صنعاء نيوز -
أن يؤدي مرض أو ظاهرة مرضية ما إلى وفاة شخص على الأقل فسرعان ما يجبر الجهات المعنية على استشعار الخطورة ومعرفة الأسباب لتبدأ بالمكافحة أو بالتقليل من الأضرار, وتبذل قصارى جهدها في ذلك, هذا وفقا للمنطق السليم المراعي لكرامة الإنسانية وقداستها, لكن ما حدث في مديرية المسيمير ربما اختلف كليا عن هذا المنطق, حتى أن الجهات المعنية هناك انتظرت لأيام حتى لقي ما لا يقل عن 10 أشخاص مصيرهم الحتمي نتيجة إسهالات حادة وارتفاع صاعق في درجة الحرارة.
الجمعة الماضية, وفي زيارة خاصة, كنت أسمع كثيرا من الأنين, وكثيرا من الألم, وفي المحصلة كأن تلك المديرية (35 -40 ألف نسمة تقريبا) التي تتبع محافظة لحج تعيش معزولة عن هذا العالم لحتى يفتك مرض ما بعدد من أبنائها في ظل صمت ودون شعور بالمسئولية أو اكتراث بكرامة الإنسان الذي يموت نتيجة لمرض غريب.
الأهالي هناك يجمعون على أن أعراض المرض الذي أودى بحياة أشخاص من الجنسين بينهم شباب في المرحلة الثانوية, وفي مرحلة ما بعد الجامعة, يشابه كثيرا أعراض مرض الكوليرا, وقبل هذا الاعتقاد كانت "حمى الضنك" قد اجتاحت أجزاء من المديرية, بما فيها "المسيمير العاصمة", ووصلت إلى مرحلتها النهائية والمسامة بـ"الحمى النزفية" لتغتال بعضا من الأحلام في مرحلة الزهور, في حين نجا كثيرون منها, مع أن التسجيل بالإصابة لا يزال يحرك أقلام الرصد هناك.
الأسبوع الماضي, وطبقا لمدير مكتب الصحة في المديرية, مرشد الجبري, أوفد مكتب الصحة بمحافظة لحج لجنة خاصة برئاسة مديرة الترصد الوبائي بالمحافظة الدكتورة مها عبادي إلى مركز المديرية وبعض القرى لترى في المرض غير المعروف حتى الآن والذي تسبب بحالات وفاة.
وأوضح الجبري, نقلا عن مها عبادي, أن المرض نتج عن اختلاط مياه الشرب بمياه الأمطار التي تدفقت في الفترة الأخيرة, لكنه لم يعط اسما محددا للمرض, مع أن ينابيع مياه الشرب التي تغذي المديرية بكامل قراها تقع في الأصل على مجرى وادي تبن, والتي تتعرض معظمها للجفاف إذا شح الوادي من السيول, وهذه الينابيع هي المصدر المائي الوحيد للأهالي هناك طوال أيام السنة, لكن الحلقة المجهولة حتى الآن تكمن في تلوث المياه, على الرغم من أن مصدر الخطورة قد يشمل عددا أكبر من الضحايا.
إسهالات فوفاة
يقول علي ناصر, إن ابنته "ريم", وبعد عودتها من حفل زاوج, السبت 9 أكتوبر الجاري, فوجئت بارتفاع في درجة الحرارة, وحين خضعت للفحوصات والعناية في اليوم التالي بمستشفى المديرية لم تنخفض درجة حرارتها بالعلاجات التي أقرت لها, وظلت في ارتفاع.
"ريم" البالغة من العمر 17 عاما ونصف, وتدرس في الصف الثاني ثانوي, أصيبت في ظهر اليوم الرابع بإسهال حاد, ولم تمر ساعات محددة, قدرت بالـ4, حتى لقت حتفها.
يقول والدها: لم نعرف بمرضها من الفحوصات إلا بأنها التهابات, وتوفيت بعد ساعات من إصابتها بإسهال حاد, ونتيجة لذلك, أصيبت والدتها بالشلل, طبقا لتعبيره.
وفي قرية "المَلِحَة" كان "سالم صالح محمد" آخر ضحايا المرض, بعد إصابته بارتفاع درجة الحرارة وإسهال حاد.
و"سالم" في العشرينيات من العمر, سبق وأن تخرج العام المنصرم من كلية التربية/ صبر, جامعة عدن, بكالوريوس لغة انجليزية, وفي الوقت الذي كان يبتسم للحياة وينتظر تحقيق الطموح توقف كل شيء, ليغتاله المرض غير المعروف.
وغير "سالم" و"ريم" ثمة 8 حالات أخرى.
ما يقارب الـ100 إصابة تم رصدها
مدير مكتب الصحة بالمديرية الدكتور مرشد الجبري, قال إن مكتبه شكل لجنة من المديرية للنزول للمناطق التي حدثت فيها حالات الوفاة, وتم النزول إلى مناطق "الملحة" و"حبيل حنش" لأخذ عينة عن المرض, وشكلت اللجنة من مسئول الترصد ومسئول التثقيف الصحي في المديرية.
ورصدت اللجنة 32 حالة مصابة بالمرض في منطقة "الوعار شعب القبة ", و30 حالة في منطقة "الملحة", و30 حالة في منطقة "حبيل حنش", وكل الحالات التي تم رصدها كانت مصابة بإسهالات متوسطة, حسب الجبري.
لكن الأمر أدى إلى ضرورة نزول لجنة من مكتب الصحة بمحافظة لحج, وتشكلت برئاسة مديرة الترصد الوبائي بالمحافظة الدكتورة مها عبادي, وعضوية مدير مكتب الصحة بمديرية المسيمير مرشد الجبري, ومسئول الترصد الوبائي في المديرية قحطان محمد صالح, إضافة إلى أحمد محمد عبده- منسق التثقيف الصحي.
يقول الجبري نقلا عن الدكتورة مها عبادي: وجدنا حالات مصابة بإسهالات متوسطة نتيجة تلوث مياه الشرب بمياه السيول, مضيفا أن اللجنة قامت بتشخيص الحالات المصابة, وتوعية الأهالي, إضافة إلى صرف علاجات على حساب مكتب الصحة بالمديرية.
وشملت حالات الوفاة مختلف الأعمار في مناطق عقان, سُقامي, الملحة, حبيل حنش, إضافة إلى المسيمير العاصمة.
وإذا كانت الجهات المعنية قد أخفقت في تسمية المرض ومعرفته, فالأسباب التي توصلت إليها, وهي إصابة ينابيع مياه الشرب بالتلوث؛ نتيجة لاختلاطها بمياه السيول, ستؤدي إلى ضحايا أكثر خصوصا والكل يشرب من هذه المياه, وبما أن الأمر كذلك فالمرض في طريقه إلى حصد أرواح أخرى, في حين لا يزال القلق يطرق حياة المواطنين, ما لم يتم تدارك الأمر والإفصاح عن معلومات أكثر تتعلق بالمرض.
ولم يكن هذا فحسب, فالأهالي هناك يتحدثون أيضا عن ظهور تقرحات جلدية على الأغنام تؤدي في بعض الأحيان إلى وفاتها, مع أن الخوف الأكبر, طبقا لـ"مرشد الجبري" أن تنتقل عدوى المرض إلى الإنسان.
|