صنعاء نيوز/ د. عادل شجاع - تعليم الملازم في الأماكن المغلقة
لم يكن يدور في خلد جماعة الحوثي أنها ستسيطر على السلطة أو الاقتراب منها. كانت تتحرك للضغط على هادي لإشراكها في السلطة فحسب. كان المخرج ذكيا حينما رمى لها الطعم وسهل لها ابتلاع السلطة لتبتلع الطعم. كان هناك تهيئة دولية لتمكين الجماعة من ابتلاع السلطة دون القدرة على هضمها. استمرت السفارات الأجنبية تعمل حتى بعد دخول الحوثيين إلى صنعاء. وفي حديث للسفير الروسي قال أنه كلما كان يسأل الرئيس هادي عن الوضع كان يقول له إن الوضع تحت السيطرة. ما يهمنا هنا أن جماعة الحوثي لم تستفد من هذه الفرصة لتقدم نفسها كجماعة وطنية تقبل بالآخر وتتعايش معه. فقد ذهبت إلى تدمير مؤسسات الدولة التي يفترض أن بقاءها هو حماية لهذه الجماعة من غول الفوضى. بطبيعة الحال فاقد الشيء لا يعطيه. ماذا نتوقع من جماعة عاشت ستة حروب جسدت لديها فكرة المظلومية وروح الانتقام وأغلق عليها باب المعرفة لتنظر للعالم كله من ثقب ملازم حسين بدر الدين. هذه الملازم قتلت مساحة الاجتهاد السياسي والاقتصادي والاجتماعي وشيأت الفرد إلى حد اعتباره لاشيء بذاته أمام سيده. ونتيجة لما سبق انطلق أفراد هذه الجماعة من موقف معادي مسبق من الآخرين حد كراهيتهم واستئصالهم. وبسبب هذا الوعي تعيش هذه الجماعة بوجهين: وجه تتعامل به في الكهف، تحت الأرض في العمل السري القائم على تعليم الملازم. ووجه تتعامل به مع السطح بوصفها تعمل دفاعا عن السيادة ولا ضير عندها أن تحرمك من قدسية الحياة المتمثلة براتبك. هذه الثنائية تنطبق على أفرادها الذين يزعمون أنهم يعملون من أجلك. حيث يحمل الشخص اسم عند أهله وأقربائه ويظهر في الحياة باسم مستعار لا تعرف له أبا إذ هو الأب. بعد أن كانت هذه الجماعة قد تجاوزت كل القوى السياسية وكسبت تعاطف الناس معها لأن اليمني بطبعه يبحث عن التغيير وعمن ينصفه ويحرره من الظلم الواقع عليه إلا أنها سرعان ما غادرت قلوب الناس وعقولهم. ولا أبالغ إذا قلت إن هذه الجماعة أتيحت لها الفرصة مرتين: الأولى حين وقعت وثيقة السلم والشراكة فاستدرجت إلى الانقلاب وأضاعت فرصة بقائها إلى جانب القوى الأخرى. والثانية حين تحالف معها المؤتمر الشعبي العام لينقذها من لحظة الاختناق التي وضعت نفسها فيها على المستوى الداخلي والخارجي. لم تستفد من ذلك وسرعان ما أظهرت حقيقة تكوينها المغلق. فهي تنطلق من مواقف نهائية مسبقة من كراهية الآخرين. كما قلت تعاملت مع السلطة بشهية وتوحد فاقت كل الحدود لتهدم بذلك أسس بقائها في الظروف الطبيعية وأسس الدولة. نحن نلاحظ أنها انقلبت حتى على شريكها المؤتمر الذي قدم لها طوق النجاة ليبعد عنها فكرة الانقلاب والفكر المليشاوي لكنها راحت تفرض عليه فكرها في وزارات هي من حصته كالتعليم العالي والنفط والصحة والأوقاف بينما المؤتمر لا يفعل ذلك في الوزارات التي هي من حصتها. كشفت نفسها إلى حد التعرية الكاملة. من الطبيعي لجماعة أن تتعامل مع ملازم في مواجهة المعرفة أن تعتبر نفسها أنها تقف دائما عند محور الأرض والدنيا تدور حولها، كل شيء يتحرك بالنسبة لها أو يقف لها وحدها، لأنها هي المركز الحقيقي. هي اليمن كما ينبغي لليمن أن يكون، إنها متسامحة مادام ذلك يستمد معناه من وجودها في مركز الأرض، يموت أفرادها من أجل الوطن لكنهم يسطون على حقوق الآخرين بضمير مرتاح. مقاسهم الوحيد لإيجاد الخطأ من الصواب أن الصواب هو ما وجد في هذه الملازم. والخطأ هو ما يقوله الآخرون. لو أن هذه الجماعة استفادت من شخصيات وقامات سياسية محسوبة على الهاشميين إذا سلمنا بالتقسيم الأسري فهؤلاء لهم تجربتهم السياسية والإدارية كونهم كانوا ضمن استثمار الدولة لكل أبنائها في المرحلة الماضية.كان بإمكان هؤلاء أن يراكموا الخبرات المعرفية والسياسية والإدارية لدى الجماعة. ولربما تفاعلوا مع الواقع في أفق مفتوح. أخيرا أهمس في وجه العقلاء داخل هذه الجماعة عليكم أن تؤسسوا لسلام وتدعون إليه لأن القادم سيكون أسوأ من محاكم التفتيش في الأندلس. الواقع الراهن يزداد انقساما ويزداد كراهية وحقدا. علينا أن نعيش في قلب اللحظة الراهنة لنتفاعل مع المستقبل ونطوي صفحة الماضي. |