صنعاء نيوز - من غير المرجح ان تحظى مسودة الدستور السوري الذي تقترحه موسكو على الفرقاء في بلاد الشام، بقبول واسع.
فما ان نشرت المسودة، بفعل تسريبات، ليس خافيا؛ ان موسكو كانت
تتوقعها، حتى انبرى المعارضون لتشبيهها بدستور بريمر اول حاكم مدني امريكي في العراق بعد الاحتلال. وفي المقاربة، تجن على الدستور العراقي المعمول به
حاليا٠ ذلك لان عراقيين ، وبينهم حملة جنسيات مزدوجة؛ اجتمعوا واتفقوا على صياغة ذلك الدستور المليئ بالغام ما تزال تتفجر في العراق.
وكان سئ الصيت بول بريمر استعان بحقوقيين، وخبراء اميركان كانوا في
الظل، يوجهون العراقيين المنخرطين في العملية السياسية . فيما لم تُمارس روسيا على السوريين دور الموحي. بل تقترح مسودة وضعها خبراء لم يكشف عن هويتهم ؛ لكن الواضح انهم خبراء قانون من روسيا، استفادوا من نصوص فعالة في الدستور الروسي الذي تحتكم اليه الشعوب الروسية منذ ربع قرن تقريبا. ولم يلعبوا دورا خلف الكواليس كما فعل الاميركيون في العراق المحتل.
ومع ان غالبية الفرقاء السوريين، لم يطلعوا تماما على كل ابواب وبنود الدستور، الا ان ردود فعل متوترة ، صبت لعناتها على فكرة ان تقوم دولة باقتراح دستور على دولة اخرى، وسط الحساسية المفرطة من الدور الروسي في سوريا؛ حتى لدى بعض المؤيدين للحكومة السورية، ممن لا يريدون لموسكو دورا خارج قاذفات " سو" والصواريخ المجنحة .
لقد تركزت ردود الفعل على عناوين عريضة، بيد انها تعكس موقفا سلبيا حادا من مفاهيم مثل ؛ وحدة سوريا، وعروبتها وحقوق الاقليات، والتعدد القومي والعرقي ودور الرئيس، وموقع المؤسسة البرلمانية في حياة السوريين.
ويذهب من يرى في الدستور، محاولة للتلقين، ان الروس يريدون ان يعلموا اهل سوريا كيف يعيشون، وكيف يحكمون وكأنهم شعب من مجاهل الغابات!
ومست المسودة مشاعر من يرى في سوريا، افضل نتاج لتراكم حضارات متعاقبة.
ومع ان موسكو، تؤكد بانها لا تريد فرض مشروع الدستور على احد، وان الهدف اثراء النقاش حول قضية مفيدة "بدلا من الثرثرة" كما افادت المتحدثة باسم الخارجية الروسية، الا ان الموقف المسبق قبل قراءة مواد الدستور كاملة ، طبع معظم ردود الفعل بطابع الرفض القاطع المبتسر .
بل وكان متحدثون من المعارضة السورية؛ ادلوا بدلوهم دون ان يقرأوا حرفا واحدا من المسودة المقترحة؛ الامر الذي يعكس مدى حساسية الفرقاء من فكرة ان طرفا، يلجأون اليه منصة للتفاوض؛ ينكرون عليه لعب دور الناصح!!
ولعل المادة الخاصة بالمناصب الحكومية، في الدستور المقترح، من اكثر المواد المثيرة للجدل، ذلك لانها تكرس المحاصصة العرقية والدينية والطائفية التي ابتلى بها العراق في دستور بريمر سيئ الصيت، وان لم يتضمن نصا سافرا حول تحاصص المناصب. بينما تنص عليها جهارا مسودة الدستور السوري المقترح. فقد ورد في البند الثالث من المادة 54 : "يكون التعيين لمناصب نواب رئيس مجلس الوزراء والوزراء تمسكا بالتمثيل النسبي لجميع الأطياف الطائفية والقومية لسكان سوريا، وتحجز بعض المناصب للأقليات القومية والطائفية، ويحق لرئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء التشاور في هذا الخصوص مع ممثلي جمعية الشعب والمناطق".
وإذا تم الأخذ بالمقترح؛ فان أهل سوريا سيدخلون في دوامة، عرضت العراق الى التفكك والتشظي والخراب.
ربما أراد كتبة مسودة الدستور، ولنفترض بحسن نية ؛ اتاحة فرص متكافئة لجميع السوريين ، على قاعدة الأغلبية والأقلية، وهي القاعدة التي لا يعمل بها الدستور الروسي مثلا، في بلد متعدد القوميات والديانات والاعراق. اذ لا يتم التعيين او الانتخاب في روسيا، وفِي معظم بلدان العالم بما فيها معظم البلدان النامية، على أساس القومية او العرق او الديانة او المذهب للمناصب الحكومية، صغيرها او كبيرها.
وقد يجهل واضعو مسودة الدستور ان مسيحيا شغل في سوريا؛ حقبة الأربعينيات من القرن الماضي منصب وزير الأوقاف الاسلامية. وان هذا السياسي الفذ، احد المع ابطال الاستقلال الوطني السوري، هتف "اشهد ان محمدا رسول الله"، ردا على المحتلين الفرنسيين الذين زعموا ان مسيحي سوريا يطلبون الحماية من فرنسا " خوفا من مسلميها؟!
في ضوء مسودة الدستور يمكن التاسيس لحوار سوري- سوري حصيف، بعيدا عن نظرية المؤامرة او الوصاية. والاعتماد على قدرات السوريين الخلاقة في صياغة دستور يجنب البلاد المزيد من الهزات.
ونامل ان يضع الساسة السوريون؛ صورة بلدهم المدمر بفعل حرب لم تبق وسيلة دمار الا واستخدمت في اتونها ، امام اعينهم ؛ حين يتجادلون في الدستور، وفِي غير الدستور.
والجدل في اللغة مثل الظفيرة ..
فكرة تؤسس لأخرى كجديلة الشعر.
ولا تخص الملاحظة الاخيرة حليقي الرؤوس ذوي النزعة الفاشية!
وان يتذكر السوريون تجربة العراق المرة؛ ومآسي ليبيا، ومصائب اليمن، وحروب لبنان.
سلام مسافر |