صنعاء نيوز/ الدكتور عادل عامر - أن قانون الخدمة المدنية الجديد يعد أحد أهم محاور خطة الإصلاح الإداري والهادفة إلى إيجاد جهاز إداري كفء وفعال يتسم بالشفافية والعدالة ويخضع للمساءلة - حيث أنه يمثل قاطرة للنهوض بالدولة ككل لان القانون الجديد يهدف أيضًا إلى إحداث نقلة كبيرة في آليات عمل الجهاز الإداري، فضلاً عن وضعه حدًا للفساد والمشاكل الإدارية، والارتقاء بمستوى جودة الخدمات المقدمة للمواطنين
وتحقيق العدالة بين جميع العاملين من خلال ربط الحافز بحجم الإنتاج. أن فلسفة قانون الخدمة المدنية تقوم على العناية والاهتمام باعتبارات الجدارة والكفاءة والتميز، فتحرر العمل الحكومي من فكرة الديمومة أن الخدمة المدنية تحتاج إلى هيئة إدارية ذات خبرة وممارسة عميقتين لخطورة المسئوليات التي تقوم بها، ولذا يجب أن يعتمد على أعضاء الخدمة ذاتها، ودون إغفال أهمية تغذية الخدمة من آن لآخر ببعض "الدماء" الجديدة.
إن الخدمة المدنية والتي تضم منفذي السياسة العامة تحتاج إلى هيئة مهنية بعيدة عن الخوف من ضغوط رجل الحكم وجماعات الضغط على السواء، وتكون واثقة من حقها في إبداء الرأي وخدمة المواطنين جميعاً بموضوعية، لذا يجب تأمين العاملين فيها وإشعارهم بالطمأنينة.
ويضع هذا طابعاً مميزاً للعمل في الخدمة المدنية ،إذ يخضع العمل لمجموعة من القوانين العامة التي عادة ما تؤكد بعض القواعد الهامة مثل: ضمانات الموظفين، أسلوب التعيين والترقية والنقل وحقوق المعاشات والضمانات الاجتماعية والتزامات الموظف العام... الخ. وعادة يتم تقنين هذه القواعد وتطبيق أحكامها على جميع العاملين في كافة منظمات الجهاز الإداري. وتنظم هذه العملية تحت إشراف مجلس أو هيئة للخدمة المدنية وتكون بمثابة "إدارة الأفراد" المركزية للجهاز الإداري.
وترتبط شئون الخدمة المدنية كذلك ارتباطاً وثيقاً بالميزانية العامة للدولة، فتكوين الوظائف العامة هو عنصر هام من عناصر الميزانية التي تمثل قيداً على تنظيم الخدمة المدنية.
( نزاهة وشفافية إجراءات التعيين والترقي ) ولهذا نص القانون على أن يكون شغل الوظائف بمسابقة مركزية يُعلنها وينفُذها الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة، ويُشرف عليها الوزير المختص بالخدمة المدنية، وتتم المفاضلة بحسب الأسبقية في الترتيب النهائي لنتيجة الامتحان، وعند التساوي يقدم الأكبر في مرتبة الحصول على المؤهل المطلوب لشغل الوظيفة ثم الدرجة الأعلى في ذات المرتبة ثم الأعلى مؤهلا. لان القانون ادخل تغييرات ملحوظة في نظام الرقابة والمساءلة كأحد أهم دعائم الحوكمة، وذلك من خلال وضع نظام محكم لتقويم الأداء بإجراءات تكفل الحيادية والدقة في القياس ( المادة ٢٤: عدم جواز عمل الموظف تحت الرئاسة المباشرة لأحد أقاربه من الدرجة الأولى، الباب الثالث: تقويم الأداء: المادة ٢٥، والباب السابع: السلوك التوظيفي والتأديب ). كما تناول القانون مسألة الحياد السياسي للموظف العام ( الباب السابع: السلوك الوظيفي والتأديب: المادة ٥٧: يحظر على الموظف مباشرة الأعمال التي تتنافى مع الحيدة والتجرد والالتزام الوظيفي إثناء ساعات العمل الرسمية أو بمناسبة تأديته لهذا العمل مثل المساهمات لصالح أحزاب سياسية أو نشر الدعاية والترويج لها).
أن الخدمة المدنية ترتبط بالسياسة العامة بصورة أو بأخرى، ففي بعض النظم يكون من الضروري حياد "الموظف" في النواحي السياسية، بينما في نظم أخرى يكون العكس هو المطلوب، أي الالتزام السياسي للموظف العام. · ففي النظم الحزبية يكون من غير المسموح به أن يظهر الموظف العام أي ميول أو "تحزب" في أعماله الرسمية وتقوم الافتراضات في هذا النظام على أساس إمكان حيادية الموظف على الأقل رسمياً .
بينما في النظم السياسية المواجهة يكون اقتناع الموظف العام بالسياسة الحاكمة وبأهدافها وتعاطفه معها شرطاً ضرورياً لتبوء الوظائف العامة خصوصاً في المراكز القيادية ومراكز الاحتكاك بالجماهير وفي الدول التي لا تأخذ بنظام الأحزاب وتقودها جماعات "وطنية" لها أهداف محددة في التنمية تصبح عملية "الولاء السياسي" عملية لازمة حتى تضمن القيادة العليا (الثورية) تمشي الإدارة العليا مع أهدافها "الوطنية" الهادفة إلى إحداث تغييرات جذرية في النظام القائم وبالتالي لا تعد الكفاءة وحدها كافية، إذ لا بد أن يكون معها جنباً إلى جنب اقتناع كافٍ بالتغييرات التي تهدف إليها القيادة العليا الجديدة.
أن القانون يتضمن معايير للتميز المؤسسي والاختبارات الخاصة بالتعيينات لمنع ممارسات الواسطة والمحسوبية، ووجود بنوك للأسئلة بالكمبيوتر دون تدخل بشري.
إن كل الجهات المخاطبة بهذا القانون عليها تحديد دورات العمل وتقديم كل خدماتها من خلال الإنترنت بالتالي الفصل بين مقدم الخدمة ومتلقيها. لان التميز المؤسسي هو الهدف الأسمى الذي تسعي إليه الحكومة وجميع المؤسسات، أَن المؤسساتية هي العامل الحاسم في جهود التنمية بشكل عام.لذلك تأتي أهمية قانون الخدمة المدنية المصري الجديد والذي وافق عليه مجلس النواب المصري مؤخرا لتمثل هذه الموافقة إصرار الحكومة والدولة المصرية على خريطة الطريق وخطة الإصلاح الإداري وهو نهج كامل لإعادة بناء جهاز إداري حديث ومتطور. أن القانون الجديد يتضمن اختبارات تعيين تمنع أي ممارسات تشوبها الواسطة والمحسوبية ومبنية على الكفاءات فقط.
وانطلاقاً من هذه الرؤية، فإن الاهتمام ينصب على مدى فاعلية قوانين وأنظمة الخدمة المدنية والوظيفة العامة في تعزيز التميز المؤسسي وما يتطلبه ذلك من شفافية ونزاهة، ومحاسبة ومساءلة..... الخ ، ومدى إسهامها في تعزيز الأداء الفاعل والإنتاجية المأمولة بما يحقق الأهداف المرجوة من الجهاز التنفيذي وذلك من خلال تطبيق الأدوار الحديثة لإدارات الموارد البشرية، والنظم الحديثة في تقويم وقياس أداء الموظفين، والتي تنعكس بدورها على الارتقاء بمستوى أدائهم، وجودة الخدمات المقدمة للمواطنين وتحقيق رضا المستفيدين من جانب، وتعزيز دور الأجهزة الرقابية في مكافحة الفساد، وتوفير بيئة جاذبة للاستثمار من جانب آخر.
كانت الوظيفة العامة فيما مضي تتسم بطابع السلطة والمظهر وغالباً لا يخصص لمن يشغلها مرتبات فهي مقصورة على إفراد الأسرة المرتبطة بالأسرة الحاكمة ومع النمو الكبير في دور الدولة , واتساع حجم التنظيمات الحكومية وتعددها وانتشار الأفكار الديمقراطية أصبحت الوظيفة العامة تتسم بطابع الخدمة العامة
ولم تقتصر على فئة معينة من المجتمع ولكن حقاً لكل المواطنين على أساس أن شغلها يعتبر مظهر من مظاهر ممارسة الحقوق السياسية وهو حق للجميع في المجتمع على أساس المساواة ولزوماً على شاغلها التفرغ لأعباء الوظيفة التي يشغلها لكي يصبح قادراً على تحسين الخدمة التي يقدمها للمواطنين. وبعد ما أصبحت الوظيفة العامة حقاً لجميع المواطنين فمن الضروري تخصيص أجور ومرتبات للوظائف العامة, وتختلف الأجور باختلاف الهيكل التنظيمي والمؤهلات الخاصة والمهارات الواجب توافرها في شاغلي الوظيفة العامة
فهو يقوم بحصر الإصلاح الإداري في الاتجاه الإداري فقط، فقد عرفوه بأنه "جهود مصممة خصيصا لإحداث تغييرات أساسية في أنظمة الإدارة العامة من خلال إصلاحات تنظيمية واسعة أو على الأقل من خلال إجراءات أو ضوابط تسعى لتحسين واحد أو أكثر من هذه الأنظمة والهياكل التنظيمية أو شؤون العاملين".فمن خلال هذه الاتجاهات المختلفة في تبني عملية الإصلاح الإداري ومحاولة الوقوف على تعريفه هل نستطيع الانحياز إلى احد الاتجاهات على حساب الأخر.
وبذلك نرى أن الإصلاح الإداري لا يقتصر فقط على العملية الإدارية الفنية وإنما يشمل التأثيرات المتبادلة مع البيئة الكلية وعلاقاتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وبهذا يتجاوز الفهم الجزئي للإدارة والمتمثل في إصلاحات هيكلية أو تحديث أجهزة وأنظمة محددة كما هو الحال في المفاهيم الأخرى وهذه النظرة تنقل الإصلاح من مجرد عملية نقل لصور إدارية وأدوات حديثة تقنية كما هو الحال في مفهوم التحديث الإداري إلى خلق روح الابتكار والإبداع التنظيمي والاهتمام بجوانب الإنتاجية والانجاز في ظروف البيئة المحيطة. |