط هذه الأنواع مع بعضها ارتباطاً قوياً وتداخلها تداخلاً قوياً وتأثير كل نوع في النوعين الآخرين وتأثره بهما تأثراً كبيراً.
1- تعرف المشاركة الاجتماعية على أنها تلك الأنشطة التي تهدف إلى التغلب على بعض المشكلات العملية اليومية، وتسهم في تحقيق قدر من التضامن والتكافل بين أعضاء المجتمع وذلك في مجالين أساسيين:
الأول: هو الجهود التطوعية كبناء المساجد أو المدارس أو المستشفيات بالمساهمة بالمال والأرض في إنشائها.
والثاني : هو حل المشكلات اليومية والخلافات التي قد تنشأ بين الأفراد أو الجماعات في المجتمع. فالمشاركة الاجتماعية ظاهرة اجتماعية تحدث نتيجة تفاعل الفرد وتعامله مع أفراد مجتمعه وجماعاته ومنظماته ومؤسساته، وتختلف درجة استجابة المواطن لتلك المشاعر وفقاً لعدة عوامل بعضها نفسي كسماته وقدراته النفسية والعقلية وبعضها اجتماعي كظروف التنشئة الاجتماعية، كما تخضع المشاركة للظروف والعوامل الاقتصادية والسياسية والتربوية لشخصية الفرد ومجتمعه.
2- المشاركة الاقتصادية هي مشاركة الجماهير في مشاريع التنمية الاقتصادية وذلك بالمساهمة في وضع قراراتها وتمويلها وتنفيذها. كما قد تعنى الأنشطة التي تقوم بها الجماهير لدعم الاقتصاد القومي مثل دفع الضرائب والرسوم وغيرها. كما قد تعنى أن يقوم الفرد بضبط إنفاقه بحيث يكون استهلاكه في حدود دخله وبما يسمح له بوجود فائض على الدوام يدعم الاقتصاد الوطني. مع توفر درجة من الوعي تجعله يقاطع التجار الذين يغالون في رفع الأسعار أو يحجبون سلعاً معينة عن المستهلكين.
3- المشاركة السياسية تعنى تلك الأنشطة الإرادية التي يقوم بها المواطنون بهدف التأثير بشكل مباشر أو غير مباشر في عملية اختيار الحكام أو التأثير في القرارات أو السياسات التي يتخذونها.
كما قد تعنى المشاركة السياسية العملية التي يلعب الفرد من خلالها دوراً في الحياة السياسية لمجتمعه وتكون لديه الفرصة لأن يسهم في مناقشة الأهداف العامة لذلك المجتمع وتحديد أفضل الوسائل لانجازها، وقد تتم هذه المشاركة من خلال أنشطة سياسية مباشرة أو غير مباشرة.
ويرى البعض أن أنشطة المشاركة يمكن تصنيفها في مجموعتين :
1 ـ أنشطة تقليدية أو عادية: وتشمل التصويت ومتابعة الأمور السياسية والدخول مع الغير في مناقشات سياسية، وحضور الندوات والمؤتمرات العامة، والمشاركة في الحملة الانتخابية بالمال والدعاية، والانضمام إلى جماعات المصلحة، والانخراط في عضوية الأحزاب والاتصال بالمسئولين، والترشيح للمناصب العامة وتقلد المناصب السياسية.
ويعتبر التصويت أكثر أنماط المشاركة السياسية شيوعاً حيث تعرفه الأنظمة الديمقراطية وغير الديمقراطية على السواء مع خلاف في دلالته ودرجة تأثيره، فهو في الأولى آلية للمفاضلة بين المرشحين واختيار شاغلي المناصب السياسية بدرجة كبيرة من الحرية، ولكنه ليس كذلك في الأنظمة التسلطية إذ تعد الانتخابات هناك أداة لمن هم في مواقع السلطة يستخدمونها للدعاية وكسب التأييد والشرعية أكثر منها أداة للاختيار السياسي الواعي والتأثير في شئون الحكم والسياسة من قبل الجماهير، ولهذا قد يعتبر الامتناع عن التصويت لوناً من الاحتجاج الصامت.
2 ـ أنشطة غير تقليدية: بعضها قانوني مثل الشكوى، وبعضها قانوني في بعض البلاد وغير قانوني في بلاد أخرى كالتظاهر والإضراب وغيره من السلوكيات السلبية.
وتعتبر المشاركة السياسية شكلاً من أشكال التعليم، حيث يتعلم المواطنون من خلالها حقوقهم وواجباتهم، وهذا يؤدى بدوره إلى معرفة تامة وإدراك كبير لهذه الحقوق والواجبات، والى مزيد من الواقعية والمرونة في مطالب هؤلاء المواطنين. فالمشاركة السياسية ترتبط بالمسئولية الاجتماعية التي تقوم على أساس الموازنة بين الحقوق والواجبات لذلك فهي سمة من سمات النظم الديمقراطية حيث يتوقف نمو وتطور الديمقراطية على مدى اتساع نطاق المشاركة وجعلها حقوقاً يتمتع بها كل إنسان في المجتمع. كما تؤدى المشاركة إلى مزيد من الاستقرار والنظام في المجتمع مما يؤدى بدوره إلى توسيع وتعميق الإحساس بشرعية النظام..
ذلك أن المشاركة تعطى الجماهير حقاً ديمقراطياً يمكنهم من محاسبة المسئولين عن أعمالهم إذا ما قصروا في الأداء، ذلك لأن المواطنين الذين لديهم معرفة وعلم بمجريات الأمور يمكنهم الحكم تماماً على مدى جودة الأداء الحكومي. بالإضافة إلى أن المشاركة تدعم العلاقة بين الفرد ومجتمعه.
الأمر الذي سينعكس بالضرورة على شعوره بالانتماء لوطنه الكبير. كما أن المشاركة تجعل الجماهير أكثر إدراكاً لحجم المشاكل المتعلقة بمجتمعهم وللإمكانات المتاحة لها فتفتح باباً للتعاون البناء بين الجماهير والمؤسسات الحكومية. إن المشاركة الحقيقية تعنى في كثير من الأحيان تدعيم الفكر الحكومي بكثير من الآراء الجماهيرية الصالحة التي لم تتأثر بتقاليد البيروقراطية وحدودها، كما أنها تؤدى إلى قيام الجماهير بتنظيم أنفسهم في جمعيات أهلية تساند الهيئات الحكومية في مقابلة الاحتياجات العامة للجماهير ككل. والمشاركة من خلال الهيئات التطوعية تفتح في بعض الأحيان ميادين للخدمات والنشاط وهى بذلك بجانب مساهمتها المادية والمعنوية توجه الأنظار إلى ميادين جديدة
كما أنها ـ اى المشاركة ـ تزيد من الوعي العام للجماهير، لاضطرار القائمين عليها إلى شرح أبعاد الخدمات والمشروعات باستمرار بغرض حث الجماهير على الاشتراك والمساهمة فيها. كما أن المشاركة تعود المواطنين الحرص على المال العام، وهى مشكلة تعانى منها غالبية الدول النامية، حيث يتعرض هذا المال إلى الإهدار وسوء الاستعمال من جانب المواطنين، ويرجع ذلك إلى تصور إدراكهم بأن المال العام هو في حقيقته نابع من أموالهم الخاصة، وأن سوء استعمال المرافق العامة أو عدم الاهتمام بصيانتها يؤدى بالضرورة إلى تقصير فترات أعمارها الافتراضية، وبالتالي يكون عليهم تحمل الأعباء المالية اللازمة لصيانة هذه المرافق وتجديدها وإعادة بناءها.
فإذا ما شارك هؤلاء المواطنون في إنشاء هذه المرافق تصبح قيمتها في نظرهم مساوية لأموالهم الخاصة تماماً فيحرصون على حسن استخدامها. بالإضافة إلى أن مشاركة المواطنين في المساهمة في تحمل مسئولية صنع القرار يسهل كثيراً في عملية تنفيذ الخطط والبرامج، ذلك لأن تقبل المواطنين لأي مشروعات قائمة أو جديدة، وكذلك العمل على إتمام نجاح هذه المشروعات لا يتم إلا إذا شارك المواطنون في التخطيط لهذه المشروعات بناء على معرفتهم التامة وإدراكهم لفوائد هذه المشروعات وأهميتها. وأيضاً من خلال المشاركة الجماهيرية يمكن تحقيق كل أهداف المجتمع بشكل يضمن تحقيق الحد الأقصى من الفوائد وبأسلوب يتلاءم مع احتياجات ورغبات وقدرات الجماهير.
كما تسهم المشاركة وتزيد من ارتباط الجماهير بالنظام وأهدافه، وترفع من شأن الولاء والتأثير والمسئولية، وتحسن من الفاعلية، وترفع من مستوى الأداء وتحقق التكيف الاجتماعي، وتقضى على صور استغلال السلطة والاغتراب وتحقق قيمة المساواة والحرية. فأهمية المشاركة تأتى من أنها عملية لنقل وإبلاغ حاجات المواطنين إلى الحكومة. ولكنها أيضاً تهدف إلى التأثير على سلوك الحكام وذلك بتوصيل معلومات عن الأولويات التي تفضلها الجماهير، وأيضاً من خلال الضغط على هؤلاء الحكام ليعملوا وفق هذه الأولويات. وبذلك تتسع فرص المشاركة. فتقل عمليات استغلال السلطة والشعور بالاغتراب لدى الجماهير.
وتتحقق قيم المساواة والحرية مما يؤدى إلى الاستقرار العام في المجتمع، الأمر الذي يساعد على تحقيق الشروط الاجتماعية والثقافية والسياسية لنجاح خطط التنمية المختلفة.
والمشاركة مبدأ اساسى من مبادئ تنمية المجتمع، فالتنمية الحقيقية الناجحة لا تتم بدون مشاركة، كما أن المشاركة تعتبر أفضل وسيلة لتدعيم وتنمية الشخصية الديمقراطية على مستوى الفرد والجماعة والمجتمع، وهى في نفس الوقت من أبسط حقوق المواطن، وهى حق اساسى يجب أن يتمتع به كل مواطن يعيش في مجتمعه، فمن حقه أن يختار حكامه وأن يختار نوابه الذين يقومون بالرقابة على الحكام وتوجيههم لما فيه مصلحة الشعب. كما أنه من خلال المشاركة يمكن أن يقوم الفرد بدور في الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية لمجتمعه، بقصد تحقيق أهداف التنمية الشاملة على أن تتاح الفرصة لكل مواطن لكي يسهم في وضع هذه الأهداف وتحديدها والتعرف على أفضل الوسائل والأساليب لتحقيقها، وعلى أن يكون اشتراك المواطنين في تلك الجهود بناء على رغبة منهم في القيام بهذا الدور دون ضغط أو إجبار من جانب السلطات وفى هذه الحالة يمكن القول بأن هذه المشاركة تترجم شعور المواطنين بالمسئولية الاجتماعية تجاه مجتمعهم والمشكلات المشتركة التي تواجههم والرغبة في تحويل الأهداف التي يريدون بلوغها إلى واقع ملموس.
الدكتور عادل عامر
دكتور في الحقوق وخبير في القانون العام
ومدير مركز المصريين للدراسات السياسية والقانونية
والاقتصادية والاجتماعية
ومستشار وعضو مجلس الإدارة بالمعهد العربي الأوربي
للدراسات السياسية والإستراتيجية بفرنسا
ومستشار الهيئة العليا للشؤون القانونية
والاقتصادية بالاتحاد الدولي لشباب الأزهر والصوفية
ومستشار تحكيم دولي وخبير في جرائم امن المعلومات |