رشيد شاهين -
عندما قامت حركة حماس بما قامت به من حسم عسكري في شهر حزيران من العام 2007، لم يدر في خلد أبناء الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، بأنهم سوف يعانون ما يعانونه ليس فقط فيما يتعلق بحصولهم على جوازات السفر الفلسطينية لا بل وسيمتد هذا التأثير على كل تفاصيل حياتهم، حيث اعتقد كثير من هؤلاء، كغيرهم من أبناء فلسطين في كل أماكن تواجدهم، بأن الفصيلين المتنازعين لا بد من أن يجدا السبيل لإنهاء الانقسام بأسرع وقت ممكن وذلك للتأثير المدمر الذي سيتركه هذا الانقسام على مجمل القضية الفلسطينية، الأمر الذي لم يحدث بطبيعة الحال، حيث لا زال النزاع مستمرا برغم إدراك القيادات السياسية الفلسطينية على اختلاف ألوانها وتوجهاتها، بأن هذا الانقسام أصبح الشماعة التي يعلق العالم عليها كل تقاعسه في إيجاد حل للصراع، والذي استثمرته دولة الاحتلال ولا زالت أفضل استثمار، وصارت تستند إليه في كل ما تقوم به من ممارسات عدوانية وتهويد وسرقة أراض وبناء جدار... الخ. المواطن الفلسطيني الذي يعيش في قطاع غزة، والذي تحمل بشكل مباشر أكثر من غيره من أبناء فلسطين نتائج الانقسام بكل ما فيه من قسوة، فهو يعاني من حصار ظالم منذ أربعة أعوام، ويتعرض يوميا للغارات والهجمات من قبل قوت دولة الاحتلال، هذا عدا عن الحرب الإجرامية التي شنت على القطاع فقتلت من قتلت ودمرت ما دمرت. هذا المواطن المغلوب على أمره لم يكفيه كل ذلك، بل يتم منعه من ابسط حقوقه والمتمثلة في حصوله على جواز السفر الذي هو حق تكفله الشرائع والقوانين المحلية والدولية. فمنذ استيلاء حماس على القطاع وقضية الحصول على جواز السفر صارت معضلة غير قابلة للحل، وهي تشمل آلاف إن لم يكن عشرات الآلاف من المواطنين الذين لا ذنب لهم سوى انهم من أبناء القطاع. من المعروف أن جواز السفر يصدر من السلطة الفلسطينية في رام الله، وقد امتنعت السلطة عن تزويد حكومة حماس بالجوازات بعد أن تم الاستيلاء على القطاع، الأمر الذي جعل حماس تطارد كل من يحصل على جواز سفر وخاصة في الفترة الأولى من استيلائها على القطاع، وصارت تلاحق كل من " يتورط" في العمل على إصدار أو تسهيل إصدار جوازات السفر، إلا انها وخلال الفترة الأخيرة سمحت لبعض المكاتب بان تقوم بمتابعة تقديم طلبات للحصول على جوازات السفر. حيث يقوم المواطن بتقديم طلبه من خلال تلك المكاتب التي ترسل هذه الطلبات إلى رام الله، حيث تتم دراسة كل طلب ويخضع مقدم الطلب إلى فحص امني لا احد يعرف ما هي المعايير التي تتم على أساسه، حيث يتم منحه لمن يمنح له، ويمنع عمن يمنع عنه هذا الجواز، ومقابل هذا الإجراء الذي من الواضح انه يستهدف بشكل خاص أبناء حركة حماس، فان حماس تقوم بمصادرة جوازات السفر التي تصدر لأبناء فتح وخاصة الرموز منهم أو تمنعهم من السفر. ومن هنا فان المشكلة هي ذاتها فيمن يتم حصولهم على مثل هذا الجواز، حيث لا فائدة من جواز مصادر أو يمنع صاحبه من السفر. عدم الحصول على جواز سفر قد يشمل ليس فقط من هم من أبناء حماس، فهي قد تشمل أناس أبرياء ليس لهم علاقة بحماس وليس بالضرورة من أعضاء الحركة، فهي قد تشمل طالبا "متفوقا" لمجرد انه ابن أو أخ أو ربما قريب لعضو من حماس، وهي قد تشمل مريضا بحاجة إلى العلاج، وقد لا يكون هذا من أبناء حماس، وحتى وان حصل وكان كذلك، فان ليس من حق أي كان ان يحرم شخصا من السفر من اجل العلاج، وقد يكون شخصا حصل على عقد للعمل في الخارج، وبمنعه من الحصول على جواز سفر فان هذا يعني حرمان عائلته وأطفاله وزوجته من قوت يومهم ورزقهم، وهذا ما لا يمكن ان يكون مقبولا بأي حال من الأحوال. الأسباب التي يتم على أساسها المنع، عادة ما تكون أمنية، وهذا عنوان عريض جدا يمكن أن يشمل العديد من التفسيرات والتأويلات، ومن هنا فإنه أنه لا بد من الأخذ بعين الاعتبار قضية مخبر صادق ومخبر كاذب، والتقارير الكيدية التي يمكن ان يتم تقديمها، خاصة وان أبناء غزة هم جزء من هذا العالم "الثالث" الذي تتم فيه المسائل بشكل نعلمه جميعا. ليس هذا فقط، حيث من المعروف انه وفي مثل هذه الحالات، فان إمكانيات حدوث ظواهر سيئة مثل الرشوة وغيرها يمكن ان تتفشى، حيث ان من يحصل على منحه جامعية في جامعة ما، أو من يحصل على فرصة للعمل في الخارج على سبيل المثال، لا بد من ان يقوم بكل ما هو ممكن من اجل الحصول على جواز السفر، والحقيقة انه يتم تداول لحديث ليس بالضرورة حقيقي أو صحيح، بأن هنالك من يقوم باستغلال هذا الأمر، سواء في القطاع أو في الضفة الغربية، ومن اجل وضع حد لهذا الذي يتم تداوله، فلا بد من الجهات المسؤولة، أن تعيد النظر في إجراءات إصدار الجوازات حتى لا يصبح الأمر واقعا أو روتينا بصعب الفكاك منه، هذا عدا عن ان قضية الحصول على جواز السفر هي من الحقوق الثابتة التي لا يجب التوقف أمامها طويلا أو إخضاعها لكل هذه التعقيدات. كذلك فان من الواضح انه لا بد للهيئات الحقوقية المختلفة الموجودة في الأراضي الفلسطينية، أن تقوم بدورها في هذا الإطار، برغم ان معلوماتنا في هذا الصدد تشير إلى ان بعض هذه المؤسسات، حاولت تحريك هذه القضية، إلا انها لم تحقق النجاحات أو الاختراقات المطلوبة أو المرجوة. |