صنعاء نيوز/ بقلم: هداية شمعون(*) -
اعتبر الكثيرون أن هنالك ازديادا في الجرائم المرتكبة في قطاع غزة وبدا الأمر وكأن هنالك مؤامرة تحاك أو هنالك من ينظم لسلسة جرائم بشكل مقصود وزادت الشائعات والتداول غير الصحيح للمعلومات، بالإضافة إلى التماهي في الحالة حتى بات الجميع ينتظر كل صباح خبرا جديدا يعززه الأزمة النفسية وانهيار منظومة الأمان بمفهومة الواسع والكبير...!! بل تخطى بعضهم الأمر وبات يتندر واتخذ من الهزل والسخرية سبيلا للتخفيف والترويح عن النفس من كل الإحباط الذي يحيط به فأخذت الأمور بشكل غير ممنهج في الخروج عن السيطرة على الأقل في عالم السوشيال ميديا، وللأسف تأثر البعض الصحفي بالذوبان والتماهي في الحالة...!!
بالتأكيد الرحمة والغفران للضحايا اللواتي والذين رحلوا وهذا ليس أبشع ما حدث على ما يبدو، فقد حدثت جرائم القتل وهي ليست جديدة، ولكنها الأكثر انتشارا ربما لأنها حدثت في هذا الوقت بالذات، وربطها بأسباب قد لا يكون لها أي صحة أو دقة، لكننا -ومن واقع تجربتي الاعلامية والبحثية في قضايا النساء- رصدنا ما هو أبشع مع ذلك، وحين كنا نناقشه مع المحيط الاعلامي والمجتمعي تجد الكثيرين الذي رفضوا في حينه الاقتناع بأن هنالك جرائم ضد النساء سواء قتل الروح أو الجسد، أو كل مستويات العنف النفسية والجسدية والاجتماعية والاقتصادية، لقد قوبلنا كثيرا بالإنكار من طرف المجتمع واتهامنا بالمبالغة والادعاء!! .. حالات الانتحار التي كانت تسجل بينما هي جرائم قتل، الحرمان من الميراث وكافة الاجرام الذي كان يمارس ضد الفتيات الأمر الذي كان يصل لقتلهن بداعي الشرف أو حرمانهن من الزواج، وتكوين عائلة خشية على ميراث العائلة، الاعتداءات الجسدية والجنسية وسفاح القربى وكله مسكوت عنه في حينه فالبيوت أسرار.!! لكن الآن بوجود كل التكنولوجيا الحديثة ووسائل التواصل الاجتماعي والوصول إلى منابر اعلامية يسمع منه صوت الضحايا فلم يعد المجتمع قادرا على انكاره، بل أيضا افتضح أمره بكل العقلية الذكورية المتأصلة فيه والتي تجدها فيما يتعلق بالنساء تعكس أفكاره وحكمه وقبليته تجاههن، فجرائم القتل الأخيرة التي حدثت في قطاع غزة أظهرت القتلة الجدد على حقيقتهم، فخلف الكيبوردات انتهك المئات أعراض النساء المقتولات بكلماتهم وتلميحاتهم وغبائهم، إنهم قتلة ولازالت أيديهم على الزناد مستعدة للنيل من أي امرأة أو فتاة!! رغم أنهم لا يعرفون شيئا وليسوا بمحققين وليسوا باستقصائيين وليسوا بقضاة ولا حكام إنهم للأسف يحاكمون الاناث اللواتي في عقليتهم الذهنية والصورة النمطية التي لها السيطرة والغلبة.
فحين تحدث جريمة قتل وتكون الضحية امرأة تجد ألسنة وكلمات الناس تردد كل ما هو -أقل ما يوصف- سلاح آخر لقتل آخر عدة مرات دون علم أو حكمة أو معرفة وتجد تبرئة القاتل دوما بينما الضحية هي كونها امرأة فدوما مخطئة.
إن لغة الشارع ومستوى النقاش والحوار المفقود وعباءة الرجل الشرقي بشرفه هو والعجز المطلق في أي تأثير أو تغيير سياسي أو اجتماعي أو اقتصادي، إنهم يجدون في المرأة دوما بغيتهم وشكل من أشكال التغني برجولتهم المفقودة فيقتلون باسم الرجولة ويقذفون النساء باسم الشرف ويلوكون حياة النساء كأنما ورقة خريف يكسرون كل ما فيها، ولا يفكرون فحسب بل يتداولون الملوثات العقلية في أدمغتهم بكتابتها على صفحاتهم الفيسبوكية ويدعون التحضر والتقدمية في آن معا.!! لو قمنا كمتخصصين اعلاميين نفسيين بتحليل كل ما كتب ونشر حول الجرائم في الفترة الأخيرة بغزة-على سبيل المثال- سنجد المجتمع على حقيقته كاشفا كل أوراقه، بعيدا عن التغني بشعارات العدالة والحرية والعدالة الاجتماعية، بكل بساطة يعلمك عما يفكر وعما يعتقد وعما يسمح أو يمنع وبقليل من التحليل تجد من يتسلح بالمدرسة الدينية ويسند كل شيء للدين سواء بفهم أو بدون فهم، وبعضهم يتسلح بمدرسة العادات والتقاليد والتنشئة الاجتماعية التي لن تتغير أبدا ويستعين بها وقتما يحلو له ويقذفها وقتما لا تعجبه!! وبعضهم يتسلح بمدرسة المؤامرة بإسقاط السلطة أو الحكومة ويساهم بوعي أو بدون وعي في تسييس القضايا المجتمعية مساهما بمزيد من الخبث بانهيار خط الدفاع الأول وهو الأسرة الفلسطينية...!!
لقد قتلنا بأزمة الأخلاق التي بتنا نعيش كافة آثارها، وفي كل مرة تسقط ضحية من النساء لتفتح بابا للنقاش على أوسع المستويات، يقول الفيلسوف كارل بوبر" أن المنظومة المعرفية تسقط إذا سقطت المنظومة الأخلاقية" نعم الأخلاق دوما الإطار الحامي ومسار الأمان للمجتمع.
إن حرية التعبير والنشر ليست مطلقة بلا قيود، هي فضاء واسع للمعرفة والمعلومات وتوسيع الأفق وتبادل الآراء والمعارف والتجارب، ولكنها في إطار تحكمه المسؤولية الاجتماعية التي تنظم التوازن ما بين الحق في إبداء الرأي وعدم تجاوز الحقائق، الحق في النشر ومراعاة الأصول المهنية والأدبية والأخلاقية للنشر، الحق في النشر وعدم انتهاك خصوصية الآخرين وإلا أصبحنا قتلة في حق أحدنا الآخر، علينا أن نضع أنفسنا أمام مسؤولياتنا فالكلمات قد تكون خناجر وسكاكين تقتل حياة الكثيرين بينما نظن أنها ليست إلا كلمات، إن صحافة المواطن وقدرته على النشر لا يعفيه من طائلة المساءلة المجتمعية والأخلاقية، والأمر مضاعف إذا كان الناشر اعلامي..
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*) كاتبة وإعلامية فلسطينية تقيم في غزة |